استعمال الكمال والتمام في القرآن











استعمال الکمال والتمام في القرآن



وإذا تأملت المورد الوحيد الذي استعمل فيه القرآن لفظ (أکملت)! والموارد الأربعة الأخري التي استعمل فيها مشتقات (کمل)، والموارد الأکثر التي استعمل فيها مشتقات (تم).. يتأکد لک ما ذهبنا اليه من التفريق بينهما.

ونکتفي بآية جمعت بينهما، وهي قوله تعالي (والوالدات يرضعن أولادهن حولين کاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة). سورة البقرة-232 فصفة الکمال للحولين تعني أن الحولين اسم مرکب ينتفي بانتفاء جزء منه، فإن نقصت الرضاعة يوماً عنهما،

لم تتحقق الرضاعة لحولين. أما التمام فهو اسم للرضاعة الأعم، فإن نقصت عن الحولين فهي رضاعة، وإن کانت غير تامة.

مناقشة الأقوال في تفسير الآيةوبعد السؤال عن مکان الآية والفرق بين الکمال والتمام فيها.. يواجهنا السؤال عن معناها، وسبب نزولها.. وفي ذلک ثلاثة أقوال:

القول الاول:

قول أهل البيت أنها نزلت يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة في الجحفة، في رجوع النبي صلي الله عليه وآله من حجة الوداع، عندما أمره الله تعالي أن يوقف المسلمين في غدير خم، قبل أن تتشعب بهم الطرق، ويبلغهم ولاية علي عليه السلام من بعده، فأوقفهم وخطب فيهم وبلغهم ما أمره به ربه. وهذه نماذج من أحاديثهم:

فقد تقدم ما رواه الکليني في الکافي:289:1 عن الإمام محمد الباقر عليه السلام وفيه (وقال أبوجعفر عليه السلام: وکانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخري، وکانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عزوجل: اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي، قال أبوجعفر عليه السلام: يقول الله عزوجل: لاأنزل عليکم بعد هذه فريضة، قد أکملت لکم الفرائض.

وعن علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: کنت عنده جالساً فقال له رجل: حدثني عن ولاية علي، أمن الله أو من رسوله؟

فغضب ثم قال: ويحک کان رسول الله صلي الله عليه وآله أخوف (لله) من أن يقول ما لم يأمره به الله!! بل افترضه الله، کما افترض الصلاة والزکاة والصوم والحج. انتهي.

وفي الکافي:198:1:

أبومحمد القاسم بن العلاء رحمه الله رفعه عن عبدالعزيز بن مسلم قال: کنا مع الرضا عليه السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة وذکروا کثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت علي سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه السلام ثم قال:

يا عبدالعزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عزوجل لم يقبض نبيه صلي الله عليه وآله حتي أکمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان کل شي ء، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحکام، وجميع ما يحتاج إليه الناس کملاً، فقال عزوجل: ما فرطنا في الکتاب من شي ء، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلي الله عليه وآله: اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي ورضيت لکم الإسلام ديناً.

وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض صلي الله عليه وآله حتي بين لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وترکهم علي قصد سبيل الحق، وأقام لهم علياً عليه السلام علماً وإماماً، وما ترک شيئاً تحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عزوجل لم يکمل دينه فقد رد کتاب الله، ومن رد کتاب الله فهو کافر به.

هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة، فيجوز فيها اختيارهم؟!

إن الإمامة أجل قدراً، وأعظم شأناً، وأعلي مکاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً، من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم.

إن الإمامة خص الله عزوجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة، مرتبةً ثالثة، وفضيلة شرفه بها، وأشاد بها ذکره فقال: إني جاعلک للناس إماماً، فقال الخليل عليه السلام سروراً بها: ومن ذريتي؟ قال الله تبارک وتعالي: لاينال عهدي الظالمين.

فأبطلت هذه الآية إمامة کل ظالم إلي يوم القيامة، وصارت في الصفوة.

ثم أکرمه الله تعالي بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال: ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وکلاًّ جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزکاة وکانوا لنا عابدين. فلم تزل في ذريته، يرثها بعض عن بعض، قرناً فقرناً، حتي ورثها الله تعالي النبي صلي الله عليه وآله فقال جل وتعالي: إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين، فکانت له خاصة فقلدها صلي الله عليه وآله علياً عليه السلام بأمر الله تعالي علي رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان، بقوله تعالي: قال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في کتاب الله إلي يوم البعث، فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلي يوم القيامة، إذ لانبي بعد محمد صلي الله عليه وآله.

