بشاره النبي بالائمه الإثني عشر بعده











بشاره النبي بالائمه الإثني عشر بعده



في اعتقادنا أن ولاية الأمر بعد النبي صلي الله عليه وآله کانت أمراً مفروغاً عنه عند الرسول صلي الله عليه وآله، وأن الله تعالي أمره أن يبلغ الأمة ولاية عترته من بعده، کما هي سنته تعالي في أنبيائه السابقين الذين ورث عترتهم الکتاب والحکم والنبوة، وجعلهم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.. ونبينا صلي الله عليه وآله أفضلهم، ولا نبوة بعده، بل إمامة ووراثة الکتاب.. وعترته وذريته صلي الله عليه وآله أفضل من ذريات جميع الأنبياء عليهم السلام، وقد طهرهم الله تعالي بنص کتابه، واصطفاهم وأورثهم الحکم والکتاب بنص کتابه (ثم أورثنا الکتاب الذين اصطفينا من عبادنا..).

وکان النبي صلي الله عليه وآله کان طوال نبوته يبلّغ ولاية عترته بالحکمة والتدريج، والتلويح والتصريح، لعلمه بحسد قريش لبني هاشم، وخططها لإبعادهم عن الحکم بعده.. بل قد لمس صلي الله عليه وآله مرات عديدة عنف قريش ضدهم، فأجابهم بغضب نبوي!

وکانت حجة الوداع فرصةً مناسبةً للنبي صلي الله عليه وآله لکي يبلغ الأمة ولاية الأمر لعترته رسمياً علي أوسع نطاق، حيث لم يبق بعد تبليغ الفرائض والأحکام، واتساع الدولة الإسلامية، والمخاطر المحيطة بها، وإعلان النبي صلي الله عليه وآله قرب رحيله إلي ربه.. إلا أن يرتب أمر الحکم من بعده.

بل تدل النصوص ومنطق الأمور، علي أن ذلک کان الهم الأکبر للنبي صلي الله عليه وآله في حجة الوداع، وأن قريشاً کانت تعرف جيداً ماذا يريد صلي الله عليه وآله، وتعمل لمنعه من إعلان ذلک! وأنها زادت من فعاليتها في حجة الوداع لمنع تکريس ولاية علي والعترة عليهم السلام. ولا يتسع هذا البحث للإستدلال علي المفردات التي ذکرناها.. وکل مفردة منها عليها عدة أدلة.. فنکتفي هنا باستطلاع خطب النبي صلي الله عليه وآله في حجة الوداع.. حيث ذکرت المصادر أنه صلي الله عليه وآله خطب خمس خطب غير خطبة الغدير، وکان من حق هذه الخطب النبوية أن تنقلها المصادر کاملة غير منقوصة، لأن المستمعين کانوا عشرات الألوف.. ولکنک تراها مجزأة مقتضبة، خاصة في الصحاح المعتمدة رسمياً عند الخلافة القرشية. قال في السيرة الحلبية:333:3

(خطب صلي الله عليه وسلم في الحج خمس خطب: الأولي يوم السابع من ذي الحجة بمکة، والثانية يوم عرفة، والثالثة يوم النحر بمني، والرابعة يوم القر بمني، والخامسة يوم النفر الأول بمني أيضاً). انتهي.

وقد راجعنا نصوص هذه الخطب من أکثر من مائة مصدر، فوجدنا فيها الغرائب والعجائب، من التعارض والتضارب، والمؤشرات والأدلة علي تدخلات قريش ورواتها في نصوصها!! وکل ذنب هذه الخطب أن النبي صلي الله عليه وآله أمر المسلمين فيها بإطاعة أهل بيته من بعده، وحذرهم من الإختلاف بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم، وأقام عليهم الحجة.. کاملةً غير منقوصة!

