احداث كانت وراءها قريش











احداث کانت وراءها قريش



نمهد لتفسير الآية بفهرسٍ لعدد من الأحداث الخطيرة في أواخر حياة النبي صلي الله عليه وآله.. ثبت أن قريشاً کانت وراء بعضها، وتوجد مؤشرات توجب الظن أو الاطمئنان بأنها کانت وراء الباقي!

الأولي: محاولة اغتيال النبي صلي الله عليه وآله في حنين.. وقد تقدم في البحث الخامس اعتراف بعض زعماء قريش بها! الثانية: محاولة اغتيال النبي صلي الله عليه وآله في العقبة في طريق رجوعه من تبوک، وقد کانت محاولةً متقنةً، نفذتها مجموعةٌ منافقة بلغت نحو عشرين شخصاً، حيث عرفوا أن النبي صلي الله عليه وآله سيمر ليلاً من طريق الجبل بينما يمر الجيش من طريق حول الجبل، وکانت خطتهم أن يکمنوا فوق عقبة الجبل التي سيمر فيها الرسول صلي الله عليه وآله، حتي إذا وصل إلي المضيق ألقوا عليه ما استطاعوا من صخور لتنحدر بقوةٍ وتقتله، ثم يفرون ويضيعون أنفسهم في جيش المسلمين، ويبکون علي الرسول، ويأخذون خلافته!

وقد ترکهم الله تعالي ينفذون خطتهم، حتي إذا بدؤوا بدحرجة الصخور، جاء جبرئيل وأضاء الجبل عليهم، فرآهم النبي صلي الله عليه وآله وناداهم بأسمائهم، وأراهم لمرافقيه المؤمنين: حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر، وأشهدهما عليهم، فسارعوا ونزلوا من الجهة الثانية من الجبل، وضيعوا أنفسهم في المسلمين!!

أما لماذا يعاقبهم النبي؟ أو يعلن أسماءهم ويوبخهم علي الأقل؟! فلا جواب إلا أنهم من قريش، ومن المعروفين فيها.. وإعلان أسمائهم يعني معاقبتهم، ومعاقبتهم تعني خطر ارتداد قريش عن الإسلام، ويعني إمکان أن تقنع قريش بعض قبائل العرب بالإرتداد معها، بحجة أن محمداً أعطي کل شي ء من بعده لبني هاشم، ولم يعط لقريش والعرب شيئاً!

وهذا يعني السمعة السيئة للإسلام، وأن نبيه صلي الله عليه وآله بعد أن آمن به أصحابه اختلف معهم علي السلطة والملک، وقاتلهم وقاتلوه!

ويعني الحاجة من جديد إلي بدرٍ، وأحدٍ، والخندق، وفتح مکة!

ولن تکون نتائج هذه الدورة للإسلام أفضل من الدورة الأولي!

فالحل الإلهي هو: السکوت عنهم ما داموا يعلنون قبول الإسلام، ونبوة الرسول صلي الله عليه وآله، وينکرون فعلتهم!!

ومن الملاحظ أن روايات مؤامرة العقبة ذکرت أسماء قرشية معروفة، وقد ضعَّفها رواة قريش طبعاً، لکن أکثرهم وثقوا الوليد بن جُمَيْع وغيره من الرواة الذين نقلوا أسماء هؤلاء (الصحابة) المشارکين فيها! کما أنهم رووا عن حذيفة وعمار رواياتٍ فاضحةٍ لبعض الصحابة الذين کانوا يسألونهما عن أنفسهم: هل رأياهم في الجبل ليلة العقبة؟! ويحاولون أن يأخذوا منهما براءةً من النفاق والمشارکة في المؤامرة! ورووا أنهم کانوا يعرفون الشخص أنه من المنافقين أم لا، عندما يموت.. فإن صلي حذيفة علي جنازته فهو مؤمن، وإن لم يصل علي جنازته فهو منافق.

ورووا أن حذيفة لم يصل علي جنازة أي زعيمٍ من قريش مات في حياته!!

الثالثة: قصة سورة التحريم، التي تنص علي أن النبي صلي الله عليه وآله أسرَّ بحديثٍ خطيرٍ إلي بعض أزواجه، وأکد عليها أن لاتقوله لأحد، ولا بد أن الله تعالي أمره بذلک لِحِکَمٍ ومصالح يعلمها سبحانه.. فخالفت (أم المؤمنين) حکم الله تعالي، وخانت زوجها رسول الله صلي الله عليه وآله بإفشاء سره، وعملت مع صاحبتها لمصلحة (قريش) ضد مصلحة زوجها الرسول!!

