الآيه رد علي زعمهم أن النبي قد سحر











الآيه رد علي زعمهم أن النبي قد سحر



فقد استدل عددٌ من علماء الفريقين بالآية علي کذب الروايات التي تزعم أن يهودياً قد سحر النبي صلي الله عليه وآله فأخذ مشطه صلي الله عليه وآله وبعض شعره، وجعل فيه سحراً ودفنه في بئر.. وزعموا أن ذلک السحر أثَّر في النبي صلي الله عليه وآله فصار يتخيل أنه فعل الأمر ولم يفعله! وأنه بقي مدة علي تلک الحالة رجلاً مسحوراً! حتي دله رجل أو ملک أو جبرئيل، علي الذي سحره وعلي البئر التي أودع المشط والمشاطة، فذهب النبي صلي الله عليه وآله إلي البئر، ولکنه لم يستخرج المشط منها، لأنه کان شفي من السحر، أولأنه لم يرد أن يثير فتنة، فأمر بدفن البئر!!

فقد روي البخاري هذه التهمة وهذه القصة الخرافية عن عائشة في خمس مواضع من صحيحه، فقال في:91:4 عن عائشة قالت: سُحِرَ النبي صلي الله عليه وسلم، وقال الليث کتب إلي هشام أنه سمعه ووعاه عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي صلي الله عليه وسلم حتي کان يخيل إليه أنه يفعل الشي ء وما يفعله، حتي کان ذات يوم دعا ودعا، ثم قال: أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي. فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟

قال: مطبوب!

قال: ومن طَبَّهُ؟

قال: لبيد بن الأعصم؟

قال: في ماذا؟

قال: في مشط ومشاقة وجف طلعة ذکر!

قال: فأين هو؟

قال: في بئر ذروان!

فخرج إليها النبي صلي الله عليه وسلم، ثم رجع فقال لعائشة حين رجع: نخلها کأنها رؤوس الشياطين! فقلت: استخرجته؟ فقال: لا، أما أنا فقد شفاني الله، وخشيت أن يثير ذلک علي الناس شراً، ثم دفنت البئر!! انتهي. ورواه في:68:4 و28:7 29 و164 ورواه مسلم في:14:7 وغيره.. وغيره.

وقد رد هذه التهمة علماء الشيعة قاطبةً، وتجرأ قليل من العلماء السنيين علي ردها! ومما استدلوا به آية (والله يعصمک من الناس).

قال الطوسي في تفسير التبيان:384:1:

ما روي من أن النبي صلي الله عليه وآله سحر وکان يري أنه يفعل ما لم يفعله! فأخبار آحادٍ لايلتفت إليها، وحاشا النبي صلي الله عليه وآله من کل صفة نقصٍ، إذ تنفر من قبول قوله، لأنه حجة الله علي خلقه، وصفيه من عباده، واختاره الله علي علم منه، فکيف يجوِّز ذلک مع ما جنبه الله من الفظاظة والغلظة وغير ذلک من الأخلاق الدنيئة والخلق المشينة، ولا يجوز ذلک علي الأنبياء إلا من لم يعرف مقدارهم، ولا يعرفهم حقيقة معرفتهم. وقد قال الله تعالي: والله يعصمک من الناس، وقد أکذب الله من قال: إن يتبعون إلا رجلاً مسحوراً، فقال: وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً. فنعوذ بالله من الخذلان.

وقال ابن إدريس العجلي في السرائر:534:3:

والرسول عليه السلام ماسُحِر عندنا بلاخلاف لقوله تعالي: والله يعصمک من الناس. وعند بعض المخالفين أنه سُحر، وذلک بخلاف التنزيل المجيد!

وقال المجلسي في بحارالأنوار:60:38:

ومنها سورة الفلق، فقد اتفق جمهور المسلمين علي أنها نزلت فيما کان من سحر لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله صلي الله عليه وآله حتي مرض ثلاث ليال. ومنها ما روي أن جارية سحرت عائشة، وأنه سحر ابن عمر حتي تکوعت يده!

فإن قيل: لو صح السحر لأضرت السحرة بجميع الأنبياء والصالحين، ولحصَّلوا لأنفسهم الملک العظيم، وکيف يصح أن يسحر النبي صلي الله عليه وآله وقد قال الله: والله يعصمک من الناس، ولا يفلح الساحر حيث أتي! وکانت الکفرة يعيبون النبي صلي الله عليه وآله بأنه مسحور، مع القطع بأنهم کاذبون. انتهي.

وممن رد هذه التهمة من السنيين: النووي في المجموع:243:19 قال:

قلت: وأکتفي بهذا القدر من أحاديث سحر الرسول صلي الله عليه وآله.. تنبيه: قال الشهاب بعد نقل في التأويلات: عن أبي بکر الأصم أنه قال: إن حديث سحره صلي الله عليه وسلم المروي هنا متروکٌ لما يلزمه من صدق قول الکفرة أنه مسحور، وهو مخالف لنص القرآن حيث أکذبهم الله فيه.