فمن أين يختار هؤلاء الجهال! انتهي.

القول الثاني:

قول المفسرين السنيين الموافق لقول أهل البيت عليهم السلام:

وأحاديثهم في بيعة الغدير تبلغ العشرات، وفيها صحاح من الدرجة الأولي وقد جمعها عدد من علمائهم القدماء منهم الطبري المؤرخ في کتابه (الولاية) فبلغت طرقها ونصوصها عنده مجلدين، وکذلک فعل ابن عساکر وغيره. وتنص رواياتها علي أن النبي صلي الله عليه وآله أصعد علياً معه علي المنبر، ورفع يده حتي بان بياض إبطيهما، وبلغ الأمة ما أمره الله فيه... إلخ. وقد انتقد بعض المتعصبين المحدث الطبري الذي يحترمونه بسبب تأليفه کتاب (الولاية) في أحاديث الغدير، خوفاً أن يحتج بها الشيعة عليهم، ويجادلوهم بها عند ربهم!

وتنص بعض روايات الغدير عندهم علي أن آية إکمال الدين نزلت في الجحفة يوم الغدير بعد إبلاغ النبي صلي الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام.

لکن أن أکثر علماء السنيين مع أنهم صححوا أحاديث الغدير، لم يقبلوا الأحاديث القائلة بأن آية إکمال الدين نزلت يوم الغدير، وأخذوا بقول عمر ومعاوية، أنها نزلت يوم عرفة، کما سيأتي.. فحديث الغدير محل إجماع عندهم، ونزول آية إکمال الدين فيه، محل خلاف.

وقد جمع أحاديث بيعة الغدير عدد من علماء الشيعة القدماء والمتأخرين، ومن أشهر المتأخرين: النقوي الهندي في کتابه عبقات الأنوار، والشيخ الأميني في کتابه الغدير، والسيد المرعشي في کتابه شرح إحقاق الحق، والسيد الميلاني في کتابه نفحات الأزهار.

وقد أورد صاحب الغدير عدداً من روايات مصادر السنيين في أن آية إکمال الدين نزلت في يوم الغدير، بعد إعلان النبي صلي الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام.. وهذه خلاصة ما ذکره في الغدير:230:1:

ومن الآيات النازلة يوم الغدير في أميرالمؤمنين عليه السلام قوله تعالي: اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي ورضيت لکم الإسلام ديناً.. ثم أورد رحمه الله عدداً من المصادر التي روتها، نذکر منها:

1- الحافظ أبوجعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي310 روي في کتاب (الولاية) بإسناده عن زيد بن أرقم نزول الآية الکريمة يوم غدير خم في أميرالمؤمنين عليه السلام...

2- الحافظ ابن مردويه الأصفهاني المتوفي410 روي من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري... ثم رواه عن أبي هريرة...

3- الحافظ أبونعيم الأصبهاني المتوفي430 روي في کتابه (ما نزل من القرآن في علي)... عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلي الله عليه وسلم دعا الناس إلي علي في غدير خم، وأمر بما تحت الشجرة من الشوک فقمَّ، وذلک يوم الخميس فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما، حتي نظر الناس إلي بياض إبطي رسول الله، ثم لم يتفرقوا حتي نزلت هذه الآية: اليوم أکملت لکم دينکم.. الآية... إلخ.

4- الحافظ أبوبکر الخطيب البغدادي المتوفي463 روي في تاريخه290:8... عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم... قال: من کنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخٍ بخ ٍيا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولي کل مسلم، فأنزل الله: اليوم أکملت لکم دينکم.. الآية.

5- الحافظ أبوسعيد السجستاني المتوفي477 في کتاب الولاية بإسناده عن يحيي بن عبدالحميد الحماني الکوفي، عن قيس بن الربيع، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري...

6- أبوالحسن ابن المغازلي الشافعي المتوفي483 روي في مناقبه عن أبي بکر أحمد بن محمد بن طاوان قال: أخبرنا أبوالحسين أحمد بن الحسين بن السماک قال: حدثني أبومحمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدثني علي بن سعيد بن قتيبة الرملي، قال:.. عن أبي هريرة...

7- الحافظ أبوالقاسم الحاکم الحسکاني.... عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلي الله عليه وآله لما نزلت هذه الآية: اليوم أکملت لکم دينکم، قال: الله أکبر علي إکمال الدين وإتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي.

8- الحافظ أبوالقاسم بن عساکر الشافعي الدمشقي المتوفي571 روي الحديث المذکور بطريق ابن مردويه، عن أبي سعيد وأبي هريرة، کما في الدر المنثور259:2.

