محاربه علي بآيه تبليغ ولايته











محاربه علي بآيه تبليغ ولايته



يشهد جميع المسلمين للنبي صلي الله عليه وآله بأنه بلغ عن ربه کل ما أمره به، ونصح لأمته، وأنه تحمل أکثر من جميع الأنبياء صلي الله عليهم.

لکنک تجد في مصادر السنيين تهمةً للشيعة بأنهم يقولون إن النبي صلي الله عليه وآله کتم أشياء ولم يبلغها إلي الأمة، والعياذ بالله! ويستدلون لردهم بآية: بلغ ما أنزل إليک. قال القرطبي في تفسيره:243:6:

من قال أن محمداً صلي الله عليه وسلم کتم شيئاً من الوحي فقد کذب. الله تعالي يقول: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، وقبح الله الروافض حيث قالوا: إنه صلي الله عليه وسلم کتم شيئاً مما أوحي إليه کان بالناس حاجة إليه. انتهي.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري:106:7:

وقال الراغب فيما حکاه الطيبي: فإن قيل: کيف قال: وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، وذلک کقولک إن لم تبلغ فما بلغت! قيل: معناه وإن لم تبلغ کل ما أنزل إليک، تکون في حکم من لم يبلغ شيئاً مما أنزل الله، بخلاف ما قالت الشيعة إنه قد کتم أشياء علي سبيل التقية! انتهي.

والظاهر أن قصة هذه التهمة وبيت القصيد فيها هو حديث عائشة القائل: من زعم أن رسول الله صلي الله عليه وآله کتم شيئاً من کتاب الله، فقد أعظم علي الله الفرية. وقد رووه عنها وأکثروا من روايته.. وقصدهم به الرد علي علي عليه السلام وتکذيبه! فقد کان علي عليه السلام يقول إنه وارث علم النبي صلي الله عليه وآله وإن عنده غير القرآن حديث النبي صلي الله عليه وآله ومواريثه.. فعنده جامعة فيها کل ما يحتاج إليه الناس حتي أرش الخدش. وکان يقول إن النبي صلي الله عليه وآله قد أخبره بما سيحدث علي عترته من بعده حتي هجومهم علي بيته وإحراقه، وإجباره علي بيعتهم، وأنه أمره في کل ذلک بأوامره..

ونحن الشيعة نعتقد بکل ما قاله أميرالمؤمنين عليه السلام، وتروي مصادرنا بل ومصادر السنيين عن مقام علي عليه السلام وقربه من النبي صلي الله عليه وآله ومکانته عنده، وشهاداته صلي الله عليه وآله في حقه.. ما يوجب اليقين بأن النبي صلي الله عليه وآله کان مأموراً من الله تعالي أن يعد علياً إعداداً خاصاً، ويورثه علمه..

مضافا إلي ما أعطي الله علياً عليه السلام من صفات ومؤهلات وإلهام..

ونعتقد بأن علياً عليه السلام طاهرٌ مطهر، صادقٌ مصدق، في کل ما يقوله ولو کان شهادةً لنفسه وعترته.

قال السيوطي في الدر المنثور:260:6:

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والواحدي، وابن مردويه، وابن عساکر، وابن النجاري، عن بريدة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله لعلي: إن الله أمرني أن أدنيک، ولا أقصيک، وأن أعلمک، وأن تعي وحقٌّ لک أن تعي. فنزلت هذه الآية: وتعيها أذن واعية. انتهي. ثم ذکر السيوطي رواية أبي نعيم في الحلية وفيها: فأنت أذُنٌ واعيةٌ لعلمي. انتهي.

وإذا کان حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي صلي الله عليه وآله وهو من أتباع علي عليه السلام.. فإن علياًّ هو صاحب أسرار النبي صلي الله عليه وآله وعلومه. وقد روي الجميع أنه صلي الله عليه وآله عهد إليه أن يقاتل علي تأويل القرآن من بعده، وأخبره أنه سيقاتل الناکثين والقاسطين والمارقين!

