عقوبه المخالفين للوصيه النبويه بأهل بيته











عقوبه المخالفين للوصيه النبويه بأهل بيته



وقد تضمن مبدأ لعن من ادعي إلي غير أبيه، أو تولي غير مواليه...

ولا نطيل في هذا الأساس لوضوحه، وقد تقدمت عدة فقرات تتعلق به في نماذج النصوص من خطبه صلي الله عليه وآله.

وهي عقوبة أخروية، تتناسب مع مسؤولية النبي صلي الله عليه وآله في التبليغ، والشهادة علي الأمة.. وقد جاءت شديدةً قاطعة، بصيغة قرار من الله تعالي بلعن المخالفين لرسوله صلي الله عليه وآله في أهل بيته، وطردهم من الرحمة الإلهية، وحکماً بعدم قبول توبتهم نهائياً واستحقاقهم العذاب في النار.

وربما يزيد من شدتها، أنها کانت آخرفقرة من خطبته صلي الله عليه وآله!!

وقد تقدم نص هذه اللعنة النبوية في رواية تحف العقول من مصادرنا، وقد نصت مصادر السنيين علي أنها صدرت من النبي صلي الله عليه وآله في حجة الوداع. ففي سنن ابن ماجة:905:2:

عن عمرو بن خارجة أن النبي صلي الله عليه وسلم خطبهم وهو علي راحلته، وإن راحلته لتقصع بجرتها، وإن لغامها ليسيل بين کتفي، قال:... ومن ادعي إلي غير أبيه، أو تولي غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائکة والناس أجمعين، لايقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ. أو قال: عدلٌ ولا صرفٌ.

وفي سنن الترمذي:293:3 عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع:.... ومن ادعي إلي غير أبيه، أو انتمي إلي غير مواليه، فعليه لعنة الله التابعة إلي يوم القيامة.

وفي مسند أحمد:239:4:

عن عمرو بن خارجة قال: خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو بمني علي راحلته، وإني لتحت جران ناقته، وهي تقصع بجرتها، ولعابها يسيل بين کتفي، فقال: ألا ومن ادعي إلي غير مواليه رغبة عنهم، فعليه لعنة الله والملائکة والناس أجمعين. ورواه أحمد:187:4 بلفظ: (ألا ومن ادعي إلي غير أبيه، أو تولي غير مواليه فعليه لعنة الله والملائکة والناس أجمعين، لايقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً أو عدلاً ولا صرفاً). انتهي. ورواه بعدة روايات في نفس الصفحة والتي قبلها، وفي ص186 و.238 ورواه الدارمي في سننه:244:2 و344 ومجمع الزوائد:14:5 عن أبي مسعود، ورواه البخاري في صحيحه:221:2 و67:4.

ولعلک تسأل: ما علاقة هذه اللعنة المشددة المذکورة في خطب حجة الوداع وغيرها بوصية النبي صلي الله عليه وآله بأهل بيته؟! فهذه تنصب علي الذي ينکر نسبه من أبيه وينسب نفسه إلي شخص آخر، وعلي العبد الذي ينکر مالکه ويدعي أنه عبدلشخص آخر، أو ينکر ولاءه وسيده الذي أعتقه، ويدعي أن ولاءه لشخص آخر! فهذا هو المعني المعروف (من ادعي لغير أبيه أو تولي غير مواليه)!

والجواب: أن مقصود النبي صلي الله عليه وآله بالأبوة في هذه الأحاديث الشريفة: أبوته هو المعنوية للأمة، وبالولاء: ولايته وولاية أهل بيته عليها، وليس مراده الأبوة النسبية ولا ولاء المالک لعبده!

والدليل علي ذلک: لو أن ولداً هرب من أبيه، وسجل نفسه باسم والد آخر، ثم تاب من فعلته وصحح هويته، واستغفر الله تعالي.. فإن الفقهاء جميعاً يفتون بأن توبته تقبل! ولو أن عبداً مملوکاً هرب من سيده ولجأ إلي شخص، وادعي أنه سيده، وبعد مدة رجع إلي سيده واستغفر الله تعالي.. فإن الفقهاء يفتون بأن توبته تقبل.

