قصه ثانيه











قصه ثانيه



وذات يوم بل ذات أيام.. لم يعرف الخليفة عمر معني الکلالة، وتحير فيها، واستعصي عليه فهمها، إلي آخر عمره! فقال وقالوا عنه: إنها آخر آية نزلت وتوفي النبي قبل أن يبينها له، أو بينها له بياناً ناقصاً!

ففي البخاري:115:5:

عن البراء رضي الله عنه قال: آخر سورة نزلت کاملة براءة، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء: يستفتونک قل الله يفتيکم في الکلالة... ونحوه في:.185:5 وقال السيوطي في الإتقان:101:1:

فروي الشيخان عن البراء بن عازب قال آخر آية نزلت: يستفتونک قل الله يفتيکم في الکلالة، وآخر سورة نزلت براءة.

وفي مسند أحمد:298:4 عن البراء قال: آخر سورة نزلت علي النبي صلي الله عليه وسلم کاملة براءة، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء: يستفتونک، إلي آخر السورة... إلي آخره!

ومن يومها دخلت آية الکلالة علي الخط، وشارکت في التشويش علي سورة المائدة! وصار ختام ما نزل من القرآن مردداً بين آيات الربا والکلالة، وبقية المائدة بما فيها آيتا العصمة من الناس، وإکمال الدين!

وقد راجعت ما تيسر لي من المصادر السنية في مسألة الربا والکلالة، فهالتني مشکلة الخليفة معهما، خاصةً مسألة الکلالة، حتي أنه جعلها من قضية الهامة علي مستوي قضايا الأمة الإسلامية الکبري، وکان يطرحها من علي منبر النبي صلي الله عليه وآله! واستمر يطرحها کمشکلة کبري، حتي ساعات حياته الأخيرة، وأوصي المسلمين بحلها! وهو أمر غريب يدل علي شعوره العميق بالحرج أمام المسلمين، لعدم تمکنه من استيعابها!!

ففي صحيح البخاري:242:6:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب عمر علي منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل. والخمر ما خامر العقل. وثلاث وددت أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يفارقنا حتي يعهد إلينا عهداً: الجد، والکلالة، وأبواب من أبواب الربا. انتهي. ورواه مسلم في:81:2 بتفصيل أکثر، وروي نحوه في:61:5 و245:8 ورواه ابن ماجة في:910:2 وقال عنه السيوطي في الدر المنثور:249:2 وأخرج عبدالرزاق، والبخاري، ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، عن عمر...ويدل هذا الصحيح المؤکد، علي أن عمر لم يسأل النبي صلي الله عليه وآله عن الکلالة.

وقد صرح بذلک مارواه الحاکم في المستدرک وصححه:303:2 قال:

محمد بن طلحة بن يزيد بن رکانة يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أکون سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن ثلاثٍ أحب إلي من حمر النعم: عن الخليفة بعده، وعن قوم قالوا نقرُّ بالزکاة في أموالنا ولا نؤديها إليک، أيحل قتالهم؟ وعن الکلالة. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

ولکن ماذا يصنعون بصحيح مسلم الذي روي أن عمر سأل النبي صلي الله عليه وآله عنها مراراً! قال مسلم في:61:5 عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة فذکر نبي الله صلي الله عليه وسلم، وذکر أبابکر ثم قال: إني لاأدع بعدي شيئاً أهم عندي من الکلالة! ما راجعت رسول الله صلي الله عليه وسلم في شي ء ما راجعته في الکلالة! وما أغلظ لي في شي ء ما أغلظ لي فيه، حتي طعن بإصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا تکفيک آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟!

وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بهامن يقرأ القرآن ومن لايقرأ القرآن. انتهي.

يعني أنه سأل النبي صلي الله عليه وآله عنها مراراً فوضحها له مراراً، ولکنه کرر سؤاله حتي غضب عليه النبي صليالله عليه وآله لعدم فهمه لشرحه إياها!

