آخر ما نزل من القرآن











آخر ما نزل من القرآن



ليس من المبالغة القول: إن البحث الجاد في أسباب نزول آيات القرآن وسوره، من شأنه أن يحدث تحولاً علمياً، لأنه سيکشف حقائق کثيرة، ويبطل بعض المسلَّمات التي تصور الناس لقرونٍ طويلةٍ أنها حقائق ثابتة!

ذلک أن الجانب الرياضي في أسباب النزول أقوي منه في موضوعات التفسير الأخري.. فعندما تجد خمس روايات في سبب نزول آية، وکل واحدة منها تذکر سبباً وتاريخاً لنزولها، وهي متناقضة في المکان، أو الزمان، أو الحادثة.. فلا يمکنک أن تقول کلها مقبولة، وکل رواتها صحابة، وکلهم نجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا.. بل لابد أن يکون السبب واحداً من هذه الأسباب، أو من غيرها، والباقي غير صحيح!

ولهذه الطبيعة المحددة في سبب النزول، کانت أسبابه مادةً حاسمة في تفسير القرآن.. وإن کانت صعوبة البحث فيها تعادل غناها، بل قد تزيد عليه أحياناً، لکثرة التشويش، والتناقض، والوضع في رواياتها!

ومهما تکن الصعوبة، فلا بد للباحثين في تفسير القرآن وعلومه، أن يدخلوا هذا الباب بفعاليةٍ وصبر، ويقدموا نتائج بحوثهم إلي الأمة والأجيال، لأنها ستکون نتائج جديدة مفيدة في فهم القرآن والسيرة، بل في فهم العقائد والفقه والإسلام عموماً..

وأکتفي من هذا الموضوع بهذه الإشارة لنستفيد في موضوعنا من أسباب النزول.

ليس عجيباً أن يختلف المسلمون في أول آيات نزلت علي النبي صلي الله عليه وآله، لأنهم لم يکونوا آنذاک مسلمين.. ثم إنهم باستثناء القلة، لم يکتبوا ما سمعوه من نبيهم في حياته، ومنعت السلطة کتابتها بعد وفاته.. فأوقعت أجيال المسلمين في اختلاف في أحاديثه وسيرته! ولهذا لانعجب إذا وجدنا أربعة أقوال في تعيين أول ما أنزله الله تعالي من کتابه أنه سورة إقرأ. وأنه سورة المدثر. وأنه سورة الفاتحة. وأنه البسملة.. کما في الإتقان للسيوطي:!91:1!

ولکن العجيب اختلافهم في آخر ما نزل من القرآن، وقد کانوا دولةً وأمةً ملتفَّةً حول نبيها، وقد أعلن لهم نبيهم صلي الله عليه وآله أنه راحل عنهم عن قريب، وحج معهم حجة الوداع، ومرض قبل وفاته مدة، وودعوه وودعهم!

فلماذا اختلفوا في آخر آيةٍ أو سورةٍ نزلت عليه صلي الله عليه وآله؟

الجواب: أن الأغراض السياسية لم تدخل في مسألة أول ما نزل من القرآن کما دخلت في مسألة آخر ما نزل منه.. کما ستري!!