بينما الشخص الملعون في کلام النبي صلي الله عليه وآله مصبوب عليه الغضب الإلهي إلي الأبد! (فعليه لعنة الله والملائکة والناس أجمعين، لايقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً). والصرف هو التوبة، والعدل الفدية، وقد فسرتهما الأحاديث الشريفة بذلک. فهي عقوبة إلهية لاتصلح إلا لحالات الخيانة العظمي، مثل الإرتداد وشبهه، ولا يعقل أن يکون الاسلام شرعها لولدٍ جاهل يدعو نفسه لغير أبيه، أو لعبد مملوک أو مظلوم يدعو نفسه لغير سيده! ويؤيد ذلک أن بعض رواياتها صرحت بکفر من يفعل ذلک، وخروجه من الإسلام! کما في سنن البيهقي:26:8 ومجمع الزوائد:9:1 وکنز العمال:.872:5 وفي کنز العمال:324:10 (من تولي غير مواليه فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. أحمد عن جابر). وفي: 326:(من تولي غير مواليه فليتبوأ بيتا في النار. ابن جرير عن عائشة). وفي:327 (من تولي غير مواليه فقد کفر. ابن جرير عن أنس). وفي:255:16 (ومن تولي غير مواليه فهو کافر بما أنزل الله علي رسوله. ش).

ولا نحتاج إلي تتبع هذه الأحاديث في مصادرها وأسانيدها، لأنها مؤيدات لحکم العقل القطعي بأن مقصوده صلي الله عليه وآله يستحيل أن يکون الأب النسبي، ومالک العبد.

ويؤيد ذلک أيضاً: أن بعض رواياته کالتي مرت آنفاً وغيرها من روايات أحمد، ليس فيها ذکر للولد والوالد، بل اقتصرت علي ذکر العبد الذي هو أقل جرماً من الولد ومع ذلک زادت العقوبة واللعنة عليه، ولم تخففها!

ويؤيد ذلک أيضاً: أن هذه اللعنة وردت في بعض روايات الخطب الشريفة بعد ذکر ما ميز به الله تعالي رسوله صلي الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام من مالية خاصة هي الخمس، وحرم عليهم الصدقات والزکوات! ففي مسند أحمد:186:4 خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو علي ناقته فقال: ألا إن الصدقة لاتحل لي ولا لأهل بيتي، وأخذ وبرة من کاهل ناقته، فقال: ولا ما يساوي هذه، أو ما يزن هذه. لعن الله من ادعي إلي غير أبيه، أو تولي غير مواليه. انتهي. ورواه في کنز العمال:293:5 وفي کنز العمال:235:10 (ومن تولي غير مواليه، فليتبوأ بيتا في النار. ابن عساکر عن عائشة). انتهي.

أما في مصادر أهل البيت عليهم السلام فالحديث ثابتٌ عنه صلي الله عليه وآله في خطب حجةالوداع في المناسک.. وهو أيضاً جزء من حديث الغدير.. ففي بحارالأنوار:123:37 عن أمالي المفيد، عن علي بن أحمد القلانسي، عن عبدالله بن محمد، عن عبدالرحمان بن صالح، عن موسي بن عمران،

عن أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله بغدير خم يقول: إن الصدقة لاتحل لي ولا لأهل بيتي، لعن الله من ادعي إلي غير أبيه، لعن من تولي إلي غير مواليه، الولد لصاحب الفراش وللعاهر الحجر، وليس لوارث وصية. ألا وقد سمعتم مني، ورأيتموني.. ألا من کذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار.

ألا وإني فرطکم علي الحوض ومکاثر بکم الأمم يوم القيامة، فلا تسودوا وجهي.

