مسائل و بحوث في الآيه











مسائل و بحوث في الآيه



وفي هذا الحديث النبوي، والحادثة الربانية، مسائل وبحوث، أهمها:المسألة الأولي: في أن مصادر السنيين روت هذا الحديث لم تختص بروايته مصادرنا الشيعية بل روته مصادر السنيين أيضاً، وأقدم من رواه من أئمتهم: أبوعبيدالهروي في کتابه: غريب القرآن.

قال في مناقب آل أبي طالب240:2:

أبوعبيد، والثعلبي، والنقاش، وسفيان بن عينيه، والرازي، والقزويني، والنيسابوري، والطبرسي، والطوسي في تفاسيرهم، أنه لما بَلَّغَ رسول صلي الله عليه وآله بغدير خم ما بَلَّغ، وشاع ذلک في البلاد، أتي الحارث بن النعمان الفهري، وفي رواية أبي عبيد: جابر بن النضر بن الحارث بن کلدة العبدري فقال: يا محمد! أمرتنا عن الله بشهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبالصلاة، والصوم، والحج، والزکاة، فقبلنا منک، ثم لم ترض بذلک حتي رفعت بضبع ابن عمک ففضلته علينا وقلت: من کنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شي ء منک أم من الله؟!

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: والذي لاإله إلا هو إن هذا من الله.

فولي جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن کان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إليها حتي رماه الله بحجر، فسقط علي هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله تعالي: سأل سائل بعذاب واقع.. الآية. انتهي.

وقد أحصي علماؤنا، کصاحب العبقات، وصاحب الغدير، وصاحب إحقاق الحق، وصاحب نفحات الأزهار، وغيرهم.. عدداً من أئمة السنيين وعلمائهم الذين أوردوا هذا الحديث في مصنفاتهم، فزادت علي الثلاثين.. نذکر منهم اثني عشر:

1- الحافظ أبوعبيدالهروي المتوفي223 في تفسيره (غريب القرآن).

2- أبوبکر النقاش الموصلي البغدادي المتوفي351 في تفسيره.

3- أبوإسحاق الثعلبي المتوفي427 في تفسيره (الکشف والبيان).

4- الحاکم أبوالقاسم الحسکاني في کتاب (أداء حق الموالاة).

5- أبوبکر يحيي القرطبي المتوفي567 في تفسيره.

6- أبوالمظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفي654 في تذکرته.

7- شيخ الإسلام الحمويني المتوفي722 روي في فرائد السمطين في الباب الثالث عشر قال: أخبرني الشيخ عماد الدين الحافظ بن بدران بمدينة نابلس، فيما أجاز لي أن أرويه عنه إجازة، عن القاضي جمال الدين عبدالقاسم بن عبدالصمد الأنصاري إجازة، عن عبدالجبار بن محمد الحواري البيهقي إجازة، عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي قال: قرأت علي شيخنا الأستاذ أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره: أن سفيان بن عيينه سئل عن قوله عزوجل: سأل سائل بعذاب واقع، فيمن نزلت فقال...

8- أبوالسعود العمادي المتوفي982 قال في تفسيره:292:8 قيل هوالحرث بن النعمان الفهري، وذلک أنه لما بلغه قول رسول الله عليه السلام في علي رضي الله عنه: من کنت مولاه فعلي مولاه، قال...

9- شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفي977 قال: في تفسيره السراج المنير:364:4 اختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس: هو النضر بن الحرث، وقيل: هو الحرث بن النعمان...

10- الشيخ برهان الدين علي الحلبي الشافعي المتوفي1044 روي في السيرة الحلبية:302:3 وقال: لما شاع قوله صلي الله عليه وسلم: من کنت مولاه فعلي مولاه في ساير الأمصار وطار في جميع الأقطار، بلغ الحرث بن النعمان الفهري... إلي آخر لفظ سبط ابن الجوزي.

11- شمس الدين الحفني الشافعي المتوفي1181 قال في شرح الجامع الصغير للسيوطي:387:2 في شرح قوله صلي الله عليه وآله: من کنت مولاه فعلي مولاه.

12- أبوعبدالله الزرقاني المالکي المتوفي1122 في شرح المواهب اللدنية:.13 انتهي.

وسيأتي ذکر بقية مصادر الحديث في بحث أسانيده.

المسألة الثانية: هل أن سورة المعارج مکية أو مدنيةيلاحظ القاري ء أن الجو العام للسورة الشريفة الي آية36 أقرب إلي جو السور المدنية وتشريعات سورة النور والمؤمنين، وأن جو الآيات36 إلي آخر السورة أقرب إلي جو السور المکية، التي تؤکد علي مسائل العقيدة والآخرة.

ولهذا لايمکن معرفة مکان نزول السورة من آياتها، حسب ما ذکروه من خصائص للسور المکية والمدنية، وضوابط للتمييز بينها.. علي أن هذه الخصائص والضوابط غير دقيقة ولا علمية! وإذا صح لنا أن نقبل بها، فلا بد أن نقول إن القسم الأخير من السورة من قوله تعالي (فما للذين کفروا قبلک مهطعين) إلي آخرها، نزلت أولاً في مکة، ثم نزل القسم الأول منها في المدينة، ووضع في أولها!! ولکن ذلک ليس أکثر من ظن! والطريق الصحيح لتعيين مکيتها أو مدنيتها هو النص، والنص هنا متعارضٌ سواءً في مصادرنا أو مصادر السنيين، ولکن المفسرين السنيين رجحوا مکيتها وعدوها في المکي. ولا يبعد أن ذلک هو المرجح حسب نصوص مصادرنا أيضاً. فقد روي القاضي النعمان في شرح الأخبار:141:1 عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: نزلت والله بمکة للکافرين بولاية علي عليه السلام. انتهي. والظاهر أن مقصوده عليه السلام: أنها نزلت في مکة وکان مقدراً أن يأتي تأويلها في المدينة عند اعتراضهم علي إعلان النبي صلي الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام.

وقال الکليني في الکافي450:5:

قال: سأل أبوحنيفة أباجعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق، فقال له: يا أباجعفر ما تقول في المتعة، أتزعم أنها حلال؟ قال: نعم. قال: فما يمنعک أن تأمر نساءک أن يستمتعن ويکتسبن عليک؟

فقال له أبوجعفر: ليس کل الصناعات يرغب فيها، وإن کانت حلالاً، وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم. ولکن ما تقول يا أباحنيفة في النبيذ، أتزعم أنه حلال؟ فقال: نعم.

قال: فما يمنعک أن تقعد نساءک في الحوانيت نباذات فيکتسبن عليک؟

فقال أبوحنيفة: واحدةٌ بواحدة، وسهمک أنفذ!!

ثم قال له: يا أباجعفر إن الآية التي في سأل سائل، تنطق بتحريم المتعة والرواية عن النبي صلي الله عليه وآله قد جاءت بنسخها؟

فقال له أبوجعفر: يا أباحنيفة إن سورة سأل سائل مکية، وآية المتعة مدنية، وروايتک شاذة ردية.

فقال له أبوحنيفة: وآية الميراث أيضاً تنطق بنسخ المتعة؟

فقال أبوجعفر: قد ثبت النکاح بغير ميراث.

