حديث عامر بن الطفيل











حديث عامر بن الطفيل



وهو شيخ مشايخ قبائل غطفان، روي قصته ابن کثير أيضاً في سيرته:114:4 قال: (عن ابن عباس أن أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن کلاب وعامر بن الطفيل بن مالک، قدما المدينة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم، فانتهيا إليه وهو جالس، فجلسا بين يديه. فقال عامر بن الطفيل: يا محمد، ما تجعل لي إن أسلمت؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لک ما للمسلمين وعليک ماعليهم.

قال عامر: أتجعل لي الأمر إن أسلمت، من بعدک؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ليس ذلک لک، ولا لقومک، ولکن لک أعنة الخيل.

قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد! إجعل لي الوَبَر، ولک المدَر. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا. فلما قفل من عنده قال عامر: أما والله لأملأنها عليک خيلاً ورجالاً! فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يمنعک الله.

وفي ص112 قال: (وکان عامر بن الطفيل قد أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم. فقال: أخيرک بين ثلاث خصال: يکون لک أهل السهل ويکون لي أهل الوبر، وأکون خليفتک من بعدک، أو أغزوک بغطفان بألف أشقر وألف شقراء! قال فطعن (أصيب بالطاعون) في بيت امرأة، فقال: أغدة کغدة البعير، وموت في بيت امرأة من بني فلان!- وفي رواية في بيت سلولية- ائتوني بفرسي، فرکب، فمات علي ظهر فرسه!). انتهي.

الدليل الثاني

أن بيعة النبي صلي الله عليه وآله للأنصار تضمنت من أولها في مکة ثلاثة شروط:

الأول: أن يحموا النبي صلي الله عليه وآله مما يحمون منه أنفسهم.

الثاني: أن يحموا أهل بيته وذريته مما يحمون منه أولادهم وذراريهم.

الثالث: أن لاينازعوا الأمر أهله!!

وهذا الشرط الأخير دليلٌ واضحٌ علي أن مبدأ الإختيار الإلهي للأئمة بعد النبي صلي الله عليه وآله کان مفروغاً عنه من أول الرسالة، وأن لهذا الأمر أهلاً بعد النبي، علي الأمة أن تطيعهم! وليس لها أن تختار هي، ولا أن تنازع أهل الأمر أو أولي الأمر الذين يختارهم الله تعالي لقيادتها بعد نبيه!

وقد وفَي الأنصار بالشرط الأول خير وفاء، ولکن أکثرهم حنث بالشرطين الأخيرين حنثاً سيئاً مع الأسف!

وقد روت الصحاح هذه الشروط النبوية الثلاثة: ففي صحيح البخاري:122:8 (عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلي الله عليه وسلم علي السمع والطاعة في المنشط والمکره، وأن لاننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما کنا، لانخاف في الله لومة لائم). ورواه مسلم:16:6 والنسائي:137:7 بعدة روايات، وعقد باباً بعنوان (باب البيعة علي أن لاننازع الأمر أهله). ورواه ابن ماجة:.957:2 وأحمد316:5 وفي ص415 وقال: (قال سفيان: زاد بعض الناس: ما لم تروا کفرابواحاً). ورواه البيهقي في سننه145:8.

وفي مجمع الزوائد:49:6 عن عبادة بن الصامت أن أسعد بن زرارة قال: يا أيها الناس، هل تدرون علي ما تبايعون محمداً صلي الله عليه وسلم؟ إنکم تبايعونه أن تحاربوا العرب والعجم، والجن والأنس! فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم. قالوا: يا رسول الله إشترط. قال: تبايعوني علي أن: تشهدوا أن لاإله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزکاة، والسمع والطاعة، وأن لاتنازعوا الأمر أهله، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسکم وأهليکم.

وعن حسين بن علي قال: جاءت الأنصار تبايع رسول الله صلي الله عليه وسلم علي العقبة فقال: يا علي قم فبايعهم، فقال علي: ما أبايعهم يا رسول الله؟

قال: علي أن يطاع الله ولا يعصي، وعلي أن تمنعوا رسول الله صلي الله عليه وسلم وأهل بيته وذريته، مما تمنعون منه أنفسکم وذراريکم. انتهي.

