الموقف العلمي في سبب نزول الآيه











الموقف العلمي في سبب نزول الآيه



من حسن حظ الباحث هنا أن بإمکانه أن يفتش عني السبب الحقيقي لنزول الآية في أحاديث حجة الوداع، لأن هذا الوداع الرسولي المهيب قد تم بإعلانٍ ربانيٍّ مسبق، وإعدادٍ نبوي واسع.. وقد حضره ما بين سبعين ألفاً إلي مئة وعشرين ألفاً من المسلمين، ورووا الکثير من أحداثه، ومن أقوال النبي صلي الله عليه وآله وأفعاله فيها، ورووا أنه خطب في أثنائها خمس خطب أو أکثر.. وسجلوا يوم حرکة النبي من المدينة، والأماکن التي مر بها أو توقف فيها، ومتي دخل مکة، ومتي وکيف أدي المناسک.. ثم رووا حرکة رجوعه وما صادفه فيها.. إلي أن دخل إلي المدينة المنورة، وعاش فيها نحو شهرين هي بقية عمره الشريف صلي الله عليه وآله.

وعلي هذا، فإن عنصر التوقيت والتاريخ الحاسم هو الذي يجب أن يکون مرجحاً للرأي الصحيح في المسألة من بين الرأيين المتعارضين.

وعنصر التوقيت هنا يرجح قول أهل البيت عليهم السلام والروايات السنية الموافقة لهم، مضافاً إلي المرجحات الأخري العلمية، التي تنضم إليه کما يلي:

أولاً: أن التعارض هنا ليس بين حديثين أحدهما أصح سنداً وأکثر طرقاً، کما توهم الطبري وغيره.. بل هو تعارض بين حديث عن النبي صلي الله عليه وآله وبين قولٍ لعمر بن الخطاب.

فإن الأحاديث التي ضعفوها أحاديث نبوية مسندة، بينما أحاديث البخاري وغيره ما هي إلا قول لعمر لم يسنده إلي النبي صلي الله عليه وآله!

فالباحث السني لايکفيه أن يستدل بقول عمر في سبب نزول القرآن، ويرد به الحديث النبوي المتضمن سبب النزول، بل لابد له أن يبحث في سند الحديث ونصه، فإن صح عنده فعليه أن يأخذ به ويترک قول عمر.. وإن لم يصح رجع إلي أقوال الصحابة المتعارضة، وجمع بين الموثوق منها إن أمکن الجمع، وإلا رجح بعضها وأخذ به، وترک الباقي.. ولکنهم لم يفعلوا ذلک مع الأسف!

ثانياً: لو تنزلنا وقلنا إن أحاديث أهل البيت عليهم السلام في سبب نزول الآية والأحاديث السنية المؤيدة لها ليست أکثر من رأي لأهل البيت ومن أيدهم في ذلک، وأن التعارض يصير بين قولين لصحابيين في سبب النزول، أو بين قول صحابي وقول بعض أئمة أهل البيت عليهم السلام.. فنقول:

إن النبي صلي الله عليه وآله أوصي أمته بأخذ الدين من أهل بيته عليهم السلام ولم يوصها بأخذه من أصحابه.. وذلک في حديث الثقلين الصحيح المتواتر عند الجميع، وهو کما في مسند أحمد:14:3 عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: إني تارکٌ فيکم الثقلين، أحدهما أکبر من الآخر: کتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض. انتهي. ورواه أيضاً في26:3-17 و59 و366:4 و371 والدارمي:431:2 ومسلم122:7 والحاکم، وصححه علي شرط الشيخين وغيرهما في:109:3 و148 والبيهقي في سننه:148:2 وغيرهم.

وهذا الحديث الصحيح بدرجة عالية يدل علي حصر مصدر الدين بعد النبي صلي الله عليه وآله بأهل بيته صلي الله عليهم، أو يدل علي الأقل علي ترجيح قولهم عند تعارضه مع قول غيرهم.. لذا يجب ترجيحه هنا.

ثالثاًً: أن الرواية عن عمر نفسه متعارضة، وتعارضها يوجب التوقف في الأخذ بها، فقد رووا عنه أن يوم عرفة في حجة الوداع کان يوم خميس، وليس يوم جمعة. قال النسائي في سننه:251:5:

أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال: أنبأنا عبدالله بن إدريس، عن أبيه، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: قال يهودي لعمر: لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً: اليوم أکملت لکم دينکم. قال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه والليلة التي أنزلت، ليلة الجمعة ونحن مع رسول الله صلي الله عليه وسلم بعرفات! انتهي.

والطريف أن النسائي روي عن عمر في:114:8 أنها نزلت في عرفات في يوم جمعة!

