النضر بن الحارث رئيس بني عبدالدار











النضر بن الحارث رئيس بني عبدالدار



قال ابن هشام في سيرته:195:1:

(وکان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن کان يؤذي رسول الله صلي الله عليه وسلم وينصب له العدواة، وکان قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوک الفرس وأحاديث رستم واسفنديار، فکان إذا جلس رسول الله صلي الله عليه وسلم مجلساً فذکر فيه بالله، وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثاً منه، فهلم إلي فأنا أحدثکم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوک فارس ورستم واسبنديار، ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثاً مني؟!

قال ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني: سأنزل مثل ما أنزل الله.

قال ابن إسحاق: وکان ابن عباس رضي الله عنهما يقول فيما بلغني: نزل فيه ثمان آيات من القرآن، قول الله عزوجل: إذا تتلي عليه آياتنا قال أساطير الأولين. وکل ما ذکر فيه الأساطير من القرآن). انتهي.

وذکر ابن هشام239:1 قول النضر عن النبي صلي الله عليه وآله (وما حديثه إلا أساطير الأولين اکتبتها کما اکتتبتها!).

وقال السيوطي في الدر المنثور:181:3:

(وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: نزلت في النضر: وإذ قالوا اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء، وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب، ولقد جئتمونا فرادي کما خلقناکم أول مرة، وسأل سائل بعذاب واقع! قال عطاء رضي الله عنه: لقد نزل فيه بضع عشرة آية من کتاب الله). انتهي.

وروي نحوه في:297:5 عن عبدبن حميد.

وقال عنه في تفسير الجلالين: 540 (وهو النضر بن الحارث، کان يأتي الحيرة يتجر فيشتري کتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مکة ويقول: إن محمداً يحدثکم أحاديث عاد وثمود، وأنا أحدثکم أحاديث فارس والروم، فيستملحون حديثه ويترکون استماع القرآن!). انتهي.

وقد عرفت أن مصادرنا وعدداً من مصادر السنيين ذکرت أن السائل بالعذاب الواقع هو جابر بن النضر بن الحارث، أو الحارث الفهري. وأن أکثر مصادر السنيين رجحت أنه أبوه النضر بن الحارث، اعتماداً علي روايات عن ابن جبير وابن عباس غير مرفوعة.

فقد روي الحاکم في المستدرک:502:2 (عن سعيد بن جبير، سأل سائل بعذاب واقع، قال: هو النضر بن الحارث بن کلدة، قال: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء).

وقال السيوطي في الدر المنثور:263:6 أخرج الفريابي، وعبدبن حميد، والنسائي، وابن أبي حاتم، والحاکم وصححه، وابن مردويه، عن ابن عباس... إلخ). انتهي.

ولم أجد في مصادر السيرة والتراجم عن الابن غير قصة هلاکه بحجر من السماء، لکفره وبغضه لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله، ولعله کان شاباً، أو أنهم عتَّموا علي ذکره حسداً لأهل البيت عليهم السلام. ويدل الموجود في مصادر السيرة علي أن الأب أسوأ من الأبن بکثير، لأنه من کبار الفراعنة الذين واجهوا النبي صلي الله عليه وآله، ولعل ابنه لو عاش لفاق أباه کفراً وعتواً!!


وکان النضر عضو مجلس الفراعنة المتآمرين علي النبي صلي الله عليه وآله قال ابن هشام:191:1 (ثم إن الإسلام جعل يفشو بمکة في قبائل قريش في الرجال والنساء، وقريش تحبس من قدرت علي حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من المسلمين. ثم إن أشراف قريش من کل قبيلة... اجتمع عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبوسفيان بن حرب، والنضر بن الحارث أخو بني عبدالدار، وأبوالبختري بن هشام، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبوجهل بن هشام، وعبدالله بن أبي أمية، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان، وأمية بن خلف، أو من اجتمع منهم... قال: اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الکعبة، قال بعضهم لبعض: إبعثوا إلي محمد فکلموه وخاصموه حتي تعذروا فيه. فبعثوا إليه: إن أشراف قومک قد اجتمعوا لک ليکلموک فأتهم، فجاءهم رسول الله صلي الله عليه وسلم... فقالوا له: يا محمد، إنا قد بعثنا إليک لنکلمک، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل علي قومه مثل ما أدخلت علي قومک، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة، فما بقي أمرٌ قبيحٌ إلا قد جئته فيما بيننا وبينک- أو کما قالوا-: فإن کنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لک من أموالنا حتي تکون أکثرنا مالاً.