ومن الملفت أن مصادرهم روت أن النبي صلي الله عليه وآله ضمَّنَ شروط بيعة الشجرة التاريخية في صلح الحديبية مع المهاجرين والأنصار، نفس هذا الشرط الذي اشترطه علي الأنصار قبل الهجرة! أن يحموه وأهل بيته وذريته مما يحمون منه أنفسهم وأن لاينازعوا الأمر أهله!

قال النووي في شرح مسلم:13:2 قوله: في رواية جابر ورواية معقل بن يسار (بايعناه يوم الحديبية علي أن لانفر ولم نبايعه علي الموت) وفي رواية سلمة أنهم بايعوه يومئذ علي الموت، وهو معني رواية عبدالله بن زيد بن عاصم. وفي رواية مجاشع بن مسعود البيعة علي الهجرة والبيعة علي الاسلام والجهاد.

وفي حديث ابن عمر وعبادة: بايعنا علي السمع والطاعة وأن لاننازع الأمر أهله.. وفي رواية عن ابن عمر في غير صحيح مسلم البيعة علي الصبر. قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني کلها، وتبين مقصود کل الروايات.

ومن الواضح لمن له أدني خبرة أن الزيادة التي قال عنها أحمد بن حنبل (قال سفيان: زاد بعض الناس: مالم تروا کفراً بواحاً).. من إضافات أتباع السلطة علي الحديث بعد معارضة بني هاشم والأنصار لخلافة أبي بکر وعمر!

وکذلک کل ما في معناها، کالذي رواه البخاري: 88:8 (إلا أن تروا کفراً بواحاً، عندکم من الله فيه برهان) والبيهقي في سننه:145:8.

لأن بيعة الأنصار کانت قبل الهجرة، ولم يکن فيها استثناء من الطاعة، ولم تکن مسألة إثرة القرشيين علي الأنصار مطروحة أبداً إلا بعد بيعة أبي بکر والمعارضة الشديدة لرئيس الأنصار صاحب السقيفة سعد بن عبادة!

ويلاحظ أن الصحاح القرشية أکثرت من رواية شرط النبي صلي الله عليه وآله علي الأنصار أن لاينازعوا الأمر أهله، لأجل أن تحتج عليهم بأنهم لاسهم لهم في الخلافة القرشية.. ولکنها لم تروِ شرط النبي صلي الله عليه وآله علي الأنصار أن يمنعوا أهل بيته وذريته مما يمنعون منه أهليهم، لأن ذلک في غير مصلحة الخلافة القرشية، التي هاجمت بيت فاطمة وعلي عليهماالسلام، وأشعلت فيه النار لتحرقه بمن فيه، إن لم يخرجوا ويبايعوا!

ولاروت شرط النبي عليهم أن لاينازعوا الأمر أهله إلا ما فلت من سذاجة راويه أو صدقه کما رأيت في حديث عبدالله بن عمر! لأنه شرط في غير مصلحة الذين اغتنموا انشغال بني هاشم بجنازة النبي وسرقوا الأمر من أهله! وبهذا تعرف الهدف من الروايات المدبجة التي حرفت الحديث من کونه شرطاً نبوياً علي المسلمين وحولته الي أمر نبوي للمسلمين بطاعة کل حاکم! کالتي رواها أحمد في مسنده: 321:5 (عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله: عليک السمع والطاعة، في عسرک ويسرک ومنشطک ومکرهک، وأثرة عليک، ولا تنازع الأمر أهله وإن رأيت أنه لک). انتهي.

ولا يتسع المجال هنا للحديث في هذا الشرط النبوي البليغ، الذي بدأ به النبي مبکراً فاشترطه بأمر ربه علي الأنصار، ثم اشترطه علي المهاجرين.. ودلالاته علي الخطة الالهية لمستقبل الاسلام، وترتيب الامامة بعد النبوة.

الدليل الثالث: حديث الدار.. وأندر عشيرتک الأقربين

حديث الدار معروف، فهو مرتبط في مصادر التفسير والسيرة بتفسير قوله تعالي: (وأنذر عشيرتک الأقربين). حيث دل نص الآية علي أن الله تعالي أمر رسوله في المرحلة الأولي أن يدعو بني هاشم فقط! فماذا فعل النبي صلي الله عليه وآله في هذه المرحلة؟ وهل استمرت مدتها شهوراً، أو سنين، حتي نزل الأمر بتوسيع نطاق الدعوة لعموم الناس؟