قال أبوحنيفة: من أين قلت ذاک؟

فقال أبوجعفر: لو أن رجلاً من المسلمين تزوج امرأة من أهل الکتاب، ثم توفي عنها ما تقول فيها؟ قال: لاترث منه.

قال: فقد ثبت النکاح بغير ميراث. ثم افترقا. انتهي.

وقول أبي حنيفة إن سورة سأل سائل تنطق بتحريم المتعة، يقصد به قوله تعالي في السورة (والذين هم لفروجهم حافظون إلا علي أزواجهم أو ما ملکت أيمانهم). فأجابه مؤمن الطاق بأن السورة مکية

وآية (فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن) مدنية، فکيف ينسخ المتقدم المتأخر؟

ولکن الجواب الأصح: أن المتمتع بها زوجةٌ شرعية، فهي مشمولة لقوله تعالي (إلا علي أزواجهم) وقد أفتي عدد من علماء السنيين بأنه يجوز للرجل أن يتزوج امرأة حتي لو کان ناوياً أن يطلقها غداً، وهو نفس المتعة التي يشنعون بها علينا. بل أفتي أبوحنيفة نفسه بأن الرجل لو استأجر امرأة لخدمته وکنْس منزله وغسل ثيابه، فقد جاز له مقاربتها بدون عقد زواج، لادائمٍ ولا منقطع!! بحجة أن عقد الأجارة يشمل ذلک!

وهذا أوسع من المتعة التي يقول بها الفقه الشيعي، لأن عقد الزواج شرطٌ فيها، وإلا کانت زنا.

وغرضنا أن المرجح أن تکون سورة المعارج مکية، ولکن ذلک لايؤثر علي صحة الحديث القائل بأن العذاب الواقع هو العذاب النازل علي المعترض علي النبي صلي الله عليه وآله عندما أعلن ولاية علي عليه السلام، لأن ذلک يکون تأويلاً لها، وإخباراً من جبرئيل عليه السلام بأن هذه الحادثة هي من العذاب الواقع الموعود.

فقد تقدمت رواية شرح الأخبار في ذلک، وستأتي منه رواية فيها (فأصابته الصاعقة فأحرقته النار، فهبط جبرئيل وهو يقول: إقرأ يا محمد: سأل سائلٌ بعذاب واقع، للکافرين ليس له دافع). وهي کالنص في أن جبرئيل عليه السلام نزل علي النبي صلي الله عليه وآله بتطبيق الآية أو تأويلها.

بل يظهر من أحاديثنا أن ما حل بالعبدري والفهري ما هو إلا جزءٌ صغيرٌ من (العذاب الواقع) الموعود، وأن أکثره سينزل تمهيداً لظهور الإمام المهدي عليه السلام أو نصرةً له..

وقد أوردنا في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام:458:5 عدة أحاديث عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام في تفسير العذاب الواقع بأحداثٍ تکون عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام.. منها ما رواه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره:385:2 قال:

سأل سائلٌ بعذاب واقع، قال: سئل أبوجعفر عليه السلام عن معني هذا، فقال: نارٌ تخرج من المغرب، وملکٌ يسوقها من خلفها حتي تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها، ولا تدع داراً فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها، وذلک المهدي عليه السلام.

ومنها ما رواه النعماني في کتاب الغيبة:272 قال:

حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالک قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي، عن صالح بن سهل، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهماالسلام في قوله تعالي: سأل سائل بعذاب واقع، قال: تأويلها فيما يأتي عذابٌ يقع في الثوية يعني ناراً حتي تنتهي إلي الکناسة کناسة بني أسد، حتي تمر بثقيف لاتدع وتراً لآل محمد إلا أحرقته، وذلک قبل خروج القائم عليه السلام. انتهي.

والأمکنة التي ذکرتها الروايتان، من أمکنة الکوفة التي ثبت أن الإمام المهدي عليه السلام سيتخذها عاصمةً له.

وقول الإمام الصادق عليه السلام (تأويلها فيما يأتي) يدل علي أن مذهب أهل البيت عليهم السلام أن العذاب الواقع في الآية وعيدٌ إلهيٌّ مفتوحٌ منه ما وقع فيما مضي علي المشرکين والمنافقين، ومنه ما يقع فيما يأتي علي بقيتهم.. وهو المناسب لإطلاق التهديد في الآية، ولسنة الله تعالي وانتصاره لدينه وأوليائه.

المسألة الثالثة: هل العذاب في سورة المعارج دنيوي أم أخروي

المتأمل في السورة نفسها بقطع النظر عن الأحاديث والتفاسير.. يلاحظ في النظرة الأولي أن موضوعها ومحور کل آياتها هو العذاب الأخروي وليس الدنيوي. کما أن آياتها لاتنص علي ذم السائل لأنه سأل عن ذلک العذاب، فقد يکون مجرد مستفهمٍ لاذنب له، وقد يکون السائل بالعذاب هنا بمعني الداعي به، وقد رأيت أن القرطبي ذکر قولاً بأن السائل بالعذاب نبي الله نوح عليه السلام، وقولاً آخر بأنه نبينا صلي الله عليه وآله!

ولذلک يرد في الذهن سؤال: من أين أطبق المفسرون الشيعة والسنة علي أنها تشمل العذاب الدنيوي وأن ذلک السائل بالعذاب سأل متحدياً ومکذباً؟!

والجواب: أن سر ذلک يکمن في (باء) العذاب، وأن (سأل به) تعني التساؤل عن الشي ء المدعي وطلبه، استنکاراً وتحدياً! فکلمة (سأل به) تدل علي أن السائل سمع بهذا العذاب، لأن النبي صلي الله عليه وآله کان ينذرهم بالعذاب الدنيوي والأخروي معاً.. فتساءل عنه، وأنکره، وتحدي أن يقع!

وقد أجابه الله تعالي بالسورة، ولم ينف سبحانه العذاب الدنيوي لأعدائه، وإن کان رکز علي العذاب الأخروي وأوصافه، لأنه الأساس والأکثر أهميةً واستمراراً، وصفته الجزائية أکثر وضوحاً. فکأن السورة تقول: أيها المستهزؤون بالعذاب الذي ينذرکم به رسولنا.. إن کل ما أنذرکم به من عذاب دنيوي أو أخروي سوف يقع، ولا دافع له عن الکفار.. فآمنوا بالله ليدفعه عنکم بقوانينه في دفع عذابه عن المؤمنين.

فقوله تعالي (للکافرين ليس له دافع) ينفي إمکان دفعه عن الکافرين، فهو ثابت لمن يستحقه منهم، وهو أيضاً ثابتٌ لمن يستحقه من الذين قالوا آمنا.. والدافع له التوبة والاستغفار مثلاً.

کما أن کلمة (الکافرين) في الآية لايبعد أن تکون بالمعني اللغوي، فتشمل الکافرين ببعض آيات الله تعالي، أو بنعمه، ولو کانوا مسلمين.

وعندما نشک في أن کلمة استعملت بمعناها اللغوي أو الإصطلاحي، فلا بد أن نرجح المعني اللغوي، لأنه الأصل، والإصطلاحي يحتاج إلي قرينة.

