تفصيل كيفيّة زواج عليّ من فاطمة











تفصيل کيفيّة زواج عليّ من فاطمة



نشير هنا إلي بعض تفاصيل الواقعة کما رواها العلّامة الشيخ عبداللَّه الحنفي في کتاب (الرقائق) المعروف بالاخوانيّات، قال: لقد خطبها - فاطمة - أبو بکر وعمر، فقال لهما رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إنّ أمرها إلي اللَّه تعالي»، ثمّ إنّ أبا بکر وعمر وسعد بن معاذ کانوا جلوساً في مسجد رسول اللَّه فتذاکروا أمر فاطمة عليهاالسلام، فقال أبو بکر: قد خطبها الأشراف فردّهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وقال: «أمرها إلي اللَّه تعالي».

إلي أن قال: ثمّ إنّ عليّاً أقبل إلي منزل رسول اللَّه عند اُمّ سلمة فطرق الباب، فقالت: من بالباب؟ فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «قومي وافتحي الباب له، هذا رجل يحبّه اللَّه ورسولهُ ويحبّهما»، فقالت: فداک أبي واُمّي، مَن هذا؟ فقال: «هذا أخي، وأحبّ الخلق إليَّ».

قالت اُمّ سلمة: فقمتُ مبادرةً أکاد أعثر في مرطي، ففتحت الباب فإذا أنا بعليّ بن أبي طالب عليه السلام: فواللَّه ما دخل عليّ حتّي علم أنّي قد رجعت إلي خدري، فدخل فسلّم فردّ عليه النبيّ صلي الله عليه و آله، ثمّ قال له: «اجلس»، فجلس بين يدي النبيّ صلي الله عليه و آله وجعل يطرق إلي الأرض کأنّه قاصد حاجة يستحي منه، فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: «يا عليّ، کأنّک قاصد حاجة، فابدأ بما في نفسک فکلّ حاجتک عندي مقضيّة؟».

فقال عليّ عليه السلام: «فداک أبي واُمّي يا رسول اللَّه، إنّک لتعلم أنّک أخذتني من عمّک أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد، وأنا صبي لا عقل لي، فهديتني وأدّبتني، فکنت لي أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البرّ والشفقة، وإنّ اللَّه عزّ وجلّ هداني بک، وإنّک - يا رسول اللَّه - ذخري ووسيلتي في الدنيا والآخرة، وقد أحببت مع ما شدّ اللَّه عزّ وجلّ بک عضدي أن يکون لي بيت زوجة أسکن إليها، وقد أتيت خاطباً ابنتک فاطمة، فهل تزوّجني يا رسول اللَّه؟».

قالت اُمّ سلمة: فرأيت وجه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد تهلّل فرحاً وسروراً، ثمّ تبسّم في وجه عليّ، وقال: «يا عليّ، هل معک شي ء تصدقها إيّاه؟»، قال: «واللَّه! ما يخفي عليک حالي، ولا من أمري شي ء، ما أملک غير درعي وسيفي وناضحي».

