امتياز عليّ في هذه الواقعة عن غيره











امتياز عليّ في هذه الواقعة عن غيره



قال الشيخ المفيد في (الإرشاد): فکان نظام تدبير هذه الغزاة معلّقاً بأمير المؤمنين عليه السلام، وکان ما جري فيها من البيعة وصفّ النّاس للحرب ثمّ الهدنة والکتاب کلّه لأمير المؤمنين عليه السلام، وکان فيما هيّأه اللَّه له من ذلک حقن الدماء وصلاح أمر الإسلام، وقد روي الناس له عليه السلام في هذه الغزاة بعد الّذي ذکرناه فضيلتين اختصّ بهما وانضافتا إلي فضائله العظام، ومناقبه الجسام.

ثمّ قال: فروي إبراهيم بن عمرو، عن رجاله، عن قائد مولي عبداللَّه بن سالم، قال: لمّا خرج رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في عُمرة الحديبية نزل الجحفة، فلم يجد بها ماءً، فبعث سعد بن مالک بالروايا حتّي إذا کان غير بعيد رجع سعد بالروايا وقال: يا رسول اللَّه، ما استطيع أن أمضي ولقد وقفت قدماي رعباً من القوم، فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: «اجلس»، ثمّ بعث رجلاً آخر فخرج بالروايا حتّي إذا کان بالمکان الّذي انتهي إليه الأوّل رجع، فقال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «لِمَ رجعت؟»، فقال: يا رسول اللَّه، والّذي بعثک بالحقّ نبيّاً، ما استطعتُ أن أمضي رعباً، فدعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أمير المؤمنين عليه السلام فأرسله بالروايا وخرج السقاة وهم لا يشکّون في رجوعه لمّا رأوا من رجوع من تقدّمه، فخرج عليّ بالروايا حتّي ورد الحرار واستقي، ثمّ أقبل بها إلي النبيّ صلي الله عليه و آله ولها زَجَل، فلمّا دخل کبّر النبيّ صلي الله عليه و آله ودعا له بخير.

ثمّ قال: وفي هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال له: يا محمّد، إن أرقّاءنا لحقوا بک فأرددهم علينا، فغضب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتّي تبيّن الغضب في وجهه، ثمّ قال: «لتنتهنّ يا معاشر قريش، أو ليبعثنّ اللَّه عليکم رجلاً امتحن اللَّه قلبه بالإيمان، يضرب رقابکم علي الدين»، فقال بعض من حضر: يا رسول اللَّه، أبو بکر ذلک الرجل؟ قال: «لا»، قيل: فعمر؟ قال: «لا، ولکنّه خاصف النعل في الحجرة»، فتبادر النّاس إلي الحجرة ينظرون مَن الرجل، فإذا هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

ثم قال: وقد روي هذا الحديث جماعة، عن عليّ عليه السلام، وقالوا فيه:[1] إنّ عليّاً قصّ هذه القصّة ثمّ قال: سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «مَن کَذَبَ عَليَّ متعمّداً فَلَيَتبَّوأ مَقعدَهُ مِن النّار»، وکان الّذي أصلحه أمير المؤمنين عليه السلام من نعل النبيّ شسعها[2] فإنّه کان قد انقطع فخصف موضعه وأصلحه.

ثمّ قال: وروي جابر بن يزيد، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، عن أبيه عليهم السلام، قال: «انقطع شسع نعل النبيّ فدفعها إلي عليّ عليه السلام يصلحها، ثمّ مشي في نعل واحدة غلوة أو نحوها، وأقبل أصحابه وقال: «إنّ منکم من يقاتل علي التأويل کما قاتل معي علي التنزيل». فقال أبو بکر: أنا ذاک يا رسول اللَّه؟ فقال: «لا»، فقال عمر: فأنا يا رسول اللَّه؟ قال: «لا»، فأمسک القوم ونظر بعضهم إلي بعض. فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «لکنّه خاصف النعل - وأومأ بيده إلي عليّ بن أبي طالب - وإنّه يقاتل علي التأويل إذا تُرکتْ سنّتي، وَنُبِذَتْ وَحُرِّف کتاب اللَّه، وتکلّم في الدين من ليس له ذلک، فيقاتلهم عليّ علي إحياء دين اللَّه تعالي».[3] .

و روي الحاکم النيسابوري عن أبي سعيد، قال: کنّا مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فانقطعت نعله، فتخلّف عليّ يخصفها، فمشي قليلاً ثمّ قال: «إنّ منکم من يقاتل علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيله»، فاستشرف لها القوم، وفيهم أبو بکر وعمر، قال أبو بکر: أنا هو؟ قال: «لا»، قال عمر: أنا هو؟ قال: «لا، ولکن خاصف النعل - يعني عليّاً عليه السلام -» فأتيناه فبشّرناه، فلم يرفع به رأسه، کأنّه قد کان سمعه من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[4] .







  1. ينابيع المودّة: 59، عن الترمذي، وتاريخ بغداد 133:1، وکفاية الطالب: 96، وسنن الترمذي 297:5.
  2. الشسع: زمام النعل بين الاصبع الوسطي والّتي تليها.
  3. الإرشاد: 121:1 و في کشف الغمّة 280:1 بعض ما في الإرشاد.
  4. المستدرک للحاکم 122:3، وصحّحه علي شرط الشيخين و مسند أبي يعلي الموصلي 341:2، و مسند أحمد 82:3.