قرشيه الحديث ألقاها عمر في البحر











قرشيه الحديث ألقاها عمر في البحر



من المفارقات في منطق عمر بن الخطاب مؤسس نظام الخلافة القرشية، أنه هو الذي رفع راية (أن الخليفة من قريش والخلافة لاتکون إلا في قريش)، فقد احتج علي الأنصار في السقيفة بأن قريشاً قبيلة النبي صلي الله عليه وآله فهم أحق بسلطانه.. فمن ذا ينازعنا سلطان محمد ونحن قومه وعشيرته؟!

وکان هدفه من ذلک تسکيت الأنصار، الذين يعيش القرشيون في بلدهم وضيافتهم، حتي لايقولوا نحن نصرناه ونحن أولي بخلافته!! وقد نجح عمر بهذا المنطق القبلي في السقيفة، بسبب تفرق کلمة الأنصار، رغم مخالفة رئيسهم سعد بن عبادة مخالفة عنيفة.

ولکن عمر نفسه عند وفاته تخلي عن مبدأ قرشية الخليفة، وألقي به في البحر، وأکد أنه لو کان سالم الفارسي مولي أبي حذيفة الأموي حياًّ، لعهد إليه بالخلافة!! ففي تاريخ المدينة:140:3 (عن عبدالله بن بريدة: لما طعن عمر رضي الله عنه قيل له: لو استخلفت؟ قال: لو شهدني أحد رجلين استخلفته أني قد اجتهدت ولم آثم أو وضعتها موضعها: أبوعبيدة بن الجراح، وسالم مولي أبي حذيفة!!).

وفي مجمع الزوائد:220:4 (عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب کان مستنداً إلي ابن عباس وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد فقال: إعلموا أني لم أقل في الکلالة شيئاً، ولم أستخلف من بعدي أحداً، وأنه من أدرک وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله عزوجل.

فقال سعيد بن زيد: أما إنک لو أشرت برجل من المسلمين لائتمنک الناس، وقد فعل ذلک أبوبکر، وائتمنه الناس. فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصاً سيئاً، وإني جاعل هذا الأمر إلي هؤلاءالنفر الستة الذين مات رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو عنهم راض.

ثم قال: لو أدرکني أحد رجلين، ثم جعلت هذا الأمر إليه لوثقت: سالم مولي أبي حذيفة، وأبوعبيدة بن الجراح). انتهي.

وبذلک فتح عمر الباب لأبي حنيفة وغيره، ليلغوا هذا الشرط من الخلافة الإسلامية، وقد استفاد من فتواه السلاجقة والمماليک، ثم تبني العثمانيون مذهب أبي حنيفة، ونشروا فقهه بسبب فتواه في الخلافة، وتسموا بخلفاء النبي صلي الله عليه وآله.

موقف الوهابيين من شرط القرشية في الحاکم

نشترط نحن الشيعة الإمامية في الأئمة أن يکونوا من قريش من عترة النبي صلي الله عليه وآله بسبب ثبوت النص عليهم بأسمائهم وعددهم عليهم السلام فالإمامة عندنا لاتثبت إلا بالنص فقط، والنص إنما هو علي هؤلاء الإثني عشر عليهم السلام.

وبما أن خاتمهم الإمام المهدي عليه السلام غائب، فالحکم في الأمة في عصرنا يکون بالوکالة عنه، والوکيل لابد أن تتوفر فيه شروط الفقاهة والعدالة وغيرها، ولا نشترط فيه أن يکون قرشياً.. وبذلک نلتقي عملياً لانظرياً مع الذين يسقطون شرط القرشية في الحاکم العادل.

أما إخواننا الشيعة الزيديون، فالإمامة عندهم غير محصورة بالأئمة الإثني عشر عليهم السلام. بل مفتوحة لکل عالم من ذرية علي وفاطمة عليهماالسلام، فهم يشترطون في الإمام الشرعي أن يکون قرشياً علوياً.

وأما المسلمون السنيون، فمنهم من يوافقنا علي إسقاط شرط القرشية في عصرنا، عملاً بقول الخليفة عمر، وفتوي أبي حنيفة، وهم قلة.. ويوجد فقهاء غير عرب من السنيين ولکنهم متعصبون لقريش أکثر من عمر، وملکيون أکثر من الملک.. ومن هؤلاء أئمة الوهابية، مثل الألباني، حيث صحح حديث اشتراط القرشية في الإمام في سلسلة أحاديثه الصحيحة برقم1552 وقال في آخره: 70:4 (ولذلک فعلي المسلمين إذا کانوا صادقين في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية، أن يتوبوا إلي ربهم ويرجعوا إلي دينهم، ويتبعوا أحکام شريعتهم، ومن ذلک أن الخلافة في قريش، بالشروط المعروفة في کتب الحديث والفقه).

أما في المجلد:7:3 فقد صحح حديث الخلافة في قريش برقم1006 وقال في آخره: (قلت: وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح علي بعض الفرق الضالة قديماً، وبعض المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثاً، الذين لايشترطون في الخليفة أن يکون عربياً قرشياً. وأعجب من ذلک أن يؤلف أحد المشايخ المدعين للسلفية رسالة في (الدولة الإسلامية) ذکر في أولها الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة، إلا هذا الشرط، متجاهلاً کل هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها، ولما ذکرته بذلک تبسم صارفاً النظر عن البحث في الموضوع. ولا أدري أکان ذلک لأنه لايري هذا الشرط کالذين أشرنا إليهم آنفاً، أم أنه کان غير مستعد للبحث من الناحية العلمية.

وسواء کان هذا أو ذاک، فالواجب علي کل مؤلف أن يتجرد للحق في کل ما يکتب، وأن لايتأثر فيه باتجاه حزبي أو تيار سياسي، ولا يلتزم في ذلک موافقة الجمهور أو مخالفتهم). انتهي کلام الألباني، والطريف أنه صحح حديثاً آخر برقم1851 يقول: (الخلافة في قريش والحکم في الأنصار والدعوة في الحبشة). وعلي فتواه يجب أن يکون الحاکم في عصرنا من قريش من أي قبائلها کان، وأن يکون الوزراء من الأنصار.. وأن يکون وزير الإرشاد والأوقاف والمفتي وکل من عمله الإعلام والدعوة من الأفارقة، والأحوط أن يکون من أثيوبيا!!

ذلک أن الوجوب الذي استفاده من الحديث وأفتيبه بوجوب القرشية في الحاکم، تتساوي فيه الخلافة، والوزارة، والدعوة!! لقد فات هذا الشيخ أن فقه الحديث أهم من سنده لأنه متقدمٌ عليه رتبةً، وأن مثل هذا الحديث بعيدٌ عن منطق النبي صلي الله عليه وآله.. ولو صح فهو يحکي عن ظرف معين، وليس تشريعاً إلي يوم القيامة!