الوهابيون و حديث الغدير











الوهابيون و حديث الغدير



من العجيب أن يبقي القول الموافق لأهل البيت عليهم السلام في سبب نزول آية التبليغ حياً في مصادر إخواننا السنيين! لأنه ينسف الأسس التي أقام القرشيون عليها خلافتهم، وبذلوا جهودهم ليقنعوا بها المسلمين.

ولهذا تري النواصب يغيظهم وجود حديث الغدير، وحديث آية التبليغ وأمثاله، ويودون لو أن شيئاً منها لم يکن موجوداً في الصحاح والمصادر.. وتراهم بدل أن يبحثوها بحثاً علمياً علي ضوء القرآن والمتفق عليه من السنة.. يکيلون التهم والسباب للشيعة وعلماءالشيعة لأنهم اطلعوا عليها، وأخرجوها لهم من مصادرهم!!

قال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة644:5:

عصمته من الناس: کان يحرس حتي نزلت هذه الآية: والله يعصمک من الناس، فأخرج رسول الله رأسه من القبة، فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله. أخرجه الترمذي:175:2 وابن جرير:199:6 والحاکم:3:2 من طريق الحارث بن عبيد عن سعيد الجريري، عن عبدبن شقيق، عن عائشة قالت: فذکره. وقال الترمذي: حديث غريب. وروي بعضهم هذا الحديث عن الجريري عن عبدالله بن شقيق قال: کان النبي يحرس.. ولم يذکروا فيه: عن عائشة.

قلت: وهذا أصح، لأن الحارث بن عبيد- وهو أبوقدامة الأيادي- فيه ضعف من قبل حفظه، أشار إليه الحافظ بقوله: صدوق يخطي ء. وقد خالفه بعض الذين أشار إليهم الترمذي، ومنهم إسماعيل بن علية الثقة الحافظ، رواه ابن جرير بإسنادين عنه عن الجريري مرسلاً.

قلت: فهو صحيح مرسلاً، وأما قول الحاکم عقب المسند عن عائشة: صحيح الأسناد فمردود، لما ذکرنا، وإن تابعه الذهبي.

نعم الحديث صحيح، فإن له شاهداً من حديث أبي هريرة قال: کان رسول الله صلي الله عليه وآله إذا نزل منزلاً نظروا أعظم شجرة يرونها فجعلوها للنبي فينزل تحتها وينزل أصحابه بعد ذلک في ظل الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة وقد علق السيف عليها إذ جاء أعرابي فأخذ السيف من الشجرة ثم دنا من النبي وهو نائم فأيقظه، فقال: يا محمد من يمنعک مني الليلة؟ فقال النبي صلي الله عليه وآله الله. فأنزل الله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمک من الناس.. الآية. أخرجه ابن حبان في صحيحه1739 موارد وابن مردويه کما في ابن کثير198:6 من طريقين عن حماد بن سلمة: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه. قلت. وهذا إسناد حسن. وذکر له ابن کثير شاهدا ثانيا من حديث جابر رواه ابن أبي حاتم.

وله شاهدان آخران عن سعيد بن جبير ومحمد بن کعب القرظي مرسلاً.

واعلم أن الشيعة يزعمون- خلافاً للأحاديث المتقدمة- أن الآية المذکورة نزلت يوم غدير خم في علي رضي الله عنه ويذکرون في ذلک روايات عديدة مراسيل ومعاضيل أکثرها، ومنها عن أبي سعيد الخدري ولا يصح عنه کما حققته في الضعيفة (4922) والروايات الأخري أشار إليها عبدالحسين الشيعي في مراجعاته:38 دون أي تحقيق في أسانيدها کما هي عادته في سرد أحاديث کتابه، لأن غايته حشد کل ما يشهد لمذهبه سواء صح أو لم يصح، علي قاعدتهم: الغاية تبرر الوسيلة! فکن منه ومن رواياته علي حذر، وليس هذا فقط، بل هو يدلس علي القراء- إن لم أقل يکذب عليهم- فإنه قال في المکان المشار إليه في تخريج أبي سعيد هذا المنکر بل الباطل: أخرجه غير واحد من أصحاب السنن کالإمام الواحدي..!