وإن کنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسودک علينا.

وإن کنت تريد به ملکاً ملکناک علينا.

وإن کان هذا الذي يأتيک رئياً تراه قد غلب عليک- وکانوا يسمون التابع من الجن رئياً- فربما کان ذلک بذلنا لک أموالنا في طلب الطب لک حتي نبرئک منه، أو نعذر فيک!

فقال لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتکم به أطلب أموالکم، ولا الشرف فيکم، ولا الملک عليکم، ولکن الله بعثني إليکم رسولاً، وأنزل علي کتاباً، وأمرني أن أکون لکم بشيراً ونذيراً، فبلغتکم رسالات ربي ونصحت لکم، فإن تقبلوا مني ما جئتکم به فهو حظکم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله، حتي يحکم الله بيني وبينکم.... الي آخر مناظرتهم.

وقال ابن هشام:331:2:

(عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما أجمعوا لذلک واتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وکان ذلک اليوم يسمي يوم الزحمة... وقد اجتمع فيها أشراف قريش من بني عبدشمس: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبوسفيان بن حرب. ومن بني نوفل بن عبدمناف: طعيمة بن عدي، وجبير بن مطعم، والحارث بن عامر بن نوفل. ومن بني عبدالدار بن قصي: النضر بن الحارث بن کلدة... إلخ.

فقال أبوجهل بن هشام: والله إن لي فيه رأياً ما أراکم وقعتم عليه بعد.

قالوا: وما هو يا أباالحکم؟

قال: أري أن نأخذ من کان قبيلة فتي شاباً جليداً نسيباً وسيطاً فينا، ثم نعطي کل فتي منهم سيفاً صارماً، ثم يعمدوا إليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه، فإنهم إذا فعلوا ذلک تفرق دمه في القبائل جميعها، فلم يقدر بنو عبدمناف علي حرب قومهم جميعاً، فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم. انتهي. ورواه الطبري في تاريخه:98:2

وکان النضر رسول قريش إلي اليهودجاء في سيرة ابن هشام:195:1

(قام النضر بن کلدة بن علقمة بن عبدمناف بن عبدالدار بن قصي... قال: يا معشر قريش إنه والله قد نزل بکم أمرٌ ما أتيتم له بحيلة بعد، قد کان محمد فيکم غلاماً حدثاً، أرضاکم فيکم، وأصدقکم حديثاً، وأعظمکم أمانة، حتي إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءکم بما جاءکم به، قلتم ساحر، لاوالله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم. وقلتم کاهن، لاوالله ما هو بکاهن، قد رأينا الکهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم. وقلتم شاعر، لاوالله ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه کلها: هزجه ورجزه. وقلتم مجنون، لاوالله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقة، ولا وسوسته، ولا تخليطه. يا معشر قريش فانظروا في شأنکم، فإنه والله لقد نزل بکم أمر عظيم...

فلما قال لهم ذلک النضر بن الحارث بعثوه، وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلي أحبار يهود بالمدينة، وقالوا لهما: سلاهم عن محمد وصفاً لهم صفته، وأخبراهم بقوله، فإنهم أهل الکتاب الأول، وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء. فخرجا حتي قدما المدينة، فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره، وأخبراهم ببعض قوله وقالا لهم: إنکم أهل التوراة، وقد جئناکم لتخبرونا عن صاحبنا هذا؟

فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمرکم بهن، فإن أخبرکم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول فَرَوْا فيه رأيکم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول: ما کان أمرهم، فإنه قد کان لهم حديث عجيب؟ وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما کان نبأه؟ وسلوه عن الروح ما هي؟ فإذا أخبرکم بذلک فاتبعوه فإنه نبي، وإن لم يفعل فهو رجلٌ متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لکم... إلي آخر القصة. ورواها في عيون الأثر:142:1.

