بقيه الأقوال في آخر سوره نزلت











بقيه الأقوال في آخر سوره نزلت



لا نطيل في ذکر بقية الأقوال، وأحاديثها الصحيحة عندهم، بل نجملها إجمالاً: ففي صحيح البخاري:182:5:

قال سمعت سعيد بن جبير قال: آية اختلف فيها أهل الکوفة، فرحلت فيها إلي ابن عباس فسألته عنها فقال: نزلت هذه الآية: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم هي آخر ما نزل، وما نسخها شي ء. (النساء-93).

وفي البخاري:15:6:

عن سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الکوفة في قتل المؤمن، فرحلت فيه إلي ابن عباس فقال: نزلت في آخر ما نزل، ولم ينسخها شي ء.

وفي الدر المنثور:196:2:

وأخرج عبدبن حميد والبخاري ومسلم وأبوداود والنسائي وابن جرير والطبراني من طريق سعيد بن جبير قال: اختلف أهل الکوفة في قتل المؤمن، فرحلت فيها... هي آخر ما نزل وما نسخها شي ء.

وأخرج أحمد، وسعيد بن منصور، والنسائي، وابن ماجة، وعبدبن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، والطبراني من طريق سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس... قال: لقد نزلت في آخر ما نزل ما نسخها شي ء حتي قبض رسول الله صلي الله عليه وسلم، وما نزل وحي بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال: أرأيت إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي؟ قال: وأني له بالتوبة؟!

وفي مجموع النووي:345:18:

قوله تعالي: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جنهم خالداً فيها..الآية. في صحيح البخاري... هي آخر ما نزل وما نسخها شي ء. وکذا رواه مسلم والنسائي من طرق عن شعبة به. ورواه أبوداود عن أحمد بن حنبل بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في الآية فقال: ما نسخها شي ء. انتهي.

فهل يمکن لمسلم أن يقبل هذه الروايات (الصحيحة) سواء من البخاري أو غيره، ومن ابن عباس أو غيره، ويلتزم بأن تحريم قتل المؤمن تشريع إضافي في الإسلام، نزل بعد آية إکمال الدين!

وفي مستدرک الحاکم:338:2:

عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي بن کعب رضي الله عنه قال: آخر ما نزل من القرآن: لقد جاءکم رسول من أنفسکم، عزيز عليه ما عنتم حريص عليکم بالمؤمنين رؤف رحيم. حديث شعبة عن يونس بن عبيدصحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي. وهذه الرواية (الصحيحة) علي شرط الشيخين تقصد الآيتين128 و129 من سورة التوبة.

وفي الدر المنثور:295:3:

وأخرج ابن أبي شيبة، وإسحق بن راهويه، وابن منيع في مسنده، وابن جرير، وابن المنذر، وأبوالشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، من طريق يوسف بن مهران، عن ابن عباس، عن أبي بن کعب قال: آخر آية أنزلت علي النبي صلي الله عليه وسلم- وفي لفظ أن آخر ما نزل من القرآن- لقد جاءکم رسول من أنفسکم.. إلي آخر الآية.

وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن، وابن الأنباري في المصاحف، وابن مردويه، عن الحسن أن أبي بن کعب کان يقول: إن أحدث القرآن عهداً بالله- وفي لفظ بالسماء- هاتان الآيتان: لقد جاءکم رسول من أنفسکم.. إلي آخر السورة.

وأخرج عبدالله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، وابن الضريس في فضائله، وابن أبي دؤاد في المصاحف، وابن أبي حاتم، وأبوالشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، والخطيب في تلخيص المتشابه، والضياء في المختارة، من طريق أبي العالية، عن أبي بن کعب، أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بکر، فکان رجال يکتبون ويمل عليهم أبي بن کعب، حتي انتهوا إلي هذه الآية من سورة براءة: ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم... قوم لايفقهون، فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن، فقال أبي بن کعب: إن النبي صلي الله عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين: لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزيز عليه ما عنتم حريص عليکم بالمؤمنين رؤف رحيم، فإن تولوا فقل حسبي الله لاإله إلا هو عليه توکلت وهو رب العرش العظيم. فهذا آخر ما نزل من القرآن. قال فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا الله، يقول الله: وما أرسلنا من قبلک من رسول إلا يوحي إليه أنه لاإله إلا أنا فاعبدون. وأخرج ابن أبي دؤاد في المصاحف عن يحيي بن عبدالرحمن بن حاطب قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن فقام في الناس فقال: من کان تلقي من رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئاً من القرآن فليأتنا به، وکانوا کتبوا ذلک في الصحف والألواح والعسب، وکان لايقبل من أحد شيئاً حتي يشهد شهيدان، فقتل وهو يجمع ذلک إليه.

فقام عثمان بن عفان فقال: من کان عنده شي ء من کتاب الله فليأتنا به، وکان لايقبل من أحد شيئاً حتي يشهد به شاهدان، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتکم ترکتم آيتين لم تکتبوهما! فقالوا: ما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلي الله عليه وسلم: لقد جاءکم رسول من أنفسکم عزيز عليه ما عنتم.. إلي آخر السورة. قال عثمان: وأنا أشهد أنهما من عند الله، فأين تري أن نجعلهما؟ قال: إختم بهما آخر مانزل من القرآن، فختمت بهما براءة. انتهي. وشبيه به في سنن أبي داود:.182:1 وقد بحثنا هذه الروايات في کتاب تدوين القرآن.