وما معني الأمر الإلهي: أن تکون نبوة الرسول صلي الله عليه وآله أولاً لبني هاشم خاصة، وبعدها لقريش والعرب والناس عامة؟ وما معني أن قريشاً اتخذت قراراً بمحاصرة بني هاشم، فالتفوا جميعاً حول النبي صلي الله عليه وآله، مؤمنهم وکافرهم، وتحملوا الحصار الشامل الذي استمر من السنة السادسة أو السابعة، إلي السنة الحادية عشرة للبعثة.. ولم يقل أحد منهم آخ! وما معني أنه عندما کانت الشدائد تقع علي المسلمين، لم ينهض بحملها إلا بنو هاشم؟ فقد انهزم المسلمون جميعاً في أحد، ولم يثبت غير بني هاشم! ثم تحداهم جميعاً فارس الأحزاب يوم الخندق، فلم يجرؤ أحد علي مبارزته غير بني هاشم!

ثم انهزموا في حنين وهم عشرة آلاف.. فلم يثبت غير بني هاشم!!

إنها حقائق وظواهر تفسر الحديث الذي روته مصادرنا قال فيه النبي صلي الله عليه وآله: (بعثت إلي أهل بيتي خاصة، وإلي الناس عامة).

کما تدل آية (وأنذر عشيرتک الأقربين) وما ورد في تفسيرها، علي أن إنذار بني هاشم کان مبرمجاً من الله تعالي.. وأن تعيين وصي النبي صلي الله عليه وآله وخليفته من بينهم، کان ضمن ذلک البرنامج.. فقد قال السيوطي في الدر المنثور:97:5:

(وأخرج ابن إسحق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبونعيم، والبيهقي في الدلائل، من طرقٍ، عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية علي رسول الله صلي الله عليه وسلم: وأنذر عشيرتک الأقربين، دعاني رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلک ذرعاً، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الأمر أري منهم ما أکره، فصمتُّ عليها حتي جاء جبريل فقال: يا محمد إنک إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبک ربک، فاصنع لي صاعاً من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واجعل لنا عساً من لبن، ثم اجمع لي بني عبدالمطلب، حتي أکلمهم وأبلغ ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبوطالب وحمزة والعباس وأبولهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي صلي الله عليه وسلم بضعة من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال: کلوا بسم الله، فأکل القوم حتي نهلوا عنه، ما تري إلا آثار أصابعهم!

والله إن کان الرجل الواحد ليأکل ما قدمت لجميعهم.

ثم قال: إسق القوم يا علي، فجئتهم بذلک العس فشربوا منه حتي رووا جميعاً! وأيم الله إن کان الرجل منهم ليشرب مثله! فلما أراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يکلمهم بدره أبولهب إلي الکلام، فقال: لقد سحرکم صاحبکم! فتفرق القوم ولم يکلمهم النبي صلي الله عليه وسلم. فلما کان الغد قال: يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلي ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أکلمهم، فعد لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب، ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقربته، ففعل کما فعل بالأمس، فأکلوا وشربوا حتي نهلوا، ثم تکلم النبي صلي الله عليه وسلم فقال: يا بني عبدالمطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتکم به، إني قد جئتکم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوکم إليه، فأيکم يوازرني علي أمري هذا؟

فقلت وأنا أحدثهم سناًّ: إنه أنا، فقام القوم يضحکون). انتهي.

ثم رواها السيوطي بسند آخر عن ابن مردويه عن البراء بن عازب، قال: (لما نزلت هذه الآية: وأنذر عشيرتک الأقربين، جمع رسول الله صلي الله عليه وسلم بني عبدالمطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً...) إلخ..

ولکن السيوطي بتر الحديث هنا، ولم يذکر بقية کلام النبي صلي الله عليه وآله.. وهو أسلوب دأب رواة خلافة قريش علي ارتکابه في حديث الدار، لأن بقية الحديث تقول إن الله أمر رسوله من ذلک اليوم أن يختار وزيره وخليفته من عشيرته الأقربين!

قال الأميني في الغدير:207:1 (وها نحن نذکر لفظ الطبري بنصه حتي يتبين الرشد من الغي. قال في تاريخه:217:2 من الطبعة الأولي: (إني قد جئتکم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالي أن أدعوکم إليه، فأيکم يوازرني علي هذا الأمر، علي أن يکون أخي ووصيي وخليفتي فيکم؟

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أکون وزيرک عليه. فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيکم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحکون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرک أن تسمع لابنک وتطيع). وقال الأميني:279:2 وبهذا اللفظ أخرجه أبوجعفر الإسکافي المتکلم المعتزلي البغدادي، المتوفي240 في کتابه نقض العثمانية، وقال: إنه روي في الخبر الصحيح.