ووجه کذبه: أن المبتدئين في هذا العلم يعلمون أن الواحدي ليس من أصحاب السنن الأربعة، وإنما هو مفسر يروي بأسانيده ما صح وما لم يصح، وحديث أبي سعيد هذا مما لم يصح، فقد أخرجه من طريق فيه متروک شديد الضعف! کما هو مبين في المکان المشار إليه من الضعيفة.

وهذه من عادة الشيعة قديماً وحديثاً، أنهم يستحلون الکذب علي أهل السنة عملاً في کتبهم وخطبهم، بعد أن صرحوا باستحلالهم للتقية، کما صرح بذلک الخميني في کتابه کشف الأسرار، وليس يخفي علي أحد أن التقية أخت الکذب ولذلک قال أعرف الناس بهم شيخ الإسلام ابن تيمية: الشيعة أکذب الطوائف. وأنا شخصياًّ قد لمست کذبهم لمس اليد في بعض مؤلفيهم، وبخاصة عبدالحسين هذا، والشاهد بين يديک فإنه فوق کذبته المذکورة أوهم القراء أن الحديث عند أهل السنة من المسلمات بسکوته عن علته، وادعائه کثرة طرقه.

وقد کان أصرح منه في الکذب الخميني فإنه صرح في الکتاب المذکور:149 أن آية العصمة نزلت يوم غدير خم بشأن إمامة علي بن أبي طالب، باعتراف أهل السنة، واتفاق الشيعة. کذا قال عامله الله بما يستحق. وسأزيد هذا الأمر بياناً في الضعيفة، إن شاء الله تعالي. انتهي.

ونقول للباحث الألباني:

أولاً: دع عنک التهم والشتائم وإصدار الأحکام، وتصنيف من هم أصدق الطوائف الإسلامية ومن هم أکذبها، فإن السنيين والشيعيين فيهم أنواع الناس.. ولکن النواصب لهم حکم خاص..

ولا تنس أيها الباحث أن ابن تيمية الذي لم ينصف علي بن أبي طالب عليه السلام لايمکنه أن ينصف شيعته.. وقد دافعت أنت عن علي عليه السلام ورددت ظلم ابن تيمية وإنکاره حديث الغدير (من کنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فصححت الحديث واعترفت بالحق مشکوراً، وکتبت صفحات في ذلک في أحاديثک الصحيحة330:5 برقم1750 ثم قلت في:344 (إذا عرفت هذا فقد کان الدافع لتحرير الکلام علي الحديث وبيان صحته: أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعَّف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر فزعم أنه کذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها، ويدقق النظر فيها. والله المستعان.

أما ما يذکره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلي الله عليه وآله قال في علي رضي الله عنه: إنه خليفتي من بعدي، فلا يصح بوجه من الوجوه، بل هو من أباطيلهم الکثيرة التي دل الواقع التاريخي علي کذبها، لأنه لو فرض أن النبي قاله لوقع کما قال لأنه (وحي يوحي) والله سبحانه لايخلف وعده!!). انتهي.

ونلاحظ أن الشيخ الألباني الذي انتقد (تسرع) إمامه ابن تيمية، تسرع هو أيضاً وجعل الإخبار التشريعي إخباراً غيبياً! وشتان ما بينهما.. فلو صح ذلک لانتقض حديثه الذي صححه وأحکمه، وهو قول النبي صلي الله عليه وآله (من کنت مولاه فعلي مولاه) فهو أيضاً (وحيٌ يوحي) فوجب علي قوله بأنه إخبار غيبي عما سيقع أن يکون علي ولياًّ لکل المسلمين وسيداً لهم، وأن يکونوا معه کالعبيد کما کانوا مع رسول الله صلي الله عليه وآله.. ولکن ذلک لم يتحقق، بل لقد هاجموا بيت علي وفاطمة عليهماالسلام في اليوم الثاني لوفاة النبي صلي الله عليه وآله أو الثالث، وهددوا المعتصمين فيه بإحراقه عليهم إن لم يخرجوا ويبايعوا.. ثم أجبروا علياًّ إجباراً علي البيعة کما هو معروف.. فقوله صلي الله عليه وآله: عليٌّ خليفتي من بعدي، مثل قوله: من کنت مولاه فعلي مولاه، وإذا کان الأول إخباراً عما سيقع، کما ادعي الألباني، فکذلک الثاني، فکيف تحقق عکسه وصار معني: من کنت سيده فعلي سيده، أنَّ الرعية أجبروا سيدهم علي بيعتهم؟!

