مالك الأشتر











مالک الأشتر



(...- 38 ه)

هو مالک بن الحارث بن عبديغوث النخعيّ، يتصل نسبه بيعرب بن قحطان فارسٌ شهير وشاعرٌ قدير.

لم تعرف علي وجه التحديد سنة ولادته، ولکن يمکن تخمينها وتقريبها- اعتماداً علي بعض القرائن[1] بين سنتي 25 تا 30 قبل الهجرة النبوية الشريفة أو ما يقارب ذلک.

لقّب بالأشتر؛ لأنه شُترت[2] إحدي عينيه في معرکة اليرموک سنة 15 ه 736 م بين المسلمين والروم.

تابعي جليل، عالم، خطيب مفوّه، شاعر فصيح، جواد، حليم، فارس شجاع شديد البأس،وکان رئيساً في قومه مذحج.

خاض غمار لهوات حروب عديدة في عهدي الخليفتين الأوّل والثاني، وکان في خلافة أميرالمؤمنين علي عليه السلام ساعده الأيمن، ولا عجب أن يقول فيه الإمام علي عليه السلام: کان لي مالک کما کنت لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم.

تولي إمارة الموصل، ونصيبين، ودارا، وسنجار، وآمد، وهيت، وعانات، وغيرها والياً لعلي بن أبي طالب عليه السلام مدة من الزمن. ولما أرسله أميرالمؤمنين عليه السلام إلي مصر والياً عليها کانت خاتمة حياته قبل أن يصلها، وذلک عام

[صفحه 16]

38 ه 658 م بجرعة من عسل سُقي بها.

وللأشتر شعرٌ يمتاز بجمال الأُسلوب، وأخذه بمجامع القلوب، فمن ذلک قوله وهو من بدائع شعره وروائعه:


بقّيت وَفري وانحرفتُ عن العُلي
ولقيت أضيافي بوجه عَبوسِ


إن لم أشنَّ علي ابن هندٍ غارةً
لم تخلُ يوماً من نِهابِ نفوسِ


خيلاً کأمثالِ السَّعالي شُزَّباً
تعدو ببيضٍ في الکريهة شُوسِ


حَمِيَ الحديدُ عليهمُ فکأنّهُ
وَمَضانُ برقٍ أو شعاعُ شُموسِ


وأما شعره في الحماسة فهو من أروع ما جادت به قريحته الحية، ويکاد يکون هو الغالب العام في شعره، فمن ذلک قوله غاضباً لقتل واحدٍ من أعز أصدقائه وهو عمار بن ياسر:


إن تقتلوا منا أباال
-يقظان شيخاً مُسلما


فقد قتلنا منکُمُ
سبعين رأساً مجرِما


والمترجم زعيم في قومه کما قلنا، ورأس حربتهم، ولهمته العالية وشخصيته الطموحة؛ فهو يأنف أن يمدح أحداً ويفضله علي نفسه إلّا علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه يلتذ بمدحه ونشر فضائله، فهو ينتشي حينما يقول:


هذا عَليٌّ في الدُّجي مِصباحُ
نحنُ بذا في فضلِهِ فِصاحُ[3] .


وحينما يقول:


وإنّا إذا ما احتَسَبنا الوَغي
أدرنَا الرَّحي بصُنُوفِ الحُدُلْ


وضرباً لِهاماتِهِم بالسُّيُوفِ
وطعناً لهُم بالقَنا والأسَلْ

[صفحه 17]

أبوحَسَنٍ صوتُ خيشُومِها
بأسيافِهِ کُلُّ حامٍ بَطَلْ


علي الحَقِّ فينَا لَهُ مَنْهَجٌ
علي واضِحِ القَصدِ لا بالمَيَلْ[4] .


وله أيضاً وقد افتقد الإمام علياً في إحدي جولات معرکة صفين، فلما رأي الإمام سالماً کبّر وأنشأ يقول- وهي من فرائده في مدحه عليه السلام-:


کلُّ شي ءٍ سوي الإمامِ صغيرُ
وهلاکُ الإمامِ خَطبٌ کبيرُ


قد أُصِبنا وقد أُصيبَ لنا اليو
مَ رجالٌ بُزلٌ حماةٌ صُقورُ


واحِدٌ منهُمُ بألف کبير
إنَّ ذا من ثوابِهِ لکَثيرُ


إنَّ ذا الجَمْعَ لا يزالُ بخَيرٍ
فيه نُعمي ونعمَة وسُرورُ


من رأي غُرَّةَ الوَصِيِّ عَلِيٍّ
إنَّهُ في دُجي الحنادِس نُورُ


إنَّهُ والَّذي يَحُجُّ له النَّا
سُ سِراجٌ لدي الظّلامِ مُنيرُ


مَن رضَاهُ إمامُهُ دخَلَ الجَنَّ
-ةَ عفواً وذنبُهُ مغفورُ


بعد أن يقضِيَ الَّذي أَمَرَ اللَّ
-هُ بِهِ ليسَ في الهُدي تَخييرُ[5] .


