كان عليّ فيها صاحب الراية، وكان الفتح علي يديه











کان عليّ فيها صاحب الراية، وکان الفتح علي يديه



روي العامّة والخاصّة کلّهم علي أنّ عليّاً عليه السلام کان صاحب الراية في غزوة خيبر، وکان الفتح علي يديه.

قال المفيد: وکان الفتح فيها لأمير المؤمنين عليه السلام بلا ارتياب، وظهر من فضله في هذه الغزاة ما أجمع علي نقله الرواة، وتفرّد فيها من المناقب بما لم يشرکه فيها أحد من النّاس.[1] .

وحيث إنّ في نقل کلماتهم، العامّة والخاصّة فائدة کثيرة، نتعرّض لذکر بعضها:

1- نقل ابن الجوزي الحنفي عن (مسند أحمد) بسنده عن مصعب بن سعد، وعن البخاري ومسلم في (الصحيحين)، عن سهل بن سعد، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم خيبر: «لأعطينّ الراية - أو هذه الراية - غداً رجلاً يحبّ اللَّه ورسوله، ويحبّه اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه علي يديه»، فبات النّاس يدوکون[2] ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا أصبحوا غدوا علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يرجو کلّ أن يعطاها، فقال: «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقيل: يا رسول اللَّه، هو أرمد، أو يشتکي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه»، فجاء فبصق في عينيه، ودعا له، فبرأ کأن لم يکن به وجع، فأعطاه الراية، فقال: «يا رسول اللَّه، علي ما اُقاتلهم؟»، فقال: «أنفذ علي رِسلک حتّي تنزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلي الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ اللَّه تعالي فيه، فوالّذي نفسي بيده، لئن يهدي بهداک - أو لئن يهدي اللَّه بهداک - رجلاً واحداً خير من أن يکون لک حمر النعم».[3] .

ثمّ قال ابن الجوزي: والمسلّم أنّ عمر بن الخطّاب قال في ذلک اليوم: ما أحببت الإمارة إلّا يومئذٍ، فتساورت[4] لها رجاء أن اُدعي لها، فدعا رسول اللَّه عليّاً، فدفعها إليه، وقال: «امش حتّي يفتح اللَّه عليک، ولا تلتفت»، فسار قليلاً ثمّ وقف ولم يلتفت عليه السلام، وصرخ: «يا رسول اللَّه، علي ماذا اُقاتلهم؟»، فقال صلي الله عليه و آله: «حتّي يشهدوا أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً رسول اللَّه، فإذا فعلوا ذلک فقد منعوا منک دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها، وحسابهم علي اللَّه».[5] .

2- و عنه ايضاً عن الفضائل لأحمد بن حنبل، بسنده عن عطية، عن ابن بريدة، قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بکر فلم يفتح له، ثمّ أخذه عمر من الغد فرجع ولم يفتح له، وأصاب النّاس شدّة وجهد، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إنّي دافع اللواء غداً إلي رجل يحبّه اللَّه ورسوله، لا يرجع حتّي يفتح اللَّه علي يديه»، قال: فبتنا طيبة أنفسنا أنّ الفتح غداً، فلمّا صلّي رسول اللَّه الفجر قام قائماً، فدعا اللواء والنّاس علي مصافّهم، ثمّ دعا عليّاً - الحديث.[6] .

3- وقال في (السيرة الحلبيّة): وفي رواية: أنّه صلي الله عليه و آله کان يعطي الراية کلّ يوم واحداً من أصحابه ويبعثه، فبعث أبا بکر فقاتل ورجع ولم يکن فتح وقد جهد، ثمّ بعث عمر بن الخطّاب من الغد برايته فقاتل ورجع ولم يکن فتح وقد جهد، ثمّ بعث رجلاً من الأنصار فقاتل ورجع ولم يکن فتح، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «لأعطينّ الراية غداً رجلاً يُحبُّ اللَّه ورسوله، يفتح اللَّه علي يديه، فليس بفرّار - وفي لفظ کرّارٍ غير فرّار -، فدعا عليّاً عليه السلام وهو أرمد، فتفل في عينيه ثمّ قال: «خذ هذه الراية فامض بها حتّي يفتح اللَّه عليک»، ودعا له ولمن معه بالنصر.[7] .

4- و فيه ايضاً: فخرج عليّ عليه السلام يهرول حتّي رکزها تحت الحصن، فاطّلع عليه يهودي من رأس الحصين، فقال: مَن أنت؟ قال: «عليّ بن أبي طالب»، قال اليهودي: علوتهم والتوراة الّتي أنزل اللَّه علي موسي. ثمّ خرج إليه أهل الحصن، وکان أوّل من خرج إليه الحارث أخو مرحب - وکان معروفاً بالشجاعة - فانکشف المسلمون ووثب عليّ عليه السلام عليه فتضاربا وتقاتلا، فقتله عليّ وانهزم اليهود إلي الحصن، ثمّ خرج إليه مرحب وقد لبس درعين، وتقلّد بسيفين، واعتمّ بعمامتين، ولبس فوقهما مغفراً وحجراً قد ثقبه قدر البيضة، ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان وهو يرتجز ويقول:


قد علمت خيبر أنّي مرحب
شاکي السلاح بطل مجرّب


إذا الحروب أقبلت تلهّب

فبرز له عليّ عليه السلام وهو يقول:


«أنا الّذي سمّتني اُمّي حيدرة
کليث غابات کريه المنظرة


اُکيلکم بالسيف کيل السندرة»

ثمّ حمل مرحب علي عليّ عليه السلام وضربه فطرح ترسه في يده، فتناول عليّ عليه السلام باباً کان عند الحصن فتترّس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتّي فتح اللَّه عليه الحصن، ثمّ ألقاه من يده وراء ظهره، وکان طول الباب ثمانين شبراً، ولم يحرّکه بعد ذلک سبعون رجلاً إلّا بعد جهد.[8] .

