اثنا عشر إماماً واثنا عشر شهراً











اثنا عشر إماماً واثنا عشر شهراً



ذکرت روايات الخطب الشريفة في حجة الوداع، أن النبي صلي الله عليه وآله ذکر الأئمة الإثني عشر، وذکر استدارة الزمن کأول ما خلق الله الأرض وقرأ الآية: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً. ففي صحيح البخاري:126:5 عن أبي بکرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: الزمان قد استدار کهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ورجب. انتهي. ورواه أيضاً في204:5 و.235:6 وأبوداود في:.435:1 وأحمد في:37:5.

ورواه في مجمع الزوائد:265:3 بصيغة أقرب إلي أسلوب النبي صلي الله عليه وآله من رواية البخاري، جاء فيها: (ألا وإن الزمان قد استدار کهيئته يوم خلق السموات والأرض، ثم قرأ: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في کتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم، ذلک الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسکم. ألا لاترجعوا بعدي کفاراً يضرب بعضکم رقاب بعض...). انتهي.

وقد ذکر المفسرون والشراح السنيون أن المعني إلغاء النسي ء الذي ابتدعته العرب للأشهر الحرم، وبذلک يرجع تأخير الزمن والتوقيت إلي هيئته الأولي فلا نسي ء بعد اليوم.

ولکنه تفسير غير مقنع، فإن نسي ء العرب لم يکن مؤثراً في الزمن والفلک، حتي يرجع الزمن إلي حالته الأولي بإلغاء النسي ء!

کما أنه لادليل علي ارتباط استدارة الزمان بالنسي ء في کلامه صلي الله عليه وآله، فهو موضوع مستقل عن النسي ء وإن اشتبه الشراح في ربطه به!

وبما أن النبي صلي الله عليه وآله في مقام توديع أمته، وبيان مرحلة ما بعده من الهدي والضلال، والعقائد والأحکام، وطريق الجنة والنار.. فقد يقصد بإخباره باستدارة الزمن: أن مرحلة جديدة بدأت من ذلک اليوم فما بعده، من قوانين الهداية والإضلال الإلهي. وأن حرکة الزمن المادي قوامها الأشهر الإثنا عشر، وحرکة الزمن بقانون الهداية والضلال معالمها الأئمة الإثنا عشر عليهم السلام، الذين ينسجم وجودهم التکويني والمادي مع نظام الإثني عشر شهراً في تکوين السماوات والأرض.

ويؤيد ذلک: قداسة عدد الإثني عشر في القرآن، ونظام الإثني عشر نقيباً الذي شرعه الله في بني إسرائيل، والإثني عشر حوارياًَ لعيسي، وأن النبي صلي الله عليه وآله طلب من الأنصار في أول بيعتهم له أن يختاروا منهم اثني عشر نقيباً.. ثم بشر الأمة بالأئمة الإثني عشر من بعده.. بل تدل الأحاديث الشريفة علي أن معالم الضلال في الأمة بعد النبي تتمثل في اثني عشر (إماماً) مضلاً من أصحابه، وقد شدد النبي صلي الله عليه وآله علي التحذير منهم! فمقابل کل إمام هدي إمام ضلال، کما أن مقابل کل نبي عدو من المجرمين، يعمل لإضلال الناس! قال الله تعالي: (ويوم يعض الظالم علي يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً. يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً. لقد أضلني عن الذکر بعد إذ جاءني، وکان الشيطان للإنسان خذولاً. وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً. وکذلک جعلنا لکل نبي عدواً من المجرمين وکفي بربک هادياً ونصيراً. سورة الفرقان:27-31.

وفي صحيح مسلم:8: 123-122 قال النبي صلي الله عليه وسلم: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لايدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تکفيکهم الدبيلة وأربعة لم أحفظ ما قال شعبة فيهم! إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إن في أمتي- قال شعبة: وأحسبه قال: حدثني حذيفة، وقال غندر: أراه قال: في أمتي- اثنا عشر منافقاً، لايدخلون الجنة ولا يجدون ريحها حتي يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تکفيکهم الدبيلة، سراج من النار يظهر في أکتافهم، حتي ينجم من صدورهم.

حدثنا أبوالطفيل قال: کان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يکون بين الناس، فقال: أنشدک بالله کم کان أصحاب العقبة؟! قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألک. قال: کنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن کنت منهم فقد کان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. انتهي. ورواه أحمد في:320:4 وغيرها، ورواه کثيرون.

والنتيجة: أنه لايبعد أن يکون قصد النبي صلي الله عليه وآله أن يخبر المسلمين بأن الله تعالي أقام الحياة البشرية من يوم خلق السماوات والأرض، وخلق الجنس البشري، علي قانون الهداية والضلال بإتمام الحجة، وإمهال الناس ليعملوا بالهدي أو بالضلال.. فکان لابد من وجود عنصري الهدي وعناصر الضلال معاً، کعنصري السلب والإيجاب في الطاقة، فألهم النفس البشرية فجورها وتقواها، وأنزل آدم إلي الأرض ومعه إبليس، وبعث الأنبياء عليهم السلام ومع کل نبي عدو مضل أو أکثر، وجعل بعدهم أئمة ربانيين يهدون، وأئمة ضلال منافقين يضلون.. وعدد کل منهم في هذه الأمة اثنا عشر.. وأنه قد بدأت بهم دورة جديدة من الهدي والضلال، کما بدأت بآدم وإبليس.. ولذلک استدار الزمن کهيئته في أوله بانتهاء الفترة، ووضوح الحجة. ويؤيد هذا الدليل العقلي صريح ما ورد من طريق أهل البيت عليهم السلام في تفسير آية (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشرشهراً).