لحوق عليّ برسول اللَّه بعد ردّ الودائع











لحوق عليّ برسول اللَّه بعد ردّ الودائع



بعد أن نام عليّ عليه السلام ليلة المبيت علي فراش رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أقام بمکّة ثلاثة أيّام، وردّ الودائع کلّها، ثمّ کتب إليه رسول اللَّه کتاباً يأمره فيه بالمسير إليه وقلّة التلوّم[1] وکان الرسول إليه أبا واقد الليثي، فلمّا أتاه کتاب رسول اللَّه تهيّأ للخروج والهجرة، فأذن لمن کان معه من ضعفاء المؤمنين فأمرهم أن يتسلّلوا[2] ويتخفّفوا[3] إذا ملأ الليل بطن کلّ وادٍ إلي ذي طوي[4] وخرج عليّ عليه السلام بفاطمة بنت رسول اللَّه، واُمّة فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطّلب، وتبعهم أيمن بن اُمّ أيمن مولي رسول اللَّه وأبو واقد رسول رسول اللَّه، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم، فقال عليّ عليه السلام: «ارفق بالنسوة أبا واقد، إنهنّ من الضعائف»، قال: إنّي أخاف أن يدرکنا الطلب؟ فقال عليّ عليه السلام: «أربع عليک[5] فإنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال لي: يا عليّ، إنهم لن يصلوا من الآن إليک بأمر تکرهه»، ثمّ جعل - يعني عليّاً ليه السلام - يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً وهو يرتجز ويقول:


أليس إلّا اللَّه فارفع ظنّکا
يکفيک ربّ النّاس ما أهمّکا


وجرت في الطريق حوادث تجاوزها عليّ عليه السلام ومن معه حتّي قدم المدينة، وقد نزل الوحي بما کان من شأنهم قبل قدومهم: «الَّذِينَ يَذْکُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَي جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَکَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً» إلي قوله: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْکُم مِن ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَي»[6] الذکر عليّ، والاُنثي فاطمة (سلام اللَّه عليهما): «بَعْضُکُم مِن بَعْضٍ» يقول: عليّ من فاطمة أو قال: الفواطم، وهنّ من عليّ، وآية: «فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ» إلي قوله: «حُسْنُ الثَّوَابِ»[7] وتلا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَي» الآية[8] ثمّ قال: «يا عليّ، أنت أوّل هذه الاُمّة إيماناً باللَّه ورسوله، وأوّلهم هجرة إلي اللَّه ورسوله، وآخرهم عهداً برسوله، لا يحبّک - والّذي نفسي بيده - إلّا مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه للإيمان، ولا يبغضک إلّا منافق أو کافر».[9] .

وفي (الکامل لابن الأثير)، قال: لمّا فرغ عليّ عليه السلام من الّذي أمره به رسول اللَّه صلي الله عليه و آله هاجر إلي المدينة، فکان يسير الليل ويکمن النّار، حتّي قدم المدينة، وقد تفطّرت قدماه، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «ادعوا لي عليّاً»، قيل: لا يقدر أن يمشي، فأتاه النبيّ صلي الله عليه و آله، واعتنقه وبکي رحمة لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه، وأمرّهما علي قدميه فلم يشتکهما بعدُ حتّي قُتل.[10] .

وروي العلّامة الإربلي عن (تفسير الکشّاف للزمخشري) ما ملخّصه: وکتب النبيّ صلي الله عليه و آله إلي عليّ عليه السلام يأمره بالتوجّه إليه، فلمّا وصله الکتاب تهيّأ للخروج والهجرة، وخرج فنزل بالفواطم، وخرج معه أيمن بن اُمّ أيمن وجماعة من ضعفاء المؤمنين، فانطلق حتّي ضجنان، فأقام بها قدر يومه، فصلّي ليلته تلک هو والفواطم، وباتوا يذکرون اللَّه قياماً وقعوداً وعلي جنوبهم، فما زالوا کذلک حتّي طلع الفجر، فصلّي بهم صلاة الفجر وسار وهم يصنعون ذلک منزلاً فمنزلاً يعبدون اللَّه ويرغبون إليه حتّي قدم المدينة، وقد نزل الوحي بما کان من شأنهم قبل قدومهم «الَّذِينَ يَذْکُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَي جُنُوبِهِمْ» الآية، وقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: «يا عليّ، أنت أوّل هذه الاُمّة إيماناً» - الحديث.[11] .

ثمّ إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله بعد أن أقام في الغار ثلاثة أيّام، أذن اللَّه له في الهجرة[12] وقدم المدينة في شهر ربيع الأوّل لاثنتي عشرة ليلة خلت منه يوم الاثنين سنة ثلاث عشر من المبعث، وبقي رسول اللَّه خمسة عشر يوماً في قبا، نازلاً علي کلثوم بن الهدم[13] وفارقه أبوبکر ودخل المدينة ونزل علي بعض الأنصار، فرجع عن المدينة عند رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقال: يا رسول اللَّه تدخل المدينة، فإنّ القوم متشوّقون إلي نزولک عليهم؟ فقال: لا اُريم من هذا المکان حتّي يوافي أخي عليّ»، فقال أبو بکر: ما أحسب عليّاً يوافي، قال: «بلي، ما أسرعه إن شاء اللَّه!»، فبقي خمسة عشر يوماً، فوافي عليّ عليه السلام بعياله، وبقي بعد قدوم عليّ يوماً أو يومين، ثمّ رکب راحلته، فاجتمع إليه بنو عمرو بن عوف، فقالوا: يا رسول اللَّه، أقم عندنا، فإنّا أهل الجدّ والجلد والحلقة والمنعة، فقال: «خلّوا عنها فإنّها مأمورة»، حتّي مرّ ببني سالم، ونزل في مسجدهم وصلّي بهم صلاة الجمعة حيث إنّ خروجه صلي الله عليه و آله من قبا کان يوم الجمعة، ثمّرکب ناقته وأرخي زمامها إلي أن انتهت ناقته إلي باب المسجد الّذي هو اليوم ولم يکن مسجداً، فبرکت الناقة علي باب أبي أيّوب، خالد بن زيد، فنزل عنها رسول اللَّه - الحديث.[14] .

