طلائع بن رزّيك











طلائع بن رزّيک



(495 ه- 556 ه)

أبوالغارات الملک الصالح نصير الدين طلائع بن رزّيک بن الصالح الأرمني نسبة إلي أرمينية، شاعر فارس وعالم فاضل، وقد ولد بها عام 495 ه 1102 م رغب في المعرفة منذ نعومة أظفاره فقصد البلاد النائية في طلب الفقه والحديث وطلب الشعر العربي وحفظه.

وکان بارعاً في مناظرة العلماء في الفقه والحديث إضافة إلي تشبعه بحب أميرالمؤمنين عليه السلام وأبنائه والولاية لهم ونشر مآثرهم والدفاع عنهم. وقد ذکر المقريزي في خططه عنه قوله: «کان محافظاً علي الصلاة نوافلها وفرائضها شديد المغالاة في التشيع». ونقل عنه ابن العماد الحنبلي قوله: « وکان في نصر التشيع کالسکة المحماة، کان يجمع الفقهاء ويناظرهم علي الإمامة والقدر».

وهذا يدلّنا علي تضلعه بعلوم الحکمة والفقه والکلام. ولما زار ضريح أمير المؤمنين عليّاً أمر الامام عليه السلام السيد ابن معصوم في رؤيا رآها أن يأمر ابن رزّيک بالتوجه إلي مصر لأن الإمام قد ولّاه مصر. وذهب هناک وتدرّج في الحکم حتي اصدرت بحقه وثيقة تعطيه الحق في إدارة کل الحکم مکان الخليفة الفاطمي الفائز بنصر اللَّه.

أغتيل في الخامس من رمضان سنة 556 ه 1160 م في مؤامرة دبرتها عمة الخليفة حيث مات في التاسع عشر من شهر رمضان من نفس السنة إثر

[صفحه 186]

الجرح الذي أصابه في تلک المؤامرة.

قال يمدح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من قصيدة مطلعها:


لذاذة سمعي في قراع الکتائب
ألذُّ وأشهي من عتاب الحبايب


حتي يقول:


عليٌّ أميرالمؤمنين ولاؤه
يراه ذوو الأحساب ضربة لازب


عليه تري الإجماع لا شک واقعاً
ولم تره بعد النبي لصاحب


وزوَّجه الرحمن بالطهر فاطماً
وقد ردَّ عنها راغماً کل خاطب


عليٌّ هو الشمس المنيرة في الضحي
هو البدر تماً في سماء المناقب


عليّ الذي قد کان إن حضر الوغي
قليل احتفاء بالقنا والقواضب


عليّ الذي قد کان يضرب قرنه
بماضٍ شبابين الطلي والترائب


اذا طلعت أسيافه في مشارق ال
أکفّ هوت من هامهم في مغارب


وذکر صاحب أعيان الشيعة 400:7 نقلاً عن المناقب 63:2 تا 64 بيتين من الشعر:


عليُّ الذي قد کان ناظر قلبه
يريه عياناً ما وراء العواقب


عليُّ الذي قد کان أفرس مَن علا
علي صهوات الصافنات الشوارب


وأنشد في مدح الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام ويصف واقعة يوم غدير خم من قصيدة مطلعها:


سقي الحمي ومحلّا کنت أعهده
حيا بحور بصوب المزن أجودهُ


يا راکب الغي دع عنک الضلال فه
-ذا الرشد بالکوفة الغراء مشهده


من ردّت الشمس من بعد المغيب له
فأدرک الفضل والأملاک تشهده


ويوم (خمَّ) وقد قال النبي له
بين الحضور وشالت عضده يده

[صفحه 187]