رابعاً: تقدم قول البخاري في روايته أن سفيان الثوري، وهو من أئمة الحديث والعقيدة عندهم، لم يوافق علي أن يوم عرفة کان يوم جمعة (قال سفيان وأشک کان يوم الجمعة أم لا..) وهناک عددٌ من الروايات تؤيد شک سفيان! بل يظهر أن سفياناً کان قاطعاً بأن يوم عرفة في حجة الوداع لم يکن يوم جمعة، وإنما قال (أشک) مداراة لجماعة عمر، الذين فرضوا سلطتهم ورتبوا کل روايات أحداث حجة الوداع، بل وأحداث التاريخ الإسلامي کلها.. علي أساس أن يوم عرفات کان يوم جمعة، کما ستعرف!

خامساً: أن عيد المسلمين هو يوم الأضحي، وليس يوم عرفة، ولم أجد روايةً تدل علي أن يوم عرفة عيدٌ شرعي، فالقول بذلک مما تفرد به عمر بن الخطاب، ولم يوافقه عليه أحدٌ من المسلمين. فيجب أن يدخل عند السلفيين يدخل في باب البدعة!

أما إذا أخذنا برواية النسائي القائلة إن عرفة کان يوم خميس، وأن الآية نزلت ليلة عرفة.. فلا يبقي عيد حتي يصطدم به العيد النازل من السماء، ولا يحتاج الأمر إلي قانون إدغام الأعياد الإلهية المتصادمة، کما ادعي عمر! وعلي هذا يکون معني جوابه أن يوم نزول آية إکمال الدين يستحق أن يکون عيداً، ولکن آيته نزلت قبل العيد بيومين، فلم نتخذ يومها عيدا! وهو کلام متهافت!

سادساً: أن قول عمر يناقض ما رووه عنه نفسه بسند صحيح أيضاً.. فقد فهم هذا اليهودي من الآية أن الله تعالي قد أکمل تنزيل الإسلام وختمه في يوم نزول الآية، وقبل عمر منه هذا التفسير.. فلا بد أن يکون نزولها بعد نزول جميع الفرائض، فيصح علي رأيه ما قاله أهل البيت عليهم السلام وما قاله السدي وابن عباس وغيرهما من أنه لم تنزل بعدها فريضةٌ ولا حکم. مع أن عمر قال إن آية إکمال الدين نزلت قبل آيات الکلالة، وأحکام الإرث، وغيرها، کما تقدم في بحث آخر ما نزل من القرآن! فوجب علي مذهبه أن يقول لليهودي: ليس معني الآية کما ظننت، بل کان بقي من الدين عدة أحکامٍ وشرائع نزلت بعدها، وذلک اليوم هو الجدير بأن يکون عيداً، وليس يوم نزول الآية!

وعندما تتناقض الروايات عن شخص واحد، فلا بد من التوقف فيها جميعاً، وتجميد کل روايات عمر في آخر ما نزل من القرآن، وفي وقت نزول آية إکمال الدين، لأنه اضطرب في المسألة أو اضطربت روايتها عنه!

ومن جهة أخري، فقد أقر عمر أن (اليوم) في الآية هو اليوم المعين الذي نزلت فيه، وليس وقتاً مجملاً ولا يوماً مضي قبل سنين کفتح مکة، أو يوم يأتي بعد شهور مثلاً. وهذا يستوجب رد قول الطبري الذي تعمد اختياره ليوافق عمر، ويستوجب رد کل الروايات التي تريد تعويم کلمة (اليوم) في الآية، أو تريد جعله يوم فتح مکة، لتبرير رأي عمر.

قال القرطبي في تفسيره:143:1 وقد يطلق اليوم علي الساعة منه قال الله تعالي: اليوم أکملت لکم دينکم، وجمع يوم أيام، وأصله أيوام فأدغم.

وقال في:61:2 واليوم قد يعبر بجزء منه عن جميعه، وکذلک عن الشهر ببعضه تقول: فعلنا في شهر کذا کذا وفي سنة کذا کذا، ومعلوم أنک لم تستوعب الشهر ولا السنة، وذلک مستعملٌ في لسان العرب والعجم. انتهي.

سابعاًً: أن جواب عمر لليهودي غير مقنعٍ لالليهودي ولا للمسلم! لأنه إن کان يقصد الإعتذار بأن نزولها صادف يوم عيد ولذلک لم نتخذ يومها عيداً، فيمکن لليهودي أن يجيبه: لماذا خرب عليکم ربکم هذا العيد وأنزله في ذلک اليوم؟!

وإن کان يقصد إدغام عيد إکمال الدين بعيد عرفة، حتي صار جزءاً منه، فمن حق سائل أن يسأل: هذا يعني أنکم جعلتم يوم نزولها نصف عيد، مشترکاً مع عرفة.. فأين هذا العيد الذي لايوجد له أثر عندکم، إلا عند الشيعة؟!

