الاعذار الواهية للفرار من الحرب











الاعذار الواهية للفرار من الحرب



لقد رأينا من خلال تصفّح التاريخ الکثير من الحوادث الّتي تدلّ علي تزوير الحقائق وترک الواجبات المهمّة عبر طرح اُمور جزئيّة غير مهمّة للتخلّص اللّامشروع من الواجب الأصلي، فعلي سبيل المثال: أنّ الصيام واجب بأمر اللَّه سبحانه وتعالي، أمّا الذين يريدون القعود عن الجهاد فإنّهم يقولون: إنّ الصيام واجب، وإنّ أبواب الرحمة الإلهيّة تتفتّح في هذا الشهر المبارک، ولا بدّ من إحياء ليلة القدر، ولا يمکن ترک إحيائها لأجل الهاد.

وتلاحظ مثل هذه الأعذار الواهية في غزوة تبوک، فعندما جمع الرسول صلي الله عليه و آله المسلمين لقتال الروم قال البعض ممّن لم يرغبوا في الجهاد: يا رسول اللَّه، نحن لن نذهب إلي تبوک، وإنّ قلوبنا لا تتحمّل النظر إلي استرقاق جواري الروم البيض، وقد نهمّ بهنّ فنذنب، فاعفنا في أمر الجهاد؟ وقد غضب النبيّ لهذا الاستدلال غير المنطقي، ولم يفکّر حتّي في إجابتهم، ورضي بعدم التحاقهم بجيش المسلمين لئلّا يثبِّطوا من عزائم الباقين.

في (السيرة الحلبيّة) قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله للجد بن قيس: يا جد، هل لک في جلاد بني الأصفر؟»، قال: يا رسول اللَّه، أوتَأذن لي في التخلّف ولا تَفتنِّي، فواللَّه لقد عرف قومي أنّه ما مِن رجلٍ أشدّ عجباً بالنساء منّي، وإنّي أخشي إن رأيتُ نساء بني الأصفر أن لا أصبر؟ فأعرض عنه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وقال: «قد أذنت لک»، فأنزل اللَّه تعالي: «وَمِنْهُم مَن يَقُولُ ائْذَن لِي وَلَا تَفْتِنِّي»[1] الآية.

وفي حديث آخر: قال صلي الله عليه و آله له: «واللَّه ما يمنعک إلّا النفاق»، فقال قوم من المنافقين: إئذن لنا ولا تفتنّا، فأنزل اللَّه تعالي الآية: «أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا»[2] يعني الّتي هي التخلّف عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله والرغبة عنه.

وقال بعض المنافقين لبعض: لا تنفروا في الحرّ، فأنزل اللَّه تعالي: «قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ کَانُوا يَفْقَهُونَ»[3] «وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ»[4] وهم الضعفاء والمقلّون من الأعراب، «لِيُؤْذَنَ لَهُمْ»[5] في التخلّف، فأذن لهم وکانوا اثنين وثمانين رجلاً، وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علّة، جرأة علي اللَّه ورسوله، وقد عناهم اللَّه تعالي بقوله: «وَقَعَدَ الَّذِينَ کَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ»[6] وتخلّف جمع من المسلمين، منهم: کعب بن مالک، وهلال بن اُميّة، ومرارة بن الربيع من غير عذر، وکانوا ممّن لا يتّهم في إسلامه، ولمّا خلّف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً أرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلّفه إلّا استثقالاً له، وحين قيل فيه ذلک، أخذ عليّ عليه السلام سلاحه ثمّ خرج حتّي لحق برسول اللَّه صلي الله عليه و آله وهو نازل فيه ذلک، أخذ عليّ عليه السلام سلاحه ثمّ خرج حتّي لحق برسول اللَّه صلي الله عليه و آله وهو نازل بالجرف فقال: «يا نبيّ اللَّه، زعم المنافقون أنّک ما خلفتني إلّا استثقلتني وتخفّفت منّي»، فقال: «کذبوا، ولکنّي خلّفتک لما ترکت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلک، أفلا ترضي يا عليّ أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» - الحديث.[7] .

ولنتعرّض لما يناسب موضوع هذا الفصل، ومن أراد تفاصيل غزوة تبوک فليطلبها من مظانّها.







  1. سورة التوبة: 49.
  2. سورة التوبة: 49.
  3. سورة التوبة: 81.
  4. سورة التوبة:90.
  5. سورة التوبة: 90.
  6. سورة التوبة: 90.
  7. اقتباس من السيرة الحلبيّة بهامشه السيرة النبويّة 32:3.