لکن رغم التعتيم القرشي، ما زال منها في المصادر القرشية نفسها ما فيه بلاغٌ لمن أراد معرفة أوامر نبيه، وتأکيده علي الإلتزام بقيادة عترته الطاهرين من بعده.. صلي الله عليه وعليهم.

الأحاديث النبوية في الأئمة الإثني عشر

نذکر فيما يلي نصوص أحاديث الأئمة الإثني عشر، حيث اتفق الجميع علي أن النبي صلي الله عليه وآله طرح قضيتهم في خطبه في حجة الوداع!

ثم نستعرض باختصار أهم ما تضمنته الخطب الشريفة من محاور تتعلق بها، ومنها حديث الثقلين الکتاب والعترة.. وحديث: حوض النبي صلي الله عليه وآله، والصحابة الذين يمنعون من الورود عليه، ويؤمر بهم إلي النار!

روي البخاري في صحيحه:127:8

(جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: يکون اثنا عشر أميراً، فقال کلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: کلهم من قريش)!

وفي صحيح مسلم:6:3:

(جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: لايزال الإسلام عزيزاً إلي اثني عشر خليفة، ثم قال کلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: کلهم من قريش)!

ثم روي مسلم رواية ثانية نحوها، قال فيها (ثم تکلم بشي ء لم أفهمه).

ثم روي ثالثة، جاء فيها: (لايزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلي إثني عشر خليفة، فقال کلمة صَمَّنِيَها الناس! فقلت لأبي: ما قال؟ قال: کلهم من قريش). انتهي. ولم يصرح البخاري ولم يشر إلي أن هذا الحديث جزء من خطبة حجة الوداع في عرفات! وقلدته أکثر المصادر في ذلک! لکن عدداً منها (اشتبه) ونص عليه، ففي مسند أحمد:93:5 و96 و99(عن جابر بن سمرة قال: خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم بعرفات، فقال...) وفي ص87

(يقول في حجة الوداع...). وفي ص99 منه: (وقال المقدمي في حديثه: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يخطب بمني). انتهي. وستعرف أنه صلي الله عليه وآله کرر هذا الموضوع المهم في عرفات، وفي مني عند الجمرة يوم العيد، وفي اليوم الثاني.. ثم في اليوم الثالث في مسجد الخيف. ثم أعلنه صريحاً قاطعاً إلزامياً.. في غدير خم!

فما هي قصة الأئمة الإثني عشر؟ ولماذا طرحها النبي صلي الله عليه وآله علي أکبر تجمع للمسلمين، وهو يودع أمته؟!

يجيبک البخاري: إن الأئمة بعد النبي أبوبکر وعمر، وهؤلاء ليسوا أئمة تجب طاعتهم دون سواهم، بل هم أمراء صالحون سوف يکونون في أمته في زمن ما، وقد أخبر صلي الله عليه وآله أمته بما أخبره الله تعالي من أمرهم، وأنهم جميعاً من قريش، لامن بني هاشم وحدهم، بل من البضع وعشرين قبيلة التي تتکون منها قريش، وليس فيهم من الأنصار، ولا من قبائل العرب الأخري، ولا من غير العرب.. وهذا کل ما في الأمر.

وتسأل البخاري: لماذا أخبر النبي صلي الله عليه وآله أمته في حجة الوداع في عرفات بهؤلاء الإثني عشر؟ وما هو الأمر العملي الذي يترتب علي ذلک؟!

يجيبک البخاري: بأن الموضوع مجرد خبر فقط، فقد أحب النبي صلي الله عليه وآله أن يخبر أمته بذلک، لکي تأنس به! فکأن الموضوع مجرد خبر صحفي ليس فيه أي عنصر عملي!!

والنتيجة: أن البخاري لم يروِ في صحيحه في الأئمة الإثني عشر إلا هذه الرواية اليتيمة المجملة المبهمة، التي لايمکنک أن تفهمها أنت ولا قومک!