کاتب الصحيفة الملعونة الأولي ضد بني هاشم

قال ابن هشام:234:1:

(اجتمعوا بينهم أن يکتبوا کتاباً يتعاقدون فيه علي بني هاشم، وبني المطلب، علي أن لاينکحوا إليهم ولا ينکحوهم، ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا لذلک کتبوه في صحيفة، تعاهدوا وتواثقوا علي ذلک، ثم علقوا الصحيفة في جوف الکعبة توکيداً علي أنفسهم، وکان کاتب الصحيفة منصور بن عکرمة بن عامر بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار بن قصي. قال ابن هشام: ويقال النضر بن الحارث، فدعا عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم، فشل بعض أصابعه).

وقال ابن واضح اليعقوبي في تاريخه:31:2:

(وهمت قريش بقتل رسول الله، وأجمع ملأها علي ذلک، وبلغ أباطالب فقال:


والله لن يصلوا إليک بجمعهم
حتي أغيَّبَ في التراب دفينا


ودعوتني وزعمت أنک ناصح
ولقد صدقت وکنت ثَمَّ أمينا


وعرضت ديناً قد علمت بأنه
من خير أديان البرية دينا


فلما علمت قريش أنهم لايقدرون علي قتل رسول الله صلي الله عليه وآله وأن أباطالب لايسلمه، وسمعت بهذا من قول أبي طالب، کتبت الصحيفة القاطعة الظالمة ألا يبايعوا أحداً من بني هاشم، ولا يناکحوهم، ولا يعاملوهم، حتي يدفعوا إليهم محمدا فيقتلوه.

وتعاقدوا علي ذلک وتعاهدوا، وختموا علي الصحيفة بثمانين خاتماً، وکان الذي کتبها منصور بن عکرمة بن عامر بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار، فشلت يده.

ثم حصرت قريش رسول الله وأهل بيته من بني هاشم وبني المطلب بن عبدمناف في الشعب الذي يقال له شعب أبي طالب ست سنين من مبعثه. فأقام ومعه جميع بني هاشم وبني المطلب في الشعب ثلاث سنين، حتي أنفق رسول الله ماله، وأنفق أبوطالب ماله، وأنفقت خديجة بنت خويلد مالها، وصاروا إلي حد الضر والفاقة.

ثم نزل جبريل علي رسول الله فقال: إن الله بعث الأرضة علي صحيفة قريش فأکلت کل ما فيها من قطيعة وظلم، إلا المواضع التي فيها ذکر الله! فخبر رسول الله أباطالب بذلک، ثم خرج أبوطالب ومعه رسول الله وأهل بيته حتي صار إلي الکعبة فجلس بفنائها، وأقبلت قريش من کل أوب فقالوا: قد آن لک يا أباطالب أن تذکر العهد وأن تشتاق إلي قومک، وتدع اللجاج في ابن أخيک! فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتکم فلعلنا أن نجد فرجاً وسبباً لصلة الأرحام وترک القطيعة، وأحضروها وهي بخواتيمهم. فقال: هذه صحيفتکم علي العهد لم تنکروها؟ قالوا: نعم.

قال: فهل أحدثتم فيها حدثاً؟ قالوا: اللهم لا.

قال: فإن محمداً أعلمني عن ربه أنه بعث الأرضة فأکلت کل ما فيها إلا ذکر الله، أفرأيتم إن کان صادقاً ماذا تصنعون؟ قالوا: نکف ونمسک.

قال: فإن کان کاذباً دفعته إليکم تقتلونه.

قالوا: قد أنصفت وأجملت. وفضت الصحيفة فإذا الأرضة قد أکلت کل ما فيها إلا مواضع بسم الله عزوجل!! فقالوا: ما هذا إلا سحر، وما کنا قط أجد في تکذيبه منا ساعتنا هذه!! وأسلم يومئذ خلق من الناس عظيم، وخرج بنو هاشم من الشعب وبنو المطلب فلم يرجعوا إليه). انتهي.

