معني التبليغ في القرآن











معني التبليغ في القرآن



مفهوم التبليغ في القرآن مفهوم بسيط واضح، فهو يعني بيان الأنبياء الرسالة الإلهية للناس.. والناس بعد ذلک مختارون في أن يقبلوا أو يتولوا، وحسابهم علي الله تعالي، وليس علي أنبيائه!

وتتفرع من هذا الأساس العميق عدة مبادئ:

أولاً: أن النبي يحتاج إلي ضمان حرية التعبير عن رسالة ربه، ليتمکن من إيصالها الي العباد وإبلاغهم إياها. وقد کان هذا هو المطلب الأول للأنبياء عليهم السلام من أممهم.

ثانياً: مهمة الأنبياء عليهم السلام هي التبليغ فقط أي مجرد (الإبلاغ) حتي أن الجهاد لم يفرض علي أحد من الأنبياء قبل إبراهيم عليهم السلام، فهو أول من فرض الله عليه الجهاد الدفاعي فقط! ففي دعائم الاسلام للقاضي النعمان المغربي:344:1 (عن علي صلوات الله عليه أنه قال: أول من جاهد في سبيل الله إبراهيم عليه السلام، أغارت الروم علي ناحية فيها لوط، فأسروه، فبلغ إبراهيم الخبر فنفر فاستنقذه من أيديهم. وهو أول من عمل الرايات صلي الله عليه). انتهي.

ثم فرض الجهاد علي الأنبياء من ذرية ابراهيم، وکل الأنبياء بعده من ذريته، من أجل إزاحة العقبات المانعة من التبليغ، أو رد اعتداءات الکفار عن المؤمنين الذين اختاروا الدين الإلهي وإقامة حياتهم علي أساسه.

ثالثاًً: لاإکراه في الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليکفر.. فينبغي أن يبقي قانون الهداية والإضلال فعالاً، والقدرة علي عمل الخير والشر متوفرة.

رابعاً: الهدف من الإبلاغ هو إقامة الحجة لله علي عباده، واضحة کاملة، حتي لايقولوا يوم القيامة

لم يبلغنا ذلک نبي ولم نعرف ذلک وکنا عنه غافلين.. فإقامة الحجة في الدين الإلهي محورٌ أصلي ثابتٌ في عمل الأنبياء عليهم السلام سواء علي مستوي الکافرين، أو علي مستوي أممهم المؤمنين بهم.

ومعني أن مهمة النبي عليه السلام إنما هي البلاغ.. أن واجبه أن يوصل العقيدة والأحکام إلي الناس، ويبين لهم ويفهمهم.. وبذلک يقيم الحجة لربه عزوجل، ويؤدي ما عليه.. ويسقط المسؤولية عن عاتقه.

أما استجابة الناس أو تکذيبهم.. وأما عملهم وسلوکهم، فهو شأنهم وليس النبي مسؤولاً عنه، بل المحاسبة عليه من اختصاص الله تعالي. قال الله تعالي: (قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداکم أجمعين). سورة الأنعام-149

وأدلة هذه المبادئ من القرآن والسنة کثيرة، نذکر منها الي ما ذکره الله تعالي من قول نوح عليه السلام: (أبلغکم رسالات ربي وأنصح لکم، وأعلم من الله ما لاتعلمون). سورة الأعراف-62

وقول تعالي عن شعيب: (فتولي عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتکم رسالات ربي ونصحت لکم فکيف آسي علي قوم کافرين). سورة الأعراف-93

وعن هود: (فإن تولوا فقد أبلغتکم ماأرسلت به إليکم ويستخلف ربي غيرکم ولا تضرونه شيئاً إن ربي علي کل شي ء حفيظ). سورة هود-57

وقوله تعالي عن مهمة جميع الرسل الذين بعثهم عليهم السلام: (فهل علي الرسل إلا البلاغ المبين). سورة النحل- 35.

(قالوا ربنا يعلم إنا إليکم لمرسلون وما علينا إلا البلاغ المبين). سورة يس-16 و17...

ولا يتسع المجال لاستعراض مفاهيم التبليغ وأحکامه في القرآن والحديث، فهي أجزاء مشرقة من نظرية متکاملة في مهمة الأنبياء عليهم السلام، حتي أنه تعالي وصف دينه وقرآنه بأنه بلاغ فقال: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذکر أولوا الألباب). سورة إبراهيم-52

وقال إنه بلاغ يشمل الأجيال الآتية التي يبلغها الإسلام: (قل أي شي ءأکبر شهادة؟ قل الله شهيد بيني وبينکم، وأوحي إلي هذا القرآن لأنذرکم به ومن بلغ..). سورة الأنعام-19

وأثني تعالي علي أمانة أنبيائه وشجاعتهم في تبليغ رسالاته، رغم مقاومة الناس واستهزائهم، فقال عزوجل: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وکفي بالله حسيباً). سورة الأحزاب-39

کما تحدث سبحانه عما لاقاه الأنبياء من تکذيب، وأذيً، واضطهاد، وتشريد، وتقتيل.. رغم أن مهمتهم کانت مجرد التبليغ عن الله تعالي!