1- روي الکليني عن عليّ بن الحسين عليه السلام في جواب سعيد بن المسيّب - في حديث - قال: «حتّي هاجر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلي المدينة وخلّف عليّاً عليه السلام في اُمور لم يکن يقوم بها أحد غيره، وکان خروج رسول اللَّه من مکّة في أوّل من ربيع الأوّل، وذلک يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث، وقدم المدينة لاثنتي عشر ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل مع زوال الشمس، فنزل بقبا، فصلّي الظهر رکعتين والعصر رکعتين، ثمّ لم يزل مقيماً ينتظر عليّاً عليه السلام يصلّي الخمس صلوات رکعتين رکعتين، وکان نازلاً علي عمرو بن عوف، فاقام عندهم بضعة عشر يوماً، يقولون: أتقيم عندنا فنتّخذ لک منزلاً ومسجداً؟ فيقول صلي الله عليه و آله: لا، إنّي أنتظر عليّ بن أبي طالب، وقد أمرته أن يلحقني، ولست مستوطناً منزلاً حتّي يقدم عليّ، وما أسرعه إن شاء اللَّه، فقدم عليّ عليه السلام، والنبيّ صلي الله عليه و آله في بيت عمرو بن عوف، فنزل معه.

ثمّ إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لمّا قدم عليه عليّ عليه السلام تحوّل من قبا إلي بني سالم بن عوف وعليّ معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس، فخطّ لهم مسجداً ونصب قبلته، فصلّي بهم فيه الجمعة رکعتين، وخطب خطبتين، ثمّ راح من يومه إلي المدينة علي ناقته الّتي کان قدم عليها، وعليّ عليه السلام لا يفارقه يمشي بمشيه، وليس يمرّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ببطن من بطون الأنصار، إلّا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم، فيقول لهم: خلّوا سبيل الناقة، فإنّها مأمورة، فانطلقت به، ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله واضع لها زمامها حتّي انتهت إلي الموضع الّذي تري - وأشار بيده إلي باب مسجد رسول اللَّه الّذي يصلّي عنده بالجنائز - فوقفت عنده وبرکت ووضعت جرانها علي الأرض، فنزل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأقبل أبو أيّوب مبادراً حتّي احتمل رحله، فأدخله منزله، ونزل رسول اللَّه وعليّ عليهماالسلام معه حتّي بني له مسجده، وبنيت له مساکنه، ومنزل عليّ فتحوّلا إلي منازلهما».

فقال سعيد بن المسيّب لعليّ بن الحسين عليه السلام: جعلت فداک، کان أبو بکر مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حين أقبل إلي المدينة، فأين فارقه؟ فقال: «إنّ أبا بکر لمّا قدم رسول اللَّه إلي قبا، فنزل بهم ينتظر قدوم عليّ عليه السلام فقال له أبو بکر: انهض بنا إلي المدينة، فإنّ القوم قد فرحوا بقدومک، وهم يستبشرون إقبالک إليهم، فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر عليّاً إلي شهر، فقال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: کلّا، ما أسرعه، ولست اُريم حتّي يقدم ابن عمّي وأخي في اللَّه عزّ وجلّ، وأحبّ أهل بيتي إليَّ، فقد وقاني بنفسه من المشرکين، قال: فغضب عند ذلک أبو بکر واشمأزّ، وداخله من ذلک حسد لعليّ عليه السلام، وکان ذلک أوّل عداوة بدت منه لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأوّل خلاف علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فانطلق حتّي دخل المدينة وتخلّف رسول اللَّه بقبا، ينتظر عليّاً (صلوات اللَّه عليهما) - الحديث.[15] .







  1. التلوم: الانتظار والتمکّث.
  2. يتسلّلوا: يذهبوا خفية.
  3. يتخفّفوا: لا يحملوا معهم شيئاً يثقل عليهم.
  4. ذو طوي: موضع قرب مکّة.
  5. أربع عليک: انتظر واجلس.
  6. سورة آل عمران: 195 - 191.
  7. سورة آل عمران: 195 - 191.
  8. سورة التوبة: 111.
  9. انظر: البحار 64:19، والمناقب لابن شهرآشوب 182:1.
  10. الکامل في التاريخ: 519، طبع دار إحياء التراث - بيروت.
  11. کشف الغمّة - باب المناقب 539:1.
  12. راجع البحار 69:19.
  13. وفي روضة الکافي - کما سيأتي -: «نزل صلي الله عليه و آله علي عمرو بن عوف».
  14. انظر: بحار الأنوار 108 - 105: 19.
  15. روضة الکافي: 820، ح 536.