قال ابن کثير في تاريخه:121:3 وسيرته:69:2 قال ابن إسحاق: فلما مزقت وبطل ما فيها، قال أبوطالب، فيما کان من أمر أولئک القوم الذين قاموا في نقض الصحيفة يمدحهم:


ألا هل أتي بحرينا صنع ربنا
علي نأيهم والله بالناس أرود


فيخبرهم أن الصحيفة مزقت
وأن کل ما لم يرضه الله مفسد


تراوحها إفک وسحر مجمع
ولم يلف سحرا آخر الدهر يصعد


تداعي لها من ليس فيها بقرقر
فطائرها في رأسها يتردد


وکانت کفاء وقعة بأثيمة
ليقطع منها ساعد ومقلد


ويظعن أهل المکتين فيهربوا
فرائصهم من خشية الشر ترعد


ويترک حراث يقلب أمره
أيتهم فيها عند ذاک وينجد


فمن ينش من حضار مکة عزة
فعزتنا في بطن مکة أتلد


نشأنا بها والناس فيها قلائل
فلم ننفک نزداد خيرا ونحمد


وبعده في السيرة:


وتصعد بين الاخشبين کتيبة
لها حدج سهم وقوس ومرهد


ونطعم حتي يترک الناس فضلهم
إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد


جزي الله رهطا بالحجون تبايعوا
علي ملا يهدي لحزم ويرشد


قعودا لذي خطم الحجون کأنهم
مقاولة بل هم أعز وأمجد


أعان عليها کل صقر کأنه
إذا مامشي في رفرف الدرع أحرد


جرئ علي جلي الخطوب کأنه
شهاب بکفي قابس يتوقد


(ألا إن خير الناس نفسا ووالداً
إذا عد سادات البرية أحمد


نبي الإله والکريم بأصله
وأخلاقه وهو الرشيد المؤيد


جرئ علي جلي الخطوب کأنه
شهاب بکفي قابس يتوقد


(من الاکرمين من لؤي بن غالب
إذا سيم خسفا وجهه يتربد


طويل النجاد خارج نصف ساقه
علي وجهه يسقي الغمام ويسعد


عظيم الرماد سيد وابن سيد
يحض علي مقري الضيوف ويحشد


والخبر في سيرة ابن هشام:254:1 وفي هامشه: (بحرينا: قال السهيلي: يعني الذين بأرض الحبشة، والذين هاجروا إليها من المسلمين في البحر. قال السهيلي: وللنساب من قريش في کاتب الصحيفة قولان، أحدهما: إن کاتب الصحيفة هو بغيض بن عامر بن هاشم بن عبدالدار.

والقول الثاني: أنه منصور بن عبدشر

حبيل بن هاشم من بني عبدالدار أيضا!! وهو خلاف قول ابن إسحاق، ولم يذکر الزبير في کاتب الصحيفة غير هذين القولين، والزبيريون أعلم بأنساب قومهم). انتهي.

والأبيات الثلاثة التي وضعناها بين قوسين لاتوجد في نسخة ابن هشام ولا ابن کثير المتداولة، وقد ذکرها الأميني رحمه الله 366:7) و في روايته عن ابن کثير.. ومن عادة قدماء الرواة والمؤلفين السنيين أن يحذفوا أمثالها، لأنها تضر بزعمهم أن أباطالب رضوان الله عليه مات مشرکاً ولم يسلم!! وقال الأميني رحمه الله: (توجد في ديوان أبي طالب أبيات من هده القصيدة غير ما ذکر لم نجدها في غيره.


وقد کان في أمر الصحيفة عبرة
متي ما يخبر غائب القوم يعجب


محي الله منها کفرهم وعقوقهم
وما نقموا من ناطق الحق معرب


فأصبح ما قالوا من الأمر باطلا
ومن يختلق ما ليس بالحق يکذب


انتهي. وهي أبيات من قصيدة طويلة لأبي طالب رضوان الله عليه، يبدو أنه قالها قبل القصيدة المتقدمة. وقد روي منها الشيخ المفيد رحمه في (إيمان أبي طالب) ص33 وکذا ابن شهرا شوب في مناقب آل ابي طالب:-:60:1 کما رواها البحراني رحمه الله في حلية الأبرار: 79:1 (و)86 عن تفسير علي بن ابراهيم بن هاشم قال: حدثنا علي بن جعفر، قال: حدثني محمد بن عبدالله الطائي، قال: حدثنا محمد بن أبي عمير، قال: حدثنا حفص الکناسي، قال: سمعت عبدالله بن بکر الأرجاني...: (فقال أبوطالب: يا قوم اتقوا الله وکفوا عما أنتم عليه، فتفرق القوم ولم يتکلم أحد، ورجع أبوطالب إلي الشعب، وقال في ذلک قصيدته البائية، التي أولها:


