تفصيل واقعة بدر











تفصيل واقعة بدر



لمّا أصبح رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم بدر عبّأ أصحابه، فکان في عسکره فرسان، فرس للزبير بن العوّام، وفرس للمقداد بن الأسود، وکان في عسکره سبعون جملاً، کانوا يتعاقبون عليها، وکان رسول اللَّه وعليّ بن أبي طالب عليه السلام ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعاقبون علي جمل لمرثد بن أبي مرثد.

وکان في عسکر قريش أربعمائة فرس، وقيل: مائتا فرس، فلمّا نظرت قريش إلي قلّة أصحاب رسول اللَّه قال أبو جهل: ما هم إلّا أکلة رأس[1] لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد، وقال عتبة بن ربيعة: أتري لهم کميناً أو مدداً؟ فبعثوا عمر بن وهب الجمحي وکان فارساً شجاعاً، فجال بفرسه حتّي طاف علي عسکر رسول اللَّه، ثمّ رجع فقال: ما لهم کمين ولا مدد، ولکن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع، أما ترونهم خرساً لا يتکلّمون، يتلمّظون تلمّظ الأفاعي، ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم، وما أراهم يولّون حتّي يُقْتَلوا، ولا يُقْتَلُون حتّي يَقْتُلُوا بعددهم، إلي أن قال: ولمّا استعدّ الفريقان للحرب، وبرز من صفّ المشرکين عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة فقالوا: يا محمّد، اخرج إلينا أکفاءنا من قريش، فرز إليه ثلاثة نفر من الأنصار وانتسبوا لهم، فقالوا: ارجعوا إنّما نريد الأکفاء من قريش، ثمّ نادوا: يا محمّد، اخرج إلينا أکفاءنا من قومنا، فنظر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي عبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب، وکان له يومئذٍ سبعون سنة، فقال: «قم، يا عبيدة»، ونظر إلي حمزة، فقال: قم، يا عمّ»، ثمّ نظر إلي عليّ عليه السلام فقال: «قم، يا عليّ»، وکان أصغر القوم[2] «فاطلبوا بحقّکم الّذي جعله اللَّه لکم، فقد جاءت قريش بخيلائها وفخرها، تريد أن تُطفئ نور اللَّه، ويأبي اللَّه إلّا أن يتمّ نوره»، ثمّ قال: «يا عبيدة، عليک بعتبة بن ربيعة»، وقال لحمزة: «عليک بشيبة»، وقال لعليّ: «عليک بالوليد»، فمرّوا حتّي انتهوا إلي القوم فقالوا: أکفاء کرام.

فحمل عبيدة علي عتبة فضربه علي رأسه ضربة فلقت هامته، وضرب عتبة عبيدة علي ساقه فأطنّها[3] فسقطا جميعاً، وحمل شيبة علي حمزة فتضاربا بالسيفين حتّي انثلما، وحمل أمير المؤمنين عليه السلام علي الوليد فضربه علي حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه.

قال عليّ عليه السلام: «لقد أخذ الوليد يمينه بشماله، فضرب بها هامتي، فظننت أنّ السماء وقعت علي الأرض»، ثمّ اعتنق حمزة وشيبة، فقال المسلمون: يا عليّ، أما تري الکلب نهز عمّک[4] فحمل عليه عليّ عليه السلام فقال: يا عمّ، طأطئ رأسک، وکان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في صدره، فضربه عليّ عليه السلام فطرح نصفه، ثمّ جاء إلي عتبة وبه رمق فأجهز عليه.[5] .

وروي الشيخ المفيد رحمه الله عن شعبة عن أبي إسحاق، عن حارث بن مضرب، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب عليه السلام، يقول: «لقد حضرنا بدراً وما فينا فارس غير المقداد بن الأسود، ولقد رأينا ليلة بدر وما فينا إلّا من نام غير رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فإنّه کان منتصباً في أصل شجرة، يصلّي فيها، ويدعو حتّي الصباح».

ثمّ روي المفيد عن أبي رافع مولي رسول اللَّه، قال: لمّا أصبح النّاس يوم بدر اصطفّت قريش أمامها عتبة بن ربيعة، واخوة شيبة، وابنه الوليد، فنادي عتبة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فقال: يا محمّد، أخرج إلينا أکفاءنا من قريش، فبدر إليهم ثلاثة من شبّان الأنصار، فقال لهم عتبة: من أنتم؟ فانتسبوا له، فقال لهم: لا حاجة بنا إلي مبارزتکم، إنّما طلبنا بني عمّنا، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله للأنصار: «ارجعوا إلي مواقفکم»، ثمّ قال: «قم يا عليّ، قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قاتلوا علي حقّکم الّذي بعث اللَّه به نبيّکم؛ إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور اللَّه»، فقاموا فصفّوا للقوم، وکان عليهم البيض، فلم يعرفوا.

فقال لهم عتبة: تکلّموا، فإن کنتم أکفاءنا قاتلناکم.

فقال حمزة: أنا حمزة بن عبدالمطّلب أسد اللَّه وأسد رسوله، فقال عتبة: کفوٌ کريم. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب»، وقال عبيدة: أنا عبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب.

فقال عتبة لابنه الوليد: قم يا وليد، فبرز إليه أمير المؤمنين، وکانا إذ ذاک أصغر الجماعة سنّاً، فاختلفا ضربتين، اخطأت ضربة الوليد أمير المؤمنين عليه السلام، واتّقي بيده اليسري ضربة أمير المؤمنين فأبانتها.

فروي أنّ عليّاً عليه السلام کان يذکر بدراً وقتله الوليد، فقال في حديثه: «کأنّي أنظر إلي وميض خاتمه في شماله، ثمّ ضربته ضربة اُخري فصرعته وسلبته، فرأيت به درعاً من خلوق، فعلمت أنّه قريب عهد بعرس».

ثمّ بارز عتبة حمزة رضي الله عنه فقتله حمزة، ومشي عبيدة - وکان أسنّ القوم - إلي شيبة، فاختلفا ضربتين، فأصاب ذباب سيف شيبة عضلة ساق عبيدة فقطعها، واستنقذه أمير المؤمنين وحمزة منه وقتلا شيبة، وحمل عبيدة من مکانه فمات بالصفراء، في قتل عتبة وشيبة والوليد تقول هند بنت عتبة:


أيا عين جودي بدمع سرب
علي خير خندف لم ينقلب


تداعا له رهطه غدوة
بنو هاشم وبنو المطّلب


يذيقونه حدّ أسيافهم
يعرّونه بعد ما قد شجب


وروي الحسن بن حميد: بإسناده إلي جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لقد تعجّبت يوم بدر من جرأة القوم، وقد قتلت الوليد بن عتبة، وقتل حمزة عتبة، وشرکته في قتل شيبة، إذ أقبل إليَّ حنظلة بن أبي سفيان، فلمّا دنا منّي ضربته ضربة بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض قتيلاً».[6] .







  1. أي يُشبعهم رأس واحد لقتلهم.
  2. حيث لم يتجاوز العشرين من عمره عند وقوع هذه المعرکة.
  3. أي قطعها.
  4. نهزه: دفعه وضربه.
  5. راجع: البحار 223:19، ودائرة المعارف الإسلاميّة لحسن الأمين: ج1 - فصل في غزوة بدر.
  6. الإرشاد 73: 1.