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا عليّ، أمّا سيفک فلا غني لک عنه، تجاهد به في سبيل اللَّه، وأمّا ناضحک فتنضح علي أهلک، وتحمل عليه رحلک في سفرک، ولکن اُزوّجک علي درعک، ورضيت به منک، وأبشر - يا أبا الحسن - فإنّ اللَّه قد زوّجک بها في السماء قبل أن اُزوّجک بها في الأرض، ولقد هبط عليَّ ملک من السماء قبل أن تأتيني، لم أرَ قبله في الملائکة مثله بوجوه شتّي وأجنحة شتّي، فقال لي: السلام عليک - يا رسول اللَّه - أبشر باجتماع الشمل وطهارة النسل، فقلت: وما ذاک أيّها الملک؟ فقال: يا محمّد، أنا الملک الموکّل بإحدي قوائم العرش سألت اللَّه أن يأذن لي ببشارتک، وهذا جبرئيل عليه السلام علي أثري يخبرک عن ربّک بکرامة اللَّه عزّ وجلّ لک» قال النبيّ صلي الله عليه و آله: «فما استتمّ الملک کلامه حتّي هبط جبرئيل فقال: السلام عليک - يا رسول اللَّه - ورحمة اللَّه وبرکاته، ثمّ وضع في يدي حريرة بيضاء، فيها سطران مکتوبان بالنور، فقلت: حبيبي جبرئيل، ما هذه الخطوط؟ قال: إنّ اللَّه عزّ وجلّ قد اطّلع علي الأرض اطلاعة فاختارک من خلقه وبعثک برسالته، ثمّ اطّلع إليه ثانية واختار منها لک أخاً ووزيراً وصاحباً وحبيباً، فزوّجه ابنتک فاطمة، فقلت: حبيي جبرئيل، ومن هذا الرجل؟ فقال: أخوک في الدين، وابن عمّک في النسب عليّ بن أبي طالب، وإنّ اللَّه تعالي أوحي إلي الجنان أن تزخرفي[1] وإلي الحور العين أن تزيّني، وإلي شجرة طوبي أن احملي الحليّ والحُلل، وأمر الملائکة أن تجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور، فهبطت ملائکة الصفح الأعلي، وأمر اللَّه تعالي رضوان أن ينصب منبر الکرامة علي باب البيت المعمور، وهو المنبر الّذي خطب عليه آدم عليه السلام حين علّمه الأسماء، وأمر اللَّه عزّ وجلّ ملکاً من ملائکة الحجب يقال له: راحيل فعلا علي ذلک المنبر، فحمد اللَّه تعالي بجميع محامده، وأثني عليه بما هو أهله، فارتجّت السماوات فرحاً وسروراً.

قال جبرئيل عليه السلام: وأوحي اللَّه تعالي إليَّ أن أعقد عقدة النکاح، فإنّي زوّجت عليّاً وليّي بفاطمة أمتي بنت رسولي وصفوتي من خلقي محمّد، فعقدت عقدة النکاح، وأشهد ذلک الملائکة وکتب شهادتهم في هذه الحريرة، وقد أمرني ربّي أن أعرضها واختمها بخاتم مسک أبيض وأدفعها إلي رضوان خازن الجنان، إنّ اللَّه تعالي لمّا أشهد علي تزويج فاطمة ملائکته، أمر شجرة طوبي أن تنثر ما فيها من الحُلل، فنثرت ذلک، والتقطته الحور العين والملائکة، وإنّ الحور العين ليتهادينه إلي يوم القيامة، وقد أمرني أن آمرک بتزويجها عليّاً في الأرض، وأن اُبشّرها بغلامين زکيّين نجيبين فاضلين جيّدين في الدنيا والآخرة».

قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «فواللَّه! ما عرج الملک - يا أبا الحسن - حتّي طرقت الباب، ألا وإنّي مستنفذ فيک أمر ربّي، فامض - يا أبا الحسن - أمامي فإنّي ذاهب إلي المسجد، ومزوّجک علي رؤوس النّاس، وذاکر من فضلک ما تقرّ به عينک»، قال عليّ: «فخرجت من عنده مسرعاً وأنا لا أعقل من شدّة الفرح، فاستقبلني أبو بکر وعمر، فقالا لي: ما وراءک يا أبا الحسن، قلت: زوّجني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فاطمة، وأخبرني أنّ اللَّه تعالي زوّجني بها في السماء، وهذا رسول اللَّه آت علي أثري إلي المسجد، فيقول ذلک في محضر من النّاس، فدخلا المسجد، فواللَّه! ما توسّطاه حتّي لحق بنا رسول اللَّه ووجهه يتهلّل سروراً».

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا بلال، اجمع المهاجرين والأنصار»، فانطلق بلال لأمر رسول اللَّه، وجلس النبيّ صلي الله عليه و آله قريباً من منبره حتّي اجتمع النّاس، ثمّ قام فوق المنبر، وحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: «معاشر المسلمين، إنّ جبرئيل أتاني آنفاً، فأخبرني أنّ اللَّه تعالي استشهد الملائکة عند البيت المعمور، أنّه زوّج أمته فاطمة ابنتي من عليّ».

ثمّ قام عليّ عليه السلام وحمد اللَّه وأثني عليه، فقال: «الحمد للَّه شکراً لأنعمه وأياديه، وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وحده لا شريک له ولا شبيه، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ونبيّه النبيه، وحبيبه الوجيه، صلّي اللَّه عليه وعلي آله وأصحابه، وأزواجه وبنيه، صلاة دائمة ترضيه، وبعد: فإنّ النکاح سُنّة أمر اللَّه به وأذن فيه، وقد زوّجني رسول اللَّه ابنته فاطمة، وجعل صداقها درعي هذا، وقد رضي ورضيت، فاسألوه واشهدوا»، فقال المسلمون لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟: زوّجته يا رسول اللَّه؟ قال: «نعم»، فقال المسلمون: بارک اللَّه لهما وعليهما وجمع شملهما.

