تفصيل الواقعة وسببها











تفصيل الواقعة وسببها



کانت غزوة اُحد في شوّال لسبع خلون منه، أو للنصف منه، يوم السبت سنة ثلاث من الهجرة علي رأس اثنين وثلاثين شهراً منها، وخرج رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إليهم عصر يوم الجمعة، وکان القتال يوم السبت.

وکان سبب ذلک: أنّ المشرکين اجتمعوا وقرّروا غزو المدينة للأخذ بالثأر لما أصابهم يوم بدر، فکتب العبّاس کتاباً وأرسله مع رجل من غفّار إلي النبيّ صلي الله عليه و آله يخبره بخبرهم، استأجره وشرط عليه أن يصل المدينة في ثلاث، فوصلها وسلّم الکتاب، وأقبل المشرکون في ثلاثة آلاف.

وفي (الکامل لابن اثير) وغيره: وکان قائدهم أبو سفيان، فخرج بزوجته هند بنت عتبة، وغيره من رؤساء قريش خرجوا بنسائهم، وکان مع النساء الدفوف يبکين علي قتلي بدر يحرِّضن بذلک المشرکين ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير - فنزلوا أوّلاً بذي الحليفة علي نحو مسير أربع ساعات من المدينة، ثمّ ساروا حتّي مرّوا بالعقيق وساروا منه حتّي نزلوا ببطن الوادي من قِبَل اُحد مقابل المدينة، وکان وصولهم يوم الأربعاء ثاني عشر شوّال[1] فأقاموا الأربعاء والخميس والجمعة.

وبات رؤساء الأنصار منهم: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، واُسيد بن حضير بالسلاح بباب رسول اللَّه ليلة الجمعة خوفاً عليه من البيات حتّي أصبحوا، وحرست المدينة تلک الليلة، فلمّا أصبح النبيّ صلي الله عليه و آله يوم الجمعة خطب أصحابه، وبعد الحمد والثناء قال: «فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا بشرّ مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها، فأنا أعلم بها منهم».

فکان رأيه صلي الله عليه و آله البقاء بالمدينة، واختلف رأي أصحابه، فکان رأي أکثر وجوههم موافقاً لرأيه، وکان رأي الشبّان الذين لم يحضروا بدراً، وبعض الشيوخ، الخروج، فلمّا رأي النبيّ صلي الله عليه و آله أکثرهم يريد الخروج وافقهم؛ لأنّ المصلحة تقتضي ذلک، وإن کانت من وجه آخر تقتضي خلافه، ومع ذلک کان النصر فيها مضموناً لولا مخالفة الرماة، وعقد رسول اللَّه ثلاثة ألوية علي ثلاثة رماح: لواء المهاجرين بيد عليّ بن أبي طالب، ولواء الأوس بيد اُسيدر بن حضير، ولواء الخزرج بيد الحبّاب بن المنذر، أو سعد بن عبادة، وأعطي الراية - وهي العلم الأکبر، واللواء دونها - عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وسار من المدينة بعد العصر في ألف رجل، واستخلف علي المدينة ابن اُمّ مکتوم. فلمّا وصل النبيّ صلي الله عليه و آله إلي مکان يسمّي الشيخين عرض عسکره وبات هناک، ثمّ سار سحراً حتّي وصل إلي بستان يسمّي الشوط - بين المدينة واُحد - فصلّي فيه صلاة الصبح، ومن هناک رجع عبداللَّه بن اُبيّ بن سلول في ثلاثمائة من المنافقين وبقي النبيّ صلي الله عليه و آله في سبعمائة فوصل إلي اُحد فجعل اُحد خلف ظهره.

وجاء المشرکون واستدبروا المدينة واستقبلوا اُحداً، وأعطي المشرکون لواءهم إلي طلحة بن أبي طلحة من بني عبدالدار، وصفّ المشرکون صفوفهم، وصفّ النبيّ صلي الله عليه و آله أصحابه، وجعل الرماة خلف العسکر عند فم الشعب الّذي في جبل اُحد، وکانوا خمسين رجلاً، وأمّر عليهم عبداللَّه بن جبير، وقال له: «أثبت علي مکانک إن کانت لنا أو علينا، فإنّا لا نزال غالبين ما ملکتم مکانکم، فإن أدخلناهم مکّة فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتّي أدخلونا المدينة فلا تبرحوا، والزموا مراکزکم»، ولمّا علم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أنّ لواء المشرکين مع طلحة من بني عبدالدار أخذ اللواء من عليّ عليه السلام ودفعه إلي رجل من بني عبدالدار - يعني مصعب بن عمير - وقال: «نحن أحقّ بالوفاء منهم».[2] .

وفي رواية: وجعل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الرماة خلف العسکر علي جبل هناک عند فم الشعب، وکانوا خمسين رجلاً، وأمّر عليهم عبداللَّه بن جبير وقال: «انضح الخيل عنّا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا، إنّ الخيل لا تقدم علي النبل، وأثبت مکانک إن کانت لنا أو علينا، فإنّا لا نزال غالبين ما مکثتم مکانکم».

وفي رواية قال: «إن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشرکونا، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا».[3] .







  1. قيل: کانت الغزوة في النصف من شهر شوّال.
  2. انظر الکامل في التاريخ 548:1، وأعيان الشيعة 385:1، ودائرة المعارف الإسلامية 1 - معرکة اُحد.
  3. راجع: تفسير القمّي 111:1، وأعيان الشيعة 254:1.