بينما روي عن حيض أم المؤمنين عائشة في حجة الوداع روايات عديدة، واضحة مفهومة، تبين کيف احترمها النبي صلي الله عليه وآله، وأرسل معها من يساعدها علي إحرامها وعمرتها.. إلخ.

أما مسلم فکان أکرم من البخاري قليلاً، لأنه اختار رواية يفهم منها أن هؤلاء الإثني عشر هم خلفاء، يحکمون بعد النبي صلي الله عليه وآله! ويفرح المسلم بحديث مسلم هذا، لأنه يعني أن الله تعالي قد حل مشکلة الحکم في الأمة بعد نبيه صلي الله عليه وآله، فهؤلاء أئمة معينون من الله تعالي علي لسان نبيه، ويستمدون شرعيتهم من هذا التعيين، ولا يحتاج الأمر إلي سقيفة واختلافات ثم إلي صراع دموي علي الحکم من صدر الإسلام إلي يومنا هذا.. وملايين الضحايا علي مذبح الخلافة.. وانقساماتٍ في الأمة أدت إلي تراکم ضعفها.. حتي انهارت خلافتها وکيانها علي يد العثمانيين! ولکن رواية مسلم تقول: کلا لم تحل المشکلة، لأن النبي أخبر عنهم إخباراً مجملاً! ولم يخبر المسلمين عن هويتهم وأسمائهم؟ ولم يسأله أحد من عشرات الألوف الذين أخبرهم بهذا الموضوع الخطير: من هم يا رسول الله؟!


ولو أن أحداً سأله عنهم فسماهم أو سمي الأول منهم، لرضيت بذلک کل قبائل قريش وسلمت إليهم الأمر ولم تنازعهم، لأنها قبائل مؤمنة مخلصة، مترفعة عن حطام الدنيا، مطيعة لله تعالي ولرسوله!!

وکأن مسلماً يقول: مع أن روايتي فيها إضافة علي ما رواه البخاري فأنا لاأزيد علي ماقال: کلا، کلا.. إن هؤلاء الأئمة هم أناس ربانيون فقط، يعز الله بهم الإسلام.. وهم من قريش.. من قريش.. هذا کل مافي الأمر!!

وهکذا لايمکنک أن تصل من البخاري ومسلم إلي نتيجة مقنعة في أمر هؤلاء الأئمة الإثني عشر.. فقد أقفل الشيخان عليک الأبواب، وقالا لک مقولة قريش: إن نبيک تحدث في حجة الوداع عن رائحة الأئمة الإثني عشر فقط.. فَشُمَّهَا واسکت!

ولکنک لاتعدم الکشف عن عناصر مفيدة من مصادر قرشية أخري، أقل مراعاة من البخاري ومسلم للسياسة وأهلها، أو أن ظروف أصحابها أحسن من ظروفهما! فقد رووا کلمة (بعدي) بصيغ أکثر دلالة علي أنهم يکونون مباشرة بعد النبي صلي الله عليه وآله.

فقد روي أحمد في مسنده:92:5 عن نفس الراوي جابر السوائي قال: إنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: يکون (بعدي).. وروي في نفس الصفحة عن نفس الراوي جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يکون بعدي اثنا عشر خليفة کلهم من قريش. قال ثم رجع إلي منزلهفأتته قريش فقالوا: ثم يکون ماذا؟ قال ثم يکون الهرج. انتهي. ففي الروايتين کلمة (بعدي) التي يفهم منها أنهم يکونون بعده مباشرة. والرواية الثانية تکشف عن اهتمام قريش بالموضوع، وسؤالهم عن هؤلاء الأئمة الربانيين، وأن القصة في المدينة، لافي حجة الوداع، فاحفظ ذلک لما يأتي!

وقد وردت کلمة بعدي، ومن بعدي، في عدد من روايات الحديث. منها ما رواه أحمد أيضاً في:94:5 عن نفس الرواي (يکون بعدي اثنا عشر أميراًَ، ثم لاأدري ما قال بعد ذلک، فسألت القوم..). وفي:99:5 و:108 عن السوائي أيضاً (يکون من بعدي اثنا عشر أميراً، فتکلم فخفي علي، فسألت الذي يليني أو إلي جنبي، فقال: کلهم من قريش).