ثمّ قال عليّ عليه السلام: «فأخذت درعي ومضيت به إلي السوق، فبعته بأربعمائة درهم». ثمّ إنّه عليه السلام أخذ الدراهم وأتي بها إلي النبيّ صلي الله عليه و آله، فقبض النبيّ صلي الله عليه و آله قبضة من الدراهم، ثمّ دعا بأبي بکر، فقال: يا أبا بکر، اشترِ بهذه الدراهم ما يصلح لفاطمة في بيتها، وأرسل معه سلمان وبلال يعينانه علي حمل ما يشتريه.

قال أبو بکر: وکانت الدراهم الّتي دفعها إليَّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثلاث وستّون درهماً، فاشتريت فراشاً من خيش محشو بالصوف، وقطعاً من أديم، ووسادة من أديم حشوها ليف النخل، وقربة للماء، وکيزاناً وستراً صوفه رقيق، فحملت أنا بعضه وسلمان بعضه وبلال بعضه، وأقبلنا فوضعناه بين يدي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فلمّا نظر إليه بکي، ثمّ رفع رأسه إلي السماء، وقال: «اللّهمّ بارک لقوم شعارهم الخوف منک».[2] .

قال عليّ عليه السلام: «ودفع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله باقي ثمن الدرع إلي اُمّ سلمة، وقال: ارفعي هذه الدراهم عندک، فمکثت بعد ذلک شهراً، لا اُعاود رسول اللَّه شيئاً منه، غير أنّي کنتُ إذا خلوت برسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول لي: يا أبا الحسن، زوّجتک سيّدة نساء العالمين».

قال عليّ عليه السلام: «فلمّا کان بعد شهر، دخل عليَّ أخي عقيل، فقال: يا أخي، واللَّه ما فرت قطّ بشي ء کفرحي بتزويجک فاطمة بنت رسول اللَّه (صلوات اللَّه وسلامه عليهما)، فإن تدخل قرّت أعيننا باجتماع شملکما، فقلت: واللَّه! إنّي لاُحبّ ذلک وما يمنعني منه إلّا الحياء من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقال: أقسمت عليک إلّا ما قمت معي، فقمت معه نريد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فلقينا في طريقنا اُمّ أيمن مولاة رسول اللَّه، فذکرنا لها ذلک، فقالت: أمهلا ودعنا حتّي نکلّمه في أمرها، فإنّ کلام النساء أوقع في النفس من کلام الرجال، ثمّ أتيت إلي اُمّ سلمة، فأعلمتها بذلک، وأعلمت نساء رسول اللَّه، فاجتمعن اُمّهات المؤمنين إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فکان في بيت عائشة فأحدقن وقلن: يا رسول اللَّه، فديناک بآبائنا وأجدادنا، إنّا قد اجتمعنا لأمر لو أنّ خديجة في الحياة لقرّت بذلک عيناها»، قالت اُمّ سلمة، فلمّا ذکرنا خديجة بکي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وقال: «أين مثل خديجة؟ صدّقتني حين کذّبني النّاس، وأعانتني علي ديني ودنياي بمالها».

فقالت اُمّ سلمة: يا رسول اللَّه، إنّ خديجة کانت کذلک، غير أنّها مضت إلي ربّها عزّوجلّ، فاسأل اللَّه أن يجمع بيننا وبينها في درجات الجنّة، وهذا أخوک في الدين، وابن عمّک في النسب عليّ بن أبي طالب يريد أن يدخل علي زوجته فاطمة، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا اُمّ سلمة، أرسلي إلي اُمّ أيمن، وأمريها أن تنطلق إلي عليّ فتأتيني به»، فخرجت اُمّ أيمن فإذا عليّ عليه السلام ينتظرها، فقالت له: أجب رسول اللَّه.