وإن کان يقصد أن هذا اليوم الشريف والعيد العظيم، قد صادف يوم جمعة ويوم عرفة، فأدغم فيهما وذاب، أو أکلاه واختفي! فکيف أنزل الله تعالي هذا العيد علي عيدين، وهو يعلم أنهما سيأکلانه؟!

فهل تعمد الله تعالي تذويب هذا العيد، أم نسي والعياذ بالله، فأنزل عيداً في يوم عيد، فتدارک المسلمون الأمر بقرار الدمج والإدغام، أو التنصيف!!

ثم من الذي اتخذ قرار الإدغام؟ ومن الذي يحق له أن يدغم عيداً إلهياً في عيد آخر، أو يطعم عيداً ربانياً لعيد آخر؟!

وما بال الأمة الإسلامية لم يکن عندها خبر من حادثة اصطدام الأعياد الربانية في عرفات، حتي جاء هذا اليهودي في خلافة عمر ونبههم! فأخبره الخليفة عمر بأنه يوافقه علي کل ما يقوله، وأخبره وأخبر المسلمين بقصة تصادم الأعياد الإلهية في عرفات، وأن الحکم الشرعي في هذا التصادم هو الإدغام لمصلحة العيد السابق، أو إطعام العيد اللاحق للسابق! وهل هذه الأحکام للأعياد أحکامٌ إسلامية ربانية، أم أحکام عمرية استحسانية، شبيهاً بقانون تصادم السيارات، أو قانون تصادم الأعياد الوطنية والدينية؟!!

إن المشکلة التي طرحها اليهودي، ما زالت قائمة عند الخليفة وأتباعه، لأن الخليفة لم يقدم لها حلاًّ.. وکل الذي قدمه أنه اعترف بها وأقرها، ثم رتب عليها أحکاماً لايمکن قبولها، ولم يقل إنه سمعها من النبي صلي الله عليه وآله! فقد اعترف (خليفة المسلمين) بأن يوم نزول الآية يوم عظيمٌ ومهمٌّ بالنسبة إلي المسلمين، لأنه يوم مصيري وتاريخي أکمل الله فيه تنزيل الإسلام، وأتمَّ فيه النعمة علي أمته، ورضيه لهم ديناً يدينونه به، ويسيرون عليه، ويدعون الأمم إليه. وأن هذا اليوم العظيم يستحق أن يکون عيداً شرعياً للأمة الإسلامية تحتفل فيه وتجتمع فيه، في صف أعيادها الشرعية الثلاث: الفطر والأضحي والجمعة، وأنه لو کان عند أمة أخري يوم مثله، لأعلنته عيداً ربانياً، وکان من حقها ذلک شرعاً..

لقد وافق الخليفة صاحه اليهودي علي کل هذا، وبذلک يکون عيد إکمال الدين في فقه إخواننا عيداً شرعياً سنوياً، يضاف إلي عيدي الفطر والأضحي السنويين وعيد الجمعة الأسبوعي!

إن الناظر في المسألة يلمس أن عمر وقع في ورطة (آية علي بن أبي طالب) من ناحيتين: فهو من ناحية ناقض نفسه في آخر ما نزل من القرآن.. ومن ناحية فتح علي نفسه المطالبة بعيد الآية إلي يوم القيامة!!

وصار من حق المسلم أن يطالب الفقهاء أتباع عمر عن هذا العيد الذي لايري له عيناً ولا أثراً، ولا إسماً ولا رسماً في تاريخ المسلمين ولا في حياتهم، ولا في مصادرهم إلا.. عند الشيعة!

ثم.. ألا يتفقون معنا في أن الأعياد الإسلامية توقيفية، فلا يجوز لأحد أن يشرع عيداً من نفسه..؟!!

إن حجة الشيعة في جعل يوم الغدير عيداً، أن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم رووا عن النبي صلي الله عليه وآله أن يوم الآية أي يوم الغدير عيدٌ شرعي، وأن جبرئيل أخبره بأن الأنبياء عليهم السلام کانوا يأمرون أممهم أن تتخذ يوم نصب الوصي عيداً، وأمره أن يتخذه عيداً.

فما هي حجة عمرفي تأييد کلام اليهودي، وموافقته له بأن ذلک اليوم يستحق أن يکون عيداً شرعياً للأمة الإسلامية! ثم أخذ يعتذر له بأن مصادفة نزولها في عيدين أوجبت عدم إفراد المسلمين ليومها بعيد... إلخ.

فإن کان حکم من عند نفسه بأن يوم الآية يستحق أن يکون عيداً، فهو تشريع وبدعة، وإن کان سمعه من النبي صلي الله عليه وآله، فلماذا لم يذکره ولم يرو أحدٌ من المسلمين شيئاً عن عيد الآية، إلا ما رواه الشيعة؟!

