ملخّص قصّة غزوة الخندق عن الواقدي وابن إسحاق











ملخّص قصّة غزوة الخندق عن الواقدي وابن إسحاق



روي في السيرة الحلبية: خرج عمرو بن عبدودّ يوم الخندق وقد کان شهد بدراً فارتُثَّ[1] جريحاً ولم يشهد اُحداً، فحضر الخندق شاهراً سيفه معلّماً مُدِلّاً بشجاعته وبأسه، وخرج معه ضرار بن الخطّاب الفهري، وعکرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهب، ونوفل بن عبداللَّه بن المغيرة المخزوميّون، فطافوا بخيولهم علي الخندق إصعاداً وانحداراً يطلبون موضعاً ضيّقاً يَعبُرونه، حتّي وقفوا علي أضيق موضع فيه في المکان المعروف بالمزار، فأکرهوا خيولهم علي العبور فعبرت، وصاروا مع المسلمين علي أرض واحدة، ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله جالس وأصحابه قيام علي رأسه.

فتقدّم عمرو بن عبدودّ، فدعا إلي البراز مراراً، فلم يقم إليه أحد، فلمّا أکثر، قام عليٌّ عليه السلام فقال: «أنا اُبارزه يا رسول اللَّه»، فأمره صلي الله عليه و آله بالجلوس، وأعاد عمرو النداء، والنّاسُ سکوت کأنّ علي رؤوسهم الطير.

فقال عمرو: أيّها النّاس، إنّکم تزعمون أنّ قتلاکم في الجنّة وقتلانا في النّار، أفما يحبّ أحدکم أن يقدم علي الجنّة، أو يُقدّم عدوّاً له إلي النّار؟ فلم يقم إليه أحد.

فقام عليّ عليه السلام دفعة ثانية، وقال: «أنا، يا رسول اللَّه»، فأمره بالجلوس، فجال عمرو بفرسه مقبلاً ومدبراً وجاءت عظماء الأحزاب فوقفت من وراء الخندق ومدّت أعناقها تنظر، فلمّا رأي عمرو أنّ أحداً لا يُجيبه، قال:

ولقد بحُحْتُ من النداء إلي آخره أشعاره.

فقام عليّ عليه السلام فقال: «يا رسول اللَّه، ائذن لي في مبارزته»، فقال: «اُدن»، فدنا فقلّده سيفه، وعمّمه بعمامته، وقال: «امض لشأنک»، فلمّا انصرف قال: «اللّهمّ أعنه عليه»، فلمّا قرب منه، قال له مجيباً إيّاه عن شعره:


لا تعجلنّ فقد أتا
ک مجيب صوتک غير عاجز


ذو نيّة وبصيرة
يرجو بذاک نجاة فائز


إنّي لآمُل أن اُقي
مَ عليک نائحة الجنائز


من ضربة فوهاءَ يب
قي ذکرها عند الهزاهز


فقال عمرو: مَن أنت؟ وکان عمرو شيخاً کبيراً قد جاوز الثمانين، وکان نديم أبي طالب بن عبدالمطّلب في الجاهلية، فانتسب عليّ عليه السلام له وقال: «أنا عليّ بن أبي طالب»، فقال: أجل، لقد کان أبوک نديماً لي وصديقاً، فارجع فإنّي لا اُحبّ أن أقتلک[2] قالوا: فقال له عليّ عليه السلام: «لکنّي اُحبُّ أن أقتلک»، فقال عمرو: يابن أخي، إنّي لأکره أن أقتل الرجل الکريم مثلک، فارجع وراءک خيرٌ لک، فقال عليّ عليه السلام: «إنّ قريشاً تتحدّث عنک أنّک قلت: لا يدعوني أحدٌ إلي ثلاث إلّا أجبتُ، ولو إلي واحدة منها؟». قال: أجل، فقال عليّ عليه السلام: «فإنّي أدعوک إلي الإسلام»، قال: دع عنک هذه، قال: «فإنّي أدعوک إلي أن ترجع بمن تبعک من قريش إلي مکّة»، قال: إذن تتحدّث نساء قريش عنّي إنّ غلاماً خدعَني، قال: «فإنّي أدعوک إلي البراز»، فحمي عمرو[3] وقال: ما کنت أظنّ أنّ أحداً من العرب يرومُها منّي، ثمّ نزل فعقر فرسه - وقيل ضرب وجهه ففرّ - وتجاوَلا فثارت لهما غبرة وارتهما عن العيون، إلي أن سمع النّاس التکبير عالياً من تحت الغبرة، فعلموا أنّ عليّاً عليه السلام قتله، وانجلت الغبرة عنهما وعليّ راکبٌ علي صدره يحزّ رأسه، وفرّ أصحابه ليعبروا الخندق، فطفرت بهم خيلهم إلّا نوفل بن عبداللَّه، فإنّه قصر فرسه فوقع في الخندق فرماه المسلمون بالحجارة، فقال: يا معاشر النّاس، قتلة أکرم من هذه، فنزل إليه عليّ عليه السلام فقتله.[4] .







  1. ارتث: حمل من المعرکة جريحاً وبه رمق.
  2. قال ابن أبي الحديد في شرحه (61:19): «وکان شيخنا أبو الخير يقول: إذا مررنا في القراءة عليه بهذا الموضع: واللَّه ما أمره بالرجوع إبقاءً عليه، بل خوفاً منه، فقد عَرَفَ قتلاه ببدر واُحد، وعلم أنّه إن ناهضه قتله، فاستحيا أن يُظهر الفشل، فأظهر الإبقاء والإرعاء، وإنّه لکاذبٌ فيهما».
  3. في السيرة الحلبية بهامشه السيرة النبويّة (319:2)، قال: «فحمي عمرو عند ذلک، أي أخذته الحميّة».
  4. راجع المغازي 471:2، وسيرة ابن هشام 235:3، وشرح ابن أبي الحديد 61:19.