ورواه الفقيه برهان الدين في أنباء نجباء الأبناء.46-48 وابن الأثير في الکامل:.24:2 وأبوالفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه:116:1 وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض: 37:3 (وبتر آخره) وقال: ذکر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح. والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره-390. والحافظ السيوطي في جمع الجوامع، کما في ترتيبه:.392:6 وفي:397 عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي. وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة:.254:3 انتهي کلام صاحب الغدير.

ثم شکا رحمه الله من الذين حرفوا الحديث لإرضاء قريش، ومنهم الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه، ولکنه أبهم کلام النبي صلي الله عليه وآله في حق علي عليه السلام فقال: ثم قال: إن هذا أخي، وکذا وکذا!! وتبعه علي ذلک ابن کثير في البداية والنهاية40:3 وفي تفسيره351:3!

وقال في هامش بحارالأنوار:272:32

(وناهيک من ذلک مؤاخاته مع رسول الله صلي الله عليه وآله بأمر من الله عزوجل في بدء الإسلام حين نزل قوله تعالي: وأنذر عشيرتک الأقربين. راجع: تاريخ الطبري:321:2 کامل ابن الأثير:24:2 تاريخ أبي الفداء:11:1 والنهج الحديدي:254:3 ومسند الإمام ابن حنبل:159:1 وجمع الجوامع ترتيبه:408:6 وکنز العمال:401:6.

وهذه المؤاخاة مع أنها کانت بأمر الله عزوجل، إنما تحققت بصورة البيعة والمعاهدة (الحلف) ولم يکن للنبي صلي الله عليه وآله أن يأخذ أخاً ووزيراً وصاحباً وخليفة غيره، ولا لعلي أن يقصر في مؤازرته ونصرته والنصح له ولدينه، کمؤازرة هارون لموسي علي ما حکاه الله عزوجل في القرآن الکريم.

ولذلک تري رسول الله صلي الله عليه وآله حين يؤاخي بعد ذلک المجلس بين المهاجرين بمکة، فيؤاخي بين کل رجل وشقيقه وشکله: يؤاخي بين عمر وأبي بکر، وبين عثمان وعبدالرحمن بن عوف، وبين الزبير وعبدالله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولي أبي حذيفة، وبين حمزة بن عبدالمطلب وزيد بن حارثة الکلبي. راجع: (سيرة ابن هشام:.504:1 المحبر:.71:70 البلاذري:270:1) يقول لعلي عليه السلام: والذي بعثني بالحق نبياً ما أخرتک إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هرون من موسي إلا أنه لانبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، وأنت معي في قصري في الجنة.

ثم قال له: وإذا ذاکرک أحد فقل: أنا عبدالله وأخو رسوله، ولا يدعيها بعدي إلا کاذب مفتر. (الرياض النضرة:.168:2 منتخب کنز العمال:45:5 و46).

ولذلک نفسه تراه صلي الله عليه وآله حينما عرض نفسه علي القبائل فلم يرفعوا إليه رؤوسهم، ثم عرض نفسه علي بني عامر بن صعصعة قال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس بن عبدالله بن سلمة الخير بن قشير بن کعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: والله لو أني أخذت هذا الفتي من قريش لأکلت به العرب، ثم قال لرسول الله: أرأيت إن بايعناک علي أمرک ثم أظهرک الله علي من خالفک، أيکون لنا الأمر من بعدک؟ قال: الأمر إلي الله يضعه حيث يشاء. قال: فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونک، فإذا أظهرک الله کان الأمر لغيرنا، لاحاجة لنا بأمرک، فأبوا عليه، (راجع: سيرة ابن هشام:424:1 الروض الأنف:264:1 بهجة المحافل:128:1 سيرة زيني دحلان:302:1 السيرة الحلبية:3:2).

فلولا أنه صلي الله عليه وآله کان تعاهد مع علي عليه السلام بالخلافة والوصاية بأمر من الله عزوجل قبل ذلک، لما ردهم بهذا الکلام المؤيس، وهو بحاجة ماسة إلي نصرة أمثالهم). انتهي.

