صلح الحديبيّة وسببها











صلح الحديبيّة وسببها



الحديبية: تصغير حدباء، أهل العراق يشدّدونها، وأهل الحجاز يخفّفون، وهي بئر، وقيل: شجرة، سمّي المکان باسمها، وقيل: قرية قريبة من مکّة أکثرها في الحرم.

وسببها أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله رأي في النوم أنّه دخل مکّة هو وأصحابه آمنين محلّقين رؤوسهم ومقصّرين، أي بعضهم محلّق وبعضهم مقصّر، وأنّه صلي الله عليه و آله دخل البيت وأخذ مفتاحه، وطاف هو وأصحابه، واعتمر، وأخبر بذلک أصحابه ففرحوا، ثمّ أخبر أصحابه أنّه يريد الخروج للعمرة، فتجهّزوا للسفر، فخرج صلي الله عليه و آله معتمراً ليأمن النّاس، أي أهل مکّة ومن حولهم من حربه، وليعلموا أنّه إنّما خرج زائراً للبيت، ومعظّماً له، وکان إحرامه بالعمرة من ذي الحليفة بعد أن صلّي بالمسجد الّذي بها رکعتين، ورکب من باب المسجد. وأحرم، وأحرم معه غالب أصحابه، ومنهم من لم يحرم إلّا بالجحفة.

وکان خروجه من ذي القعدة سنة ستّ من الهجرة، واستعمل علي المدينة أبا رُهْم کلثوم بن حصين، مع ابن اُمّ مکتوم جميعاً، فکان ابن مکتوم علي الصلاة، وکان أبا رُهْم حافظاً للمدينة، وقيل: غير ذلک، وخرج النبيّ صلي الله عليه و آله بعد أن اغتسل ببيته، ولبس ثوبين، ورکب راحلته القصوي من عند بابه، وخرجت معه اُمّ سلمة، واُمّ عمارة، واُمّ منيع، واُمّ عامر الأشهليّة من زوجاته، ومعه المهاجرون والأنصار ومن لحق بهم من العرب، کانوا سبعمائة رجل، وقيل: أربع عشرة مائة، وقيل: خمس عشرة، وقيل: ستّ عشرة، وقيل غير ذلک، وليس معهم سلاح إلّا السيوف في القرب، وقال له عمر بن الخطّاب: أتخشي - يا رسول اللَّه - من أبي سفيان وأصحابه ولم تأخذ للحرب عدّتها؟! فقال صلي الله عليه و آله: «لست اُحبّ أن أحمل السلاح معتمراً»، وساق معه الهدي سبعين بدنة، وقد جلّلها في ذي الحليفة بعد أن صلّي بها الظهر، ثمّ أشعر منها عدّة، وهي موجّهة للقبلة في الشقّ الأيمن من سنامها، وقلّدهن نعلاً نعلاً، وأشعر المسلمون بدنهم وقلّدوها[1] وکان معه مائتا فرس، فأقبل النّاس نحو رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في بعض المحالّ، وکان بين يديه رکوة يتوضّأ منها، فقال: «ما لکم؟»، قالوا: يا رسول اللَّه، ليس عندنا ماء نشربه ولا ماء نتوضّأ منه إلّا ما في رکوتک، فوضع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يده في الرکوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه الشريفة أمثال العيون. قال جابر رضي الله عنه: فشربنا وتوضّأنا ولو کنّا مائة ألف لکفانا، کنّا خمس عشرة مائة.[2] .

قال المفيد قدس سره: وکان اللواء يومئذٍ إلي أمير المؤمنين عليه السلام، کما کان إليه في المشاهد قبلها.[3] .

وروي الطبري بإسناده عن ابن إسحاق، قال: خرج النبيّ صلي الله عليه و آله معتمراً في ذي القعدة لا يريد حرباً، وقد استنفر العرب من حوله من أهل البوادي من الأعراب أن يخرجوا معه، وهو يخشي من قريش الذين صنعوا به أن يعرضوا له بحرب أو يصدّوه عن البيت، فأبطأ عليه کثير من الأعراب وخرج رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ومن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب وساق معه الهدي، وأحرم بالعمرة ليأمن النّاس من حربه، وليعلم النّاس أنّه إنّما جاء زائراً لهذا البيت معظّماً له.[4] .

ورواه أيضاً عن المسوّر بن مخرمة، ومروان بن الحکم أنّهما قالا: خرج رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عام الحديبيّة يريد زيارة البيت لا يريد قتالاً، وساق معه سبعين بدنة، وکان النّاس سبعمائة رجل، کانت کلّ بدنة عن عشرة نفر.[5] .







  1. الإشعار: جرح بصفحة سنامها، والتقليد أن تقلد في عنقها قطعة جلد ا و نعل بالية ليعلم أنه هدي.
  2. راجع السيرة الحلبيّة بهامشه السيرة النبويّة 8:3، والکامل في التاريخ 200:2 نحوه.
  3. الإرشاد 119: 1.
  4. تاريخ الطبري 270:2.
  5. المصدر السابق: 271.