ألا من لهم آخر الليل منصب
وشعب العصا من قومک المتشعب


وقد کان في أمر الصحيفة عبرة
متي ما يخبر غائب القوم يعجب


محا الله منها کفرهم وعقوقهم
وما نقموا من ناطق الحق معرب


وأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً
ومن يختلق ما ليس بالحق يکذب


وأمسي ابن عبدالله فينا مصدقاً
علي سخط من قومنا غير معتب


فلا تحسبونا مسلمين محمداً
لذي عزة منا ولا متعرب


ستمنعه منا يدٌ هاشميةٌ
مرکبها في الناس خير مرکب


انتهي

وقد بحثنا في المجلد الثالث من العقائد الاسلامية، افتراء قريش علي بني هاشم وزعمها أن أباطالب مات مشرکاً!!

وکان النضر من المطعمين جيش قريش في بدرتقدم في البحث الخامس أن النضر أحد الرهط الذين کانوا يطعمون جيش قريش في حرب بدر، وقد عده النبي صلي الله عليه وآله من أفلاذ أکباد مکة عاصمة قريش! (ابن هشام:488:2 وتاريخ الطبري:142:2).

نهاية الأول من فراعنة (سأل سائل)

قال ابن هشام في سيرته:207-2:206:

(ثم أقبل رسول الله صلي الله عليه وسلم قافلاً إلي المدينة، ومعه الأساري من المشرکين، وفيهم عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث... قال ابن إسحاق: حتي إذا کان رسول الله صلي الله عليه وسلم بالصفراء، قتل النضر بن الحارث، قتله علي بن أبي طالب، کما خبرني بعض أهل العلم من أهل مکة. قال ابن إسحاق: ثم خرج حتي إذا کان بعرق الظبية، قتل عقبة ابن أبي معيط. (راجع أيضاً سيرة ابن هشام:286:2 و527 وتاريخ الطبري:157:2 و286).

وفي معجم البلدان:94:1:

الأثيل: تصغير الأثل موضعٌ قرب المدينة، وهناک عين ماء لآل جعفر بن أبي طالب، بين بدر ووادي الصفراء، ويقال له ذو أثيل.... وکان النبي صلي الله عليه وسلم، قتل عنده النضر بن الحارث بن کلدة، عند منصرفه من بدر، فقالت قتيلة بنت النضر ترثي أباها، وتمدح رسول الله صلي الله عليه وسلم:


يا راکباً إن الأثيل مظنةٌ
من صبحِ خامسةٍ، وأنت موفقُ


بلغ به ميتاً، فإن تحيةً
ما إن تزال بها الرکائب تخفق


مني إليه، وعبرةً مسفوحةً
جادت لمائحها وأخري تخنق


فليسمعن النضر، إن ناديته
إن ان يسمع ميت أو ينطق


ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
لله أرحام هناک تشقق!


أمحمد! ولأنت ضن ء نجيبة
في قومها، والفحل فحل معرق


لو کنت قابل فدية، فلنأتين
بأعزماً يغلو لديک وينفق


ما کان ضرک لو مننت وربما
مَنَّ الفتي، وهو المغيظ المحنق


والنضر أقرب من أصبت وسيلة
وأحقهم، إن کان عتق يعتق


فلما سمع النبي صلي الله عليه وسلم شعرها رق لها، وقال: لو سمعت شعرها قبل قتله لوهبته لها. انتهي.

ومن الثابت عن النبي صلي الله عليه وآله أنه کان أکره الناس للقتل، وأنه لم يقتل أحداً إلا عند اللزوم والضرورة.. وحسبک أن جميع القتلي في جميع حروبه صلي الله عليه وآله من الطرفين ومن أقام عليهم الحد الشرعي لايبلغون ست مئة شخص، وبذلک کانت حرکته العظيمة صلي الله عليه وآله أعظم حرکة في نتائجها، وأقل حرکة في کلفتها!

وأما قتله للنضر فلأنه کان جرثومة شر وفساد! وومثله صديق النضر وشريکه في الشر، عقبة بن معيط الأموي، وکان صاحب خمارة ومبغي في مکة، وکان معروفاً بإلحاده.

وإذا صح ما قاله صلي الله عليه وآله لبنت النضر الشاعرة، فمعناه أن الله تعالي أجاز له أن يعفو عنه لابنته، لما في شعرها من قيم واستعطاف!