احتجاج المأمون علي الفقهاء بقصّة ليلة المبيت في فضيلة عليّ











احتجاج المأمون علي الفقهاء بقصّة ليلة المبيت في فضيلة عليّ



نشير إلي هذا الاحتجاج تکميلاً لإثبات الحديث، وقد مرّ صدر الاحتجاج في فصل (عليّ عليه السلام أوّل من آمن باللَّه وبرسوله)، وساق الکلام في إثبات إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام بالآيات القرآنية إلي أن قال: أجل، لولا أنّ له فضلاً لما قيل: إنّ عليّاً أفضل منه، فما فضله الّذي قصدت له الساعة؟

قلت: قول اللَّه عزّ وجلّ: «ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»[1] فنسبه إلي صحبته.

قال: يا إسحاق، أما إنّي لا أحملک علي الوعر من طريقک، إنّي وجدت اللَّه تعالي نسب إلي صحبة من رضيه ورضي عنه کافراً، وهو قوله سبحانه: «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَکَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَکَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاکَ رَجُلاً × لکِنَّ هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِکُ بِرَبِّي أَحَداً».[2] .

قلت: إنّ ذلک صاحباً کان کافراً وأبو بکر مؤمن.

قال: فإذا جاز أن ينسب إلي صحبة من رضيه کافراً، جاز أن ينسب إلي صحبة نبيّه مؤمناً، وليس بأفضل المؤمنين، ولا الثاني، ولا الثالث.

قلت: يا أمير المؤمنين: «إنّ قدر الآية عظيم، إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: «ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»؟

قال: يا إسحاق، تأبي الآن إلّا اُخرجک إلي الاستقصاء عليک، أخبرني عن حزن أبي بکر أکان رضيً أم سخطاً؟ قلت: إنّ أبا بکر لمّا حزن من أجل رسول اللَّه خوفاً عليه وغمّاً أن يصل إلي رسول اللَّه شي ء من المکروه.

قال: ليس هذا جوابي، إنّما کان جوابي أن تقول رضيً أم سخط؟ قلت: بل کان رضيً للَّه تعالي.

قال: فکان اللَّه جلّ ذکره بعث إلينا رسولاً ينهي عن رضي اللَّه عزّ وجلّ وعن طاعته، قلت: أعوذ باللَّه.

قال: أوَليس قد زعمت أنّ حزن أبي بکر رضيً للَّه؟ قلت: بلي، قال: أوَلم نجد أنّ القرآن يشهد أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: «لا تحزن» نهياً له عن الحزن؟! قلت: أعوذ باللَّه.

قال: يا إسحاق، إنّ مذهبي الرفق بک، لعلّ اللَّه يدرّک إلي الحقّ، ويعدل بک عن الباطل، لکثرة ما تستعيذُ به، وحدّثني عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَکِينَتَهُ»[3] مَن عني بذلک: رسول اللَّه أم أبا بکر؟ قلت: بل رسول اللَّه. قال: صدقت، قال: فحدّثني عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ» إلي قوله: «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَکِينَتَهُ عَلَي رَسُولِهِ وَعَلَي الْمُؤْمِنِينَ»[4] أتعلم من المؤمنين الذين أراد اللَّه في هذا الموضع؟ قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين؟ قال: النّاس جميعاً انهزموا يوم حنين، فلم يبق مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إلّا سبعة نفر - وفي بعض الأخبار تسعة نفر - من بني هاشم، عليّ يضرب بسيفه بين يدي رسول اللَّه، والعبّاس آخذ بلجام بلغة رسول اللَّه، والخمسة - أو السبعة - محدقون به خوفاً من أن يناله من جراح القوم شي ء حتّي أعطي اللَّه لرسوله الظفر، فالمؤمنون في هذا الموضع عليّ خاصّة، ثمّ من حضره من بني هاشم، قال: فمن أفضل، من کان مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في ذلک الوقت، أم من انهزم عنه، ولم يره اللَّه موضعاً لينزلها عليه؟ قلت: بل ما اُنزلت عليه السکينة.

قال: يا إسحاق، من أفضل: من کان معه في الغار، أم من نام علي فراشه ووقاه بنفسه حتّي تمّ لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله ما أراد من الهجرة؟ إنّ اللَّه تعالي أمر رسوله أن يأمر عليّاً بالنوم علي فراشه، وأن يقي رسول اللَّه بنفسه، فأمره رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بذلک فبکي عليّ، فقال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «ما يبکيک يا عليّ، أجزعاً من الموت؟»، قال: لا، والّذي بعثک بالحقّ يا رسول اللَّه، ولکن خوفاً عليک، أفتسلم يا رسول اللَّه؟»، قال: «نعم»، قال: «سمعاً وطاعةً وطيبة نفسي بالفداء لک يا رسول اللَّه»، ثمّ أتي مضجعه واضطجع وتسجّي بثوبه، وجاء المشرکون من قريش فحفّوا به، لا يشکّون أنّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقد أجمعوا أن يضربه من کلّ بطن من بطون قريش رجل ضربةً بالسيف، لئلّا يطلب الهاشميّون من البطون بطناً بدمه، وعليّ يسمع ما القوم فيه من إتلاف نفسه، ولم يدعه ذلک إلي الجزع کما جزع صاحبه في الغار، ولم يزل عليّ عليه السلام صابراً محتسباً، فبعث اللَّه ملائکته فمنعته من مشرکي قريش حتّي أصبح، فلمّا أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا: أين محمّد؟ قال: «وما علمي بمحمّد، أين هو؟»، قالوا: فلا نراک إلّا مغرِّراً بنفسک منذ ليلتنا.

فلم يزل عليّ أفضل ما بدأ به، يزيد ولا ينقص حتّي قبضه اللَّه إليه.[5] .







  1. سورة التوبة: 40.
  2. سورة الکهف: 37 و 38.
  3. التوبة 40.
  4. سورة التوبة 25 و 26.
  5. العقد الفريد 98:5، الإحقاق 189:3.