قال عليّ عليه السلام: «فانطلقت معها إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وهو في حجرة عائشة، فقمن أزواجه، فدخلن البيت، فجلست بين يديه مطرقاً، فقال: «أتحبّ أن تدخل علي زوجتک؟ فقلت: نعم، فداک أبي واُمّي يا رسول اللَّه، فقال: حبّاً وکرامةً، تدخل عليها في ليلتنا هذه إن شاء اللَّه».

قال عليّ: «ثمّ قمت من عنده فرحاً مسروراً، فأمر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن تزيّن فاطمة وتطيّب ويفرش لها»، ودفع النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ عشرة من الدراهم الّتي کانت عند اُمّ سلمة، وقال له: «اشتر بهذه تمراً وسمناً وأقطاً». قال عليّ عليه السلام: «فاشتريت ذلک وأتيت إلي النبيّ، فحسر عن ذراعه ودعا بسفرة من أدم، فجعل يشدخ التمر بالسمن، ويخلطهما بالأقط حتّي جعله حيساً، ثمّ قال: يا عليّ، ادع من أحببت، فخرجت إلي المسجد فوجدت أصحاب رسول اللَّه، فقلت: أجيبوا رسول اللَّه، فقام القوم بأجمعهم، فأقبلوا نحوه، فأخبرته أنّ القوم کثير، فجلّل السفرة بمنديل، ثمّ قال: ليدخل عشرة عشرة، ففعلت ذلک، فجعلوا يأکلون ويخرجون، والسفرة لا تنقص حتّي أکل من ذلک الحيس سبعمائة رجل ببرکة النبيّ صلي الله عليه و آله».

ثمّ دعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بفاطمة وعليّ فأخذ عليّاً بيمينه، وأخذ فاطمة بشماله وجعلهما إلي صدره، وقبّل بين عينيهما، ثمّ رفعهما إليه، وقال: «يا أبا الحسن، نِعْمَ الزوجة زوجتک»، ثمّ قام يمشي معهما إلي البيت الّذي لهما، ثمّ خرج وأخذ بعضادتي الباب، وقال: «جمع اللَّه شملکما، واستودعکما اللَّه، وأستخلفه عليکما».[3] .

وفي بعض التواريخ: بعدما رجعت اُمّ أيمن إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، قالت اُمّ أيمن: فقال لي رسول اللَّه: «انطلقي إلي عليّ فآتيني به»، فخرجت من عند رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فإذا عليّ عليه السلام ينتظرني ليسألني عن جواب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وحضر عليّ عند رسول اللَّه، فقال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: هَيّ ء منزلاً حتّي تحوّل فاطمة إليه».

فقال عليّ عليه السلام: «يا رسول اللَّه، ما هاهنا منزل إلّا منزل حارثة بن النعمان»، وکان لفاطمة عليهاالسلام يوم بني بها أمير المؤمنين عليه السلام تسع سنين، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «واللَّه! لقد استحينا من حارثة بن النعمان، قد أخذنا عامّة منازله»، فبلغ ذلک حارثة، فجاء إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فقال: يا رسول اللَّه، أنا ومالي للَّه ولرسوله، واللَّه ما شي ء أحبّ إليَّ ممّا تأخذه، والّذي تأخذه أحبّ إليَّ ممّا تترکه، فجزاه رسول اللَّه خيراً، فحوّلت فاطمة إلي عليّ عليه السلام في منزل حارثة، وبسطوا في بيت عليّ کثيباً - وهو الرمل - ونصبوا عوداً يوضع عليه السقاء (القربة)، وستروه بکساء، ونصبوا خشبة من حائط إلي حائط للثياب، وبسط جلد کبش ومخدّة ليف.[4] .

وعن ابن بابويه الصدوق بسنده، قال: أمر النبيّ صلي الله عليه و آله بنات عبدالمطّلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة عليهاالسلام، وأن يفرحن ويرجزن ويکبّرن ويحمدن ولا يقولنّ ما لا يرضي اللَّه.