وفي دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي:15:1

(وروينا أيضاً عن علي بن أبي طالب صلي الله عليه أنه قال: لما أنزل الله عزوجل: وأنذر عشيرتک الأقربين، جمع رسول الله صلي الله عليه وآله بني عبدالمطلب علي فخذ شاة وقدح من لبن، وإن فيهم يومئذ عشرة ليس منهم رجل إلا أن يأکل الجذعة ويشرب الفرق، وهم بضع وأربعون رجلاً، فأکلوا حتي صدروا وشربوا حتي ارتووا، وفيهم يومئذ أبولهب، فقال لهم رسول الله صلي الله عليه وآله: يا بني عبدالمطلب أطيعوني تکونوا ملوک الأرض وحکامها، إن الله لم يبعث نبياً إلا جعل له وصياً ووزيراً ووارثاً وأخاً وولياً، فأيکم يکون وصيي ووارثي ووليي وأخي ووزيري؟ فسکتوا، فجعل يعرض ذلک عليهم رجلاً رجلاً، ليس منهم أحد يقبله، حتي لم يبق منهم أحد غيري، وأنا يومئذ من أحدثهم سناً، فعرض علي فقلت: أنا يا رسول الله. فقال: نعم، أنت يا علي. فلما انصرفوا قال لهم أبولهب: لو لم تستدلوا علي سحر صاحبکم إلا بما رأيتم، أتاکم بفخذ شاة وقدح من لبن فشبعتم ورويتم! وجعلوا يهزؤون ويقولون لأبي طالب: قد قدم ابنک اليوم عليک). انتهي.

ولا بد أن تکون حادثة دعوة النبي صلي الله عليه وآله لبني هاشم قد شاعت في قريش، ثم في العرب، فقالوا إن النبي الجديد جمع عشيرته بأمر ربه کما يزعم، ودعاهم إلي دينه، وطلب منهم شخصاً يکون وزيره وخليفته من بعده، فأجابه ابن عمه الشاب الغلام علي.. فاتخذه وزيراً وخليفة! وهنا ينبغي أن ننبه هنا علي أمرٍ مهم.. هو أن مدوني السيرة النبوية الشريفة طمسوا مرحلة دعوة بني هاشم وحذفوها من السيرة، وکأنه لايوجد في القرآن آية: (وأنذر عشيرتک الأقربين)! واخترعوا بدلها مرحلة بيت الأرقم، وما قبل بيت الأرقم.. وما بعد بيت الأرقم..! وأکثروا فيه من الروايات غير المعقولة!

فهذه الأدلة الثلاث التي روت نصوصها المصادر الصحيحة، لاتدع مجالاً للشک في أن ولاية الأمر بعد النبي صلي الله عليه وآله کانت مطروحةً ومنظورةً للناس، من أول بعثته إلي آخر حياته صلي الله عليه وآله. وأن جميع الناس کانوا يعرفون أن مشروع النبوة ودعوة الناس إليها، هو مشروع تکوين دولة يرأسها النبي صلي الله عليه وآله، وتحتاج إلي خليفة له بعده. ولذلک کانت القبائل تري في نبوته بحسابها المادي، مشروعاً مغرياً، وتحاول أن تأخذ منه وعداً بأن يکون لها الأمر من بعده، ومنها قبائل يمانية وعدنانية، وزعيم قبائل نجد المتنقلة. بل يمکننا بملاحظة هذا الواقع أن نفترض أن يکون في المسلمين الأوائل منافقون جذبهم هذا المشروع المغري وهذه الحرکة النبوية التي يؤمل لها النجاح وأن يکون الواحد منهم طمع أن يجد له موقعاً فيها ينقله من ذل الهامش القبلي إلي مرکز قيادي مع هذا التنبئ من بني هاشم. وبهذا فقط نستطيع أن نفسر ذکر المنافقين والذين في قلوبهم مرض، في الآية31 من سورة المدثر، التي نزلت في مکة!! أمام هذه الحقائق الصارخة..

کيف يصدق عاقل دعوي حکومات زعماء قريش، من أنهم لم يطرحوا مسألة الخلافة مع النبي صلي الله عليه وآله أبداً أبداً! حتي بصيغة سؤال عن الحکم الشرعي وواجب المسلمين من بعده!! فهل يقبل عاقل أن المسلمين سألوا النبي صلي الله عليه وآله عن مستقبل الأمة، ورووا عنه الأحاديث في کل ما يکون بعده، إلا في أمر الخلافة، وإلا في تعيين الإمام الشرعي من بعده؟!!