وقد وقع المفسرون السنيون في تهافتٍ في تفسير السورة، لأنهم جعلوا (العذاب الواقع) عذاباً أخروياً أو لغير المسلمين، وفي نفس الوقت فسروه بعذاب النضر بن الحارث العبدري بقتله يوم بدر، فصار بذلک شاملاً للعذاب الدنيوي! وما أکثر تهافتهم في التفسير!

ويلاحظ الباحث في التفاسير السنية أنه يوجد منهجٌ فيها، يحاول أصحابه دائماً أن يفسروا آيات العذاب الواردة في القرآن الکريم- خاصة التي نزلت في قريش- بالعذاب الأخروي، أو يرموها علي أهل الکتاب، ويبعدوها حتي عن المنافقين! وقد أوجب عليهم حرضهم هذا علي تبرئة قريش، أن يتهموا النبي صلي الله عليه وآله بأنه دعا ربه بالعذاب علي قومه، فلم يستجب له! بل وبخه الله تعالي بقوله: ليس لک من الأمر شي ء...!! إلخ.

وهکذا رکزت الدولة القرشية علي مقولة اختيار الله لقريش، وعدم سماحه بعذابها، وجعلتها أحاديث نبوية، ولو کان فيها تخطئةٌ وإهانةٌ للنبي صلي الله عليه وآله.. وأدخلتها في مصادر التفسير والحديث!!

أما عندما يضطرون إلي الإعتراف بوقوع العذاب الدنيوي لأحد فراعنة قريش، فيقولون إنه خاصٌ بحالة معينة، مثل حالة النضر بن الحارث، وقد وقعت في بدر وانتهي الأمر!

اختار الفخر الرازي في تفسيره:122:30 أن العذاب المذکور في مطلع السورة هو العذاب الأخروي، وأن الدنيوي مخصوص بالنضر بن الحارث، قال: (لأن العذاب نازل للکافرين في الآخرة لايدفعه عنهم أحد، وقد وقع بالنضر لأنه قتل يوم بدر)، ثم وصف هذا الرأي بأنه سديد.. وهو بذلک يتابع جمهور المفسرين السنيين، الذين قالوا بانتهاء العذاب الدنيوي الموعود، مع أن السورة لاتشير إلي انتهاء أي نوع من العذاب الموعود!!

علي أن حرص المفسرين القرشيين علي إبعاد العذاب عن قريش، أقل تشدداً من حرص المحدثين الرسميين، فهؤلاء لايقبلون (العذاب الواقع) لأحدٍ من قريش، حتي للنضر بن الحارث وحتي لأبي جهل! فهم الذين اخترعوا تهمة النبي صلي الله عليه وآله بأنه دعا علي قومه، فوبخه الله تعالي!

فقد روي البخاري في صحيحه:199:5 (عن أنس بن مالک قال: قال أبوجهل: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: وما کان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما کان الله معذبهم وهم يستغفرون). ورواه البخاري في عدة أماکن أخري، ورواه مسلم في:!129:8!

وإذا أردت أن تقرأ ما لاتکاد تصدقه عيناک، فاقرأ ما رووه في تفسير قوله تعالي (ليس لک من الأمر شي ء) فهي آيةٌ تنفي عن النبي صلي الله عليه وآله کل أنواع الألوهية والشراکة لله تعالي، ولکنها في نفس الوقت لاتسلب عنه شيئاً من مقامه النبوي وخلقه العظيم وحکمته، وحرصه علي هداية قومه.. لکن أنظر ماذا عمل المحدثون القرشيون في تفسيرها، وکيف صوروا النبي صلي الله عليه وآله بأنه ضيق الصدر، مبغضٌ لقريش، يريد الإعتداء عليها وظلمها..!! فينزل الوحي مدافعاً عن هذه القبائل المقدسة الثلاث وعشرين، ورد عدوانية نبيه عنها!!

ولا يتسع المجال للإفاضة في هذا الموضوع، ولکن القاري ء السني يجد نفسه متحيراً بين ولاء المفسرين لقريش، کالمفسر مجاهد الذي يسمح بکون قتل بعض فراعنتها کالنضر عذاباً لها، وبين ولاء المحدثين لها کالبخاري الذي يقول إن قتل النضر وأبي جهل ليس هو العذاب الإلهي، فهؤلاء قومٌ برزوا إلي مضاجعهم، فقد رفع الله عذابه عن قريش، ووبخ رسوله، لأنه دعا عليها!!

وأخيراً.. يمکن للباحث أن يستدل لنصرة رأي المفسرين القائل بأن العذاب في السورة يشمل العذاب الدنيوي، بما رواه ابن سعد في الطبقات، من قصة اختلاف طلحة والزبير وابنيهما علي إمامة الصلاة في معسکر عائشة في حرب الجمل، قال: (ولما قدموا البصرة أخذوا بيت المال، وختماه جميعاً طلحة والزبير، وحضرت الصلاة فتدافع طلحة والزبير حتي کادت الصلاة تفوت، ثم اصطلحا علي أن يصلي عبدالله بن الزبير صلاةً ومحمد بن طلحة صلاةً، فذهب ابن الزبير يتقدم فأخره محمد بن طلحة، وذهب محمد بن طلحة يتقدم فأخره عبدالله بن الزبير عن أول صلاة!! فاقترعا فقرعه محمد بن طلحة، فتقدم فقرأ: سأل سائل بعذاب واقع)!!. انتهي.

فقد فهم محمد بن طلحة القرشي التيمي من السورة أنها تهديدٌ بعذاب دنيوي، ولذلک هدد بها ابن الزبير! وهو دليلٌ علي أن الإرتکاز الذهني عند الصحابة المعاصرين للنزول، أن العذاب في السورة يشمل العذاب الدنيوي أيضاً.

المسألة الرابعة: موقف السنيين من الحديث

موقف الذين أوردوا الحديث من السنيين ليس واحداً.. فمنهم من قبله ورجحه علي غيره کأبي عبيدوالثعلبي والحمويني.. ومنهم من نقله بصيغة: روي أو قيل أو رجح غيره عليه.

ولکن أحداً منهم لم يطعن فيه.. وأقل موقفهم منه أنه حديثٌ موجودٌ، قد يکون سنده صحيحاً، ولکن غيره أرجح منه، کما ستري.

إن العالم السني يري نفسه ملزماً باحترام هذا الحديث، بل يري أنه بإمکانه أن يطمئن إليه ويأخذ به، لأن الذين قبلوه من أئمة العلم والدين قد يکتفي العلماء بمجرد نقل أحدهم للحديث وقبوله له، کأبي عبيد وسفيان بن عيينة..

وقد رأينا المحدث الألباني الذي يعتبره الکثيرون المجتهد الأول في التصحيح والتضعيف في عصرنا، ربما اکتفي في سلسلة أحاديثه الصحيحة للحکم بصحة الحديث بتصحيح عالمين أو ثلاثة من قبيل: ابن تيمية والذهبي وابن القيم.

مضافاً إلي أن المحدثين السنة ذکروا له طرقاً أخري، عن حذيفة، وعن أبي هريرة وغيرهما.. وتجد ترجمات أئمتهم والرواة الذين رووا الحديث مفصلةً في مصادر الجرح والتعديل السنية، وفي عبقات الأنوار، والغدير، ونفحات الأزهار، من مصادرنا.