9- أخطب الخطباء الخوارزمي المتوفي568 قال في المناقب:...80 عن أبي سعيد الخدري إنه قال: إن النبي صلي الله عليه وآله يوم دعا الناس إلي غدير خم أمر بما کان تحت الشجرة من الشوک فقمَّ، وذلک يوم الخميس ثم دعا الناس إلي علي، فأخذ بضبعه فرفعها حتي نظر الناس إلي إبطيه، حتي نزلت هذه الآية: اليوم أکملت لکم دينکم.. الآية...وروي في المناقب:...94 عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوارق... إلي آخر ما مر عن الخطيب البغدادي سنداً ومتناً.

10- أبوالفتح النطنزي روي في کتابه الخصايص العلوية، عن أبي سعيد الخدري بلفظ مر في:43 وعن الخدري وجابر الأنصاري...

11- أبوحامد سعد الدين الصالحاني، قال شهاب الدين أحمد في توضيح الدلايل علي ترجيح الفضايل: وبالإسناد المذکور عن مجاهد رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية: اليوم أکملت لکم، بغدير خم، فقال رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وبارک وسلم: الله أکبر علي إکمال الدين وإتمام النعمة، ورضي الرب برسالتي، والولاية لعلي. رواه الصالحاني.

12- شيخ الإسلام الحمويني الحنفي المتوفي722 روي في فرايد السمطين في الباب الثاني عشر، قال: أنبأني الشيخ تاج الدين... إلخ. انتهي.

القول الثالث:

قول عمر بأنها نزلت في حجة الوداع يوم عرفة يوم جمعة، وهذا هو القول المشهور عند السنيين، فقد رواه البخاري في صحيحه:16:1 عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أميرالمؤمنين آية في کتابکم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلک اليوم عيداً!!

قال: آية آية؟

قال: اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي ورضيت لکم الإسلام ديناً.

قال عمر: قد عرفنا ذلک اليوم والمکان الذي نزلت فيه علي النبي صلي الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة، يوم جمعة.

وفي البخاري127:5:

عن طارق بن شهاب إن أناساً من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلک اليوم عيداً.

فقال عمر: أيةُ آيةٍ؟

فقالوا: اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي ورضيت لکم الإسلام ديناً.

فقال عمر: إني لأعلم أي مکان أنزلت، أنزلت ورسول الله صلي الله عليه وسلم واقف بعرفة...

عن طارق بن شهاب: قالت اليهود لعمر: إنکم تقرؤون آية، لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً!

فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت، وأين رسول الله صلي الله عليه وسلم حين أنزلت. يوم عرفة وأنا والله بعرفة.

قال سفيان: وأشک کان يوم الجمعة، أم لا. وروي نحوه في137:8.

وقد روت عامة مصادر السنيين رواية البخاري هذه ونحوها بطرق متعددة، وأخذ بها أکثر علمائهم، ولم يديروا بالاً لتشکيک سفيان الثوري والنسائي وغيرهما في أن يکون يوم عرفة في حجة الوداع يوم جمعة! ولا لرواياتهم المؤيدة لرأي أهل البيت عليهم السلام، التي تقدمت.. وذلک بسبب أن الخليفة عمر قال إنها لم تنزل يوم الغدير، بل نزلت في عرفات قبل الغدير بتسعة أيام، وقول عمر مقدم عندهم علي کل اعتبار.

قال السيوطي في الإتقان75:1 عن الآيات التي نزلت في السفر:

منها: اليوم أکملت لکم دينکم. في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع، وله طرقٌ کثيرة. لکن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت يوم غدير خم. وأخرج مثله من حديث أبي هريرة وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة مرجعه من حجة الوداع. وکلاهما لايصح. انتهي.

وقال في الدر المنثور:259:2:

أخرج ابن مردويه، وابن عساکر بسند ضعيف، عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله صلي الله عليه وسلم علياً يوم غدير خم، فنادي له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية: اليوم أکملت لکم دينکم.

وأخرج ابن مردويه، والخطيب، وابن عساکر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لما کان غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، قال النبي صلي الله عليه وسلم: من کنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله: اليوم أکملت لکم دينکم. انتهي.

وموقف السيوطي هو الموقف العام للعلماء السنيين.. ولکنه لايعني أنهم يضعفون حديث الغدير، فهم يقولون إنه صحيحٌ، لکن يدعون أن الآية نزلت قبله، تمسکاً بقول عمر الذي روته صحاحهم، فهم يتمسکون بحديث عمر حتي لو خالفته أحاديث صحاح، أو خالفه الحساب والتاريخ!

