هجرة النبي الي الطائف ثم الي المدينة











هجرة النبي الي الطائف ثم الي المدينة



منذ أن بعث النبيّ صلي الله عليه و آله دأب کفّار قريش علي توجيه الضغوط الروحيّة والجسديّة والاقتصاديّة إليه، وکلّما مرّت فترة يرون خلالها ازدياد عدد من يعتنق الإسلام کان أذاهم يتضاعف.

وکان للنبيّ صلي الله عليه و آله سند وملجأ يلجأ إليه ويعتمد عليه، ألا وهو أبو طالب عليه السلام، فقد کان النبيّ صلي الله عليه و آله بمأمن ما دام أبو طالب حيّاً، وکان المشرکون يحسبون له ألف حساب، إلّا أنّ أبا طالب وخديجة قد فارقا الحياة معاً في سنة واحدة، وهي الثالثة قبل الهجرة، أي في السنة العاشرة للبعثة، وبذلک فقد النبيّ دعامة وسنداً مهمّاً[1] فهاجر بعد وفاتهما إلي الطائف مع عليّ عليه السلام حسب قول زيد ليبتعد عن ضغوط أهل مکّة من ناحية، ولدعوة بني ثقيف لعلّها تؤمن به من ناحية اُخري، غير أنّ أهل الطائف لم يکتفوا بعدم الإيمان به، بل أخرجوه من مدينتهم بتحريک من أراذلهم وسفلتهم.

وقد آوي النبيّ صلي الله عليه و آله إلي ظلّ کرم ليستريح قليلاً، فأتاه غلام نصراني اسمه عداس بشي ء من العنب، فلمّا تناوله النبيّ صلي الله عليه و آله ذکر اسم اللَّه، فکلّمه عداس في ذلک، فلم تمض فترة حتّي أسلم عداس.[2] .

ورجع النبيّ صلي الله عليه و آله من الطائف، وکان أذي المشرکين يزداد يوماً بعد يوم[3] وکان النبيّ صلي الله عليه و آله يستغلّ أدني فرصة للدعوة إلي الإسلام، فعندما کان النّاس يأتون مکّة في الأشهر الحرم، کان النبيّ صلي الله عليه و آله يعرض عليهم الإسلام، وفي تلک السنة ورد مکّة ستّة نفر[4] منهم: أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث بن رفاعة، ورافع بن مالک، وعامر بن عبد حارثة وغيرهم، وهم من الخزرج، ليطلبوا العون من کفّار مکّة، فرأوا النبيّ صلي الله عليه و آله إلي جنب الکعبة، وهو يبيّن مبادئ الإسلام، فلمّا سمعوا تلک الحقائق آمنوا بالنبيّ (صلوات اللَّه عليه)، ورجوا أن يزول الخلاف القائم بن الأوس والخزرج ببرکة النبيّ صلي الله عليه و آله، وعاد هؤلاء إلي يثرب وبدؤوا ببثّ دعوة الرسول، فلم يبق بيت في المدينة لم يذکر فيه اسم محمّد صلي الله عليه و آله.[5] .

فلمّا کان في العام القابل أقبل اُولئک الستّة، ومعهم ستّة آخرون، منهم: أسعد بن زرارة، وعوف، ومعاذ، وذکران بن قيس، وعُبادة بن الصلت... فلقوا النبيّ صلي الله عليه و آله عند العقبة، وبايعوه علي أن لا يشرکوا باللَّه شيئاً... وقالوا: فابعث معنا رجلاً من أصحابک يقرأ علينا القرآن، ويعلّمنا شرائع الإسلام، فبعث معهم النبيّ صلي الله عليه و آله مُصعب بن عمير ليقرئهم القرآن، ويعلّمهم الإسلام، وسمّيت هذه البيعة بيعة العقبة الاولي.

فلمّا کان في العام الثالث - بعد ما شارع الإسلام في الأنصار - جاء من المدينة ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان إلي مکّة في الموسم من ذي الحجّة، وبايعوا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في دار عبدالمطّلب عند العقبة، علي أن يمنعوه ممّا يمنعون نساءهم وأبناءهم وأنفسهم، وأن يصبروا علي حرّ السيف، فاختار رسول اللَّه صلي الله عليه و آله منهم اثني عشر نقيباً، تسعة من الخزرج، منهم: أسعد بن زرارة، والبراء بن معرور وثلاثة من الأوس، وهم: أبو الهيثم بن التيهان، واُسيد بن حضير، وسعد بن خثيمة، وانصرفوا إلي المدينة، فکان کلّما اشتدّ البلاء علي المؤمنين بمکّة استأذنوا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في الهجرة إلي المدينة، فأذن لهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بأن يخرجوا إلي المدينة. وعند قدومهم المدينة علي الأنصار أکرموهم وأنزلوهم في دورهم وآووهم ونصروهم وواسوهم، وسمّيت هذه البيعة بيعة العقبة الثانية.

ثم أمر رسول اللَّه (صلوات اللَّه عليه) أصحابه بالهجرة إلي المدينة، فکان أوّل من قدم المدينة أبو سلمة بن عبدالأسد، فلمّا علم المشرکون بذلک، وأنّه صار للمسلمين ملجأٌ ودارٌ للهجرة، شقّ عليهم ذلک، فاجتمع رؤساؤهم بدار الندوة لينظروا ما يصنعون بالنبيّ علي قول، فکانوا عشرة، منهم: شيبة، وعتبة، وأبو جهل، وعقبة بن أبي معيط... فجاءهم إبليس في صورة الشيخ النجدي، وکانت آراؤهم في ذلک مختلفة حتّي قال أبو جهل: ورأيي أن تأخذوا من کلّ بطن من قريش غلاماً، وتدفعوا إليهم سيفاً، فيضربوا محمّداً ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرّق دمه في قبائل قريش کلّها، فلا يقدر بنو هاشم علي حرب قريش کلّها، فيرضون بالديّة، فقال إبليس: هذا هو الرأي، فتفرّقوا علي رأي أبي جهل مجتمعين علي قتل محمّد صلي الله عليه و آله، فأتي جبرئيل إلي النبيّ صلي الله عليه و آله وأخبره بذلک، وأمره بالهجرة في الليلة الّتي اجتمعوا علي قتله فيها، وأمره أن يبيت عليّاً عليه السلام في مضجعه، فصار هذا سبباً لهجرته إلي المدينة، وسبباً لقوّة الإسلام وشوکته ومبدأ تاريخ المسلمين صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلي المهاجرين معه.[6] .







  1. في الکافي (449:1): عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «لمّا توفّي أبو طالب رحمه الله نزل جبرئيل علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فقال: يا محمّد، اخرج من مکّة، فليس لک بها ناصر، وثارت قريش بالنبيّ صلي الله عليه و آله، فخرج هارباً حتّي جاء إلي جبل مکّة يقال له الحجون فصار إليه».
  2. انظر: تاريخ اليعقوبي 26:2، وسيرة ابن هشام 28:2.
  3. راجع: البحار 6:19 و 7.
  4. وذکر ابن الأثير في تاريخه: «سبعة نفر».
  5. راجع: سيرة ابن هشام: 49 - 62، والبحار 8:19، والکامل في التاريخ 511:1.
  6. راجع: سيرة ابن هشام 49:2، والفصول المهمّة لابن الصباغ المالکي: 45، والمناقب لابن شهرآشوب 181:1، والبحار 8:19، والکامل في التاريخ 515:1.