بل الظاهر أن وصايا النبي صلي الله عليه وآله لعلي کان بعضها معروفاً في حياته، ومن ذلک وصيته له بأن يسجل مظلوميته ويقيم الحجة علي القوم، ولا يقاتلهم من أجل الخلافة.. فلو لم يکونوا يعرفون ذلک، لما کانت عندهم جرأة أن يهاجموا علياًّ في بيته بعشرين مسلح أو خمسين، ويقتحموا داره، ثم يلقوا القبض عليه، ويجروه بحمائل سيفه إلي البيعة!!

لقد کان علي عليه السلام معجزةً وأسطورةً في القوة والشجاعة، وفي الهيبة والرعب في قلوب الناس.. وأکثر الذين هاجموه في داره کانوا معروفين بالخوف والفرار في عدة حروب.. ولم يکن أحد منهم ولا من غيرهم يجرؤ أن يقف في وجه علي عليه السلام إذا جرد ذا الفقار!! ولکنهم کانوا مطمئنين أن إطاعته للنبي صلي الله عليه وآله تغلب شجاعته وغيرته، وأنه سيعمل بالوصية، ولن يجرد ذا الفقار، حتي لو ضربوا الزهراء عليها السلام وأسقطوا جنينها!!

وحاصل مسألتنا أن الخلافة القرشية قد ردت أقوال علي بأن عنده مواريث النبي صلي الله عليه وآله وعلمه، ونفت أن يکون النبي صلي الله عليه وآله ورث عترته شيئاً، لاعلماً ولا أوقافاً ولا مالاً! وبذلک صادر أبوبکر مزرعة فدک، التي کان النبي صلي الله عليه وآله أعطاها آل فاطمة عليهاالسلام عندما نزل قوله تعالي (وآت ذا القربي حقه)!

بل زادت السلطة علي نفي کلام علي، وحاولت أن تستفيد من آية الأمر بالتبليغ التي هي موضوع بحثنا فقالت: من قال إن النبي صلي الله عليه وآله قد بلغه وحده أموراً وأحکاماً، ولم يبلغها إلي الأمة عامة، فقد اتهم النبي صلي الله عليه وآله بأنه قصر في تبليغ الأمة، وهو نوع من الکفر به صلي الله عليه وآله!! وليست مقولة عائشة المتقدمة إلامقولة السلطة في رد قول علي عليه السلام.. قال البخاري في صحيحه:188:5:

باب يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک. عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثک أن محمداً صلي الله عليه وآله کتم شيئاً مما أنزل عليه، فقد کذب، والله يقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک.. الآية. انتهي. ثم کرر البخاري ذلک في:50:6 و210:8 ومسلم:10:1 والترمذي:...328:4 وغيرهم.

ولکن هذه العملية من خصوم علي عليه السلام تتضمن مغالطتين: في توسيع معني المأمور بتبليغه، وتوسيع المأمور بتبليغهم! کما تتضمن تحريفاً لمقولة علي عليه السلام وشيعته! فليس کل ما قاله الله تعالي لرسوله أوجب عليه أن يبلغه.. فإن علوم النبي صلي الله عليه وآله وما أوحي الله إليه، وألهمه إياه، وما شاهده في إسرائه ومعراجه.. أوسع مما بلغه لعامة الناس، بأضعافٍ مضاعفة، ولا يمکن أن يوجب الله تعالي عليه تبليغها، لأن الناس لايطيقونها حتي لو کانوا مؤمنين!

ولا کل شي ء أمره أن يبلغه، أمره أن يبلغه إلي کل الناس بدون استثناء.. فهناک أمور عامة لکل الناس، وقد بلغها لهم، وأمور خاصةٌ لأناسٍ خاصين مؤمنين أو کافرين، وقد بلغها لأصحابها، مثل قوله تعالي (قل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً).. إلخ. ولم يقل عليٌّ عليه السلام ولا أحدٌ من شيعته إن النبي صلي الله عليه وآله لم يبلغ، بل قالوا إنه کلم الناس علي قدر عقولهم وعلي قدر تحملهم وتقبلهم، وأنه لذلک بلغ علياًّ عليه السلام أکثر من غيره، واستودعه علومه کما أمره الله تعالي..