ثامناً: لو کان يوم يوم عرفة يوم جمعة کما قال عمر في بعض أقواله، لصلي النبي صلي الله عليه وآله بالمسلمين صلاة الجمعة، مع أن أحداً لم يرو أنه صلي الجمعة في عرفات، بل روي النسائي وغيره أنه قد صلي الظهر والعصر! والظاهر أن النسائي يوافق سفيان الثوري ولا يوافق عمر، فقد جعل في سننه:290:1 عنواناً باسم (الجمع بين الظهر والعصر بعرفة) وروي فيه عن جابر بن عبدالله قال: سار رسول الله صلي الله عليه وسلم حتي أتي عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتي إذا زاغت الشمس، أمر بالقصواء فرحلت له، حتي إذا انتهي إلي بطن الوادي خطب الناس، ثم أذن بلال، ثم أقام فصلي الظهر، ثم أقام فصلي العصر، ولم يصل بينهما شيئاً!! انتهي. وکذلک روي أبوداود في سننه:429:1 قال:

عن ابن عمر قال: غدا رسول الله صلي الله عليه وسلم من مني حين صلي الصبح صبيحة يوم عرفة، حتي أتي عرفة فنزل بنمرة، وهي منزل الإمام الذي ينزل بعرفة، حتي إذا کان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلي الله عليه وسلم مهجراً، فجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح فوقف علي الموقف من عرفة. انتهي.

وأما الجواب بأن الجمعة تسقط في السفر، فهو أمر مختلفٌ فيه عندهم، ولو صح أن يوم عرفة کان يوم جمعة ولم يصل النبي صلي الله عليه وآله صلاة الجمعة، لذکر ذلک مئات المسلمين الذين کانوا في حجة الوداع!

وقد تمحل ابن حزم في الجواب عن ذلک فقال في المحلي:272:7:

مسألة: وإن وافق الإمام يوم عرفة يوم جمعةٍ جهر وهي صلاة جمعة! ويصلي الجمعة أيضاً بمني وبمکة، لأن النص لم يأت بالنهي عن ذلک، وقال تعالي: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذکر الله وذروا البيع، فلم يخص الله تعالي بذلک غير يوم عرفة ومني. وروينا... عن عطاء بن أبي رباح قال: إذا وافق يوم جمعة يوم عرفة، جهر الإمام بالقراءة... فإن ذکروا خبراً رويناه... عن الحسن بن مسلم قال: وافق يوم التروية يوم الجمعة وحجة النبي عليه السلام فقال: من استطاع منکم أن يصلي الظهر بمني فليفعل، فصلي الظهر بمني ولم يخطب... فهذا خبرٌ موضوعٌ فيه کل بلية: إبراهيم بن أبي يحيي مذکور بالکذب متروک من الکل، ثم هو مرسل، وفيه عن ابن الزبير، مع ابن أبي يحيي الحجاج بن أرطاة، وهو ساقط، ثم الکذب فيه ظاهر، لأن يوم التروية في حجة النبي عليه السلام إنما کان يوم الخميس، وکان يوم عرفة يوم الجمعة، روينا ذلک من طريق البخاري...

فإن قيل: إن الآثار کلها إنما فيها جمع رسول الله عليه السلام بعرفة بين الظهر والعصر؟

قلنا: نعم وصلاة الجمعة هي صلاة الظهر نفسها! وليس في شي ء من الآثار أنه عليه السلام لم يجهر فيها، والجهر أيضاً ليس فرضاً، وإنما في أن ظهر الجمعة في الحضر والسفر للجماعة رکعتان. انتهي.

وجوابنا لابن حزم: أنه مصادرة علي المطلوب، لأن حجته في رد الرواية مجرد مخالفتها لقول عمر بأن يوم عرفة لم يکن يوم جمعة! فلماذا لم يرد قول عمر بقوله الثاني بأن عرفة کانت يوم خميس، وروايته صحيحة؟ أو بقول النسائي والثوري، والأقوال العديدة التي ذکرها الطبري وغيره؟

ولو صح ما قاله من أن النبي صلي الله عليه وآله اعتبر رکعتي الظهر في عرفة صلاة جمعة لأنه جهر فيهما، لاشتهر بين المسلمين أن النبي صلي الله عليه وآله جهر في صلاة الظهر التي لايجهر بها لتصبح (أتوماتيکياً) صلاة جمعة!

بل إن الرواية التي کذبها وهاجمها بسبب مخالفتها لرواية عمر تنص علي أنه صلي الله عليه وآله صلي الجمعة في مني، وهي أقرب إلي حساب سفره صلي الله عليه وآله من المدينة الذي کان يوم الخميس لأربع بقين من ذي القعدة، ووصوله إلي مکة يوم الخميس لأربع مضين من ذي الحجة، وأن أول ذي الحجة کان يوم الإثنين، فيوم عرفة يوم الثلاثاء، وعيد الأضحي الأربعاء، ويوم الجمعة کان ثاني عشر ذي الحجة کما سيأتي.. فيکون قول الراوي إن الجمعة کانت في مني قولاً صحيحاً، ولکنه اشتبه وحسبها قبل موقف عرفات، مع أنها کانت بعده!