وأطْلع الله تعالي نبيه علي مؤامرتهما، فأخبرهما بما فعلتا، ونزل القرآن بکشف سرهما وسر من ورائهما، وهددهما وضرب لهما مثلاً بامرأتي نوح ولوط، اللتين خانتاهما، فدخلتا النار!!

أما رواة الخلافة القرشية فيقولون إن المسألة کانت عائلية محضة! تتعلق بغيرة النساء من بعضهن، وبعض الأخطاء الفنية الخفيفة لهن مع النبي صلي الله عليه وآله!! إنهم يريدونک أن تغمض عينيک عن آيات الله تعالي في سورة التحريم، التي تتحدث عن خطرٍ عظيمٍ علي الرسول صلي الله عليه وآله والرسالة، وتحشد أعظم جيشٍ جرارٍ لمواجهة الموقف فتقول (إن تتوبا إلي الله فقد صغت قلوبکما، وإن تظاهرا عليه، فإن الله هو مولاه، وجبريل، وصالح المؤمنين، والملائکة بعد ذلک ظهير!). فالي مَن صغت قلوبهما، ولمصلحة من تعاونتا ضد الرسول صلي الله عليه وآله؟! وما هي القضية الشخصية التي تحتاج معالجتها إلي هذا الجيش الإلهي الجرار، الذي لايستنفره الله تعالي إلا لحالات الطوارئ القصوي؟!

ما ابن عباس الذي يصفونه بحبر الأمة، فکان يقرأ الآية (زاغت قلوبکما).

وبذلک تکون أما المؤمنين عائشة وحفصة احتاجتا إلي تجديد إسلامهما!

الرابعة: حادثة هجر النبي صلي الله عليه وآله لنسائه شهراً، وشيوع خبر طلاقه لهن.. وذهابه بعيداً عنهن وعن المسجد، إلي بيت مارية القبطية الذي کان في طرف المدينة أو خارجها! وعلي العادة، صورت الروايات القرشية هذه الحادثة علي أنها حادثةٌ شخصية.. شخصيةٌ بزعمهم وشغلت النبي صلي الله عليه وآله والوحي والمسلمين! وادعوا أن سببها کثرة طلبات نسائه المعيشية منه صلي الله عليه وآله، وأکدوا أنه لاربط للحادثة أبداً بقضايا الإسلام المالئة للساحة السياسية آنذاک، والشاغلة لزعماء قريش خاصة!!

الخامسة: تصعيد عمل قريش ضد علي بن أبي طالب عليه السلام لإسقاط شخصيته، وغضب النبي صلي الله عليه وآله وشدته عليهم في دفاعه عن علي، وترکيزه لشخصيته.. ولهذا الموضوع مفرداتٌ عديدة في حروب النبي وسلمه وسفره وحضره صلي الله عليه وآله.. لکن يلاحظ أنها کثرت في السنة الأخيرة من حياة النبي صلي الله عليه وآله وأنه غضب بسببها مراراً، وخطب أکثر من مرة، مبينا فضل علي عليه السلام، وفسق من يؤذيه أو کفره!

ولو لم يکن من ذلک إلا قصة بريدة الأسلمي الکاسحة، التي روتها مصادر السنيين بطرق عديدة، وأسانيد صحيحة عالية، وکشفت عن وجود شبکة عملٍ منظم ترسل الرسائل وتضع الخطط ضد علي عليه السلام، وسجلت إدانة النبي صلي الله عليه وآله الغاضبة لهم، وتصريحه بأن علياً وليکم من بعدي، وأن کل من ينتقد علياً ولا يحبه فهو منافق! وهي حادثةٌ تکفي دليلاً علي ظلم زعماء قريش وحسدهم لعلي عليه السلام... إلخ!

السادسة: منع تدوين سنة النبي صلي الله عليه وآله في حياته.. أما القرآن فقد کان عامة الناس يکتبونه من حين نزوله، وکان النبي صلي الله عليه وآله يأمر بوضع ما ينزل منه جديداً بين منبره والحائط، حيث کان يوجد ورق ودواة، لمن يريد أن يکتب ما نزل جديداً منه. وکان النبي صلي الله عليه وآله يأمرعلياً عليه السلام بکتابة القرآن وحديثه. وکان آخرون يکتبون حديث النبي صلي الله عليه وآله، ومنهم شبانٌ قرشيون يعرفون الکتابة مثل عبدالله بن عمرو بن العاص.. وقد أحست قريش بأن ذلک يعني تدوين مقولات النبي صلي الله عليه وآله العظيمة في حق عترته وبني هاشم، ومقولاته في ذم عددٍ کبيرٍ من فراعنة قريش وشخصياتها.. فعملت علي منع کتابة سنة النبي صلي الله عليه وآله في حياته، في حين أن بعض زعمائها کان يکتب أحاديث اليهود، ويحضر درسهم في کل سبت!! وقد وثقنا ذلک في کتاب تدوين القرآن.

