لماذا الجحفه وغدير خم؟











لماذا الجحفه وغدير خم؟



والسؤال هنا: لماذا الوحي في طريق المدينة.. والصحراء، والظهيرة؟

والجواب: أن الله تعالي قال بذلک لرسوله: المدينة أيها الرسول مثل مکة، فإن بلَّغت ولاية عترتک فيها، فقد تعلن قريش معارضتها، ثم رِدًّتها!

فموقفها من عترتک جازم، ومستميت.. وبما أن واجبک التبليغ مجرد التبليغ، وإنما بعثت للتبليغ، فهو ممکنٌ هنا.. والزمان والمکان هنا مناسبان من جهات شتي، فبلغ ولا تؤخر.

ومن أجل أن تکمل التبليغ وتفهمهم رسالتي.. سوف أعصمک من قريش، وأمسک بقلوبها وأذهانها، وألجم شياطينها الحاضرين، وأعالج آثار التبليغ، وأحفظ نبوتک فيها.. ثم أملي لها بعدک، فتأخذ دولتک وتضطهد عترتک.. حتي يتحقق في أمتک وفي عترتک ما أريد! ثم أبعث المهدي فيهم فيملأ الأرض عدلاً کما ملئت جوراً!

ولا أسأل عما أفعل، وهم يسألون.

والسؤال هنا: کيف تمت عصمة الله تعالي لنبيه صلي الله عليه وآله من قريش، فلم يحدث تشويش، ولم يقم معترض..!

صحيح أن ثقل زعماء قريش کانوا في مکة، لکن بعضهم کان في قافلة الرسول صلي الله عليه وآله، وکان فيها قرشيون مهاجرون مؤيدون لهم!

فکيف سکتت قريش وضبطت أعصابها، وهي تسمع تبليغ الرسول في علي والعترة؟!

ثم أشهدها النبي صلي الله عليه وآله علي تبليغ ذلک.. فشهدت.

ثم طلب منها أن تبلغ الغائبين.. فوعدت.

ثم جاءت إلي خيمة علي وهنأته بالولاية، وإمرة المؤمنين؟!!

الجواب: أنه تعالي أراد للرسالة أن تصل، وللحجة أن تقام، وأن يبقي رسوله صلي الله عليه وآله محفوظ الشخصية، سالم النبوة.. فأسکت الله قريشاً بقدرته المطلقة، وکمَّمَ أفواهها في غدير خم.


والظاهر أن قريشاً أخذت تقنع نفسها بأن المسألة في غدير خم، ليست أکثر من إعلانٍ وإعلامٍ، يضاف إلي إعلانات حجة الوداع.. وأن النبي صلي الله عليه وآله ما زال حياًّ.. فإن مات، فلکل حادثٍ حديث..

وعندما أرادت قريش أن تخرج عن سکوتها، وتخطو خطوةً نحو الردة.. أنزل الله علي ناطقها الرسمي النضر بن الحارث حجراً من سجيل فأهلکه، وأرسل علي آخر ناراً فأحرقته!! فزاد ذلک من قناعة قريش بالسکوت فعلاً عن ولاية العترة!

أما النبي صلي الله عليه وآله فکان تفکيره رسولياً، وليس قرشياً..

لقد ارتاح ضميره بأنه بلغ رسالة ربه کما أمره، واتقي غضب ربه وعذابه.. واغرورقت عيناه بدموع الفرح والخشوع، لأن الله رضي عنه بإعلان ولاية علي، وأنزل عليه آية إکمال الدين وإتمام النعمة، فأخبره بأن مهمته وصلت إلي ختامها..

کان النبي صلي الله عليه وآله في عيد، لأنه أدي رسالة من أصعب رسالات ربه، فرضي عنه، وقد تکون أصعب رسالة عليه في عمره النبوي علي الإطلاق!!

وتمت المسألة بسلامٍ ولم تقم قائمة قريش، ولم يصب جابر بن سمرة وغيره بالصمم من لغط الناس عند سماع کلمة عترتي أهل بيتي، أو کلمة علي، أو بني هاشم.