تاسعاً: إن القول بأن يوم عرفة في تلک السنة کان يوم جمعة، تعارضه رواياتهم التي تقول إنه صليالله عليه وآله عاش بعد نزول الآية إحدي وثمانين ليلةً أو ثمانين!

فقد ثبت عندهم أن وفاة النبي صلي الله عليه وآله في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، ومن9 ذي الحجة إلي12 ربيع الأول أکثر من تسعين يوماً.. فلا بد لهم إما أن يأخذوا برواية وفاته قبل ذلک فيوافقونا علي أنها في28 من صفر، أو يوافقونا علي نزول الآية في يوم الغدير18 ذي الحجة.

قال السيوطي في الدر المنثور:259:2:

وأخرج ابن جرير، عن ابن جريج قال: مکث النبي صلي الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية إحدي وثمانين ليلة، قوله: اليوم أکملت لکم دينکم. انتهي. وذکر نحوه في:257:2 عن البيهقي في شعب الإيمان.

وقال ابن حجر في تلخيص الحبير بهامش مجموع النووي:7:3:

وروي أبوعبيد، عن حجاج، عن ابن جريح أنه صلي الله عليه وسلم لم يبق بعد نزول قوله تعالي: اليوم أکملت لکم دينکم إلا إحدي وثمانين ليلة. ورواه الطبراني في المعجم الکبير برقم12984 ورواه الطبري في تفسيره:106:4 عن ابن جريح قال: حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا حجاج عن ابن جريج قال: مکث النبي صلي الله عليه وآله بعد ما نزلت هذه الآية إحدي وثمانين ليلة، قوله: اليوم أکملت لکم دينکم.

وقال القرطبي في تفسيره:223:20:

وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمني في حجة الوداع ثم نزلت: اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي. فعاش بعدهما النبي صلي الله عليه وسلم ثمانين يوماً. ثم نزلت آية الکلالة فعاش بعدها خمسين يوماً، ثم نزل لقد جاءکم رسول من أنفسکم. فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً. ثم نزل واتقوا يوما ترجعون فيه إلي الله فعاش بعدها أحدا وعشرين يوماً. وقال مقاتل سبعة أيام. وقيل غير هذا. انتهي.

ورواية ابن عمر تؤيد قول أبيه بنزول آية الکلالة بعد آية إکمال الدين، ولکنه نسي آية الربا التي قال أبوه أيضاً إنها آخر آية، کما خالف أباه من ناحية أخري في أن آية إکمال الدين نزلت في عرفة، وقال إنها نزلت بعد سورة النصر بمني، يعني بعد انتهاء حجة الوداع وسفر النبي صلي الله عليه وآله، واقترب من القول بنزولها في الغدير!!

فإن صح الحديث عن ابن عمر، فقد رتق جانباً وفتق جوانب!

قال الأميني في الغدير:230:1:

الذي يساعده الإعتبار ويؤکده النقل الثابت في تفسير الرازي:529:3 عن أصحاب الآثار: أنه لما نزلت هذه الآية علي النبي صلي الله عليه وسلم لم يعمر بعد نزولها إلا أحدا وثمانين يوماً، أو اثنين وثمانين، وعينه أبوالسعود في تفسيره بهامش تفسير الرازي:523:3 وذکر المؤرخون منهم أن وفاته صلي الله عليه وآله في الثاني عشر من ربيع الأول، وکأن فيه تسامحاً بزيادة يوم واحد علي الإثنين وثمانين يوماً، بعد إخراج يومي الغدير والوفاة..

وعلي أي حال فهو أقرب إلي الحقيقة من کون نزولها يوم عرفة، کما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما لزيادة الأيام حينئذ. انتهي.

کما إن رواياتهم التي تنص علي أن الآية نزلت يوم الإثنين تعارض قول عمر بأن يوم عرفات کان يوم جمعة..

ففي دلائل البيهقي:233:7 عن ابن عباس قال:

ولد نبيکم صلي الله عليه وآله يوم الإثنين، ونبئ يوم الإثنين، وخرج من مکة يوم الإثنين، وفتح مکة يوم الإثنين ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين: اليوم أکملت لکم دينکم وتوفي يوم الإثنين.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد196:1:

رواه أحمد والطبراني في الکبير وزاد فيه: وفتح بدراً يوم الإثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الإثنين: اليوم أکملت لکم دينکم، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات من أهل الصحيح. انتهي.