وقد روت مصادر السنيين أن عبدالله بن عمرو شکي إلي النبي صلي الله عليه وآله أن (قريشاً) نهته عن کتابة حديثه، لأن أحاديثه التي فيها غضبٌ عليها ليست حجة شرعاً! قال أبوداود في سننه:176:2 (عن عبدالله بن عمرو قال: کنت أکتب کل شي ءٍ أسمعه من رسول الله صلي الله عليه وسلم، أريد حفظه، فنهتني قريش (يعني عمر) وقالوا: أتکتب کل شي ء تسمعه! ورسول الله صلي الله عليه وسلم بشرٌ يتکلم في الغضب والرضا! فأمسکت عن الکتاب، فذکرت ذلک لرسول الله صلي الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلي فيه فقال: (أکتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق)! انتهي. ورواه أحمد في مسنده:192:2 و215 والحاکم في المستدرک:105:1 و528:3 وصححه.

السابعة: محاولة اغتيال النبي صلي الله عليه وآله في طريق عودته من حجة الوداع عند عقبة هرشي بعد نصبه علياً في غدير خم، وقد کشف الوحي المؤامرة، وکانت شبيهةً إلي حد کبيرٍ بمؤامرة اغتياله صلي الله عليه وآله في العقبة، في طريق رجوعه من مؤتة!

الثامنة: تصعيد قريش انتقادها ومقاومتها لأعمال النبي صلي الله عليه وآله لترکيز مکانة عترته عليهم السلام وأسرته بني هاشم في الأمة، واعتراض عددٍ منهم عليه بصراحةٍ ووقاحةٍ، ومطالبتهم بأن يجعل الخلافة لقريش تدور في قبائلها، أو يشرک مع علي غيره من قبائل قريش!!

وقد رفض النبي صلي الله عليه وآله کل مطالبهم، لأنه لايملک شيئاً مع الله تعالي، ولم يعط شيئاً من عنده حتي يمنعه، وإنما هو عبدٌ ورسولٌ مبلغ صلي الله عليه وآله. وقد تقدم نص تنزيه الأنبياء للشريف المرتضي:167:

(جاءه قوم من قريش فقالوا له: يا رسول الله صلي الله عليه وآله إن الناس قريبو عهد بالإسلام، لايرضون أن تکون النبوة فيک والإمامة في ابن عمک علي بن أبي طالب. فلو عدلت به إلي غيره لکان أولي. فقال لهم النبي صلي الله عليه وآله: ما فعلت ذلک برأيي فأتخير فيه، لکن الله تعالي أمرني به وفرضه علي. فقالوا له: فإذا لم تفعل ذلک مخافة الخلاف علي ربک، فأشرک معه في الخلافة رجلاً من قريش ترکن الناس إليه، ليتم لک أمرک، ولا يخالف الناس عليک!!).

التاسعة: أن النبي صلي الله عليه وآله عندما کان مريضاً شکل جيشاً بقيادة أسامة بن زيد، وجعل تحت إمرته کل زعماء قريش غير بني هاشم، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، وهو شاب عمره18 سنة، أسمر أمه أم ايمن الإفريقية، وأمره أن يسير إلي مؤتة في الأردن لمحاربة الروم حيث استشهد أبوه في حملة جعفر بن أبي طالب.. وقد أراد النبي بذلک أن يرسخ قدرة الدولة الإسلامية ويأخذ بثأر شهداء مؤتة، وفي نفس الوقت أراد أن يفرغ المدينة من المعارضين لعلي عليه السلام قبيل وفاته صلي الله عليه وآله.

فخرج أسامة بمن معه وعسکر خارج المدينة، ولکن زعماء قريش أحبطوا خطة النبي صلي الله عليه وآله بتثاقلهم عن الانضمام إلي جيش أسامة، وتأخيرهم من استطاعوا عنه، ثم طعنوا في تأمير النبي صلي الله عليه وآله لأسامة الإفريقي الشاب بحجة صغر سنه، وواصلوا تسويفهم للوقت، فکانوا يذهبون الي معسکر أسامة عند ضغط النبي عليهم، ثم يرجعون إلي المدينة! حتي صعد النبي صلي الله عليه وآله المنبر وشدد علي إنفاذ جيش أسامة، وأبلغ المسلمين صدور اللعنة من ربه عزوجل ومن رسوله علي کل من تخلف عن جيش أسامة!!