ونقل الرازي عن القاضي أنه قال: هذه الرواية باطلةٌ، وکيف يمکن القول بصحتها والله تعالي يقول: والله يعصمک من الناس، وقال: ولا يفلح الساحر حيث أتي؟! ولأن تجويزه يفضي إلي القدح في النبوة، ولأنه لو صح ذلک لکان من الواجب أن يصلوا إلي ضرر جميع الأنبياء والصالحين. انتهي.

کما ردها الرازي في تفسيره: مجلد16 جزء187:32 قال: قول جمهور المسلمين أن لبيد بن أعصم اليهودي سحر النبي صلي الله عليه وآله في إحدي عشرة عقدة.. فاعلم أن المعتزلة أنکروا ذلک بأسرهم. وکيف يمکن القول بصحتها والله تعالي يقول: والله يعصمک من الناس... قال الأصحاب: هذه القصة قد صحت عند جمهور أهل النقل.. إلخ. انتهي.

ولکن هؤلاء قلة من علماء السنة، فأکثرهم يقبلون أحاديث سحر نبيهم!

وأصل المشکلة عندهم أنهم يقبلون کلام عائشة وکلام البخاري مهما کان، ولا يسمحون لأنفسهم ولا لأحدٍ أن يبحثه وينقده.. وقد أوقعهم هذا المنهج في مشکلات عقائدية عديدة، في التوحيد والنبوة والشفاعة.. ومنها أحاديث بدء الوحي وورقة بن نوفل، وحديث الغرانيق الذي أخذه المرتد سلمان رشدي وحرفه وسماه الآيات الشيطانية.. ومنها أحاديث أن اليهود سحروا النبي صلي الله عليه وآله! وبطل روايتها البخاري عن عائشة!

وقد تحيروا فيها کما رأيت، ولم يجرؤ أحد منهم علي القول إنها من المکذوبات علي عائشة، أو من خيالات النساء..

والرد الصحيح أن تهمة السحر تتنافي مع أصل النبوة، وأنها تهمة الکفار التي برأ الله نبيه صلي الله عليه وآله، منها بنص القرآن، کما تقدم.

أما ردها بآية العصمة فهو ضعيف، لأنه قد يجاب عنه بأن آية العصمة نزلت في آخر عمره صلي الله عليه وآله، وقصة السحر المزعومة کانت قبلها.

وأما علي تفسيرنا للآية، أن عصمته صلي الله عليه وآله من تأثير السحر عليه عقلي ونقلي بنص القرآن.. وأما العصمة في الآية فالقدر المتيقن منها عصمته صلي الله عليه وآله من ارتداد قريش والمسلمين في حياته، بسبب تبليغه ولاية عترته من بعده.. فيقتصر فيها علي هذا القدر المتيقن، ما لم يقم دليل علي شمولها لغيره.

کما يؤکد المفسرون والشراح السنيون عدة مسائل تتعلق بالعصمة من الناس، تحيروا فيها.. منها أن النبي صلي الله عليه وآله قد تمني القتل في سبيل الله تعالي، مع أن الآية تدل علي عصمته من القتل، فهل يجوز أن يتمني النبي شيئاً وهو يعلم أنه لايکون؟! قال ابن حجر في فتح الباري:2644:8 عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلي الله عليه وآله يقول.. والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله...استشکل بعض الشراح صدور هذا التمني من النبي صلي الله عليه وسلم مع علمه بأنه لايقتل، وأجاب ابن التين بأن ذلک لعله کان قبل نزول قوله تعالي: والله يعصمک من الناس، وهو متعقب فإن نزولها کان في أوائل ما قدم المدينة، وهذا الحديث صرح أبوهريرة بأنه سمعه من النبي صلي الله عليه وسلم، وإنما قدم أبوهريرة في أوائل سنة سبع من الهجرة.

والذي يظهر في الجواب: أن تمني الفضل والخير لايستلزم الوقوع، فقد قال صلي الله عليه وسلم: وددت لو أن موسي صبر، کما سيأتي في مکانه، وسيأتي في کتاب التمني نظائر لذلک، وکأنه صلي الله عليه وسلم أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المسلمين عليه، قال ابن التين: وهذا أشبه.

وحکي شيخنا ابن الملقن أن بعض الناس زعم أن قوله (ولوددت) مدرج من کلام أبي هريرة، قال: وهو بعيد. ونحوه في عمدة القاري: مجلد7 جزء.95:14 هذا بعض ما تجشموه وسودوا به صحفاً تفريعاً علي تحريفهم لمعني العصمة المقصودة في الآية.. ونحن نقول: لو ثبت عنه صلي الله عليه وآله أنه تمني الشهادة.. لکان ذلک تمنياً حقيقياً، لأنه لاعصمة له من القتل ولا الجرح کما زعموا.. وآية التبليغ إنما تضمن عدم ردة الناس في حياته صلي الله عليه وآله، ولا ربط لها بضمان عدم القتل والجرح والأذي. بل إن قوله تعالي: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل.. الآية، يدل علي أنه صلي الله عليه وآله لم يمت موتاً طبيعياً لأن الله تعالي أبهم نوع وفاة نبيه وأنها تکون بالموت أو القتل ولا وجه لترديده الأمر بينهما، إلا علمه تعالي بأن وفاة رسوله ستکون قتلاً، أو أمراً بين الموت والقتل!