5- وفي (السيرة النبويّة): عن أبي رافع، قال: لقد رأيتني في سبعة نجهد علي أن نقلب ذلک الباب فلم نقدر.[9] .

6- وفي إرشاد المفيد: و لمّا قتل أميرالمؤمنين عليه السلام مرحباً، ورجع من کان معه، وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه، فصار أمير المؤمنين عليه السلام إليه فعالجه حتّي فتحه، وأکثر النّاس من جانب الخندق لم يعبروا معه، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام باب الحصن، فجعله علي الخندق جسراً لهم حتّي عبروا، وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم، فلمّا انصرفوا من الحصن أخذه أمير المؤمنين عليه السلام بيمناه، فدحا به أذرعاً من الأرض، وکان الباب يغلقه عشرون رجلاً منهم.[10] .

7- وفي (الإصابة) لابن حجر العسقلاني الشافعي، عن مسند أحمد بن حنبل، من حديث جابر، قال: إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله لمّا دفع الراية لعليّ عليه السلام يوم خيبر أسرع، فجعلوا يقولون أرفق، حتّي انتهي إلي الحصن فاجتذب بابه فألقاه علي الأرض، ثمّ اجتمع عليه سبعون رجلاً حتّي أعادوه.[11] .

ولمّا فتح أمير المؤمنين عليه السلام الحصن وقتل مرحباً، وأغنم اللَّه المسلمين أموالهم استأذن حسّان بن ثابت الأنصاري رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن يقول فيه شعراً، فقال له: «قل»، فأنشأ يقول:


وکان عليٌّ أرمدُ العين يَبتغَي
دَواءً فلمّا لم يُحسّ مُداوِيا


شفاهُ رسولُ اللَّه مِنه بِتفلةٍ
فَبُورک مَرقِيّاً وبُورِک راقيا


وقال سَاُعطي الراية اليومَ صارِماً
کَمِيّاً مُحبَّاً للرسولِ مُواليا


يُحبُّ إلهي والإلهُ يُحبُّه
به يُفتَحُ اللَّه الحصونَ الأَوابيا


فأصفي بها دونَ البَرِيَّةِ کلِّها
عليّاً وسمّاهُ الوزير المُؤاخيا[12] .


ثمّ لم يزل رسول اللَّه يفتح الحصون حصناً فحصناً، ويحوز الأموال حتّي انتهوا إلي حصن الوطيح والسُّلالم، وکان آخر حصون خيبر افتتح، وحاصرهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بضع عشر ليلة.[13] .







  1. الإرشاد 124: 1.
  2. الدوک: الاختلاط.
  3. وإنّما مثّل بحُمُرِ النِّعم؛ لأنّها من أعزّ أموال العرب، وتجد هذا الحديث أيضاً في السيرة النبويّة لأحمد زيني دحلان 198:2، وفرائد السمطين 253:1، ح 196.
  4. فتساورت: أي تطلّعت.
  5. تذکرة الخواصّ، وراجع: صحيح البخاري بشرح الکرماني 98:16، ح 3935، وصحيح مسلم 121:7، طبع دار المعرفة - بيروت، وترجمة الإمام عليّ في تاريخ دمشق 166:1، ح 229، وقد راجعت صحيح البخاري (79:5) بتحقيق الشمائي الرفاعي، طبع دار العلم - بيروت، سنة 1407ه، مع الأسف أسقط المحقّق المذکور من الحديث قوله صلي الله عليه و آله: «يحبّ اللَّه ورسوله، ويحبّه اللَّه ورسوله»، و لعله ليس هذا إلّا بغضاً وعناداً وتعصّباً نعوذ باللَّه من و سبات العقل.
  6. تذکرة الخواصّ: 33.
  7. السيرة الحلبيّة بهامشه السيرة النبويّة 37:3، والسيرة النبويّة لأحمد زيني دحلان 200:2.
  8. السيرة الحلبيّة بهامشه السيرة النبويّة 83:3، وفي الإرشاد 126:1، وکشف الغمّة 285:1، والبحار 5:21، نحوه.
  9. السيرة النبويّة بهامش السيرة الحلبيّة 201:2، کشف الغمّة - باب المناقب 282:1.
  10. الارشاد 127: 1؛ بحارالانوار 16: 21.
  11. الإصابة في هامش الاستيعاب 502:2.
  12. الارشاد 128: 1، بحار الأنوار 5:21.
  13. المصدرين السابقين: 5.