المنطق النبوي حقق أهدافه وفضح قريشاً











المنطق النبوي حقق أهدافه وفضح قريشاً



نقلت المصادر السنية ندم الخليفة القرشي أبي بکر علي إصداره أمراً بمهاجمة بيت علي وفاطمة عليهماالسلام في اليوم الثاني أو الثالث لوفاة النبي صلي الله عليه وآله. ففي مجمع الزوائد:202:5:

(عن عبدالرحمن بن عوف قال: دخلت علي أبي بکر أعوده في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته: کيف أصبحت؟ فاستوي جالساً فقال: أصبحت بحمد الله بارئاً، فقال: أما إني علي ما تري وجع وجعلتم لي شغلاً مع وجعي!

جعلت لکم عهداً من بعدي، واخترت لکم خيرکم في نفسي، فکلکم ورم لذلک أنفه، رجاء أن يکون الأمر له!

ورأيت الدنيا أقبلت، ولما تقبل، وهي خائنة، وستنجدون بيوتکم بستور الحرير ونضائد الديباج، وتألمون النوم علي الصوف الأذربي، کأن أحدکم علي حسک السعدان (يقصد أنکم من ترفکم سترون السجاد الأذربيجاني خشناً لمنامکم مثل الشوک). والله لأن يقدم أحدکم فيضرب عنقه في غير حد، خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا.

ثم قال: أما إني لاآسي علي شي ء إلا علي ثلاث فعلتهن وددت أني لم أفعلهن، وثلاث لم أفعلهن وددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عنهن.

فأما الثلاث التي وددت أني لم أفعلهن: فوددت أني لم أکن کشفت بيت فاطمة وترکته، وإن أغلق علي الحرب.

ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة، قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين، أبي عبيدة أو عمر، وکان أميرالمؤمنين وکنت وزيراً.

ووددت أني حين وجهت خالد بن الوليد إلي أهل الردة، أقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون ظفروا، وإلا کنت ردءاً ومدداً.

وأما الثلاث اللاتي وددت أني فعلتها: فوددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيراً ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لايکون شرٌّ إلا طار إليه.

ووددت أني يوم أتيت بالفجاءة السلمي، لم أکن أحرقته، وقتلته سريحاً أو أطلقته نجيحاً.

ووددت أني حين وجهت خالد بن الوليد إلي الشام، وجهت عمر إلي العراق فأکون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله عزوجل.

وأماالثلاث اللاتي وددت أني سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عنهن:

فوددت أني سألته فيمن هذا الأمر فلا ينازع أهله. ووددت أني کنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر سبب؟ ووددت أني سألته عن العمة وبنت الأخ فإن في نفسي منهما حاجة). انتهي.

وغرضنا من النص بيان حالة الخليفة وأنه يقصد بقوله (وددت أني لم أکن کشفت بيت فاطمة وترکته وإن أغلق علي الحرب) أنه نادمٌ علي مهاجمة البيت، حتي لو کان أهله يعدون العدة لحربه!

وخلاصة القصة: أن أبابکر أرسل إلي علي عليه السلام يطلب منه أن يبايعه، فامتنع علي عن بيعته، وأجابهم جواباً شديداً، اتهمهم فيه بخيانة الرسول صلي الله عليه وآله.

وبلغ أبابکر أن عدداً من الأنصار والمهاجرين اجتمعوا في بيت علي الذي کان يعرف ببيت فاطمة عليهماالسلام، فأشار عليه عمر بأن يهاجموا البيت ويهددوهم بإحراقه عليهم، إن لم يخرجوا ويبايعوا!

وبالفعل هاجمت مجموعة بقيادة عمر بن الخطاب بيت الزهراء عليهاالسلام وحاصروه وجمَّعوا الحطب علي باب داره، وهددوا علياً وفاطمة عليهماالسلام والذين کانوا في البيت- ومنهم مؤيدون لموقف علي، ومنهم جاؤوا معزين بوفاة النبي صلي الله عليه وآله- فهددوهم إما أن تخرجوا وتبايعوا أبابکر، أو نحرق عليکم الدار بمن فيها!

وبالفعل أشعلوا الحطب في باب الدار الخارجي!!