قال جابر: فأرکبها علي ناقته - وفي رواية علي بغلته الشهباء - وأخذ سلمان زمامها، والنبيّ صلي الله عليه و آله وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها، مشهرين سيوفهم، ونساء النبيّ قدّامها يرجزن فأنشأت اُمّ سلمة:


سرن بعون اللَّه جاراتي
واشکرنه في کلّ حالات


واذکرن ما أنعم ربّ العلي
من کشف مکروه وآفات


وکان النسوة يرجعن أوّل بيت من کلّ رجز، ثمّ يکبّرن ودخلن الدار، ثمّ أنفذ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي عليّ، ثمّ دعا فاطمة فأخذ يدها ووضعها في يده، وقال: «بارک ا للَّه في ابنة رسول اللَّه، يا عليّ، نِعْم الزوجة فاطمة. يا فاطمة، نِعْمَ الزوج عليّ»، ثمّ قال: «يا عليّ، هذه فاطمة وديعتي عندک»، ثمّ قال النبيّ صلي الله عليه و آله: «اللّهمّ اجمع شملهما، وألّف بين قلوبهما، واجعلهما وذرّيّتهما من ورثة جنّة النعيم، وارزقهما ذرّيّة طاهرة طيّبة مبارکة، واجعل في ذرّيّتهما البرکة، واجعلهم أئمّة يهدون بأمرک إلي طاعتک ويأمرون بما يرضيک، اللّهمّ إنّهما أحبّ خلقک إليَّ فأحبّهما واجعل عليهما منک حافظاً، وإنّي اُعيذها بک وذرّيّتهما من الشيطان الرجيم».

ثمّ خرج إلي الباب وهو يقول: «طهّرکما وطهّر نسلکما، أنا سلم لمن سالمکما، وحرب لمن حاربکما، وأستودعکما اللَّه واستخلفه عليکما»، وباتت أسماء عندهما في البيت، وأصبح الصباح وجاء رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي زيارة العروسين، قال: «السلام عليکما، أأدخل؟ ففتحت أسماء الباب، فدخل النبيّ صلي الله عليه و آله فسأل عليّاً: «کيف وجدت أهلک؟»، قال: «نِعْم العون علي طاعة اللَّه، وسأل فاطمة، فقالت: «خير بعل»، وجاء النبيّ بعس (قدح) فيه لبن فقال لفاطمة: «اشربي، فداک أبوک»، وقال لعليّ: «اشرب، فداک ابن عمّک».

ثمّ قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا عليّ، ائتني بکوز من ماء»، فجاء عليّ عليه السلام بکوز من ماء، فتفل فيه ثلاثاً، وقرأ عليه آيات من کتاب اللَّه تعالي، ثمّ قال: يا عليّ، اشربه واترک فيه قليلاً، ففعل عليّ ذلک، فرشّ النبيّ صلي الله عليه و آله باقي الماء علي رأسه وصدره، ثمّ قال: «أذهب اللَّه عنک الرجس يا عليّ وطهّرک تطهيراً»، وأمره بالخروج من البيت، وخلي بابنته فاطمة، وقال: «کيف أنت يا بنيّه، وکيف رأيت زوجک؟»، قالت: «يا أبه، خير زوج، إلّا أنّه دخل عليَّ نساءٌ من قريش، وقلن لي: زوّجک رسول اللَّه من فقير لا مال له»، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يا بنيّه، ما أبوک بفقير، ولا بعلک بفقير، ولقد عرضت عليَّ خزائن الأرض من الذهب والفضّة فاخترت ما عند ربّي عزّ وجلّ. يا بنيّة، لو تعلمين ما علم أبوک لسَمُجَتِ الدنيا في عينيک. واللَّه! يا بنيّة ما ألوتک نُصحاً، إنّي زوّجتک أقدمهم سلماً، وأکثرهم علماً، وأعظمهم حلماً. يا بنيّة، إنّ اللَّه عزّ وجلّ اطّلع إلي الأرض اطلاعة، فاختار من أهلها رجلين، فجعل أحدهما أباکِ والآخر بعلک. يا بنيّه، نِعْم الزوج زوجک، لا تعصي له أمراً».[5] .







  1. زخرفه: حسّنه وزيّنه، وتزخرف الرجل: تزيّن.
  2. وفي بحار الأنوار (130:43): ثمّ رفع رأسه إلي السماء وقال: «اللّهمّ بارک لقوم جُلّ آنيتهم الخزف».
  3. کتاب الرقائق المعروف بالاخوانيّات للشيخ عبداللَّه الحنفي: 250، نقلاً عن الإحقاق 474:4، وراجع البحار أيضاً 124:43.
  4. عليّ من المهد إلي اللحد: 72، وراجع البحار 131:43.
  5. عليّ من المهد إلي اللحد: 73، وراجع البحار 132:43.