ما جري بينه وبين أصحابه في هذه الواقعة











ما جري بينه وبين أصحابه في هذه الواقعة



روي في (البحار) عن الزهري وعروة بن الزبير والمسوّر بن مخرمة قالوا: خرج رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتّي إذا کانوا بذي الحليفة قلّد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عيناً له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتّي إذا کان بغدير الأشطاط قريباً من عسفان أتاه عينه الخزاعي، فقال: إنّي ترکت کعب بن لؤي، وعامر بن لؤي قد جمعوا لک الأحابيش، وجمعوا لک جموعاً وهم قاتلوک أو مقاتلوک، وصادّوک عن البيت فقال: «روّحوا» فراحوا حتّي إذا کانوا ببعض الطريق قال النبيّ صلي الله عليه و آله: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم في خيل قريش طليعة، فخذوا ذات اليمين»، وسار صلي الله عليه و آله حتّي إذا کان بالثنيّة برکت راحلته فقال: «ما خلأت القصوي[1] ولکن حبسها حابس الفيل».

ثمّ قال: «واللَّه! لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات اللَّه إلّا أعطيتهم إيّاها»، ثمّ زجرها فوثبت به، قال: فعدل حتّي نزل بأقصي الحديبيّة علي ثمد قليل الماء، إنّما يتبرّضه النّاس تبرّضاً، فشکوا إليه العطش، فانتزع سهماً من کنانته، ثمّ أمرهم أن يجعلوه في الماء، فواللَّه! ما زال يجيش لهم بالريّ حتّي صدروا عنه، فبينما هم کذلک إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وکانوا عيبة نصح رسول اللَّه من أهل تهامة، فقال: إنّي ترکت کعب بن لؤي، وعامر بن لؤي ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوک، وصادّوک عن البيت.

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إنّا لم نجئ لقتال أحد ولکنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشاً قد نهکتهم الحرب وأضرّت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدّة، ويخلّوا بيني وبين النّاس، وإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا، وإلّا فقد جمّوا، وإن أبوا فوالّذي نفسي بيده لاُقاتلنّهم علي أمري هذا حتّي تنفرد سالفتي، أو لينفذنّ اللَّه تعالي أمره».

فقال بديل: ساُبلغهم ما تقول، فانطلق حتّي أتي قريشاً، فقال: إنّا قد جئناکم من عند هذا الرجل وإنّه يقول کذا وکذا، فقام عروة بن مسعود الثقفي، فقال: إنّه قد عرض عليکم خطّة رشد فاقبلوها ودعوني آته، فقالوا: ائته، فأتاه، فجعل يکلّم النبيّ صلي الله عليه و آله وقال له رسول اللَّه نحواً من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلک: أي محمّد، أرأيت استأصلت قومک، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله[2] قبلک؟ وإن تکن الاُخري فواللَّه إنّي لأري وجوهاً وأري أوباشاً[3] من الناس خليقاً أن يفرّوا ويدعوک، فقال له بو بکر: أمصص بظر اللّات، أنحن نفرّ عنه وندعه؟ فقال: مَن ذا؟ قالوا: أبو بکر، قال: أما والّذي نفسي بيده، لولا يد کانت لک عندي لم أجزک بها لأجبتک.

قال: وجعل يکلّم النبيّ صلي الله عليه و آله، وکلّما کلّمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم علي رأس النبيّ صلي الله عليه و آله ومعه السيف وعليه المغفر، فکلّما أهوي عروة بيده إلي لحية رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ضرب يده بنعل السيف، وقال: أخِّر يدک عن لحية رسول اللَّه قبل أن لا ترجع إليک، فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة بن شعبة، قال: أي غدر، أوَلست أسعي في غدرتک؟ قال: وکان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثمّ جاء فأسلم، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «أمّا الإسلام فقد قبلنا، وأمّا المال فإنّه مال غدر لا حاجة لنا فيه»، ثمّ إنّ عروة جعل يرمق صحابة النبيّ إذ أمرهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ابتدروا أمره، وإذا توضّأ ثاروا[4] يقتتلون علي وضوئه، وإذا تکلّموا أخفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له.

قال: فرجع عروة إلي أصحابه، وقال: أي قوم، واللَّه لقد وَفدتُ علي الملوک، ووَفدتُ علي قيصر وکسري والنجاشي، واللَّه إن رأيتُ ملکاً قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحابُ محمّدٍ محمّداً؛ إذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ کادوا يقتتلون علي وضوئه، وإذا تکلّموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له، وإنّه قد عرض عليکم خطّة رشد فاقبلوها.

فقال رجل من بني کنانة: دعوني آته، فقالوا: ائته، فلمّا أشرف عليهم قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «هذا فلان، وهو من قوم يعظّمون البدن فابعثوها»، فبعثت له واستقبله القوم يلبّون، فلمّا رأي ذلک، قال: سبحان اللَّه ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البي.

فقام رجل منهم، يقال له: مکرز بن حفص، فقال: دعوني آته، فقالوا: ائته، فلمّا أشرف عليهم، قال النبيّ صلي الله عليه و آله: «هذا مکرز، وهو رجل فاجر»، فجعل يکلّم النبيّ صلي الله عليه و آله، فبينا هو يکلّمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال صلي الله عليه و آله: «قد سهّل اللَّه عليکم أمرکم»، فقال: اکتب بيننا وبينک کتاباً، فدعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب فقال له: «اکتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم» - الحديث.[5] .







  1. القصوي: ناقة النبيّ صلي الله عليه و آله.
  2. اجتاح أهله خ ل.
  3. أوباش النّاس: أخلاطهم.
  4. صاروا خ ل.
  5. بحار الأنوار 330:20، وسيأتيک قريباً متن الکتاب.