تنبيه وتكملة في الأحاديث المخالفة لما مضي، وجوابها











تنبيه وتکملة في الأحاديث المخالفة لما مضي، وجوابها



وقد وردت في بعض کتب التفسير ذيل الآية: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ»، وفي قصّة الإنذار أخبار خلاف ما ذکرناه، ونحن نذکر أربع روايات مذکورة في تفسير الدر المنثور، ثمّ ما هو الحقّ في حديث الإنذار؟

الحديث الاول ما رواه السيوطي عن أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذ،ر وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل، عن أبي هريرة، قال: لمّا نزلت هذه الآية: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ» دعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قريشاً وعمّ وخصّ، فقال: «يا معشر قريش، أنقذوا أنفسکم من النّار، فإنّي لا أملک لکم ضرّاً ولا نفعاً. يا معشر بني کعب بن لؤيّ، أنقذوا أنفسکم من النّار، فإنّي لا أملک لکم ضرّاً ولا نفعاً. يا معشر بني عبدمناف، أنقذوا أنفسکم من النّار، فإنّي لا أملک لکم ضرّاً ولا نفعاً. يا بني عبدالمطّلب، أنقذوا أنفسکم من النّار، فإنّي لا أملک لکم ضرّاً ولا نفعاً. يا فاطمة بنت محمّد، أنقذي نفسکِ من النّار، فإنّي لا أملک لکِ ضرّاً ولا نفعاً، ألا إنّ لکم رحماً وسأبلّها ببلالها».[1] .

الحديث الثاني أيضاً عن السيوطي عن عبد بن حميد وابن مردويه، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ» جعل يدعوهم قبائل.[2] .

الحديث الثالث ايضاً روي السيوطي عن سعيد بن منصور، والبخاري، وابن مردويه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ» ورهطک منهم المخلصين[3] خرج النبيّ حتّي صعد علي الصفا فنادي: يا صباحاه، فقالوا: مَن هذا الّذي يهتف؟ قالوا: محمّد، فاجتمعوا إليه، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهب وقريش، فقال: «أرأيتکم لو أخبرتکم أنّ خيلاً بالوادي تريد أن تُغير عليکم أکنتم مصدّقيّ؟»، قالوا: نعم، ما جرّبنا عليک إلّا صدقاً، قال: «فإنّي نذير لکم بين يدي عذاب شديد».

فقال أبو لهب: تبّاً لک سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ».[4] .

الحديث الرابع ايضاً رواه السيوطي عن الطبراني وابن مردويه عن أبي اُمامة، قال: لمّا نزلت: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ» جمع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بني هاشم فأجلسهم علي الباب، وجمع نساءه وأهله، فأجلسهم في البيت، ثمّ اطّلع عليهم، فقال: «يا بني هاشم، اشتروا أنفسکم من النّار، واسعوا في فکاک رقابکم، وافتکّوها بأنفسکم من اللَّه، فإنّي لا أملک لکم من اللَّه شيئاً»، ثمّ أقبل علي أهل بيته، فقال: «يا عائشة بنت أبي بکر، ويا حفصة بنت عمر، ويا اُمّ سلمة، ويا فاطمة بنت محمّد، ويا اُمّ الزبير عمّة رسول اللَّه، اشتروا أنفسکم من اللَّه، واسعوا في فکاک رقابکم، فإنّي لا أملک لکم من اللَّه شيئاً، ولا اُغني»، فبکت عائشة وقالت: وهل يکون ذلک يوم لا تغني عنّا شيئاً؟ قال: «نعم، في ثلاثة مواطن يقول اللَّه عزّ وجلّ: «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ» الآية[5] فعند ذلک لا أغني عنکم من اللَّه شيئاً، ولا أملک لکم من اللَّه شيئاً، وعند النور من شاء اللَّه أتمّ له نوره، ومن شاء أکبّه في الظلمات يغمّه فيها، فلا أملک لکم من اللَّه شيئاً، ولا اُغني عنکم من اللَّه شيئاً، وعند الصراط مَن شاء اللَّه سلّمه، ومَن شاء أجازه، ومَن شاء کبکبه في النّار» - الحديث.[6] .

أقول: في معني هذه الروايات وبعض الروايات الأُخر أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله خصّ بني عبد مناف بالإنذار، فيشمل بني اُميّة وبني هاشم جميعاً.[7] .

اما الجواب عن الروايات المذکورة:

قال العلّامة الطباطبائي في تفسيره القيّم الشريف المسمّي بالميزان:

أمّا الرواية الرابعة، فقوله تعالي: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ» آية مکّيّة في سورة مکّيّة[8] ولم يقل أحد بنزول الآية بالمدينة، وأين کانت يوم نزولها عائشة وحفصة واُمّ سلمة، ولم يتزوّج النبيّ صلي الله عليه و آله بهنّ إلّا في المدينة؟!

وأمّا الروايات الثلاث الاُول فلا تنطبق عليها الآية «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ»؛ لأنّها تعمّم الإنذار قريشاً عامّة، والآية تصرّح بالعشيرة الأقربين، وهم إمّا بنو عبدالمطّلب أو بنو هاشم، وأبعد ما يکون من الآية الرواية الثانية حيث تقول: جعل يدعوهم قبائل قبائل؟!

قال معتمد من الروايات ما يدلّ علي أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله خصّ بالإنذار يوم نزول الآية بني هاشم أو عبدالمطّلب، ومن عجيب الکلام قول الآلوسي بعد نقل الروايات: وإذا صحّ الکلّ فطريق الجمع أن يقال بتعدّد الإنذار[9] وکما تري لا يصحّ هذا الجمع؛ لأنّ الإنذار اتّفق مرّة واحدة، وهو أوّل بداية الإسلام لا أکثر.







  1. تفسير الدرّ المنثور 95:5.
  2. تفسير الدرّ المنثور 96:5.
  3. قوله: «ورهطک منهم المخلصين» ليس من الآية، بل من الراوي.
  4. تفسير الدرّ المنثور 96:5.
  5. سورة الأنبياء: 47.
  6. تفسير الدرّ المنثور 96:5.
  7. انظر المصدر السابق 97 - 95: 5.
  8. وهي سورة الشعراء.
  9. راجع تفسير الميزان 365:15.