إن الإخبار في الحديثين تشريعي أيها المحدث، وبيانٌ لتکليف المسلمين وما يجب عليهم، وليس إخباراً غيبياً عما سيقع، حتي لايصح وقوع غيره!

ونقول له ثانياً: عندما ضعَّفت حديث سبب نزول آية (والله يعصمک من الناس) في بيعة الغدير، هل جمعت طرقه ودققت النظر فيها فقلت (مراسيل ومعاضيل أکثرها)؟

هل رأيت طرق الثعلبي، وأبي نعيم، والواحدي، وأبي سعيد السجستاني، والحسکاني، وبحثت أسانيدهم فوجدتها کلها مرسلة أو ضعيفة أو معضلة، ووجدت في رواتها من لم تعتمد أنت عليهم؟! أم وقعت فيما وقع فيه ابن تيمية من التسرع والتعصب الذي انتقدته عليه؟!

علي أي حالٍ، لم يفت الوقت، فنرجو أن تتفضل بملاحظة ما کتبناه في تفسير الآية، وأن تدقق الطرق والأسانيد التي قدمناها، وتبحثها بموازينک التي تريدها، بشرط أن لاتناقض ما کتبته في کتبک، وأن لاتضعِّف راوياً هنا لأنه روي فضيلةً لعلي، وقد اعتمدت عليه وقبلت روايته في مکان آخر لأنه روي فضيلة لخصوم علي!

ونذکر فيما يلي أسانيد مصدر واحد هو: کتاب شواهد التنزيل للحاکم الحسکاني عبيدالله بن عبدالله بن أحمد العامري القرشي، تلميذ الحاکم النيسابوري صاحب المستدرک. قال في کتابه المذکور، بتحقيق المحمودي:257-1:250

244- أخبرنا أبوعبدالله الدينوري قراءة، (قال) حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق (بن إبراهيم) السني قال: أخبرني عبدالرحمان بن حمدان قال: حدثنا محمد بن عثمان العبسي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون قال: حدثنا علي بن عابس عن الأعمش عن أبي الجحاف (داود بن أبي عوف) عن عطية: عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک).

245- أخبرنا الحاکم أبوعبدالله الحافظ جملة (قال: أخبرنا) علي بن عبدالرحمان بن عيسي الدهقان بالکوفة قال: حدثنا الحسين بن الحکم الحبري قال: حدثنا الحسن بن الحسين العرني قال: حدثنا حبان بن علي العنزي قال: حدثنا الکلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عزوجل: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک.. الآية. (قال) نزلت في علي، أمر رسول الله صلي الله عليه أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله بيد علي فقال: من کنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

246- رواه جماعة عن الحبري وأخرجه السبيعي في تفسيره عنه فکأني سمعته من السبيعي ورواه جماعة عن الکلبي.

وطرق هذا الحديث مستقصاة في کتاب دعاء الهداة إلي أداء حق الموالاة من تصنيفي في عشرة أجزاء.

247- أخبرنا أبوبکر السکري قال: أخبرنا أبوعمرو المقري قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثني أحمد بن أزهر قال: حدثنا عبدالرحمن بن عمرو بن جبلة قال: حدثنا عمر بن نعيم بن عمر بن قيس الماصر قال: سمعت جدي قال: حدثنا عبدالله بن أبي أوفي قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم وتلا هذه الآية (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) ثم رفع يديه حتي يري بياض إبطيه ثم قال: ألا من کنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: اللهم اشهد.

248- أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد العدل بقراءتي عليه من أصل سماع نسخته قال: أخبرنا زاهر بن أحمد قال: أخبرنا أبوبکر محمد بن يحيي الصولي قال: حدثنا المغيرة بن محمد قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: حدثني أبي قال: سمعت زياد بن المنذر يقول: کنت عند أبي جعفر محمد بن علي وهو يحدث الناس إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له: عثمان الأعشي- کان يروي عن الحسن البصري- فقال له: يا بن رسول الله جعلني الله فداک إن الحسن يخبرنا أن هذه الآية نزلت بسبب رجل ولا يخبرنا من الرجل (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک). فقال: لو أراد أن يخبر به لأخبر به ولکنه يخاف. إن جبرئيل هبط علي النبي صلي الله عليه وسلم فقال له: إن الله يأمرک أن تدل أمتک علي صلاتهم، فدلهم عليها. ثم هبط فقال: إن الله يأمرک أن تدل أمتک علي زکاتهم، فدلهم عليها. ثم هبط فقال: إن الله يأمرک أن تدل أمتک علي صيامهم، فدلهم. ثم هبط فقال: إن الله يأمرک أن تدل أمتک علي حجهم، ففعل. ثم هبط فقال: إن الله يأمرک أن تدل أمتک علي وليهم علي مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزکاتهم وصيامهم وحجهم ليلزمهم الحجة في جميع ذاک. فقال رسول الله: يا رب إن قومي قريبو عهد بالجاهلية، وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليهم، وإني أخاف، فأنزل الله تعالي: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) يريد فما بلغتها تامة (والله يعصمک من الناس) فلما ضمن الله (له) بالعصمة وخوفه أخذ بيد علي بن أبي طالب ثم قال: يا أيها الناس من کنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه. قال زياد: فقال عثمان: ما انصرفت إلي بلدي بشي ء أحب إلي من هذا الحديث.

249- حدثني علي بن موسي بن إسحاق عن محمد بن مسعود بن محمد قال: حدثنا سهل بن بحر قال: حدثنا الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة عن الکلبي عن أبي صالح: عن ابن عباس وجابر بن عبدالله قالا: أمر الله محمداً أن ينصب علياًّ للناس ليخبرهم بولايته فتخوف رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يقولوا حابي ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلک عليه فأوحي الله إليه: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک) الآية، فقام رسول الله بولايته يوم غدير خم.

250- حدثني محمد بن القاسم بن أحمد في تفسيره قال: حدثنا أبوجعفر محمد بن علي الفقيه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن عبدالله البرقي عن أبيه عن خلف بن عمار الأسدي عن أبي الحسن العبدي عن الأعمش عن عباية بن ربعي: عن عبدالله بن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم (وساق) حديث المعراج إلي أن قال: وإني لم أبعث نبياً إلا جعلت له وزيراً وإنک رسول الله، وإن علياًّ وزيرک.

قال ابن عباس: فهبط رسول الله فکره أن يحدث الناس بشي ء منها إذ کانوا حديثي عهد بالجاهلية، حتي مضي (من) ذلک ستة أيام، فأنزل الله تعالي: فلعلک تارک بعض ما يوحي إليک، فاحتمل رسول الله صلي الله عليه وآله، حتي کان يوم الثامن عشر أنزل الله عليه (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليک من ربک) ثم إن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر بلالاً حتي يؤذن في الناس أن لايبقي غداً أحداً إلا خرج إلي غدير خم، فخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم والناس من الغد فقال: يا أيها الناس إن الله أرسلني إليکم برسالة، وإني ضقت بها ذرعاً مخافة أن تتهموني وتکذبوني حتي عاتبني ربي فيها بوعيد أنزله علي بعد وعيد، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها حتي رأي الناس بياض إبطيهما ثم قال: أيها الناس الله مولاي وأنا مولاکم، فمن کنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وأنزل الله (اليوم أکملت لکم دينکم). انتهي.

(ملاحظة: کتب هذا الموضوع قبل أن يتوفي الألباني وأرسلت له نسخة من الکتاب.. ولم يجب عليه)!