تقدّم عليّ إلي عمرو بن عبد ودّ وأحجم عن ذلك المسلمون











تقدّم عليّ إلي عمرو بن عبد ودّ وأحجم عن ذلک المسلمون



روي المؤرخين و اهل السير و الحديث و قالوا: وجاء فوارس من قريش - بعد محاصرتهم وعدم قتال بينهم وبين المسلمين - منم عمرو بن عبدودّ بن قيس، وعکرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبداللَّه بن المغيرة، وهبيرة بن أبي وهب، وضِرار بن الخطّاب الفهري وغيرهم، قد تلبّسوا للقتال، ثمّ مرّوا بمنازل بني کنانة، فقالوا: تهيّأوا - يا بني کنانة - للحرب، ثمّ أقبلوا تعنق[1] بهم خيلهم حتّي وقفوا علي الخندق فصاروا إلي مکان ضيّق فيه، کان أغفله المسلمون، فأکرهوا خيولهم فطفرت[2] بهم فوق الخندق، وجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع، وصاروا هم والمسلمون علي صعيد واحد.

وخرج عليّ بن أبي طالب عليه السلام في نفر من المسلمين حتّي أخذ عليهم الثغرة[3] الّتي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تُعنق نحوهم، وقد کان عمرو بن عبد ودّ قاتل يوم بدر حتّي أثبته الجراحة، فلم يشهد أحداً، فلمّا کان يوم الخندق خرج مُعْلِماً لِيُري مکانه، فلمّا وقف هو وخيله، وقال هل من مبارز؟ فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «من لهذا الکلب؟» فلم يجبه أحدٌ، فجبن عنه النّاس، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: «أنا له، يا رسول اللَّه»، وهو مقنّعٌ بالحديد، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إنّه عمرو! اجلس».

ونادي عمرو: ألا رجلٌ، ويؤنّبهم ويسبّهم، ويقول: أيْنَ جَنّتکم الّتي تزعمون أنّ من قتل منکم دخلها؟! والمسلمون کأنّ علي رؤوسهم الطير لمکان عمرو بن عبدودّ والخوف منه ومن معه، فقام عليّ عليه السلام فقال: «أنا له، يا رسول اللَّه اللَّه».

ثمّ نادي الثالثة، فقال:


ولقد بححت من الندا
ء بجمعکم: هل من مبارز


ووقفت إذ جبن المشجّ
ع موقف البطل المناجز


إنّ السماحة والشجا
عة في الفتي خير الغرائز


فقام عليّ عليه السلام فقال: «يا رسول اللَّه، أنا له»، فقال صلي الله عليه و آله: «إنّه عمرو!»، فقال عليّ: «وإن کان عمرو!»، فاستأذن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فأذن له.[4] .

و روي في (البحار) عن حذيفة أنّه قال: فألبسه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله درعه ذات الفضول، وأعطاه سيفه ذا الفقار، وعمّمه عمامته السحاب علي رأسه تسعة أکوار[5] ثمّ قال له: «تقدّم»، فقال لمّا ولّي: «اللّهمّ احفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوق رأسه، ومن تحت قدمه».[6] .







  1. أعنقت الدابّة: سارت سيراً واسعاً فسيحاً مُسبطرّاً ممتدّاً.
  2. طفر: وثبت في ارتفاع.
  3. الثغرة: الثلمة التي کانت في الخندق.
  4. راجع تاريخ الطبري 239:2، والسيرة الحلبيّة بهامشه السيرة النبويّة 318:2، والکامل في التاريخ570:1، والبحار 203:20 و 226، وأعيان الشيعة 395:1، وتاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ 151:1.
  5. الکور: الدور من العمامة.
  6. البحار 203:20 و روي نحوه في السيرة الحلبيّة بهامشه السيرة النبويّة 319:2.