نماذج من تفسيرات السنيين لآية: سأل سائل

قال الشوکاني في فتح القدير:352:5:

(وهذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. وهو ممن قتل يوم بدر صبراً. وقيل: هو أبوجهل. وقيل: هو الحارث بن النعمان الفهري. والأول أولي لما سيأتي). انتهي.

وقصده بما يأتي ما ذکره في ص356 من رواياتهم التي تثبت أن السورة مکية وأن صاحب العذاب الواقع هو النضر، وليس ابنه جابراً، ولا الحارث الفهري قال: (وقد أخرج الفريابي وعبدبن حميد والنسائي وابن أبي حاتم والحاکم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: سأل سائل، قال: هو النضر بن الحارث قال: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء). انتهي.

ولم يذکر الشوکاني الحديث المروي في جابر والحارث، ومن رووه، ولماذا رجح عليه حديث النضر؟ هل بسبب السند أو الدلالة..؟ إلخ. ولو أنه اقتصر علي ذکر ما اختاره في سبب نزولها لکان له وجهٌ، ولکنه ذکر القولين، وذکر رواية أحدهما دون الآخر، وهذا تحيز بدون مبرر!

لکن شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفي سنة977 صاحب التفسير المعروف، کان أکثر إنصافاً من الشوکاني، فقد ذکر السببين معاً، فقال کما نقل عنه صاحب عبقات الأنوار:398:7:

(سأل سائل بعذاب واقع: اختلف في هذا الداعي، فقال ابن عباس: هو النضر بن الحارث. وقيل: هو الحارث بن النعمان، وذلک أنه لما بلغه قول النبي صلي الله عليه وآله من کنت مولاه فعلي مولاه، رکب ناقته فجاء حتي أناخ راحلته في الأبطح ثم قال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لاإله إلا الله وأنک رسول الله فقبلناه منک...) إلخ. انتهي.

أما أبوعبيدالمتوفي سنة223 فقد جعل الحديث سبباً لنزول الآية علي نحو الجزم، لأنه ثبت عنده، ولعله لم يثبت عنده غيره حتي يذکره. فقال کما في نفحات الأزهار:291:7 (لما بَلَّغَ رسول الله صلي الله عليه وسلم غدير خم ما بلغ، وشاع ذلک في البلاد، أتي جابر بن النضر بن الحارث بن کلدة العبدري فقال: يا محمد! أمرتنا من الله أن نشهد أن لاإله إلا الله وأنک رسول الله، وبالصلاة، والصوم والحج، والزکاة، فقبلنا منک.. ثم لم ترض بذلک حتي رفعت بضبع ابن عمک ففضلته علينا وقلت: من کنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شي ء منک أم من الله؟!

فقال رسول الله: والله الذي لاإله إلا هو إنَّ هذا من الله.

فولي جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن کان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتي رماه الله بحجر فسقط علي هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله تعالي: سأل سائل بعذاب واقع.. الآية). انتهي.

وقال القرطبي في تفسيره:278:18:

(أي سأل سائل عذاباً واقعاً. للکافرين: أي علي الکافرين. وهو النضر بن الحارث حيث قال: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزل سؤاله. وقتل يوم بدر صبرا هو وعقبة بن أبي معيط، لم يقتل صبرا غيرهما، قاله ابن عباس ومجاهد.

وقيل: إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري، وذلک أنه لما بلغه قول النبي صلي الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه (من کنت مولاه فعلي مولاه) رکب ناقته فجاء حتي أناخ راحلته بالأبطح.. إلي آخره، بنحو رواية أبي عبيد. ثم قال: وقيل: إن السائل هنا أبوجهل، وهو القائل لذلک، قاله الربيع.

وقيل: إنه قول جماعةٍ من کفار قريش.

وقيل: هو نوح عليه السلام سأل العذاب علي الکافرين.

وقيل: هو رسول الله صلي الله عليه وسلم، أي دعا عليه السلام بالعقاب، وطلب أن يوقعه الله بالکفار، وهو واقع بهم لامحالة، وامتد الکلام إلي قوله تعالي: فاصبر صبراً جميلاً أي: لاتستعجل فإنه قريب). انتهي.

وبذلک نلاحظ أن المفسرين السنيين وإن رجحوا تفسير الآية بالنضر بن الحارث العبدري، ورجحوا أن العذاب الموعود فيها هو قتله في بدر..

لکنهم في نفس الوقت ذکروا تفسيرها بوقوع العذاب علي من اعترض علي النبي صلي الله عليه وآله لإعلانه ولاية علي عليه السلام من بعده في غدير خم! ومجرد ورود ذلک التفسير في مصادرهم بصفته قولاً محترماً في تفسير الآية، وإن رجحوا عليه غيره، يدل علي وجود إعلان نبوي رسمي بحق علي، ووجود اعتراضٍ عليه!

والمسلم لايحتاج إلي أکثر من اعتراف المفسرين بذلک، سواء وقعت الصاعقة علي المعترض أم لم تقع، وسواء نزلت سورة المعارج عند هذه الحادثة أم لم تنزل!! فلا بد لنا من توجيه الشکر لهم، وإن ناقشناهم في الوجه الآخر الذي رجحوه.

وأهم الإشکالات التي ترد عليهم: أن القول الذي رجحوه إنما هو قول صحابي أو تابعي، ابن عباس ومجاهد، وليس حديثاً عن النبي صلي الله عليه وآله، بينما التفسير الشيعي لها حديث مرفوع. ويرد علي تفسيرهم أيضاً: أن من المتفق عليه عندهم تقريباً أن السؤال في الآية حقيقي وليس مجازياً، فالنضر بن الحارث، حسب قولهم سأل بالعذاب الواقع، وطلب نزوله فقال: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فعذبه الله في بدرٍ بالقتل.

لکن آية مطر الحجارة هي من سورة الأنفال التي نزلت مع أحکام الأنفال بعد بدر، وبعد قتل النضر.. فکيف يکون جواب قول النضر نزل في سورة مکية قبل الهجرة، ونفس قوله نزل في سورة مدنية، بعد هلاکه؟!

ويرد عليه أيضاً: أن قولهم (اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأنزل علينا حجارة من السماء) أکثر تناسباً وانطباقاً علي تفسيرنا، وأصعب انطباقاً علي تفسيرهم.. لأن معناه علي تفسيرهم: اللهم إن کان هذا الدين منزلاً من عندک فأمطر علينا حجارة! ومعناه علي تفسيرنا: اللهم إن کان الحکم لآل محمد صلي الله عليه وآله من بعده منزلاً من عندک، فأمطر علينا حجارة!

وهذا أکثر تناسباً، لأن الدعاء بحجارة من السماء لايقوله قائله إلا في حالة اليأس من التعايش مع وضع سياسي جديد، يتحدي وضعه القبلي المتجذر في صميمه!!