ألا لأستنقذن رجالاً من النار، وليستنقذن من يدي أقوامٌ.

إن الله مولاي، وأنا مولي کل مؤمن ومؤمنة. ألا من کنت مولاه فهذا علي مولاه. انتهي. وروي نحوه في:186 عن بشارة الإسلام. وقال ابن البطريق الشيعي في کتابه العمدة:344 وأما الأخبار التي تکررت من الصحاح من قول النبي صلي الله عليه وآله: لعن الله من انتمي إلي غير أبيه، أو توالي غير مواليه، فهي أدل علي الحث علي اتباع أميرالمؤمنين عليه السلام بعده، بدليل ما تقدم من الصحاح من غير طريق، في فصل مفرد مستوفي، وهو قول النبي صلي الله عليه وآله: من کنت مولاه فعلي مولاه، ثم قال مؤکداًً لذلک: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

فمن کان النبي صلي الله عليه وآله مولاه فعلي مولاه، ومن کان مؤمناً فعلي مولاه أيضاً، بدليل ما تقدم من قول عمر بن الخطاب لعلي لما قال له النبي صلي الله عليه وآله: من کنت مولاه فعلي مولاه، فقال له عمر: بخ بخ لک يا علي، أصبحت مولي کل مؤمن ومؤمنة. وفي رواية: مولاي ومولي کل مؤمنة ومؤمن.

وهذه منزلة لم تکن إلا لله سبحانه وتعالي، ثم جعلها الله لرسوله صلي الله عليه وآله ولعلي عليه السلام بدليل قوله تعالي: إنما وليکم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزکوة وهم راکعون...

وقوله صلي الله عليه وآله: من انتمي إلي غير أبيه، فالمراد به: من انتمي إلي غير أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الولاء، مأخوذ من قول النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام: أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فعلي عاق والديه لعنة الله. انتهي.

کما ورد في مصادر الفريقين أن هذا الحديث جزء مما کان مکتوباً في صحيفة صغيرة معلقة في ذؤابة سيف النبي صلي الله عليه وآله الذي ورثه لعلي عليه السلام.. فقد رواه: البخاري في صحيحه:67:4 ومسلم:115:4 و216 بعدة روايات، والترمذي:..297:3 ورواه غيرهم أيضاً، وقد أکثروا من رواية هذا الحديث لأن الراوي زعم فيه علي لسان علي عليه السلام أن النبي صلي الله عليه وآله لم يورث أهل بيته شيئاً من العلم، إلا القرآن وتلک الصحيفة المعلقة في ذؤابة السيف! ورووا فيها لعن من تولي غير مواليه!!

وقد وجدنا في مصادرنا مناسبة رابعة لإطلاق النبي صلي الله عليه وآله هذه اللعنة، وذلک عندما کثر طلقاء قريش في المدينة، وتصاعد عملهم مع المنافقين ضد أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وقالوا: (إنما مثل محمد في بني هاشم کمثل نخلة نبتت في کبا: أي مزبلة) فبلغ ذلک النبي فغضب، وأمر عليا أن يصعد المنبر ويجيبهم!! فقد روي في بحارالأنوار:204:38

عن أمالي المفيد، عن محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن موسي بن يوسف القطان، عن محمد بن سليمان المقري، عن عبدالصمد بن علي النوفلي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأصبغ بن نباتة قال:

لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، غدونا نفر من أصحابنا أنا والحارث وسويد بن غفلة، وجماعة معنا، فقعدنا علي الباب، فسمعنا البکاء فبکينا، فخرج إلينا الحسن بن علي فقال: يقول لکم أميرالمؤمنين: انصرفوا إلي منازلکم، فانصرف القوم غيري فاشتد البکاء من منزله فبکيت، وخرج الحسن وقال: ألم أقل لکم: انصرفوا؟ فقلت: لاوالله يا ابن رسول الله لاتتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أنصرف حتي أري أميرالمؤمنين عليه السلام.