وللحديث طرقٌ ليس فيها ابن لهيعة.. ولکن علته الحقيقية عندهم مخالفته لما قاله الخليفة عمر، کما صرح به السيوطي وابن کثير! فقد قال ابن کثير في سيرته:198:1 تفرد به أحمد، ورواه عمرو بن بکير عن ابن لهيعة، وزاد: نزلت سورة المائدة يوم الإثنين: اليوم أکملت لکم دينکم، وهکذا رواه بعضهم عن موسي بن داود به، وزاد أيضاً: وکانت وقعة بدر يوم الإثنين. وممن قال هذا يزيد بن حبيب. وهذا منکرٌ جداً!! قال ابن عساکر: والمحفوظ أن بدراً ونزول: اليوم أکملت لکم دينکم يوم الجمعة، وصدق ابن عساکر. انتهي.

وقد تقدم أن علة نکارته عند ابن کثير أنه مخالف لقول عمر، وقول معاوية! وقد کان ابن عساکر أکثر اتزاناً منه حيث لم يصف الخبر بالضعف أو النکارة، بل قال إنه مخالف للمحفوظ، أي المشهور عندهم، وهو قول عمر.

وينبغي الإلفات إلي أن الإشکال عليهم بأحاديث نزول الآية في يوم الإثنين إنما هو إلزامٌ لهم بما التزموا به، وإلا فنحن لانقبل أنه صلي الله عليه وآله لم يبق بعد الآية إلا ثمانين يوماً، لأن المعتمد عندنا أن الآية نزلت يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وأن وفاته صلي الله عليه وآله کانت في الثامن والعشرين من صفر، فتکون الفاصلة بنحو سبعين يوماً.

وقد ثبت عندنا أن الآية نزلت يوم الخميس، وفي رواية يوم الجمعة، کما ثبت عندنا أن بعثة النبي صلي الله عليه وآله کانت يوم الإثنين، وأن علياً عليه السلام صلي معه يوم الثلاثاء، وأن وفاته صلي الله عليه وآله کانت في يوم الإثنين أيضاً، وقد تکون سورة المائدة نزلت يوم الإثنين أي أکثرها، ثم نزلت بقيتها بعد ذلک، ومنها آية التبليغ، وآية إکمال الدين.

عاشراً: إن القول بأن يوم عرفة في تلک السنة کان يوم جمعة، تعارضه الروايات التي سجلت يوم حرکة النبي صلي الله عليه وآله من المدينة، وأنه کان يوم الخميس لأربعٍ بقين من ذي القعدة. وهو الرواية المشهورة عن أهل البيت عليهم السلام، وهي منسجمةٌ مع تاريخ نزول الآية في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة.

وذلک، لأن سفر النبي صلي الله عليه وآله کان في يوم الخميس، أي في اليوم السابع والعشرين من ذي القعدة، لأربع بقين من ذي القعدة هي: الخميس والجمعة والسبت والأحد.. ويکون أول ذي الحجة يوم الإثنين، ووصول النبي صلي الله عليه وآله إلي مکة عصر الخميس الرابع من ذي الحجة في سلخ الرابع، کما في رواية الکافي:245:4 ويکون يوم عرفة يوم الثلاثاء، ويوم الغدير يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة. وهذه نماذج من روايات أهل البيت عليهم السلام في ذلک:

ففي وسائل الشيعة:318:9:

محمد بن إدريس في (آخر السرائر) نقلاً من کتاب المشيخة للحسن بن محبوب قال: خرج رسول الله صلي الله عليه وآله لأربعٍ بقين من ذي القعدة، ودخل مکة لأربعٍ مضين من ذي الحجة، دخل من أعلي مکة من عقبة المدنيين، وخرج من أسفلها.

وفي الکافي:245:4:

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: حج رسول الله صلي الله عليه وآله عشرين حجة... إن رسول الله صلي الله عليه وآله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم أنزل الله عزوجل عليه: وأذن في الناس بالحج يأتوک رجالاً وعلي کل ضامر يأتين من کل فجٍّ عميق، فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلي أصواتهم بأن رسول الله صلي الله عليه وآله يحج في عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب، واجتمعوا لحج رسول الله صلي الله عليه وآله، وإنما کانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون ويتبعونه، أو يصنع شيئاً فيصنعونه، فخرج رسول الله صلي الله عليه وآله في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهي إلي ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل، ثم خرج حتي أتي المسجد الذي عند الشجرة فصلي فيه الظهر، وعزم بالحج مفرداً، وخرج حتي انتهي إلي البيداء عند الميل الأول فصف له سماطان، فلبي بالحج مفرداً، وساق الهدي ستاً وستين أو أربعاً وستين، حتي انتهي إلي مکة في سلخ أربع من ذي الحجة فطاف بالبيت سبعة أشواط، ثم صلي رکعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام، ثم عاد إلي الحجر فاستلمه...