من کنت مولي له هذا يکون له
موليً أتاني به أمر يؤکده


من کان يخذله فاللَّه يخذله
أو کان يعضده فاللَّه يعضده


قالوا سمعنا وفي أکبادهم حرق
وکل مستمع للقول يجحده


وأظلمت بسواد الحقد أوجههم
وأنه لم يزل بالکفر أسوده


والباب لما دحاه وهو في سغب
عن الصيام وما يخفي تعبده


وقلقل الحصن فارتاع اليهود له
وکان أکثرهم عمداً يفنده


واسأل به مرحباً لما أعد له
مشطّبا غير فرّارٍ مجرّده


ألقي مهنده في وسط قمته
فغاص في الارض يفريها مهنده


نادي بأعلي العلي جبريل ممتدحاً:
هذا الوصيّ وهذا الطهر أحمده


وفي الفرات حديث إذ طغي فأتي
کل إليه لخوف الهلک يقصده


قالوا: أجرنا فقام المرتضي فرحاً
بالفضل واللَّه بالأفضال مفرده


وقال للماء: غُرْ طوعاً فبان لهم
حصباؤه حين وافاه يهدده


فللعفاف وللإيمان طاعته
وللقنوت وللتقوي تهجده


يا قائم الليل تمجيداً لخالقه
وأين مثلک قوّاماً تمجده


يا حجة اللَّه يا من يستضاء به
إلي الهداية يا من طاب مولده


وقال في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من قصيدة:


ما حاد عن حب البطين الأنزع
متجنباً لولائه إلّا دعي


وأنا الذي في حبّه وولائه
لا قابل مَينا ولا بالمدّعي


لو قيل بعد المصطفي من صفوة ال
-دنيا أشرت إلي البطين الأنزع


من علمه صوب الحيا وعجيبه
من صيِّب لمّا همي لم يقلع

[صفحه 188]

حکم حکت روض الربي في زهره
فعقول أهل الأرض فيها ترتعي


کم أنزل الأبطال حد حسامه
في الحرب من فوق المکان الأمنع


کم طار منه حتفه يوم الوغي
بطل فنادي ذو الفقار به قع


ولرب يوم شمسه للنقع قد
لاءت خماراً أو بدت في برقع


تجلي غياهبه بغرة طلعة
کم روّعت قلب الکميّ الأنزع


کل المنايا في مضارب سيفه
تبدو لوجه الناظر المتطلع


فعداه والأضداد کل لا يري
بي عاطساً إلا بأنف أجدع


وإذا بَدا ذو غرة لي عاذلاً
أنأيته عني ذليل الأخدع


وإذا يقاس به سواه فإنه
طمع لعمرک ما له من موضع


وعلام ترکي للعمارة مبدلاً
من حسنها سکان قفر بلقع


الکون في الطرف المکدّر ناهلاً
وأعود مطّرحاً لعذب المشرع


من کان قيداً للنواظر وجهه
وکلامه قد کان قيد المسمع


ربُّ الشجاعة والندي والعلم وال
-تقوي وزين للسجود الرکع


ولّي به غسق الضلال وقد رمي
من هديه فيه بريح زعزع


لا يرهب البيض الصفاح کغيره
حينا ولا دَعْس الرماح الشرع


بتَّ المطامع من زخارف هذه ال
-دنيا ولم يخل امرؤ من مطمع


وقال الملک الصالح في مدح الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام وعد مناقبه وفضائله عليه السلام من قصيدة مطلعها:


يا صاحبيَّ بجرعاء الغوير قفا
نجد لمن بان بالدمع الذي وکفا


وبان عذري أني لم أزل لعکو
ف البين فينا علي الاشجان معتکفا

[صفحه 189]

حتي يقول:


کما تبين حبي للوصي لها
بالشمس إن سامتت قطب السماء خفا


لأنني کل يوم من محاسنه
أهدي إلي من توالي دينه تحفا


إن الولاء إذا حققته نِعمٌ
تمت لديّ وإحسان عليَّ صفا


لا يقصد الباطل المدحوض رتبته
بين البرية من للحق قد عرفا


لو استطعت رکبت الريح عاصفة
حتي أزور سريعاً سيد الخلفا


أناشد الغيث أن لا يستقل إلي
أن ترتوي أعظم قد حلت النجفا


هو الذخيرة لي عند الصراط إذا
أمسکت في الحشر من أسبابه طرفا


ولو إلي غيره أدعي وتُجعل لي
ما في البسيطة لم اعلق به أنفا


ولو ذنوبيَ مل ء الأرض قاطبة
تجاوز اللَّه عنها لي به وعفا


وقال الملک الصالح في مدح الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام ورثاء ابنه السبط المفدي الشهيد الحسين عليه السلام وذکر مناقبهما وفضائلهما. ولم يوجد أول القصيدة:


فإن زللت قديماً أو جهلت فقد
أزال ما کان من جهلي ومن زللي


فحبه قد محا عني الذنوب ولو
کانت ذنوبيَ مل ء السهل والجبل


يا لائمي العروة الوثقي امتسکت بها
فلست أصغي إلي لوم ولا عذل


جعلته عدتي في النائبات إذا
أعيت عليَّ وضاقت أوجه الحيل


أما عليٌّ، علت رجلاه کاهل خي
-ر الخلق حتي أزال العز عن هبل


أما عليٌّ، له العلم المصون به
قد حلّيت هذه الدنيا من العطل


أما عليٌّ، له الإيثار والکرم ال
-محض الذي فاق أهل الأعصر الأول

[صفحه 190]

أما عليٌّ، عنا ماء الفرات له
هل کلم الجن والثعبان غير علي


ومن سوي حيدر ردت ذکاءُ له
من بعد ما جنحت مَيلاً إلي الطفل


عليُّ هل کان ماضي غرب مِقْوَله
إذا تفلل سيف النطق ذا فلل


وراية الدين لما کان حاملها
دون الهنابين[1] هل نيطت إلي فشل؟


ما جردت من علي ذا الفقار يدٌ
إلّا وأغمده في هامة البطل


لم يقترب يوم حرب للکميّ به
إلّا وتقربُ منه مدة الأجل


قد صاب في رأس عمرو العامري وفي
يافوخ مرحب صوب العارض الهطل


وفي مواقف لا يحصي لها عدد
ما کان فيها برعديد ولا نکل


ومدعي القول بالإجماع ينقضه
کم قد تخلف عند العهد من رجل


سلمان منهم، وعمار، وسعد، کذا
العباس لاشک والمقداد، والدؤلي


کم کربة لأخيه المصطفي فرجت
به وکان رهين الحادث الجلل


کم بين من کان قد سن الهروب ومن
في الحرب إن زالت الأجبال لم يزل


في (هل أتي) بيَّن الرحمن رتبته
في جوده فتمسک يا أخي بهلِ


عليُّ قال اسألوني کي أبين لکم
علمي وغير علي ذاک لم يقل


بل قال لست بخير إذ وليتکم
فقوّموني فإني غير معتدل


إن کان قد أنکر الحسّاد رتبته
فقد أقرّ له بالحق کل ولي


وفي (الغدير) له الفضل الشهير بما
نصّ النبي له في مجمع حفل


ومن يغطي نهار الحق منه فما
غني بهارون فيه ضارب المثل


لو لم يکن لعلي غير منقبة
فقد کفاه بقربي خاتم الرسل

[صفحه 191]

وقال في مدح العترة الطاهرة عليهم السلام وفيها ذکرٌ لأمير المؤمنين عليه السلام من قصيدة مطلعها:


ما کان أول تائه بجماله
بدر منال البدر دون منالهِ


حتي يقول:


هذا أميرالمؤمنين ولم يکن
في عصره من حاز مثل خصاله


العلم عند مقاله، والجود
حين نواله، والبأس يوم نزاله


وأخوه من دون الوري، وأمينه
قدماً علي المخفيّ من أحواله


وصّاهم بولاية، فکأنما
وصاهم بخلافه وقتاله


واستنقصوا الدين الحنيف بکتمهم
يوم (الغدير) وکان يوم کماله


عدّوه في قوم ولو قبلوا الذي
سمعوه ما باؤوا بشسع نعاله


ما خلت أن الأمر يشکل فيهم
حتي يعدوا قط من أشکاله


الجود يشهد في الأنام بفضله
والعلم عند سؤاله وسواله


والحق يبدو للنواظر طالعاً
کالشمس بين جلاده وجداله


والفرق يظهر للخبير بهم إذا
أعماله قرنت إلي أعماله


لم يعبد الرحمن خلق قبله
بعد النبي، وذاک من إقباله


کشف الغطاء، وکلهم متستر
بالکفر يرفل في ظلال ضلاله


وسنا الصباح بيوم صحو مشرق
في النور ليس يعد معْ آصاله


واذا الحروب أتت بيوم معضل
يتقهقر الابطال عن أبطاله


(کحنين) أو أيام (خيبر) إنها
تبري مريض الشک من أغلاله


فرّوا، وخلّوه يکافح وسطه
فردا فلم ينسب إلي إخلاله

[صفحه 192]