وليس في هذا تهمة بعدم التبليغ، کما زعم القرطبي والقسطلاني. بل هي قولٌ بتبليغ إضافي خاصٍ بعلي والزهراء والحسنين عليهم السلام!

بل إن علياًّ وشيعته قالوا إن النبي صلي الله عليه وآله قد بلغ الأمة أموراً کثيرة، تتعلق بعترته وغيرهم کما تري في کتابنا هذا.. فتبليغه عندهم أوسع مما يقول به القرشيون. ولکن القرشيين يظلمون علياً عليه السلام ويفترون عليه!! في حين تراهم يتغاضون عن تصريح عمر بأن النبي صليالله عليه وآله لم يبين عدة آيات مثل الکلالة والربا! کما تقدم في آية إکمال الدين! وهي تهمة صريحة للنبي صلي الله عليه وآله بأنه لم يبين ما أنزله الله عليه، وأمره ببيانه لعامة الناس!!

والنتيجة أن الأمر بالتبليغ وأمتثاله لايتنافي مع تخصيص النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام عليهاالسلام بعلوم عن غيره، لأن ذلک مما أمره بتبليغه له وليس لعامة الناس.. کما لايتنافي مع التقية التي قد يستعملها النبي صلي الله عليه وآله مع قريش أو غيرها، لأنه مأمور بالعمل بالحکمة لأهداف الإسلام، وبالتقية ومداراة الناس.. ففي الکافي:117:2 عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أمرني ربي بمداراة الناس کما أمرني بأداء الفرائض. وفي مجمع الزوائد17:8 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلي الناس.

وعن بريدة قال: کنا عند رسول الله صلي الله عليه وسلم، فأقبل رجل من قريش فأدناه رسول الله صلي الله عليه وسلم وقربه، فلما قام قال: يا بريدة أتعرف هذا؟ قلت: نعم، هذا أوسط قريش حسباً، وأکثرهم مالاً، ثلاثاً. فقلت: يا رسول الله قد أنبأتک بعلمي فيه، فأنت أعلم.

فقال: هذا ممن لايقيم الله له يوم القيامة وزناً.

وقد عقد البخاري في صحيحه أکثر من باب لمداراة الناس، قال في:102:7 باب المداراة مع الناس. ويذکر عن أبي الدرداء إنا لنکشر في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم... عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن علي النبي صلي الله عليه وسلم رجل فقال: إئذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل الآن له الکلام، فقلت يا رسول الله: قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول؟! فقال: أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من ترکه أو ودعه الناس، اتقاء فحشه. انتهي.

وفي وسيط النيسابوري208:2:

وقال الأنباري: کان النبي صلي الله عليه وآله يجاهر ببعض القرآن أيام کان بمکة، ويخفي بعضه إشفاقا علي نفسه من شر المشرکين إليه، وإلي أصحابه... انتهي.

والنتيجة: أننا نحن الشيعة نقول أن النبي صلي الله عليه وآله قد بين للناس کل ما أمره الله ببيانه لهم، وأمره أن يکلمهم حسب عقولهم، فمنهم من لايتحمل أکثر من البيان العام ومنهم من يتحمل أکثر حسب درجته. وقد کان علي عليه السلام من الدرجة الأولي، وقد أمر الله رسوله أن يبين له أکثر ووهبه قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً وجعله الأذن الواعية لرسوله صلي الله عليه وآله.

والنتيجة ثانياً: أن الذين يتهمون النبي بأنه کتم ولم يبلغ هم غيرنا لانحن، وهذه صحاحهم تروي عن عمر في آيات الربا والکلالة وغيرها أن النبي لم يبينها للناس مع أنها کانت قانوناً مفروضاً، وواجب النبي تبليغها!