الفرق بين الإكمال والإتمام











الفرق بين الإکمال والإتمام



ذهب بعض اللغويين الي أن الکمال والتمام والاکمال والاتمام مترادفتان ولافرق بينهما.

وذهب آخرون الي وجود فرق بينهما، وأکثروا الکلام في محاولتهم التمييز بيهما، لکن بلا محصل.. فقد حاموا حول الفرق ولم يحددوه!

قال الزبيدي في شرح القاموس:103:8:

(الکمال: التمام) وهما مترادفان کما وقع في الصحاح وغيره، وقد فرق بينهما بعض أرباب المعاني، وأوضحوا الکلام في قوله تعالي: اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي، وبسطه في العناية، وأوسع الکلام فيه البهاء السبکي في عروس الأفراح.

وقيل: التمام الذي تجزأ منه أجزاؤه کما سيأتي، وفيه ثلاث لغات (کمل کنصر وکرم وعلم) قال الجوهري والکسر أردؤها، وزاد ابن عباد: کمل يکمل مثل ضرب يضرب، نقله الصاغاني (کمالاً وکمولاً فهو کامل وکميل) جاؤوا به علي کمل. وقال في ص: 212 (وتمام الشي ء وتمامته وتتمته ما يتم به).

وقال الفارسي: تمام الشي ء ما تم به بالفتح لاغير، يحکيه عن أبي زيد.

وتتمة کل شي ء ما يکون تمام غايته، کقولک هذه الدراهم تمام هذه المائة، وتتمة هذه المائة.

قال شيخنا: وقد سبق في کمل أن التمام والکمال مترادفان عند المصنف وغيره، وأن جماعة يفرقون بينهما بما أشرنا إليه. وزعم العيني أن بينهما فرقاً ظاهراً ولم يفصح عنه.

وقال جماعة: التمام الإتيان بما نقص من الناقص، والکمال الزيادة علي التمام، فلا يفهم السامع عربياً أو غيره من رجل تام الخلق إلا أنه لانقص في أعضائه، ويفهم من کامل معني زائد علي التمام کالحسن والفضل الذاتي أو العرضي. فالکمال تمام وزيادة، فهو أخص.

وقد يطلق کل علي الآخر تجوزاً، وعليه قوله تعالي: اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي. کذا في کتاب التوکيد لابن أبي الأصبع.

وقيل التمام يستدعي سبق نقص، بخلاف الکمال. وقيل غير ذلک، مما حرره البهاء السبکي في عروس الأفراح، وابن الزملکاني في شرح التبيان، وغير واحد.

قلت: وقال الحراني: الکمال الإنتهاء إلي غاية ليس وراءها مزيد من کل وجه. وقال ابن الکمال: کمال الشي ء حصول ما فيه الغرض منه، فإذا قيل کمل فمعناه حصل ما هو الغرض منه. انتهي.- وقال أبوهلال العسکري في الفروق اللغوية ص458:

الفرق بين الکمال والتمام: أن قولنا کمال إسم لاجتماع أبعاض الموصوف به، ولهذا قال المتکلمون العقل کمال علوم ضروريات يميز بها القبيح من الحسن يريدون إجتماع علوم، ولا يقال تمام علوم لان التمام إسم للجزء والبعض الذي يتم به الموصوف بأنه تام.

ولهذا قال أصحاب النظم القافية تمام البيت، ولا يقال کمال البيت، ويقولون البيت بکماله أي باجتماعه، والبيت بتمامه أي بقافيته.

ويقال هذا تمام حقک للبعض الذي يتم به الحق، ولا يقال کمال حقک، فإن قيل: لم قلت إن معني قول المتکلمين کمال علوم إجتماع علوم؟ قلنا: لااختلاف بينهم في ذلک، والذي يوضحه أن العقل المحدود بأنه کمال علوم هو هذه الجملة واجتماعها، ولهذا لايوصف المراهق بأنه عاقل وإن حصل بعض هذه العلوم أو أکثرها له، وإنما يقال له عاقل إذا اجتمعت له. انتهي.

أقول: من المؤکد أن بينهما فرقاً، بدليل استعمال القرآن لفظ الإکمال للدين، ولفظ الإتمام للنعمة.. فما ذکره العسکري أقرب الي الصواب، والظاهر أن مادة (کمل) تستعمل للمرکب الذي لايحصل الغرض منه إلا بکل أجزائه، فهو يکمل بها جميعاً، وإن نقص شئ منها يکون وجوده ناقصاً أو مثلوماً! ولذا قال علي عليه السلام سيد الفصحاء بعد النبي صلي الله عليه وآله في عهده لمالک الأشتر، کما في نهج البلاغة:103:3 (فأعط الله من بدنک في ليلک ونهارک، ووف ما تقربت به إلي الله من ذلک، کاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغاً من بدنک ما بلغ). انتهي.

فالإکمال منصب علي نفس الشئ، لرفع نقص أجزائه أو ثلمه.. أما الإتمام فهو أعم منه لأنه قد ينصب علي نفس الشئ أو هدفه وغرضه.. فقوله تعالي (أکملت لکم دينکم) معناه إکماله بتنزيل جزئه المکمل لمرکبه، وبدونه يبقي الاسلام ناقصاً مثلوماً، بمثابة غير الموجود. وهو تعبير آخر عن قوله تعالي (فإن لم تفعل فما بلغت رسالته) لأن الاسلام للمرکب من الدين وآلية تطبيقه التي هي الامامة، وعدم تبليغ الجزء المکمل للمرکب يساوي عدم تبليغ شئ منه!

أما قوله تعالي (وأتممت عليکم نعمتي) فهو يعني النعمة بتنزيل الاسلام وشروط تحقيق أغراضه وأهدافه في الأرض، فهو تعالي بإکمال مرکب الدين بالامامة أتم النعمة علي المسلمين، وبها ضمن تحقيق هدف الدين في الأرض، إن هم أطاعوا الامام الذي نصبه لهم.

وبذلک يتضح أن الامامة جزء لايتجزأ من الاسلام، فلا وجود حقيقيا له بدونها، لأن وجوده الشکلي بمثابة العدم.. کما أن تبليغ النبي للإمامة تتميم للنعمة الالهية علي هذه الأمة، فالنعمة موجودة بدون تبليغها، لکنها لاتکون تامة إلا بها!

وللراغب الأصفهاني لفتة جيدة في معني الآية، وهي أن إکمال الدين يعني ثبات صيغته النهائية وعدم نزول النسخ عليه الي يوم القيامة.. قال في مفرداته ص: 440 (وقوله: وتمت کلمة ربک، إشارة إلي نحو قوله: اليوم أکملت لکم دينکم.. الآية، ونبه بذلک أنه لاتنسخ الشريعة بعد هذا). انتهي.

وهذه يعني أن النسخ کان مفتوحاً في القرآن والسنة حتي نزلت الامامة، فانتهي النسخ وکمل الدين بصيغته الخالدة، وتمت به النعمة.