كلمة حول النكاح











کلمة حول النکاح



لا شکّ أنّ النکاح من سنن اللَّه تعالي في عباده. قال اللَّه تعالي: «وَأَنکِحُوا الْأَيَامَي مِنکُمْ وَالصَّالِحِينَ عِبَادِکُمْ وَإِمَائِکُمْ إِن يَکُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ».[1] والمقصود منه التناسل والتکاثر تحت ظلّ القانون الإلهي، وليس الهدف منه إشباع الغريزة الجنسيّة فقط، بل هو من ضمنه، وإنّما هو کالحصن يحفظ الإنسان من فساد الخلاعة وويلات الفجور، والهدف الأصلي من النکاح تأسيس بيت عائلي لتکوين جيل يزيد من ارتباط الوالدين، ويحملهما علي تحمّل المسؤوليات الّتي يتطلّبها الجيل من بدء إيجاده إلي أن يقطع أدوار الحياة وأطوارها من جنين ووليد ورضيع وفطيم وصبي وغلام ومراهق وشابّ ويافع، أو بنت وشابة وفتاة وامرأة.

فالنسل بحاجة ماسّة في أدواره إلي الکفيل والمربّي والمنفق والمؤدّب والوليّ إلي جانب حاجته إلي الرضاعة والحضنة والتربية والعناية والخدمة، وتأمين لوازم الحياة من المأکل والملبس وغير ذلک، ولا نحتاج إلي الدليل والبرهان في هذا البحث.

وللأسف الشديد فإنّ المشاکل الّتي سدّت علي شبابنا طرق الزواج، وجعلتهم يهابون النکاح ولا يخافون السفاح، ويفضّلون الکبت والضغط علي غرائزهم، أو يُرجّحون الفساد والمجون علي انتخاب زوجة تشارکهم حلو الحياة ومرّها، وأفراحها وأتراحها، هذه المشاکل کانت موجودة في الجاهلية ولکن بصورة اُخري، کغلاء المهر والعصبيات القبلية، وما يشاکلها، والّتي تخلق لهم الأزمات بجميع أقسامها، واشتدّت الحالة حتّي أدّت إلي دفن البنات وهنّ علي قيد الحياة. قال اللَّه تعالي: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ × بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ».[2] .

وقال اللَّه تعالي: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَي ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ کَظِيمٌ × يَتَوَارَي مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِکُهُ عَلَي هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْکُمُونَ».[3] .

فکان من جملة الخطوات الإصلاحيّة الّتي قام بها الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله هو القضاء علي هذه العادات الجهنميّة والتقاليد الجاهليّة، وإلي هذه الناحية أشار القرآن الکريم بقوله تعالي: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّورَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي کَانَتْ عَلَيْهِمْ».[4] .

ولم يکتف الرسول الأقدس صلي الله عليه و آله بمکافحة هذه السلبيات عن طريق اللسان، فالکلام وحده لا يجدي نفعاً، وإنّما قام الرسول صلي الله عليه و آله بفکّ هذه الأغلال من طريق العمل، فمن جملة ذلک: أنّه زوّج ابنته الطاهرة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهاالسلام بأبسط ما يمکن، وتجسّم التساهل في ذلک الزواج المبارک بخفّة المؤونة، وانتهاء الأمر بکلّ بساطة، بعيداً عن التکاليف المجهدة المتعبة التي يفرّ من تبعاتها الشباب المغلول بسلاسل التقاليد، فيفضّل العزوبة علي الزواج المقرون بالمشاکل.







  1. سورة النور: 32.
  2. سورة التکوير: 8 و 9.
  3. سورة النحل: 58 و 59.
  4. سورة الأعراف: 157.