ولم تحدث حرکة عصيان منظمة، کما حدثت في المدينة عندما طلب النبي صلي الله عليه وآله قبل وفاته بأربعة أيام، أن يأتوه بدواة وقرطاس ليکتب لهم کتابا لن يضلوا بعده أبداً..

ولم تحدث حرکة ردة نهائياً، والحمد لله!

ارتاح ضمير النبي صلي الله عليه وآله بأنه بلغ رسالة ربه کما أمره..

وهذه هي الرسالة التي روي الحسن البصري أن الله أمر رسوله بها فضاق بها صدره، فتوعده ربه بالعذاب إن لم يبلغها، فخاف ربه وصدع بها.. ولکن الحسن البصري کما قال الراوي راغ عنها، ولم يخبرهم ما هي!

وکل غلمان قريش إخوة الحسن البصري الفارسي، يراوغون فيها وفي أمثالها، ويخفون ما أنزل الله تعالي في عترة نبيه صلي الله عليه وآله!

کان النبي صلي الله عليه وآله يفکر ربانياً بمستوي أعلي من البيعة.. يفکر علي مستوي الأمر الإلهي والاختيار الإلهي، الذي لاخيرة فيه لأحد، ولا محل فيه للبيعة، إلا إذا طلبها من الناس النبي أو الوصي، فتجب.

فهذا هو منطق التبليغ، وحسب!

ولذلک لم يشاورهم النبي صلي الله عليه وآله في بيعة علي، لأن اختيار الله تعالي لايحتاج إلي مشورتهم، ولا بيعتهم، ولا رضاهم..

لقد أمر الله تعالي رسوله صلي الله عليه وآله أن يشاورهم ليتألفهم، ويسيروا معه في الطريق الصحيح.. وأمره: إذا عزمت فتوکل، ولا تسمع لکلام مخلوق لأنک تسير بهدي الخالق!

أما إذا عزم الله تعالي واختار للأمة ولياً بعد نبيه صلي الله عليه وآله، وقال لنبيه بلغ ولا تخف، ولست مسؤولاً عن إطاعة من أطاع ومعصية من عصي.. فهل يبقي للمشاورة محل من الإعراب؟!

وهل يبقي للبيعة محل من الإعراب؟!

لقد طلب منهم الرسول صلي الله عليه وآله تهنئة علي عليه السلام إقراراً بالإختيار الإلهي، وهي تهنئةٌ أقوي من البيعة، وألزم منها للأعناق.. ثم ليفعلوا بعدها ما يحلو لهم.. فإنما علي النبي صلي الله عليه وآله أن يبلغهم، وحسابهم علي من يملک کل الأوراق، ويملک الدنيا والآخرة، ويفعل ما يريد.. سبحانه وتعالي!

وتدل رواياتنا علي أنه صلي الله عليه وآله طلب منهم مع التهنئة البيعة، فيکون معناها أنه طلب منهم أيضا إعلان التزامهم بإطاعة علي عليه السلام.. فأعلنوا! ولکن الأمر لايختلف من ناحية شرعية وحقوقية، فسواء أمرهم النبي صلي الله عليه وآله ببيعة علي عليه السلام أم أمرهم بتهنئته فقط.. فإن تبليغ الولاية أقوي من التهنئة، والتهنئة أقوي من البيعة.. فالتبليغ اصطفاء، والتهنئة اعتراف وتبريک.. والبيعة تعهد بالإلتزام.

لقد سکتت قريش آنياً بسبب أنها لم تکن حاضرةً کلها في الجحفة.. وبسبب عنصر المفاجأة، وظرف المکان والزمان! ولعلها کانت تقنع نفسها بأن منطق التفکير النبوي يبقي لها مساحة للعمل.. ذلک أن التبليغ وإتمام الحجة کلامً ترکيٌّ عند قريش الناطقة بالضاد!

وحتي التهنئة بالولاية والبيعة المأمور بها من النبي صلي الله عليه وآله يمکن لقريش أن تجعلها مثل المراسم الدينية الأخري الشکلية، وتجردها من معني إمامة علي وقيادة عترة النبي صلي الله عليه وآله من بعده!

فالباب في تصور قريش ما زال مفتوحاً أمامها للتصرف!!