شبهة من ابن حزم ودفعها











شبهة من ابن حزم ودفعها



قال ابن حزم الأندلسي في (الملل والنِّحل)[1] في ردّ اخوّة عليّ عليه السلام مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، قوله صلي الله عليه و آله: «لو کنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بکر خليلاً، ولکن أخي وصاحبي».

قال ابن حزم: وهذا الّذي لا يصحُّ غيره، وأمّا اُخوّة عليّ، فلا تصحُّ إلّا مع سهل بن حنيف.

أمّا الجواب عنه فواضح، حيث إنّ الروايات وردت بطرق عديدة أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله آخي بين أبي بکر وعمر، لا بين أبي بکر ونفسه، بل المؤاخاة في ذلک اليوم وقعت بينه وبين عليّ عليه السلام، کما مرّت بعض ما ورد من الروايات في هذا الباب.

وقال العلّامة الأميني (غفر اللَّه له) في جواب الشبهة المذکورة: هذه الاخوّة بالمعني الخاصّ الثابتة لأمير المؤمنين ممّا يخصّ به عليه السلام، ولا يدّعيها بعده إلّا کذّاب علي ما ورد في الصحيح، وکانت مطّردة بين الصحابة کلقب يعرف به، تداولته الأندية، وحوته المحاورات، ووقع الحجاج به، وتضمّنه الشعر السائر، ولو ذهبنا إلي جمع شوارد هذا الباب لجاء منه کتابٌ ضخم، غير أنّا نختار منها نبذاً:

فمنها: آخي رسول اللَّه بين أصحابه، فآخي بين أبي بکر وعمر، وفلان وفلان، فجاءه عليّ، فقال: «آخيت بين أصحابک ولم تؤاخ بيني وبين أحد؟»، فقال رسول اللَّه: «أنت أخي في الدنيا والآخر».

قال الأميني قدس سره: ينتهي سند هذا الحديث إلي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، عمر بن الخطّاب، أنس بن مالک، زيد بن أبي أوفي، عبداللَّه بن أبي أوفي، ابن عبّاس، مخدوج بن زيد، جابر بن عبداللَّه، أبي ذرّ الغفاري، عامر بن ربيعة، عبداللَّه بن عمر، أبي اُمامة، زيد بن أرقم، وسعيد بن المسيّب.[2] ثمّ قال: راجع: جامع الترمذي (213:2)، مصابيح البغوي (199:2)، مستدرک الحاکم (14:3)، الاستيعاب (460:2)، وعدّ حديث المؤاخاة من الآثار الثابتة، وتيسير الوصول (271:3)، مشکاة المصابيح هامش المرقاة (569:5)، الرياض النضرة (167:2)، وقال في الرياض النضرة (212:2): ومن أدلّ دليل علي عظم منزلة عليّ عليه السلام من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله صنيعه في المؤاخاة، فإنّه جعل يضمّ الشکل إلي الشکل، يؤلّف بينهما إلي أن آخي بين أبي بکر وعمر، وادّخر عليّاً لنفسه وخصّه بذلک، فيا لها مفخرة وفضيلة.

ثمّ ذکر العلّامة الأميني خمسين حديثاً في اخوّة عليّ عليه السلام مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بطرق عديدة من رواة العامّة. ونحن نصفح عن ذکرها توخّياً للاختصار؛ ولأنّا ذکرنا بعضاً منها في الفصل.

و أيضاً - بعد ذکر الأخبار المتکثّرة - قال: ولشهرة هذه الأثارة وثبوتها لأمير المؤمنين عليه السلام؛ ولأهمّيتها الکبري عند الاُمّة، وإعرابها عن المماثلة والمشاکلة في الفضيلة بينه وبين رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أخذها رجال القريش من الصحابة والتابعين کحسّان بن ثابت والنجاشي وتبعهم شعراء القرون من الفريقين حتّي اليوم فصبّوها في بوتقة النظم.[3] .







  1. عن العلّامة الأميني قدس سره في کتاب الغدير 323: 1، في وصف کتاب (الملل والنِّحل) لابن حزم الأندلسي، قال: ما عساني أن أکتب عن شخصيّته، أجمع فقهاء عصره علي تضليله والتشنيع عليه، ونهي العوام عن الاقتراب منه، وحکموا بإحراق تأليفه ومدوّناته مهما وجدوا الضلال في طيّاتها، کما في لسان الميزان 200:4ويُعرّفه الآلوسي عند ذکره بقوله: الضالّ المضلّ، (کما في تفسيره 76:21) ثمّ قال: ما عساني أن أقول في مؤلَّف لا يتحاشا عن الکذب علي اللَّه ورسوله، ولا يبالي بالجرأة علي مقدّسات الشرع النبويّ، وقذف المسلمين بکلّ فاحشة، والأخذ بمخاريق القول وسقطات الرأي.
  2. هذا الحديث بوحدته متواتر علي رأي ابن حزم (الملعون) في التواتر.
  3. من أراد التفصيل فليراجع الغدير 125 - 112: 3.