العاشرة: تصعيد قريش فعاليتها ضد النبي صلي الله عليه وآله، وقرارها الخطير بمواجهته صلي الله عليه وآله مباشرة إذا أراد أن يستخلف علياً وأهل بيته عليهم السلام، رسمياً! وبالفعل قام زعيم قريش الجديد عمر بن الخطاب بمهمة أقسي مواجهة لأمة مع نبيها! وذلک عندما جمع النبي صلي الله عليه وآله زعماء قريش والأنصار في مرض وفاته، وأخبرهم أنه قرر أن يکتب لأمته کتاباً لن تضل بعده أبداً، فعرفوا أنه يريد أن يثبت ولاية علي وأهل بيته عليهم السلام علي الأمة بصورة رسمية مکتوبة، فواجهه عمر بصراحة ووقاحة: لانريد کتابک وأمانک من الضلال، ولا سنتک ولا عترتک، وحسبناکتاب الله.. وحتي تفسيره من حقنا نحن لامن حقک، وحق عترتک!!

وأيده القرشيون الحاضرون ومن أثَّروا عليهم من الأنصار، وصاحوا في وجه نبيهم صلي الله عليه وآله: القول ما قاله عمر.. القول ما قاله عمر!! وانقسم المحتشدون في بيت نبيهم في آخر أيامه، وتشادوا بالکلام فوق رأسه صلي الله عليه وآله، منهم من يقول قربوا له قلماً وقرطاساً يکتب لکم أماناً من الضلال. وأکثرهم يصيح: القول ما قاله عمر، لاتقربوا له شيئاً، ولا تَدَعُوهُ يکتب!! ويظهر أن جبرئيل حينذاک کان عند النبي صلي الله عليه وآله فقد کثر نزوله عليه في الأيام الأخيرة، فأخبره أن الحجة قد تمت، وأن الإصرار علي الکتاب يعني دفع قريش نحو الردة، والحل هو الاعراض عنهم وإکمال تبليغهم بطردهم!! فطردهم النبي صلي الله عليه وآله وقال لهم: قوموا فما ينبغي عند نبي تنازع! قوموا، فما أنا فيه خير مما تدعوني إليه...!!

وهذا الحديث (إيتوني بدواةٍ وقرطاسٍ) حديث معروفٌ، رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه! وروي أن ابن عباس سمي تلک الحادثة (رزية يوم الخميس)!

الحادية عشرة: أصيب النبي صلي الله عليه وآله بحمي شديدة في مرضه، وکان يغشي عليه لدقائق من شدة الحمي ويفيق.. فأحس بأن بعض من حوله أرادوا أن يسقوه دواء عندما أغمي عليه، فأفاق ونهاهم، وشدد عليهم النهي بأن لايسقوه أي دواء إذا أغمي عليه.. ولکنهم اغتنموا فرصة الأغماء عليه بعد ذلک، وصبوا في فمه دواء فرفضه، فسقوه إياه بالقوة!!

فأفاق النبي صلي الله عليه وآله، ووبخهم علي عملهم! وأمر کل من کان حاضراً أن يشرب من ذلک الدواء، ما عدا بني هاشم!! ورووا أن الجميع غير بني هاشم شربوا من (ذلک) الدواء!!

هذه الحادثة المعروفة في السيرة بحادثة (لَدّ النبي) صلي الله عليه وآله ينبغي أن تعطي حقها من البحث والتحقيق، فربما کانت محاولةً لقتل النبي صلي الله عليه وآله بالسم!!

إن کل واحدة من هذه الحوادث تصلح أن تکون موضوعاً لرسالة دکتوراه.. ولکنا أردنا منها التمهيد لتفسير آية (سأل سائل) في مطلع سورة المعارج.. وإذا أردت أن تعرف الأبطال الحقيقيين لهذه الحوادث، والأدمغة المخططة لها.. فابحث عن قريش! وإذا أردت أن تفهم أکثر وتتعمق أکثر، فابحث.. عن علاقة قريش باليهود!!

اليس من حق الباحث أن يعجب من ذلک، ويفهم کيف عصم الله تعالي رسوله صلي الله عليه وآله من أن ترتد قريش في حياته، وتعلن کفرها بنبوته! ولکنه لم يعصمه من أذاها ومؤامراتها.. فذلک هو طريق الأنبياء عليهم السلام وتکاليفه.. لاتغيير فيها!