بل يدل الصحيحان التاليان علي أن النبي صلي الله عليه وآله أخبر عمر أنه لن يفهم الکلالة طول عمره، أو دعا عليه بذلک! ففي الدر المنثور:250:2:

وأخرج العدني والبزار في مسنديهما، وأبوالشيخ في الفرائض، بسند صحيح عن حذيفة قال: نزلت آية الکلالة علي النبي صلي الله عليه وسلم في مسيرٍ له، فوقف النبي صلي الله عليه وسلم، فإذا هو بحذيفة فلقاها إياه، فنظر حذيفة فإذا عمر فلقاها إياه. فلما کان في خلافة عمر، نظر عمر في الکلالة فدعا حذيفة فسأله عنها، فقال حذيفة: لقد لقانيها رسول الله صلي الله عليه وسلم فلقيتک کما لقاني، والله لاأزيدک علي ذلک شيئاً أبداً. انتهي.

وفي کنز العمال:80:11 حديث:30688 عن سعيد بن المسيب أن عمر سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم: کيف يورث الکلالة؟ قال: أو ليس قد بين الله ذلک، ثم قرأ: وإن کان رجل يورث کلالة أو امرأة... إلي آخر الآية، فکأن عمر لم يفهم!

فأنزل الله: يستفتونک قل الله يفتيکم في الکلالة.. إلي آخر الآية، فکأن عمر لم يفهم!

فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول الله صلي الله عليه وسلم طيب نفس، فاسأليه عنها فقال: أبوک ذکر لک هذا؟ ما أري أباک يعلمها أبداً!!

فکان يقول: ما أراني أعلمها أبداً وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما قال!! وذکر في مصدره أن ابن راهويه أو ابن مردويه صححه. انتهي.

بل روي السيوطي في الدر المنثور:249:2 أن النبي صلي الله عليه وآله قد کتبها لعمر في کتف! قال: وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن مردويه عن طاوس، أن عمر أمر حفصة أن تسأل النبي صلي الله عليه وسلم عن الکلالة، فسألته فأملاها عليها في کتف، وقال: من أمرک بهذا أعمر؟ ما أراه يقيمها، أوما تکفيه آية الصيف؟!! قال سفيان: وآية الصيف التي في النساء: وإن کان رجلٌ يورث کلالةً أو امرأةٌ.. فلما سألوا رسول الله صلي الله عليه وسلم، نزلت الآية التي في خاتمة النساء. انتهي.

فانظر إلي هذه التناقضات في أحاديث عمر والکلالة، وکلها صحيحة!

ولاحظ أن الکلالة هي إحدي المسائل الثلاث التي قال البخاري إن النبي صلي الله عليه وآله لم يبينها للأمة ولا سأل عمر النبي عنها.. مع أن روايتهم الصحيحة تقول إن النبي صلي الله عليه وآله قد کتب الملالة لعمر في کتف!

وانظر إلي هذه التهمة للنبي صلي الله عليه وآله بأنه توفي ولم يبين القرآن الذي أمره الله ببيانه!! ثم انظر کيف رد الله هذه التهمة لنبيه علي ألسنة المتهمين أنفسهم!

وقد مر معک في آية التبليغ افتراؤهم علي الشيعة بأنهم يتهمون النبي صلي الله عليه وآله بعدم البيان لأنه أخر تبليغ ولاية علي حتي قال الله تعالي (بلغ ما أنزل اليک من ربک، وإن لم تفعل فما بلغة رسالته).. مع أن هذه الرواية لاتتهم النبي بأنه لم يبلغ حتي توفي، بل تقول إنه أمر في حجة الوداع بتبليغ ولاية علي رسمياً، ولم يعين له وقتاً، وبدأ النبي بالتمهيد وبيان مقام عترته الطاهرين فشوشت قريش علي خطبه، فنوي أن يؤخر ذلک الي المدينة، فنزل عليه جبرئيل في الطريق أن يبلغ ذلک في غدير خم.

وهذا ليس فيه أدني تهمة للنبي صلي الله عليه وآله.. بل فيه عار قريش!

وأما المسألة الثانية التي هي الخلافة، فقد روي البخاري نفسه أيضاً أن النبي صلي الله عليه وآله دعا بدواة وکتف ليکتب للأمة الإسلامية کتاباً لاتضل بعده أبداً، ولکن عمر رفض ذلک.. ورد علي النبي.. وعمل ما عمل!

وأما المسألة الثالثة، وهي أبواب الربا، فمحال أن يکون النبي صلي الله عليه وآله توفي ولم يبينها، وقد يکون کتبها لعمر أو غيره في کتف أيضاً!!