قال: فبکيت، ودخل فلم يلبث أن خرج، فقال لي: أدخل، فدخلت علي أميرالمؤمنين عليه السلام فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء، قد نزف واصفر وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة؟ فأکببت عليه فقبلته وبکيت. فقال لي: لاتبک يا أصبغ، فإنها والله الجنة.

فقلت له: جعلت فداک إني أعلم والله أنک تصير إلي الجنة، وإنما أبکي لفقداني إياک يا أميرالمؤمنين. جعلت فداک حدثني بحديث سمعته من رسول الله، فإني أراک لاأسمع منک حديثاً بعد يومي هذا أبداً. قال: نعم يا أصبغ: دعاني رسول الله صلي الله عليه وآله يوماً، فقال لي: يا علي انطلق حتي تأتي مسجدي، ثم تصعد منبري، ثم تدعو الناس إليک، فتحمد الله تعالي وتثني عليه وتصلي علي صلاة کثيرة، ثم تقول: أيها الناس إني رسول رسول الله إليکم، وهو يقول لکم: إن لعنة الله ولعنة ملائکته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي علي من انتمي إلي غير أبيه أو ادعي إلي غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره. فأتيت مسجده وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن کان في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه، وصليت علي رسول الله صلي الله عليه وآله صلاة کثيرة، ثم قلت: أيها الناس إني رسول رسول الله إليکم، وهو

يقول لکم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائکته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي، علي من انتمي إلي غير أبيه، أو ادعي إلي غير مواليه، أو ظلم أجيراً أجره.

قال: فلم يتکلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب، فإنه قال: قد أبلغت يا أباالحسن، ولکنک جئت بکلام غير مفسر، فقلت: أُبْلِغُ ذلک رسول الله صلي الله عليه وآله.

فرجعت إلي النبي صلي الله عليه وآله فأخبرته الخبر، فقال: إرجع إلي مسجدي حتي تصعد منبري، فأحمد الله وأثن عليه وصل علي، ثم قل: أيها الناس، ما کنا لنجيئکم بشي ء إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإنس أنا أبوکم ألا وإني أنا مولاکم، ألا وإني أنا أجيرکم. انتهي.

وقد وجدنا لهذا الحديث مناسبة خامسة أيضاً. فقد روي فرات بن إبراهيم الکوفي في تفسيره392: قال: حدثنا عبدالسلام بن مالک قال: حدثنا محمد بن موسي بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحکم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين: أخبريني جعلت فداک بحديث أحدث، واحتج به علي الناس.

قالت: نعم، أخبرني أبي أن النبي صلي الله عليه وآله کان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين عرضوا أن يفرضوا لرسول الله صلي الله عليه وآله فريضة يستعين بها علي من أتاه، فأتوا رسول الله صلي الله عليه وآله وقالوا: قد رأينا ما ينوبک من النوائب، وإنا أتيناک لتفرض فريضة تستعين بها علي من أتاک. قال: فأطرق النبي صلي الله عليه وآله طويلاً ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منکم علي ما جئتم به شيئاً، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشي ء، وإن أمرت به أعلمتکم.

قال: فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربک قد سمع مقالة قومک وما عرضوا عليک، وقد أنزل الله عليهم فريضة: قل لاأسألکم عليه أجراً إلا المودة في القربي.

قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء، وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبني عبدالمطلب.

قال: فبعث رسول الله صلي الله عليه وآله إلي علي بن أبي طالب أن اصعد المنبر وادع الناس إليک ثم قل: أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار، ومن ادعي إلي غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفي من والديه فليتبوأ مقعده من النار! قال: فقام رجل وقال: يا أباالحسن ما لهن من تأويل؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتي رسول الله صلي الله عليه وآله فأخبره، فقال رسول الله: ويل لقريش من تأويلهن، ثلاث مرات! ثم قال: يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولي المؤمنين، وأنا وأنت أبواالمؤمنين. انتهي.