وقال وهو يفخر ويذکر إمامه علياً عليه السلام:


أَلمْ تَرَ أنِّي في المَعارِکِ أشتَرُ
أُفلِّقُ هاماتِ اللُّيُوثِ وأنفِرُ


أمِثلِي يُنادي في القتالِ جَهالةً
لَقِيتَ حِمامَ الموتِ والمَوتُ أحمَرُ


ضَربتُکَ ضرباً مِثلَ ضربِ إمامِنَا
عليٍّ أميرِ المُؤمنينَ وأعذَرُ[6] .


وقال في المعني أيضاً:

[صفحه 18]

لَستُ- وإن يُکرَه- ذا الخِلاطِ
ليسَ أخُو الحربِ بذي اختلاطِ


لکنْ عبوسٌ غيرُ مُستَشاطِ
هذا عليٌّ جاءَ في الأسباطِ


وخلَّفَ النَّعيمَ بالإفراطِ
بعَرْصَةٍ في وَسَطِ البَلاطِ


مُنَخَّل الجِسمِ من الرِّباطِ
يحکُمُ حکمَ الحَقِّ لا اعتباطِ[7] .


ولما عرض الأشتر رضي الله عنه علي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أن يلزم الذين تخلفوا عن بيعته البيعة له، ردّه الإمام بقوله: إني أعرَف بالناس منک، فوجد من ذلک في نفس الأشتر فأنشأ أبياتاً قال فيها:


مَنحْتُ أميرَ المُؤمِنينَ نصيحَةً
فکان امرَءاً تُهدي إليهِ النَّصَائحُ


فَإِن لم أُصِبْ رأياً فحقاً قَضيتُهُ
وإلّا فما فيما تري العينُ قادِحُ


وقُلتُ له والحَقُّ فيه وعندَهُ
وقلبي لَهُ قد يعلَمُ اللَّهُ جانِحُ


أيرغَبُ عمَّا نَحْنُ فيه مُحَمَّدٌ
وسَعدٌ وعبدُ اللَّهِ والحَقُّ واضِحُ


وأنتَ أميرُ المُؤمنينَ وسيفُنَا
إذا ذُکِرَتْ بيضٌ ومنهَا المَنائحُ


فإنْ يَکُ قد ثَابُوا لرُشدٍ فإنَّما
أصابُوا طريقَ الحَقِّ والحَقُّ صالِح


وما مِنهُمُ إلّا عزيزٌ برأيِهِ
أخو ثِقَةٍ في النّاسِ غادٍ ورائِحُ


ولکِنْ رأوا أمراً لهم فيه مَطمَعٌ
وکَادُوکَ من جَهلٍ کأنَّک مازحُ


وفي النّاس ما واليتُ غيره واحداً
ولو طَمَعتْ فيهِ الکِلابُ النّوابحُ[8] .


وبالإضافة لما يتمتع به الأشتر من موهبة شعرية، فإنه خطيب مفوّه کما ذکرنا، صاحب حجة واضحة، وقدرة فائقة علي تقديم البراهين والأجوبة المُسکتة المُفحمة؛ وهکذا وصفه مترجموه بالخطيب، والعالم الفصيح أمثال الذهبي والزرکلي وغيرهم، وسوف نورد في قسم النثر مقاطع من کلامه، وهي شواهد علي ذلک.

[صفحه 19]


صفحه 16، 17، 18، 19.








  1. راجع ديوان مالک الأشتر: ص 7 تا 8.
  2. الشتر: هو انقلاب جفن العين أو انشقاقه.
  3. مناقب ابن شهر آشوب: 189:3.
  4. وقعة صفين: 193 تا 194، فتوح البلدان: 22:2 تا 23.
  5. فتوح البلدان: 134:2.
  6. مناقب الخوارزمي: 155.
  7. وقعة صفين: 181.
  8. فتوح البلدان: 439:1.