ويرد عليه أيضاً: أنه لو صح قولهم، فهو لايمنع من تفسيرنا، فلا وجه لافتراضهم التعارض بينهما.. فأي تعارض بين أن يکون العذاب الواقع هو العذاب الذي وقع علي النضر بن الحارث في بدر، ثم وقع علي ولده جابر بن النضر، کما في رواية أبي عبيد، ثم وقع ويقع علي الآخرين من مستحقيه!

وينبغي أن نشير هنا إلي قاعدة مهمة في تفسير القرآن والنصوص عامة، وهي ضرورة المحافظة علي إطلاقات النص ما أمکن وعدم تضييقها وتقييدها.. فالآية الکريمة تقول إن أحدهم تحدي وتساءل عن العذاب الموعود، الذي أنذر به النبي صلي الله عليه وآله، فأجابه الله تعالي إنه واقعٌ بالکفار لامحالة کما أنذرکم به رسولنا صلي الله عليه وآله حرفياً، في الدنيا وفي الآخرة، وأنه جارٍ في الکفار وفي من آمن، حسب القوانين الخاصة التي وضعها له الله تعالي. وعليه فيکون عذاب الله تعالي لقريش في بدر والخندق من ذلک العذاب الواقع الموعود، وعذابهم بالجوع والقحط، منه أيضاً. وعذابهم بفتح مکة واستسلامهم وخلعهم سلاحهم، منه أيضاً. ويکون عذاب المعترضين علي النبي صلي الله عليه وآله لإعلانه ولاية عترته من بعده، منه أيضاً!

فلا موجب لحصر الآية بالنضر وحده، ولا لتضييق العذاب المنذر به بقتل شخص، ولو کان فرعوناً، ولاحصره بعصر دون عصر، بل هو مفتوح الي أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وکم تجد عند المفسرين السنيين من هذه التضييقات في آيات العذاب والرحمة، حيث يحصرون أنفسهم فيها بلا موجب، ويحصرون فيها کلام الله المطلق، بلا دليل!

المسألة الخامسة: موقف النواصب من حديث حجر السجيل

لم نعثر علي أحد من النواصب المبغضين لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله، رد هذا الحديث وکذبه قبل.. ابن تيمية، فقد هاجمه بعنف وتخبط في رده! وتبعه علي ذلک من المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا في کتابه تفسير المنار.. ومن الملاحظ أنه شخص ناصبي متأثرٌ بابن تيمية وتلميذه ابن قيم المدرسة الجوزية، بل مقلدٌ لهما في کثير من أفکارهما، وقد أدخلها في تفسيره وقد استفاد لنشرها من اسم أستاذه الشيخ محمد عبده رحمه الله، حيث خلط في تفسيره بين أفکاره وأفکار أستاذه! ويلمس القارئ الفرق بين الجزءين الأولين من تفسير المنار اللذين کتبهما في حياة الشيخ محمد عبده، واستفاد مما سجله من دروسه، ففيهما من عقلانيته رحمه الله واعتقاده بولاية أهل البيت عليهم السلام، وبين الأجزاء التي أخرجها رشيد رضا بعد وفاة الشيخ محمد عبده، أو أعاد طباعتها، وفيها أفکاره الناصبة لأهل البيت عليهم السلام.

وقد نقل صاحب تفسير المنار في:464:6 وما بعدها عن تفسير الثعلبي أن هذا القول من النبي صلي الله عليه وآله في موالاة علي شاع وطار في البلاد، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري فأتي النبي صلي الله عليه وآله علي ناقة وکان بالأبطح فنزل وعقل ناقته، وقال للنبي صلي الله عليه وآله وهو في ملأ من أصحابه: يا محمد أمرتنا من الله أن نشهد أن لاإله إلا الله وأنک رسول الله فقبلنا منک... ثم ذکر سائر أرکان الإسلام... ثم لم ترضَ بهذا حتي مددت بضبعي ابن عمک وفضلته علينا وقلت: من کنت مولاه فعلي مولاه! فهذا منک أم من الله! فقال صلي الله عليه وآله: والله الذي لاإله إلا هو، هو أمر الله. فولي الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم!

فما وصل إلي راحلته حتي رماه الله بحجرٍ فسقط علي هامته وخرج من دبره وأنزل الله تعالي: سأل سائل بعذاب واقع، للکافرين ليس له دافع.. الحديث... ثم قال رشيد رضا: وهذه الرواية موضوعة، وسورة المعارج هذه مکية، وما حکاه الله من قول بعض کفار قريش (اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک..) کان تذکيراً بقول قالوه قبل الهجرة، وهذا التذکير في سورة الأنفال، وقد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين، وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا کان مسلماً فارتد، ولم يعرف في الصحابة، والأبطح بمکة والنبي صلي الله عليه وآله لم يرجع من غدير خم إلي مکة، بل نزل فيه منصرفه من حجة الوداع إلي المدينة. انتهي.

وکأن رشيد رضا اغتاظ من هذا الحديث، وحاول تکذيبه من ناحية سنده فلم يجد ما يشفي غليله، ولما وجد تکذيب ابن تيمية له بنقد متنه فرح به وتبناه، ولکنه لم ينسبه الي إمامه ابن تيمية!

وعمدة ما قاله ابن تيمية وصاحب المنار: أن مکان الرواية الأبطح، وهو مکان في مکة، والنبي صلي الله عليه وآله لم يرجع بعد الغدير إلي مکة.. وقد جهلا أو تجاهلا أبطح المدينة المشهور! ثم قالا: إن الرواية تدعي أن الآية نزلت في المدينة، مع أن سورة المعارج مکية..

وقد تجاهلا أن جوَّ السورة إلي الآية36 علي الأقل مدني، وأن هذا الحديث دليل علي مدنيتها.

ثم لو صح کونها مکية، فقد يتکرر نزول الآية لبيان تفسيرها أو تأويلها، فتکون الحادثة تأويلاً لها. وقد روي المفسرون نزول آية (إنا أعطيناک الکوثر) في عدة مواضع نزل بها جبرئيل، تسليةً لقلب الرسول صلي الله عليه وآله.

فما المانع أن يکون تأويل العذاب الواقع قد وقع في (عشيرة العذاب الواقع) فتحقق في الأب النضر بن الحارث عندما قتله النبي صلي الله عليه وآله في بدر، ثم تحقق في الابن جابر عندما قتله الله بحجرٍ من السماء في أبطح المدينة، وأن يکون جبرئيل عليه السلام أکد الآية عندما تحقق تأويلها.

ثم من حق الباحث أن يقول لهما: لو سلمنا أن ذکر نزول الآية في الحادثة خطأ، أو زيادة، فما ذنب بقية الحديث؟! فلماذا تردونه کله ولا تقتصرون علي رد زيادته، وهو نزول الآية بمناسبته؟!

وقد ناقش صاحب تفسير الميزان54:6 تضعيف صاحب المنار للحديث فقال: وأنت تري ما في کلامه من التحکم. أما قوله إن الرواية موضوعة وسورة المعارج هذه مکية، فيعول في ذلک علي ما في بعض الروايات عن ابن عباس وابن الزبير أن سورة المعارج نزلت بمکة، وليت شعري ما هو المرجح لهذه الرواية علي تلک الرواية، والجميع آحاد.