وفي المسترشد:119:


العبدي عن أبي سعيد أن رسول الله صلي الله عليه وآله دعا الناس إلي علي عليه السلام بغدير خم، وأمر بما کان تحت الشجرة من الشوک فقمَّ، وذلک يوم الخميس، ثم دعا الناس، وأخذ بضبعيه ورفعه حتي نظر الناس إلي بياض إبطيه، ثم لم يتفرقوا حتي نزلت هذه الآية: اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي ورضيت لکم الإسلام ديناً، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: الله أکبر علي إکمال الدين وإتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي وبالولاية لعلي من بعدي. انتهي.

ويؤيد قول أهل البيت عليهم السلام ما روته مصادر الفريقين من أن النبي صلي الله عليه وآله کان لايبدأ سفره إلا يوم الخميس، أو قلما يبدأه في غيره کما في البخاري:6:4 وسنن أبي داود586:1 بل تنص رواية ابن سيد الناس في عيون الأثر:341:2 علي أن سفر النبي من المدينة کان يوم الخميس.

وروي في بحارالأنوار:272:16 عن الکافي بسند مقبول عن أبي عبدالله عليه السلام قال: کان النبي صلي الله عليه وآله إذا خرج في الصيف من البيت خرج يوم الخميس، وإذا أراد أن يدخل في الشتاء من البرد، دخل يوم الجمعة. انتهي.

ويؤيد قول أهل البيت عليهم السلام أيضاً ما رووه عن جابر بأن حرکته صلي الله عليه وآله کانت لأربعٍ بقين من ذي القعدة، کما يأتي من سيرة ابن کثير. بل يؤيده أيضاً، أن البخاري وأکثر الصحاح رووا أن سفره صلي الله عليه وآله کان کان لخمسٍ بقين من ذي القعدة، بدون تحديد يوم. راجع البخاري:146:2 و184 و187 و7:4 وفيه (وقدم مکة لأربع ليال خلون من ذي الحجة، (والنسائي:154:1 و208 و121:5 ومسلم:32:4 وابن ماجة:993:2 والبيهقي:33:5 وغيرها.

ويؤيده أيضاً أن مدة سيره صلي الله عليه وآله من المدينة إلي مکة لاتزيد علي ثمانية أيامٍ، وذلک بملاحظة الطريق الذي سلکه، والذي هو في حدود400 کيلو متراً، وملاحظة سرعة السير، حتي أن بعض الناس شکوا له تعب أرجلهم فعلمهم النبي صلي الله عليه وآله أن يشدوها! وأن أحداً لم يرو توقفه في طريق مکة أبداً. وبملاحظة روايات رجوعه ووصوله إلي المدينة أيضاً، مع أنه توقف طويلاً نسبياً في الغدير... إلخ. ثم بملاحظة الروايات التي تتفق علي أن وصوله إلي مکة کان في الرابع من ذي الحجة کما رأيت في روايات أهل البيت عليهم السلام ورواية البخاري الآنفة! وبذلک تسقط رواية خروجه من المدينة لستٍّ بقين من ذي الحجة، کما في عمدة القاري، وإرشاد الساري، وابن حزم، وهامش السيرة الحلبية:257:3 لأنها تستلزم أن تکون مدة السير إلي مکة عشرة أيام!

وبهذا يتضح حال القول المخالف لرواية أهل البيت عليهم السلام الذي اعتمد أصحابه رواية (خمس بقين من ذي القعدة) وحاولوا تطبيقها علي يوم السبت، ليجعلوا أول ذي الحجة الخميس، ويجعلوا يوم عرفة يوم الجمعة تصديقا لقول عمر، بل تراهم ملکيين أکثر من الملک، لما تقدم عن عمر من أن يوم عرفة کان يوم الخميس. وممن قال برواية السبت ابن سعد في الطبقات:124:2 والواقدي في المغازي:1089:2 وکذا في هامش السيرة الحلبية:3:3 والطبري:148:3 وتاريخ الذهبي:701:2 وغيرهم.

وعلي هذه الرواية يکون الباقي من شهر ذي القعدة خمسة أيام هي: السبت والأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء، ويکون أول ذي الحجة الخميس، ويکون يوم عرفة يوم الجمعة، وتکون مدة السير إلي مکة تسعة أيام، إلا أن يکون الراوي تصور أن ذي القعدة کان تاماً، فظهر ناقصاً.وقد حاول ابن کثير الدفاع عن هذا القول، فقال في سيرته:217:4:

وقال أحمد... عن أنس بن مالک الأنصاري قال: صلي بنا رسول الله صلي الله عليه وسلم الظهر في مسجده بالمدينة أربع رکعات، ثم صلي بنا العصر بذي الحليفة رکعتين آمناً لايخاف، في حجة الوداع. تفرد به أحمد من هذين الوجهين، وهما علي شرط الصحيح. وهذا ينفي کون خروجه عليه السلام يوم الجمعة قطعاً.

