مقاتلة عليّ لطلحة ورجال من بني عبدالدار يوم اُحد











مقاتلة عليّ لطلحة ورجال من بني عبدالدار يوم اُحد



ذکرت مصادر التاريخ والحديث أنّه کانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبدالدار، فبرز ونادي: يا محمّد، تزعمون أنّکم تجهّزونا بأسيافکم إلي النّار، ونجهّزکم بأسيافنا إلي الجنّة، فمن شاء أن يلحق بجنّته فليبرز إليَّ، فلم يجبه أحدٌ، فبرز إليه أمير المؤمنين وهو يقول:


يا طلح إن کنتم کما تقول
لکم خيول ولنا نصول


فاثبت للنظر أيّنا المقتول
وأيّنا أوْلي بما تقول


فقد أتاک الأسد الصؤول
بصارم ليس به فلول


ينصره القاهر والرسول

فقال طلحة: من أنت يا غلام؟ قال: «أنا عليّ بن أبي طالب»، قال: قد علمت يا قضم[1] أنّه لا يجسر عَليَّ أحدٌ غيرک، فشدّ عليه طلحة فضربه فاتّقاه أمير المؤمنين بالحجفة[2] ثمّ ضربه أمير المؤمنين علي فخذيه فقطعهما جميعاً، فسقط علي ظهره، وسقطت الراية، فذهب عليّ عليه السلام ليجهز عليه، فحلّفه بالرحم، فانصرف عنه - وفي خبر فانکشفت عورته، فقال: اُنشدک اللَّه والرحم يا بن عمّ - فترکه، فکبّر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقال المسلمون: ألا أجهزت عليه؟ قال: «قد ضربته ضربةً لا يعيش منها أبداً».

ثمّ أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة، فقتله عليّ عليه السلام وسقطت رايته إلي الأرض، فأخذها عثمان بن أبي طلحة، فقتله عليّ عليه السلام وسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها مسافع بن أبي طلحة، فقتله عليّ عليه السلام وسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها الحارث بن أبي طلحة، فقتله عليّ عليه السلام وسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها عزيز بن عثمان، فقتله عليّ عليه السلام وسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها عبداللَّه بن جميلة بن زهير، فقتله عليّ عليه السلام وسقطت الراية إلي الأرض، فقتل أمير المؤمنين عليه السلام التاسع من بني عبدالدار، وهو أرطأة بن شرحبيل مبارزة وسقطت الراية إلي الأرض.

فأخذها مولاهم صوأب، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام علي يمينه فقطعها، وسقطت الراية إلي الأرض، فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين علي شماله فقطعها، وسقطت الراية إلي الأرض، فاحتضنها بيديه المقطوعتين، ثمّ قال: يا بني عبدالدار، هل أعذرت فيما بيني وبينکم؟ فضربه أمير المؤمنين عليه السلام علي رأس فقتله، وسقطت الراية علي الأرض.

فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثيّة فنصبتها... وکما تري فإنّ هذا اللواء کان شؤماً علي بني عبدالدار، فقد قتلت رجالهم ووقع علي الأرض حتّي رفعته امرأة.[3] .

وفي (السيرة الحلبيّة) عن ابن قتيبة، قال: ويقال: إنّ هذه الآية نزلت في بني عبدالدار «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ».[4] .

فلمّا قتل أصحاب اللواء صاروا منهزمين لا يلوون علي شي ء، وانتقضت صفوفهم، ونساؤهم يدعين بالويل بعد الفرح والدفوف.

قال الزبير: واللَّه لقد رأيتني أنظر إلي خدم[5] هند بنت عتبة وصواحبها مشمّرات هوارب ما دون أخذهنّ قليل ولا کثير.

قال الواقدي: وقالوا: ما ظفر اللَّه تعالي نبيّه في موطن قطّ ما ظفره وأصحابه يوم اُحد حتّي عصوا الرسول صلي الله عليه و آله؛ ولمّا انهزم المشرکون تبعهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا حتّي أخرجوهم عن المعسکر، ووقعوا ينتهبونه ويأخذون ما فيه من الغنائم، فلمّا رآهم الرماة قال بعض لبعض: لِمَ تقيمون هاهنا في غير شي ء؟ قد هزم اللَّه العدوّ، وهؤلاء اخوانکم ينتهبون عسکرکم، فادخلوا عسکر المشرکين فاغنموا معهم.

فقال بعضهم: ألم تعلموا أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال لکم: «احموا ظهورنا، وإن غنمنا فلا تشرکونا؟!».

فقال الآخرون: لم يرد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله هذا وقد أذلّ اللَّه المشرکين وهزمهم، فلمّا اختلفوا خطبهم أميرهم عبداللَّه بن جبير وأمرهم بطاعة الرسول صلي الله عليه و آله فعصوه، وانطلقوا فلم يبق معه إلّا نفر ما يبلغون العشرة منهم: الحارث بن أنس، يقول: يا قوم، اذکروا عهد نبيّکم إليکم وأطيعوا أميرکم، فأبوا وذهبوا إلي عسکر المشرکين ينهبون وخلّوا الجبل؛ وذلک قوله تعالي: «وَلَقَدْ صَدَقَکُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّي إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِن بَعْدِ مَا أَرَاکُم مَا تُحِبُّونَ مِنکُم مَن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنکُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ».[6] .

فنظر خالد بن الوليد إلي خلاء الجبل وقلّة أهله فکرّ بالخيل، وتبعه عکرمة فانطلقا إلي موضع الرماة فحملوا عليهم، فراماهم القوم حتّي اُصيبوا، وراماهم عبداللَّه بن جبير حتّي فنيت نبله، ثمّ طاعن بالرمح حتّي انکسر، ثمّ کسر جفن سيفه فقاتل حتّي قُتل.

ولمّا رأي المشرکون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم، وکرّوا علي المسلمين من أمامهم، وهم غارّون آمنون مشتغلون بالنهب، وجعلوا المسلمين في مثل الحلقة، وانتقضت صفوف المسلمين... وقتل المسلمون قتلاً ذريعاً حتّي قتل منهم سبعون رجلاً بعدد من قُتِل من المشرکين يوم بدر أو أکثر، وتفرّقوا في کلّ وجه، وترکوا ما انتهبوا فأخذه المشرکون، وترکوا ما بأيديهم من اُسراء المشرکين.[7] .







  1. أي الّذي يقضم النّاس فيهلکهم.
  2. الحجفة: الترس.
  3. راجع: البحار 50:20، وفي السيرة الحلبيّة للعلّامة الحلبي المالکي بهامشه السيرة النبويّة 223:2 نحوه، وکذلک في السيرة النبويّة لسيّد زيني دحلان الشافعي بهامش السيرة الحلبيّة 27:2، ودائرة المعارف الإسلاميّة الشيعيّة 1: باب معرکة اُحد، وأعيان الشيعة 387:1.
  4. السيرة الحلبيّة بهامشه السيرة النبويّة 224:2، والآية 22 من سورة الأنفال.
  5. الخدم - بفتح الخاء والدال - جمع خدمة، محرّکة: وهي الخلخال والساق - المنجد.
  6. سورة آل عمران: 152.
  7. اعيان الشيعة 257: 1.