ولو سلمنا أن سورة المعارج مکية کما ربما تؤيده مضامين معظم آياتها، فما هو الدليل علي أن جميع آياتها مکية؟ فلتکن السورة مکية والآيتان خاصة غير مکيتين. کما أن سورتنا هذه، أعني سورة المائدة، مدنية نازلة في آخر عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وقد وضعت فيها الآية المبحوث عنها، أعني قوله تعالي: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک، الآية) وهو، کغيره من المفسرين، مصرّ علي أنها نزلت بمکة في أول البعثة!...

وأما قوله وما حکاه الله من قول بعض کفار قريش.. إلي آخره، فهو في التحکم کسابقه، فهب أن سورة الأنفال نزلت قبل المائدة ببضع سنين، فهل يمنع ذلک أن يوضع عند التأليف بعض الآيات النازلة بعدها فيها، کما وضعت آيات الربا وآية: (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلي الله) البقرة ج281 وهي آخر ما نزل علي النبي صلي الله عليه وآله عندهم، في سورة البقرة النازلة في أوائل الهجرة، وقد نزلت قبلها ببضع سنين؟

ثم قوله إن آية: (وإذ قالوا اللهم إن کان هذا هو الحق، الآية) تذکيرٌ لما قالوه قبل الهجرة، تحکمٌ آخر من غير حجة، لو لم يکن سياق الآية حجة علي خلافه، فإن العارف بأساليب الکلام لايکاد يرتاب في أن هذا، أعني قوله: (اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) لاشتماله علي قوله: إن کان هذا هو الحق من عندک، بما فيه من اسم الإشارة وضمير الفصل والحق المحلي باللام، وقوله من عندک، ليس کلام وثني مشرک يستهزي ء بالحق ويسخر منه، إنما هو کلام من أذعن بمقام الربوبية، ويري أن الأمور الحقة تتعين من لدنه وأن الشرائع مثلاً تنزل من عنده، ثم إنه يتوقف في أمر منسوب إلي الله تعالي يدعي مدعٍ أنه الحق لاغيره، وهو لايتحمل ذلک ويتحرج منه، فيدعو علي نفسه دعاء منزجر ملول سئم الحياة.

وأما قوله: وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا کان مسلماً فارتد، ولم يعرف في الصحابة، تحکم آخر! فهل يسع أحداً أن يدعي أنهم ضبطوا أسماء کل من رأي النبي صلي الله عليه وآله، وآمن به، أو آمن به فارتد! وإن يکن شي ء من ذلک فليکن هذا الخبر من ذلک القبيل.

وأما قوله والأبطح بمکة والنبي صلي الله عليه وآله لم يرجع من غدير خم إلي مکة، فهو يشهد علي أنه أخذ لفظ الأبطح اسماً للمکان الخاص بمکة، ولم يحمله علي معناه العام وهو کل مکان ذي رمل.. ولا دليل علي ما حمله عليه، بل الدليل علي خلافه وهو القصة المسرودة في الرواية وغيرها... قال في مراصد الإطلاع: أبطح بالفتح ثم السکون وفتح الطاء والحاء المهملة: کل مسيل فيه رقاق الحصي فهو أبطح... علي أن الرواية بعينها رواها غير الثعلبي، وليس فيه ذکر من الأبطح، وهي ما يأتي من رواية المجمع من طريق الجمهور وغيرها.

وبعد هذا کله، فالرواية من الآحاد وليست من المتواترات، ولا مما قامت علي صحتها قرينة قطعية، وقد عرفت من أبحاثنا المتقدمة أنا لانعول علي الآحاد في غير الأحکام الفرعية، علي طبق الميزان العام العقلائي، الذي عليه بناء الإنسان في حياته، وإنما المراد بالبحث الآنف بيان فساد ما استظهر به من الوجوه التي استنتج منها أنها موضوعة). انتهي.


وکلام صاحب الميزان رحمه الله في رد تضعيف رشيد رضا للحديث کلامٌ قوي، لکن ليته بدل أن يضعِّف الحديث بدعوي أنه من أخبار الآحاد، اطلع علي مصادره ورواته.. وعلي بحث الأميني حوله في المجلد الأول من الغدير، وبحث السيد النقوي الهندي في عبقات الأنوار: مجلد7 و8، وغيرهما. ونورد فيما يلي خلاصةً لما کتبه صاحب الغدير رحمه الله في:239:1 قال: ومن الآيات النازلة بعد نص الغدير، قوله تعالي من سورة المعارج: سأل سائل بعذاب واقع، للکافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج.

وقد أذعنت به الشيعة وجاء مثبتاً في کتب التفسير والحديث لمن لايستهان بهم من علماء أهل السنة، ودونک نصوصها..

ثم أورد صاحب الغدير أعلي الله مقامه نصوص ثلاثين عالما سنياً رووا الحديث في مؤلفاتهم بعدة طرق، وفيهم محدثان أقدم من الثعلبي کما تقدم.. ثم أفاض في رد الوجوه التي ذکرها ابن تيمية في کتابه منهاج السنة:13:4 وأجاب عنها، ونورد فيما يلي خلاصتها، قال رحمه الله:

الوجه الأول: إن قصة الغدير کانت في مرتجع رسول الله صلي الله عليه وسلم من حجة الوداع، وقد أجمع الناس علي هذا، وفي الحديث: أنها لما شاعت في البلاد جاءه الحارث، وهو بالأبطح بمکة، وطبع الحال يقتضي أن يکون ذلک بالمدينة، فالمفتعل للرواية کان يجهل تاريخ قصة الغدير.

الجواب: أولاً، ما سلف في رواية الحلبي في السيرة، وسبط ابن الجوزي في التذکرة، والشيخ محمد صدر العالم في معارج العلي، من أن مجي ء السائل کان في المسجد إن أريد منه مسجد المدينة، ونص الحلبي علي أنه کان بالمدينة، لکن ابن تيمية عزب عن ذلک کله، فطفق يهملج في تفنيد الرواية بصورة جزمية.... فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مکة، ولو کان يراجع کتب الحديث ومعاجم اللغة والبلدان والأدب لوجد فيها نصوص أربابها بأن الأبطح کل مسيل فيه دقاق الحصي. روي البخاري في صحيحه:181:1 ومسلم في صحيحه:382:1 (عن عبدالله ابن عمر: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلي بها).

الوجه الثاني: أن سورة المعارج مکية باتفاق أهل العلم، فيکون نزولها قبل واقعة الغدير بعشر سنين أو أکثر من ذلک.

الجواب: أن المتيقن من معقد الإجماع المذکور هو نزول مجموع السورة مکياً، لاجميع آياتها، فيمکن أن يکون خصوص هذه الآية مدنياً، کما في کثير من السور.

ولا يرد عليه أن المتيقن من کون السورة مکية أو مدنية، هو کون مفاتيحها کذلک أو الآية التي انتزع منها اسم السورة، لما قدمناه من أن هذا الترتيب هو ما اقتضاه التوقيف، لاترتيب النزول، فمن الممکن نزول هذه الآية أخيراً، وتقدمها علي النازلات قبلها بالتوقيف، وإن کنا جهلنا الحکمة في ذلک، کما جهلناها في أکثر موارد الترتيب في الذکر الحکيم، وکم لها من نظير، ومن ذلک:

1- سورة العنکبوت، فإنها مکية إلا من أولها عشرة آيات، کما رواه الطبري في تفسيره في الجزء العشرين:86 والقرطبي في تفسيره233:3.

