فتح مكّة شرّفها اللَّه تعالي











فتح مکّة شرّفها اللَّه تعالي



کان فتح مکّة في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة، وبه توطّد أمر الإسلام، ورست قواعد الدين بما منّ اللَّه سبحانه علي نبيّه فيها، وکان الوعد بها قد تقدّم في قوله تعالي: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ × وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً»[1] وقوله تعالي: «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَکُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ» الآية[2] وکانت الأعين إلي مکّة ممتدّة والرقاب متطاولة.[3] .

قال الحلبي في سيرته (ما ملخّصه): وکان السبب في ذلک أنّه لمّا کان صلح الحديبيّة بين رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وبين قريش (في ذي القعدة سنة ستّ من الهجرة عشر سنين)، وکان في الصلح أنّ من أحبّ أن يدخل في عقد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وعهده فليدخل، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه، فدخلت بنو بکر في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وکان قبل ذلک في الجاهلية بينهما ثار ودماء، فلمّا کانت الهدنة والصلح وترک القتال في الحديبيّة، اغتنمها بنو بکر، أي طائفة منهم يقال لهم: بنو نفائة. ثمّ روي عن الامتاع والکامل لابن الأثير: وسببها أنّ شخصاً من بني بکر هجا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وصار يتغنّي به، فسمعه غلام من خزاعة فضربه فشجّه، فثار الشرّ بين الطائفتين (خزاعة وبني بکر) ممّا کان بينهم من العداوة، فطلب بن ونفائة (من بني بکر) من أشراف قريش أن يعينوهم بالرجال والسلاح علي خزاعة؟ فأمدّوهم بذلک فبيّتوا[4] خزاعة وهم آمنون علي ماء يقال له: الوتير، فقتلوا منهم عشرين أو ثلاثة وعشرين، وقاتل معهم جمع من قريش مستخفياً ولا زالوا بهم إلي أن أدخلوهم دار بديل بن ورقاء الخزاعي بمکّة، وظنّوا أنّهم لم يعرفوا، وأنّ هذا لا يبلغ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[5] .







  1. سورة النصر: 1 و 2.
  2. سورة الفتح: 27.
  3. الإرشاد: 116، الفصل 32، الباب 2.
  4. بيّته: جاءه ليلاً بغتة.
  5. السيرة الحلبيّة بهامشه السيرة النبويّة 70:3، وراجع الکامل في التاريخ 609:1.