وفي سنن الترمذي:340:3 (يکون من بعدي اثنا عشر أميراً، قال: ثم تکلم بشي ء لم أفهمه، فسألت الذي يليني، فقال قال: کلهم من قريش).

وفي تاريخ البخاري:446:1 رقم:1426 عن جابر بن سمرة أيضاً أنه سمع النبي قال: يکون بعدي اثنا عشر خليفة. وفي الصواعق المحرقة لابن حجر:20: قال: خرج أبوالقاسم البغوي بسند حسن، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: يکون خلفي اثنا عشر خليفة. انتهي.

إذن، فقد طرح النبي صلي الله عليه وآله في حجة الوداع أمر الحکم من بعده، وأخبر عن ربه عزوجل بأن حکم الأمة الشرعي يکون لاثني عشر! ولکن ذلک لايحل مشکلة الباحث، بل يفتح باب الأسئلة علي قريش ورواتها:

السؤال الأول: لماذا نري أن روايات هذه القضية الضخمة تکاد تکون محصورة عندهم براوٍ واحد، هو جابر السوائي، الذي کان صغيراً في حجة الوداع، ولعله کان صبياً ابن عشر سنوات! ألم يسمعها غيره؟

ألم يروها غيره من کل الصحابة الذين کانوا حاضرين؟!

أم أن غيره رواها.. ولکن رواية جابر فازت بالجائزة لأنها أحسن رواية ملائمة للخلافة القرشية، فاعتمدتها وسمحت بتدوينها!

السؤال الثاني: کان المسلمون يسألون النبي صلي الله عليه وآله عن صغير الأمور وکبيرها، حتي في أثناء خطبه، وهذه الروايات تقول إنه أخبرهم بأمر کبير خطير، عقائدي، عملي، مصيري، مستقبلي.. وتدعي أنه أجمله إجمالاً، وأبهمه إبهاماً.. ثم لاتذکر أن أحداً من المسلمين سأله عن هؤلاء الأئمة الربانيين، وما هو واجب الأمة تجاههم؟!

وإذا کانت (قريش) قد ذهبت إلي النبي صلي الله عليه وآله في بيته في المدينة، کما يقول نفس الراوي، وطرقت عليه بابه لتسأله عما يکون بعد مضي هؤلاء الإثني عشر وانتهاء عهودهم.. فهل يعقل أنها لم تسأله عنهم، وعما يکون في زمانهم؟ (وقريش في المدينة تعني عند الرواة عمر وأبابکر فقط؟!) إذن.. قريش سألته عنهم في المدينة.. فأين جوابه؟!

وهل يعقل أن أحداً من المسلمين في حجة الوداع من قريش وغير قريش، لم يسأل النبي صلي الله عليه وآله عنهم، ولا عما يکون قبلهم، وبعدهم، وعن واجب الأمة تجاههم.. فأين جواب النبي صلي الله عليه وآله؟!!

السؤال الثالث: لماذا خفيت علي الراوي الکلمة الحساسة، التي تحدد هوية الأئمة الإثني عشر، حتي سأل عنها الراوي القريبين منه؟!

ثم رووها عن النبي صلي الله عليه وآله في المدينة أيضاً، فخفيت نفس الکلمة! ياسبحان الله!!

ثم.. لماذا تؤکد مصادر الخلافة القرشية علي نقل الکلمة المفقودة عن سمرة وأبيه وعمر بن الخطاب فقط؟!... إلي آخر الأسئلة التي تزدحم علي نص هذا الحديث، وتلح علي الباحث أن يبحث عنها في أسواق الحديث والتاريخ؟!

سنحاول في الملاحظات والمسائل التالية، أن نسلط الضوء علي کلمة السر المفقودة!!