2- سورة الکهف، فإنها مکية إلا من أولها سبع آيات، فهي مدنية... کما في تفسير القرطبي346:10 وإتقان السيوطي..16:1.

ثم عدد الأميني سبع عشرة سورة مکية، فيها آيات مدنية، وسوراً مدنية فيها آيات مکية.

الوجه الثالث: أن قوله تعالي: وإذ قالوا اللهم إن کان هذا هو الحق من عندک فأمطر علينا حجارة من السماء، نزلت عقيب بدر بالإتفاق قبل يوم الغدير بسنين.

الجواب: کأن هذا الرجل يحسب أن من يروي تلک الأحاديث المتعاضدة يري نزول ما لهج به الحارث بن النعمان الکافر من الآية الکريمة... في اليوم المذکور. والقارئ لهاتيک الأخبار جد عليم بمينه في هذا الحسبان، أو أنه يري حجراً علي الآيات السابق نزولها أن ينطق بها أحدٌ، فهل في هذه الرواية غير أن الرجل المرتد الحارث أو جابر تفوه بهذه الکلمات؟ وأين هو من وقت نزولها، فدعها يکن نزولها في بدر أو أحد، فالرجل أبدي کفره بها کما أبدي الکفار قبله إلحادهم بها!

لکن ابن تيمية يريد تکثير الوجوه في إبطال الحق الثابت.

الوجه الرابع: أنها نزلت بسبب ما قاله المشرکون بمکة، ولم ينزل عليهم العذاب هناک لوجود النبي صلي الله عليه وآله، لقوله تعالي: وما کان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما کان الله معذبهم وهم يستغفرون.

الجواب: لاملازمة بين عدم نزول العذاب في مکة علي المشرکين، وبين عدم نزوله هاهنا علي الرجل، فإن أفعال المولي سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحکمة.

ثم أورد الأميني عدداً من الذين دعا عليهم النبي صلي الله عليه وآله فعذبهم الله تعالي، ثم قال: (ولو کان وجود الرسول صلي الله عليه وآله مانعاً عن جميع أقسام العذاب بالجملة، لما صح ذلک التهديد، ولما أصيب النفر الذين ذکرناهم بدعوته، ولما قتل أحد في مغازيه بعضبه الرهيف، فإن کل هذه من أقسام العذاب، أعاذنا الله منها).

الوجه الخامس: أنه لو صح ذلک لکان آية کآيةً أصحاب الفيل، ومثلها تتوفر الدواعي لنقله، ولما وجدنا المصنفين في العلم من أرباب المسانيد والصحاح والفضايل والتفسير والسير ونحوها، قد أهملوه رأساً فلا يروي إلا بهذا الإسناد المنکر، فعلم أنه کذب باطل.

الجواب: إن قياس هذه التي هي حادثة فردية، لاتحدث في المجتمع فراغاً کبيراً يؤبه له، وورائها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الإنساء عليها کما أسدلوها علي نص الغدير نفسه... مجازفةٌ ظاهرةٌ، فإن من حکم الضرورة أن الدواعي في الأولي دونها في الثانية...

وأما ما ادعاه ابن تيمية من إهمال طبقات المصنفين لها، فهو مجازفة أخري لما أسلفناه من رواية المصنفين لها من أئمة العلم، وحملة التفسير، وحفاظ الحديث، ونقلة التاريخ...

لم نعرف المشار إليه في قوله: بهذا الإسناد المنکر! فإنه لاينتهي إلا إلي حذيفة بن اليمان الصحابي العظيم، وسفيان بن عيينة المعروف بإمامته في العلم والحديث والتفسير، وثقته في الرواية.

وأما الإسناد إليهما، فقد عرفه الحفاظ والمحدثون والمفسرون المنقبون في هذا الشأن، فوجدوه حرياًّ بالذکر والإعتماد، وفسروا به آيات من الذکر الحکيم، من دون أي نکير، ولم يکونوا بالذين يفسرون الکتاب بالتافهات.

نعم: هکذا سبق العلماء وفعلوا، لکن ابن تيمية استنکر السند، وناقش في المتن لأن شيئاً من ذلک لايلائم دعارة خطته!

الوجه السادس: أن المعلوم من هذا الحديث أن حارثاً المذکور کان مسلماًَ باعترافه بالمبادي ء الخمسة الإسلامية، ومن المعلوم بالضرورة أن أحداً من المسلمين لم يصبه عذاب علي العهد النبوي.

الجواب: إن الحديث کما أثبت إسلام الحارث، فکذلک أثبت ردته برده قول النبي صلي الله عليه وآله وتشکيکه فيما أخبر به عن الله تعالي، والعذاب لم يأته حين إسلامه، وإنما جاءه بعد الکفر والإرتداد... علي أن في المسلمين من شملته العقوبة لما تجرؤوا علي قدس صاحب الرسالة... ثم ذکر الأميني عدداً من الذين دعا عليهم النبي صلي الله عليه وآله من المسلمين، منهم من ذکره مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأکوع: أن رجلاً أکل عند النبي صلي الله عليه وآله بشماله، فقال: کل بيمينک. قال: لاأستطيع، قال: لااستطعت! قال: فما رفعها إلي فيه بعد.. إلخ.

الوجه السابع: أن الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة، ولم يذکره ابن عبدالبر في الإستيعاب وابن مندة وأبونعيم الأصبهاني وأبوموسي في تآليف ألفوها في أسماء الصحابة، فلم نتحقق وجوده.

الجواب: إن معاجم الصحابة غير کافلة لاستيفاء أسمائهم، فکل مؤلف من أربابها جمع ما وسعته حيطته وأحاط به إطلاعه، ثم جاء المتأخر عنه فاستدرک علي من قبله بما أوقفه السير في غضون الکتب وتضاعيف الآثار، وأوفي ما وجدناه من ذلک کتاب الإصابة بتمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، ومع ذلک فهو يقول في مستهل کتابه: (ومع ذلک فلم يحصل لنا من ذلک جميعاً الوقوف علي العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلي ما جاء عن أبي زرعة الرازي قال: توفي النبي صلي الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة علي مائة ألف إنسان، من رجل وامرأة، کلهم قد روي عنه سماعاً أو رؤية...) وبعد هذا کله فالنافي لشخص لم يجد اسمه في کتب هذا شأنها خارج عن ميزان النصفة، ومتحايد عن نواميس البحث، علي أن من المحتمل قريباً أن مؤلفي معاجم الصحابة أهملوا ذکره لردته الأخيرة. انتهي.

ونضيف إلي ما ذکره صاحب الغدير رحمه الله وما تقدم:

أولاً: أن من الأدلة القوية علي صحة هذا الحديث أنه لايمکن أن ينشأ من فراغ، وأن احتمال وضعه من قبل رواة الخلافة القرشية غير معقول، لأنهم لايقدمون علي وضع حديث يثبت أن ولاية علي عليه السلام نزلت من السماء قبل بيعة أبي بکر في السقيفة، وأن الله تعالي عاقب من اعترض عليها بحجر من السماء، کما عاقب أصحاب الفيل والکفار!

کما أن القول بتسرب الحديث من مصادر الشيعة إلي مصادر السنة باب خطير عليهم.. فلو قبلوا بفتحه لانهار بناء صحاحهم کلها، ثم انهارت الخلافة القرشية وسقيفتها! وذلک لأن رواة هذه الأحاديث (الشيعية) هم رواة أصول عقيدة الخلافة القرشية وبناة قواعدها.. فالسنين مجبورون علي توثيقهم وقبول رواياتهم، ومنها هذه الروايات التي تضر أصول مبانيهم!

ثانياً: أن المتفق عليه في مصادر الشيعة والسنة أقوي من المختلف فيه.. لأنک عندما تري أن مذاهب المسلمين کلها تروي حديثاً، يقوي عندک احتمال أن يکون صدر عن النبي صلي الله عليه وآله، وعندما يرويه بعضها ويرده بعضها تنزل عندک درجة الاحتمال.

ومما يزيد في درجة احتمال الصحة: أن يکون الطرف الراوي للحديث متضرراً منه ضرراً مؤکداً، ومتحيراً في کيفية التخلص منه!

وحديثنا من هذا النوع، فهو حديثٌ يتضرر منه أتباع خلافة قريش من المسلمين، ويبغضه عَبَدَةُ قبيلة قريش من النواصب! أما أتباع أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله فيحتجون به، وتخبت له قلوبهم.

ثالثاً: أن الإختلاف في اسم الشخص الذي نزل عليه حجر السجيل، لايضر في صحة الحديث، إذا تمت بقية شروطه.. خاصة أن اسمه صار سوأةً علي أقاربه وعشيرته، ولا بد أنهم عملوا علي إخفائه ونسيان أمره، حتي لايعيرهم به المسلمون، کما قال الأميني رحمه الله.

علي أن للباحث أن يرجح أن اسم المعترض هو: جابر بن النضر بن الحارث بن کلدة العبدري، وليس الحارث بن النعمان الفهري.. بدليل أن الحافظ أبي عبيدالهروي المتوفي سنة223 ضبطه في تفسيره بهذا الاسم، وکل العلماء السنيين يحترمون علم أبي عبيد، وخبرته بالأحاديث، وقدم عصره.. وجابر بن النضر شخصيةٌ قرشية معروفة، لأنه ابن زعيم بني عبدالدار، حامل لواء قريش يوم بدر.. فلا يبقي لابن تيمية والنواصب حجةٌ في رد الحديث!

علي أن الباقين الذين وردت أسماؤهم في روايات الحديث، کالحارث الفهري وغيره، ترجم لهم المترجمون للصحابة أيضاً، أو ترجموا لمن يصلحوا أن يکونوا أقارب لهم.المسألة السادسة: طرق وأسانيد حديث حجر الغدير

أولاً: طرق وأسانيد المصادر السنية

الطريق الأول: حديث أبي عبيدالهروي:

في کتابه: غريب القرآن، وقد تقدم، وهو بمقاييس أهل الجرح والتعديل السنيين مسند مقبول.

الطريق الثاني: حديث الثعلبي عن سفيان بن عيينة: وله أسانيد کثيرة، وأکثر الذين ذکرهم صاحب الغدير رحمه الله، رووه عن الثعلبي بأسانيدهم إليه، أو نقلوه من کتابه.

وذکر السيد المرعشي رحمه الله عدداً منهم في إحقاق الحق:358:6 قال:

العلامة الثعلبي في تفسيره (مخطوط): روي بسنده عن سفيان بن عيينة رحمه الله سئل عن قوله تعالي: سأل سائل بعذاب واقع، فيمن نزلت؟ فقال للسائل: لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلک، حدثني أبي، عن جعفر بن محمد عن آبائه رضي الله عنهم، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما کان بغدير خم نادي الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي رضي الله عنه وقال من کنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلک فطار في البلاد، وبلغ ذلک الحارث (خ. الحرث) بن النعمان الفهري، فأتي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي ناقة له، فأناخ راحلته ونزل عنها، وقال: يا محمد أمرتنا عن الله عزوجل أن نشهد أن لاإله إلا الله وأنک رسول الله فقبلنا منک، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منک، وأمرتنا بالزکاة فقبلنا منک، وأمرتنا أن نصوم رمضان وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتي رفعت بضبعي ابن عمک تفضله علينا فقلت من کنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شي ء منک أم من الله عزوجل؟!

فقال النبي صلي الله عليه وسلم: والذي لاإله إلا هو إنَّ هذا من الله عزوجل. فولي الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن کان ما يقول محمد حقاًّ فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم!! فما وصل إلي راحلته حتي رماه الله عزوجل بحجر سقط علي هامته فخرج من دبره فقتله، فأنزل الله عزوجل (سئل سائل بعذاب واقع، للکافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج).

ومنهم العلامة الحمويني في فرائد السمطين (المخطوط) قال:

أخبرني الشيخ عماد الدين عبدالحافظ بن بدران بن شبل المقدسي بمدينة نابلس فيما أجازني أن أرويه عنه، عن القاضي جمال الدين عبدالقاسم بن عبدالصمد بن محمد الأنصاري إجازة، عن عبدالجبار بن محمد الخوارزمي البيهقي إجازة، عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي رحمه الله قال: قرأت علي شيخنا الأستاذ أبي إسحاق الثعلبي رحمه الله في تفسيره أن سفيان بن عيينة.. فذکر الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

ومنهم العلامة الزرندي في نظم درر السمطين:93 ط. مطبعة القضاء:

روي الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

ومنهم العلامة ابن الصباغ المالکي في الفصول المهمة:24 ط. الغري: روي الحديث نقلاً عن الثعلبي بعين ما تقدم عن تفسيره بلا واسطة. ومنهم العلامة عبدالرحمن الصفوري في نزهة المجالس209:2 ط. القاهرة: روي الحديث نقلاً عن تفسير القرطبي بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

ومنهم العلامة السيد جمال الدين عطاء الله الشيرازي الهروي في الأربعين حديثاً (مخطوط): روي الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي، لکنه زاد بعد قوله: من کنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث کان، وفي رواية اللهم أعنه وأعن به وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به.

ومنهم العلامة عبدالله الشافعي في المناقب:205 مخطوط:

روي الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

ومنهم العلامة القندوزي في ينابيع المودة:274 ط. اسلامبول:

روي الحديث عن الثعلبي بعين ما تقدم عنه في تفسيره.

ومنهم العلامة الآمرتسري في أرجح المطالب:568 ط. لاهور:

روي الحديث من طريق شهاب الدين الدولت آبادي، والسيد السمهودي في جواهر العقدين، وجمال الدين المحدث صاحب روضة الأحباب في أربعينه.

وعبدالرؤوف المناوي في فيض القدير.

ومحمد بن محمد القادري في الصراط السوي.

والحلبي في إنسان العيون.

وأحمد بن الفضل بن محمد باکثير في وسيلة الآمال.

ومحمد بن إسماعيل الأمير في الروضة الندية.

والحافظ محمد بن يوسف الکنجي في کفاية الطالب... انتهي.