ما صالح عليه رسول اللَّه سهيل بن عمرو وكان الكاتب عليّاً











ما صالح عليه رسول اللَّه سهيل بن عمرو وکان الکاتب عليّاً



بعثت قريش سهيل بن عمرو - أخا عامر بن لؤي - إلي النبيّ صلي الله عليه و آله ليصالحه علي أن يرجع عنهم عامَه ذلک، فأقبل سهيل إلي النبيّ، فقال رسول اللَّه: «قد سهّل اللَّه عليکم أمرکم»، فأطال معه الکلام وتراجعا، ثمّ جري بينهم الصلح، فدعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب فقال: «اکتب يا عليّ»: بسم اللَّه الرحمن الرحيم

فقال: سهيل أمّا الرحمن، فواللَّه ما أدري ما هو لکن اکتب، باسمک اللّهمّ. فقال المسلمون: واللَّه لا نکتبها إلّا بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «اکتب باسمک اللّهم، هذا ما قاضي علي محمّد رسول اللَّه»، فقال سهيل: لو کنّا نعلم أنّک رسول اللَّه ما صددناک عن البيت، ولا قاتلناک، ولکن اکتب محمّد بن عبداللَّه. فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «إنّي لرسول اللَّه، وإن کذّبتموني»، ثمّ قال لعليّ: «امح رسول اللَّه»، فقال: «يا رسول اللَّه، إن يدي لا تنطلق بمحو اسمک من النبوّة»، فأخذه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فمحاه، وقال لعليّ: «لتبلين بمثلها».[1] .

ثمّ قال: «اکتب هذا ما قاضي عليه محمّد بن عبداللَّه سهيل بن عمرو، واصطلحا علي وضع الحرب عن النّاس عشر سنين، يأمن فيهنّ النّاس، ويکفّ بعضهم عن بعض، وعلي أنّه من قدم مکّة من أصحاب محمّد حاجّاً أو معتمراً أو يبتغي من فضل اللَّه فهو آمن علي دمه وماله، ومن قدم المدينة من قريش مجتازاً إلي مصر أو الشام فهو آمن علي دمه وماله، فإنّ بيننا عيبة مکفوفة وإنّه لا أسلال ولا أغلال، وإنّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل»، فتواثبت خزاعة، فقالوا: نحن في عقد محمّد وعهده، وتواثبت بنو خزاعة، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم.

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «علي أن يخلّوا بيننا وبين البيت فنطوف».

فقال سهيل: واللَّه ما تتحدّث العرب أنّا اُخذنا ضغطة، ولکن ذلک من العام المقبل، فکتب، فقال سهيل: علي أنّه لا يأتيک منّا رجل وإن کان علي دينک إلّا رددته إلينا، ومن جاءنا ممّن معک نردّه عليک.

فقال المسلمون: سبحان اللَّه، کيف يردّ إلي المشرکين وقد جاء مسلماً؟

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «من جاءهم منّا فأبعده اللَّه، ومن جاءنا منهم رددناه إليهم، فلو علم اللَّه الإسلام من قلبه جعل له مخرجاً».

فقال سهيل: وعلي أنّک ترجع عنّا عامک هذا، فلا تدخل علينا مکّة، فإذا کان عام قابل خرجنا عنها لک فدخلتها بأصحابک، فأقمت بها ثلاثاً، ولا تدخلها بالسلاح إلّا السيوف في القرب وسلاح الراکب، وعلي أنّ هذا الهدي حيث ما حبسناه محلّه لا تقدّمه علينا، فقال: «نحن نسوق وأنتم تردّون؟».

فبينا هم کذلک إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده، قد خرج من أسفل مکّة حتّي رمه بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا - يا محمّد - أوّل ما اُقاضيک عليه أن تردّه، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «إنّا لم نقض بالکتاب بعد».

قال: واللَّه إذن لا اُصالحک علي شي ء أبداً، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «فأجره لي»، قال: ما أنا بمجيره لک، قال: «بلي فافعل»، قال: ما أنا بفاعل، قال مکرز: بلي قد أجرناه.

قال أبو جندل بن سهيل: معاشر المسلمين، اُردّ إلي المشرکين وقد جئت مسلماً؟ ألا ترون ما قد لقيت؟[2] وکان قد عذّب عذاباً شديداً.

فقال عمر بن الخطّاب: واللَّه ما شککت منذ أسلمت إلّا يومئذٍ، فأتيت النبيّ فقلت: ألست نبيّ اللَّه؟! قال: «بلي»، قلت: ألسنا علي الحقّ، وعدوّنا علي الباطل؟! قال: «بلي»، قلت: فلِمَ نعطي الدنيّة في ديننا إذن؟ قال: «إنّي رسول اللَّه، ولست أعصيه، وهو ناصري»، قلت: أوَلست تحدّثنا أنّا سنأتي البيت ونطوف حقّاً؟! قال: «بلي، أفأخبرتک أنّا نأتيه العام؟»، قلت: لا قال: «فانّک تأتيه وتطوف به»، فنحر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بدنة ودعا بحالقه فحلق شعره.[3] .

وروي ابن الأثير: وشهد علي الصلح جماعة من المسلمين فيهم: أبو بکر، وعمر، وعبدالرحمن بن عوف وغيرهم، وجماعة من المشرکين - الحديث.[4] .







  1. الکامل في التاريخ 586:1.
  2. في السيرة الحلبيّة بهامشه السيرة النبويّة (22:3): فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإنّ اللَّه جاعل لک ولمن معک من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً وأعطيناهم علي ذلک وأعطونا عهد اللَّه أن لا نغدر بهم».
  3. راجع: الکامل في التاريخ 585:1، وتاريخ الطبري 281:2، وسيرة ابن هشام 331:3، وغير ذلک، ولفظ الحديث في المتن من البحار 320:20، وما بعدها إلي ص335.
  4. الکامل في التاريخ 586:1.