ولم يشأ علي عليه السلام أن يخرج إليهم بذي الفقار عملاً بوصية النبي صلي الله عليه وآله، الذي کان أخبره بکل ما سيحدث وأمره فيه بأوامره.. فخرجت إليهم فاطمة الزهراء عليهاالسلام لعلهم يستحون منها ويرجعون، لکنهم أهانوها وضربوها حتي أسقطت جنينها.. إلي آخر تلک الأحداث المؤلمة لقلب کل مسلم.. في ذلک الظرف، قرر علي وفاطمة عليهماالسلام أن يستنهضا الأنصار ويطالباهم بالوفاء ببيعة العقبة، التي شرط عليهم النبي صلي الله عليه وآله فيها أن يحموه وأهل بيته وذريته، مما يحمون منه أنفسهم وذراريهم، فبايعوه علي ذلک! وکانت فاطمة عليهاالسلام مريضة مما حدث لها في الهجوم علي بيتها فأرکبها علي عليه السلام علي دابة، وأخذا معهما الحسن والحسين وزينب وأم کلثوم، وجالوا علي بيوت رؤساء الأنصار في تلک الليلة والتي بعدها، وکلمتهم فاطمة عليهاالسلام فکان قول أکثرهم: يا بنت رسول الله، لو سمعنا هذا الکلام منک قبل بيعتنا لأبي بکر، ما عدلنا بعلي أحداً! فقالت الزهراء عليهاالسلام:

وهل ترک أبي يوم غدير خمٍّ لأحد عذراً!! (الخصال173:1 )

إن منطق الزهراء عليهاالسلام هو منطق أبيها رسول الله صلي الله عليه وآله تماماً.. فهي بضعةٌ منه، وهي مطهرةٌ من منطق المثَّاقلين إلي الأرض وتفکيرهم.. وکل تکوينها وتفکيرها ومشاعرها وتصرفاتها ربانية، ولذلک قال عنها أبوها (إن الله يرضي لرضا فاطمة، ويغضب لغضبها)!.

ذلک أنها ليس لها شخصيتان: واحدةٌ رسالية والأخري شخصية، فتغلب هذه مرة وهذه مرة.. بل وجودها عالم موحد منسجم دائماً.. فهي أَمَةُ هذا الرب العظيم لاغير، وتابعةٌ لهذا الرسول والأب الحبيب لاغير.. صلي الله عليه وآله. وفاطمة الزهراء تعرف أنه سبحانه يتعامل مع الناس بإقامة الحجة عليهم في أصول الإسلام وتفاصيله، وفي أسس العقيدة وجزئيات الشريعة، وفيما يجب علي الأمة في حياة نبيها، وبعد وفاته..

وقد أقام أبوها الحجة لربه کاملةً غير منقوصة، في جميع الأمور، ومن أعظمها حق زوجها علي، وولديها الحسن والحسين عليهم السلام، الذين أعطاهم الله حق الولاية علي الأمة بعد نبيها!

بهذا المنطق قالت الزهراء عليهاالسلام للأنصار: إن جوابکم لي جواب سياسي.. ومنطق الحجة الإلهية أعلي من منطق اللعب السياسية، ومهيمنٌ عليه، ومتقدم عليه رتبةً، وفاضحٌ له.. فقد بلَّغ أبي صلي الله عليه وآله عن ربه، وأخبرکم أن المالک العظيم سبحانه قد قضي الأمر، وجعل لأمة رسوله ولياً.. فمتي کان لکم الخيرة من أمرکم حتي تختاروا زيداً أو عمرواً، بعد أن قضي الله ورسوله أمراً!!

فالحجة عليکم تامةٌ من أبي، والآن مني، ونعم الموعدُ القيامة، والزعيم محمد صلي الله عليه وآله.. وعند الساعة يخسر المبطلون!

لقد کان إعلان غدير خم عملاً ربانياً خالداً، بمنطق التبليغ والأعمال الرسولية..

وکانت الأعمال المقابلة له أعمالاً قويةً بمنطق الأعمال السياسية، وفرض الأمر الواقع..

والعمل السياسي قد يغلب العمل الرسولي.. ولکنها غلبةٌ سياسيةٌ جوفاء بلا حجة، ولا وزن عند العقل.. ولو استمرت سنين، أو قروناً، أو إلي ظهور المهدي الموعود عليه السلام.