ليلة الهجرة و نوم عليّ علي فراش رسول اللَّه











ليلة الهجرة و نوم عليّ علي فراش رسول اللَّه



لقد کان عليّ عليه السلام يفدي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بنفسه منذ بدء الإسلام، سواء في حياة أبيه أبي طالب أم بعده، بل فدي أبو طالب النبيّ صلي الله عليه و آله بعليّ عليه السلام؛ إذ کان يقيم النبيّ صلي الله عليه و آله من مرقده خوفاً عليه من اغتيال المشرکين، ويُنيم ولده عليّاً عليه السلام مکانه؛ ليکون فداءً له لو قصد المشرکون اغتياله، وکذلک فدي عليّ عليه السلام النبيّ صلي الله عليه و آله بنفسه بعد وفاة أبيه، فنام علي فراشه ليلة المبيت، وقد سنّ له أبوه في حياته سنّة المحافظة علي النبيّ صلي الله عليه و آله إلي حدّ التضحية بالنفس، فاتّبعها عليّ عليه السلام بعد وفاة أبيه، ووطّن نفسه عليها، واستهان بالموت في سبيلها.

فلمّا ائتمرت قريش برسول اللَّه صلي الله عليه و آله في دار الندوة، وأسرّوا ذلک بينهم، فاجتمع رأيهم علي اغتياله ليلاً وهو صلي الله عليه و آله في فراشه، وانتخبوا من قبائلهم من کلّ قبيلة رجلاً شجاعاً، ليهجموا عليه ليلاً فيقتلوه، ويضيع في دمه القبائل، ويرضي قومه بالدية، فنزل جبرئيل علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأخبره الخبر، فتلا عليه هذه الآية: «وَإِذْ يَمْکُرُ بِکَ الَّذِينَ کَفَرُوا لِيُثْبِتُوکَ أَوْ يَقْتُلُوکَ أَوْ يُخْرِجُوکَ وَيَمْکُرُونَ وَيَمْکُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاکِرِينَ»[1] فلمّا أخبره جبرئيل بأمر اللَّه في ذلک ووحيه، وما عزم له من الهجرة، دعا رسول اللَّه عليّ بن أبي طالب لوقته، فقال له: يا عليّ، إنّ الروح هبط عليَّ بهذه الآية آنفاً يخبرني أن قريشاً اجتمعت علي المکر بي وقتلي، وإنّه أوحي إليَّ ربّي عزّ وجلّ أن أهجر دار قومي، وأن أنطلق إلي غار ثور تحت ليلتي، وأنّه أمرني أن أمرک بالمبيت علي مضجعي لتخفي بمبيتک عليه أثري، فما أنت قائل وصانع؟».

فقال عليّ عليه السلام: «أوَتسلمنّ بمبيتي هناک يا نبيّ اللَّه؟»، قال: «نعم»، فتبسّم عليّ ضاحکاً، وأهوي إلي الأرض ساجداً شکراً لما أنبأه به رسول اللَّه من سلامته، فکان عليّ أوّل من سجد للَّه شکراً، وأوّل من وضع وجهه علي الأرض بعد سجدته من هذه الاُمّة بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فلمّا رفع رأسه قال له: «امض لما اُمرت، فداک سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أکن فيه لمشيئتک وأقع منه بحيث مرادک، وإن توفيقي إلّا باللَّه»، قال: «فارقد علي فراشي، واشتمل ببردي الحضرميّ، ثمّ إنّي اُخبرک - يا عليّ - أنّ اللَّه تعالي يمتحن أولياءه علي قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه، فأشدّ النّاس بلاءً الأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، وقد امتحنک بابن عمّ، وامتحنني فيک بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل عليهماالسلام، فصبراً صبراً، فإنّ رحمة اللَّه قريب من المحسنين»، ثمّ ضمّه النبيّ صلي الله عليه و آله إلي صدره وبکي إليه وجداً به، وبکي عليّ عليه السلام جزعاً لفراق رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[2] .

ومضي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ونام عليّ عليه السلام علي فراش رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حافظاً له، وموطّناً نفسه علي القتل، واجتمعت قريش علي بابه صلي الله عليه و آله، ثمّ جعلوا يطّلعون فيرون أنّ عليّاً علي الفراش متلبّساً ببرده الحضرمي، فيقولون: إنّ هذا لمحمّد نائم عليه برده، فلم يبرحوا کذلک حتّي أصبحوا، فلمّا أصبحوا قام عليّ عليه السلام من الفراش، فقالوا: أين محمّد؟ فقال عليّ: «لا علم لي به». ومضوا وتحسّسوا عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[3] .

وروي: أنّهم ضربوا عليّاً عليه السلام وحبسوه ساعة، ثمّ ترکوه. وفي ذلک نزلت الآية: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ».[4] .







  1. سورة الأنفال: 30.
  2. راجع: البحار 60:19.
  3. البحار 39:19.
  4. المصدر السابق بعينه، و الآية 207 من سورة البقرة.