کالسيف صادق عزمه لکنه
في الحرب ليس يکل مثل کلاله


حتي أبان لهم بقائم سيفه
في الدين نهج حرامه وحلاله


فاستشعروا حداً له کالنار قد
أضحت رماح القوم بعض زباله


طعنوه، بل ضربوه، بل رجفوا له
برماحه، وسيوفه، ورجاله


وتعاونوا في حربه بمکائد
خدعت کما خدع السراب بآله


لم يلق في (صفين) من محتالهم
إلّا کما لاقاه من مغتاله


ولقد بدا لي في المنام فهبته
وغضضت عنه الطرف من إجلاله


وأخذت من يده الأمان مبادراً
ليعيذني في الحشر من أهواله


من بعد ما قد عشت عمري کله
أعنو إلي الرحمن في تسآله


لأراه ليس يحول دوني حايل
عنه سوي إعظامه وجلاله


فأنالني سُؤلي فما إن ينقضي
شکري له أبدا علي أفضاله


وقال من قصيدة مطلعها:


(محمد) خاتم الرسل الذي سبقت
به بشارة (قسٍّ) وابن(ذي يزن)


فاجعله ذخرک في الدارين معتصماً
له و (بالمرتضي الهادي أبي الحسن)


وصيه، ومواسيه، وناصره
علي أعاديه من قيس ومن يمن


ذاک الذي طلق الدنيا لعمريَ عن
زهد وقد سفرت عن وجهها الحسن


وأوضح المشکلات الخافيات وقد
دقت علي الفکر واعتاضت علي الفطن


أليس في (هل أتي) ما يستدل به
من کان لا يتعدي واضح السنن


وقصة (الطائر المشوي) قد کشفت
عن کل قلب غطاء الرين والظنن


في يوم (بدر) (وأحد) والمذاد وفي
(حنين) أو (خيبر) هل کان ذا وهن

[صفحه 193]

ومن تفرد في القربي وقد حسنت
أفعاله فغدت تاجاً علي الزمن


وصّي النبي إليه لا إلي أحدٍ
سواه في- خمّ- والأصحاب في علن


فقال: هذا وصيّي والخليفة من
بعدي وذو العلم بالمفروض والسنن


قالوا سمعنا فلما أن قضي غدروا
والطهر (أحمد) ما واروه في الجبن


وقال من قصيدة:


أنا من شيعة الإمام (عليِّ)
حرب أعدائه، وسلم الوليّ


أنا من شيعة الإمام الذي ما
مال في عمره لفعل دني


أنا عبدلصاحب الحوض ساقي
من يوالي فيه بکأس روي


أنا عبدلمن أبان لنا المش
-کل فارتاض کل صعب أبي


والذي کبّرت ملائکة ال
-لَّه له عند صرعة العامري


الامام الذي تخيّره ال
-لَّه بلا مرية أخاً للنبي


قسماً ما وقاه بالنفس لما
بات في الفرش عنه غير (علي)


ولعمري إذ حل في يوم (خمِّ)
لم يکن موصياً لغير الوصي


المبرّي من کل عيب وريب
والمسوي بغير نقص وعي


فبه قد هداني اللَّه للح
-ق فما لي ورأي کل غوي


خفي الفضل في سواه وأما
فضله في الوري فغير خفي


من تغابي عنه فمثلي عن الفض
-ل الشهير المبين غير غبي


واتصالي به لدي الحرب أبْداً
لي نصر علي الشجاع الکمي


وإذا أظلمت حنادس خطب
کنت منه علي رجاء مضي


وأنا منذ کنت أسعي لسادا
تي علي منهج الصراط السوي


يا ضعيف اليقين إن اعتقادي
في (علي) علي يقين قوي


أنا في القول لا أطيع غوياً
إذ مطيع الغوي نفس الغوي


ذکر آل النبي عندي کالبش
-ري وذکري سواهم کالنعي


قد جري حبهم بجسمي کما احتلّ
-ت مجاري الرضاع جسم الصبي

[صفحه 194]


صفحه 186، 187، 188، 189، 190، 191، 192، 193، 194.








  1. کذا في الديوان المطبوع والأصل.