وفي صحيح مسلم:243:8:

عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس: تعلم- وقال هارون تدري- آخر سورة نزلت من القرآن نزلت جميعاً؟ قلت نعم، إذا جاء نصر الله والفتح. قال: صدقت.

وفي رواية ابن أبي شيبة: تعلم أي سورة، ولم يقل آخر.

وفي سنن الترمذي:326:4 وقد روي عن ابن عباس أنه قال: آخر سورة أنزلت: إذ جاء نصر الله والفتح.

وفي الغدير:228:1 وروي ابن کثير في تفسيره:2:2 عن عبدالله بن عمر أن آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح (يعني النصر).

وفي الدر المنثور:407:6:

وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساکر عن أبي هريرة في قوله: إذا جاء نصر الله والفتح، قال: علمٌ وحدٌّ حده الله لنبيه صلي الله عليه وسلم، ونعي إليه نفسه، إنک لا تبقي بعد فتح مکة إلا قليلاً.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعاً: إذا جاء نصر الله والفتح.

وفي المعجم الکبير للطبراني:19:12 عن ابن عباس قال: آخر آية أنزلت: واتقوا يوما ترجعون فيه إلي الله. انتهي. وهي الآية281 من سورة البقرة!

ونذکر في آخر ادعاءاتهم في آخر آيةٍ من القرآن: أن معاوية بن أبي سفيان أدلي بدلوه في هذا الموضوع، ونفي علي المنبر أن تکون آية (اليوم أکملت لکم دينکم..) آخر ما نزل، وأفتي للمسلمين بأن آخر آية نزلت هي الآية110 من سورة الکهف، وأنها

کانت تأديباً من الله لنبيه صلي الله عليه وآله!!

ففي المعجم الکبير للطبراني:392:19:

عمرو بن قيس أنه سمع معاوية بن أبي سفيان علي المنبر نزع بهذه الآية: اليوم أکملت لکم دينکم.. قال: نزلت يوم عرفة في يوم جمعة، ثم تلا هذه الآية: فمن کان يرجو لقاء ربه... وقال: إنها آخر آية نزلت.... تأديباً لرسول الله.. انتهي.

وقد التفت السيوطي إلي أن کيل التناقض قد طفح لإبعاد آية إکمال الدين عن ختم القرآن وحجة الوداع وغدير خم.. فاستشکل في قبول قول معاوية وعمر! ولکنه مر بذلک مروراً سريعاً، علي عادتهم في التغطية والتستر علي تناقض من يحبونهم. قال في الإتقان:102:1 من المشکل علي ما تقدم قوله تعالي: اليوم أکملت لکم دينکم، فإنها نزلت بعرفة في حجة الوداع، وظاهرها إکمال جميع الفرائض والأحکام قبلها. وقد صرح بذلک جماعة منهم السدي، فقال: لم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ، مع أنه ورد في آية الربا والدين والکلالة أنها نزلت بعدها!

وقد استشکل ذلک ابن جرير وقال: الأولي أن يتأول علي أنه أکمل لهم الدين بإفرادهم بالبلد الحرام، وإجلاء المشرکين عنه حتي حجه المسلمون، لايخالطهم المشرکون! انتهي.

ومعني کلام ابن جرير الطبري الذي ربما ارتضاه السيوطي: أن حل التناقض في کلام الصحابة بأن نقبله ونبعد إکمال الدين وإتمام النعمة عن التشريع وتنزيل الأحکام والفرائض، ونحصره بتحرير مکة فقط، حتي تسلم لنا أحاديث عمر عن الکلالة والربا، وحديث معاوية عن آخر آية في (تأديب النبي)!!

إنها فتاوي تتکرر أمامک من علماء الدولة السنية بوجوب قبول کلام الصحابة- ما عدا أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله- حتي لو استلزم ذلک تفريغ آيات الله تعالي وأحاديث رسوله من معانيها! فهم عملياً يعطون الصحابة درجة العصمة، بل يعطونهم حق النقض علي کلام الله تعالي وکلام رسوله صلي الله عليه وآله!! فيجعلون کلامهم حاکماً عليه! ثم يفرضون عليک أن تقبل ذلک وتغمض عينيک، وتصم سمعک عن صراخ ضحاياهم من الآيات الظاهرة والأحاديث الصحيحة!!

ونتيجة هذا المنطق: أن آية اليوم أکملت لکم دينکم ليست آخر آية، ولا سورتها آخر سورة، ولا معناها أکملت لکم الفرائض والأحکام، بل أکملت لکم فتح مکة!

وأن معني (اليوم) في الآية ليس يوم نزول الآية، بل يوم فتح مکة قبل سنتين من حجة الوداع! وسوف تعرف أن الخليفة عمر أقر في جواب اليهودي بأن معني اليوم في الآية: يوم نزولها، وليس يوم فتح مکة! بل قال القرطبي إن اليوم هنا بمعني الساعة التي نزلت فيها الآية، کما سيأتي.