ولا يجوز علي هذا أن يکون خروجه يوم الخميس کما قال ابن حزم، لأنه کان يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة، لأنه لاخلاف أن أول ذي الحجة کان يوم الخميس لما ثبت (بالتواتر والإجماع) من أنه عليه السلام وقف بعرفة يوم الجمعة، وهو تاسع ذي الحجة بلا نزاع.

فلو کان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة، لبقي في الشهر ست ليال قطعاً: ليلة الجمعة والسبت والأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء. فهذه ست ليال. وقد قال ابن عباس وعائشة وجابر إنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة وتعذر أنه يوم الجمعة لحديث أنس، فتعين علي هذا أنه عليه السلام خرج من المدينة يوم السبت، وظن الراوي أن الشهر يکون تاماً فاتفق في تلک السنة نقصانه، فانسلخ يوم الأربعاء واستهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس. ويؤيده ما وقع في رواية جابر: لخمس بقين أو أربع.

وهذا التقريب علي هذا التقدير لامحيد عنه ولا بد منه. والله أعلم. انتهي.

ويظهر من کلام ابن کثير عدم اطمئنانه بهذه التقديرات، لأنه رأي تشکيک الخليفة عمر نفسه، وتشکيک سفيان الثوري الذي رواه البخاري، وتشکيک النسائي. وجزم ابن حزم بأن سفره صلي الله عليه وآله کان يوم الخميس.

ونلاحظ أنه استدل علي أن خروج النبي صلي الله عليه وآله يوم الخميس بالمصادرة علي المطلوب فقال (لما ثبت بالتواتر والإجماع من أنه عليه السلام وقف بعرفة يوم الجمعة)، فأي تواترٍ وإجماع يقصد، وما زال في أول البحث؟!

کما أنه استدل علي أن سفر النبي صلي الله عليه وآله لم يبدأ من المدينة يوم الجمعة برواية أنس أن النبي صلي الظهر والعصر ولم يصل الجمعة، وهو استدلالٌ يؤيد قول أهل البيت عليهم السلام بأن بدء سفره کان الخميس لأربعٍ بقين من ذي القعدة! وقد تقدمت الرواية عندنا أنه صلي الله عليه وآله صلي الظهر والعصر في ذي الحليفة.

ولو صحت رواية أنس بأنه صلي الظهر في مسجده في المدينة، ثم صلي العصر في ذي الحليفة، فلا ينافي ذلک أن يکون سفره الخميس، بل يکون معناه أنه أحرم بعد العصر من ذي الحليفة، وواصل سفره صلي الله عليه وآله.

والنتيجة: أن القول بنزول آية إکمال الدين في يوم عرفة، يرد عليه إشکالاتٌ عديدةٌ، سواء في منطقه، أم في تاريخه وتوقيته.. وکلها تستوجب من الباحث المنصف أن يترکه ولا يأخذ به.

ويکون رأي أهل البيت عليهم السلام ومن وافقهم في سبب نزول الآية بدون معارض معتد به، لأن المعارض الذي لايستطيع النهوض للمعارضة کعدمه.. أما تمسککم بصحة سنده فالمتن الکسيح لاينهضه السند الصحيح!!

وفي الختام: فإن المجمع عليه عند جميع المسلمين أن يوم نزول الآية عيدٌ إلهيٌّ عظيم (عيد إکمال الدين وإتمام النعمة) بل ورد عن أهل البيت عليهم السلام أنه أعظم الأعياد الإسلامية علي الاطلاق، ودليله المنطقي واضحٌ، حيث ارتبط العيد الأسبوعي للمسلمين بصلاة الجمعة، وارتبط عيد الفطر بعبادة الصوم، وارتبط عيد الأضحي بعبادة الحج..

أما هذا العيد، فهو مرتبطٌ بإتمام الله تعالي نعمة الإسلام کله علي الأمة، وقد تحقق في رأي إخواننا السنة بتنزيل أحکام الدين وإکماله من دون تعيين آلية لقيادة مسيرته..

وتحقق في رأينا بإکمال تنزيل الأحکام، ونعمة الحل الإلهي لمشکلة القيادة، وإرساء نظام الإمامة إلي يوم القيامة، في عترة خاتم النبيين صلي الله عليه وآله.

وما دام جميع المسلمين متفقون علي أنه عيدٌ شرعي، فلماذا يقبل علماء المسلمين ومفکروهم ورؤساؤهم أن تخسر الأمة أعظم أعيادها، ولا يکون له ذکر في مناسبته، ولا مراسم تناسب شرعيته وقداسته؟!

فهل يستجيب علماء إخواننا السنة إلي دعوتنا بالبحث في فقه هذا العيد المظلوم المغيب.. وإعادته إلي حياة کل المسلمين، بالشکل الذي ينسجم مع عقائدهم وفقه مذاهبهم؟!