ومن المتعصبين لرأي عمر المذکور: ابن کثير، وهذه خلاصة کلامه في تفسيره:14:2 قال أسباط عن السدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ. وقال ابن جرير وغير واحد: مات رسول الله صلي الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوماً، رواهما ابن جرير.

ثم ذکر ابن کثير رواية مسلم وأحمد والنسائي والترمذي المتقدمة وقال: قال سفيان: وأشک کان يوم الجمعة أم لا: اليوم أکملت لکم دينکم، الآية.

وشک سفيان رحمه الله إن کان في الرواية فهو تورُّعٌ، حيث شک هل أخبره شيخه بذلک أم لا، وإن کان شکاً في کون الوقوف في حجة الوداع کان يوم جمعة فهذا ما أخاله يصدر عن الثوري رحمه الله، فإن هذا أمر معلومٌ مقطوعٌ به، لم يختلف فيه أحدٌ من أصحاب المغازي والسير ولا من الفقهاء، وقد وردت في ذلک أحاديث متواترة، لايشک في صحتها، والله أعلم. وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر.وقال ابن جرير... عن قبيصة يعني ابن أبي ذئب قال: قال کعب: لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه!!

فقال عمر: أي آيةٍ يا کعب؟

فقال: اليوم أکملت لکم دينکم.

فقال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت والمکان الذي أنزلت فيه، نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة، وکلاهما بحمد الله لنا عيدٌ... وقال ابن جرير:... حدثنا عمرو بن قيس السکوني أنه سمع معاوية بن أبي سفيان علي المنبر ينتزع بهذه الآية: اليوم أکملت لکم دينکم، حتي ختمها، فقال: نزلت في يوم عرفة، في يوم جمعة...وقال ابن جرير: وقد قيل ليس ذلک بيوم معلوم عند الناس!!

ثم روي من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: اليوم أکملت لکم دينکم، يقول ليس بيوم معلوم عند الناس. قال: وقد قيل إنها نزلت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في مسيره (إلي) حجة الوداع.

ثم قال ابن کثير:

قلت: وقد روي ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم غدير خم، حين قال لعلي: من کنت مولاه فعلي مولاه. ثم رواه عن أبي هريرة، وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، يعني مرجعه عليه السلام من حجة الوداع.

ولا يصح لاهذا ولا هذا، بل الصواب الذي لاشک فيه ولا مرية، أنها أنزلت يوم عرفة وکان يوم جمعة، کما روي ذلک أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأول ملوک الإسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن عبدالله بن عباس، وسمرة بن جندب رضي الله عنه، وأرسله الشعبي، وقتادة بن دعامة، وشهر بن حوشب، وغير واحد من الأئمة والعلماء، واختاره ابن جرير الطبري رحمه الله. انتهي.

وتلاحظ أن ابن کثير لايريد الإعتراف بوجود تشکيکٍ في أن يوم عرفة کان يوم جمعة، لأن ذلک يخالف قول عمر، وقد صعب عليه تشکيک سفيان الثوري الصريح فالتفَّ عليه ليخربه معتذراً بأنه احتياط وتقوي من الثوري!!

ومما يدل علي أن الرواة کانوا في شکٍّ من أن يوم عرفات کان يوم جمعة ما رواه الطبري في تفسيره:111:4 ولم يذکره ابن کثير، قال:

حدثنا ابن المثني قال: ثنا عبدالوهاب قال: ثنا داود قال قلت لعامر: إن اليهود تقول: کيف لم تحفظ العرب هذا اليوم الذي أکمل الله لها دينها فيه؟!

فقال عامر: أو ما حفظته؟

قلت له: فأي يوم؟

قال: يوم عرفة، أنزل الله في يوم عرفة!!

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية، أعني قوله: اليوم أکملت لکم دينکم يوم الإثنين، وقالوا: أنزلت سورة المائدة بالمدينة.

ذکر من قال ذلک: حدثني المثني قال: ثنا إسحاق قال: أخبرنا محمد بن حرب قال: ثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش عن ابن عباس: ولد نبيکم صلي الله عليه وآله يوم الإثنين، وخرج من مکة يوم الإثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وأنزلت سورة المائدة يوم الإثنين: اليوم أکملت لکم دينکم، ورفع الذکر يوم الإثنين.

ثم قال الطبري: وأولي الأقوال في وقت نزول الآية القول الذي روي عن عمر بن الخطاب أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة، لصحة سنده ووهي أسانيد غيره. انتهي.