ابوالقاسم الزاهي











ابوالقاسم الزاهي



(318 ه- 352 ه)

علي بن إسحاق بن خلف القطان البغدادي شاعرٌ فاضل، ولقب الزاهي، نسبة إلي قرية من قري نيسابور اسمها (زاه(. تحيّز في شعره لأهل البيت عليهم السلام، وکان علي مذهبهم ومودّتهم.

ولد يوم الاثنين في العشرين من صفر 318 ه 930 م. عُدّ في (معالم العلماء) من الشعراء المجاهرين في شعرهم بحب أهل البيت عليهم السلام وصّافاً، جل شعره في ائمة أهل البيت عليهم السلام مدحاً ورثاءً. فکان لا يدع منقبة لهم ولا آية نزلت فيهم، إلا وصاغها شعراً. منها رد الشمس له وتکليمه إياها، وحديث عين الماء، و (الأذن الواعية) وغيرها مما سيرد ذکره في شعره.

توفي ببغداد يوم الأربعاء في العشرين من جمادي الأولي عام 352 ه 963 م.

له في موالاة الإمام علي عليه السلام قوله:


لا يهتدي إلي الرشاد مَن فَحص
إلّا إذا والي عليّاً وخلصْ


ولا يذوق شربةً من حوضه
من غمس الولا عليه وغمصْ


نفس النبيِّ المصطفي والصنو وال
-خليفة الوارث للعلم بنصْ


مَن قد أجاب سابقاً دعوته
وهو غلامٌ وإلي اللَّه شخصْ


ما عرف اللّات ولا العزّي ولا ان
-ثني إليهما ولا حبَّ ونصْ

[صفحه 86]

مَن ارتقي متن النبيِّ صاعداً
وکسّر الأوثان في أولي الفرصْ


وطهَّر الکعبة مِن رجسٍ بها
ثمَّ هوي للأرض عنها وقمصْ


مَن قد فدا بنفسه محمَّداً
ولم يکن بنفسه عنه حرصْ


وبات من فوق الفراش دونه
وجاد فيما قد غلا وما رخصْ


مَن کان في بدرٍ ويوم أُحد
قطَّ من الأعناق ما شاء وقصْ


فقال جبريل ونادي: لا فتي
إلّا عليٌّ عمَّ في القول وخصْ


مَن قدَّ عمرو العامريَّ سيفه
فخرّ کالفيل هوي وما قحصْ


من أُعطي الراية يوم خيبر
من بعد ما بها أخو الدعوي نکصْ


وراح فيها مبصراً مستبصراً
وکان أرمداً بعينيه الرمصْ


فاقتلع الباب ونال فتحه
ودکَّ طود مرحبٍ لمّا قعصْ


مَن کسح البصرة مَن ناکثها
وقصَّ رجل عسکر بما رقصْ


وفرَّق المال وقال: خمسةٌ
لواحد فساوت الجند الحصصْ


ومَن بصفِّين نضا حسامه
ففلق الهام وفرَّق القصصْ


وصدَّ عن عمرو وبُسر کرماً
إذ لقيا بالسوأتين من شخصْ


ومَن أسال النهروان بالدما
وقطَّع العرق الذي بها رهصْ


ذاک الذي قد جمع القرآن في
أحکامه للواجبات والرُّخصْ


ذاک الذي آثر في طعامه
علي صيامه وجاد بالقُرَصْ


فأنزل اللَّه تعالي «هل أتي»
وذَکر الجزاء في ذاک وقصْ


ذاک الذي استوحش منه أنسٌ
أن يشهد الحقَّ فشاهد البرصْ


إذ قال: مَن يشهد بالغدير لي
فبادَرَ السامعُ وهو قد نکصْ

[صفحه 87]

يابن أبي طالب يا مَن هو مِن
خاتم الانبياء في الحکمة فُصْ


فضلک لا يُنکر لکن الولا
قد ساغه بعضٌ وبعضٌ فيه غصْ


وله في ذکر خلافة أميرالمؤمنين وإنَّها له بنصّ حديث الغدير قوله:


قدَّمتُ حيدر لي موليً بتأمير
لَمّا علمت بتنقيبي وتنقيري


إنَّ الخلافة مِن بعد النبيِّ له
کانت بأمر من الرَّحمن مقدورِ


مَن قال أحمد في يوم «الغدير» له
بالنقل في خبرٍ بالصِّدق مأثورِ


قم يا عليُّ فکن بعدي لهم علماً
واسعد بمنقلبٍ في البعث محبورِ


مولاهمُ أنت والموفي بأمرهمُ
نصٌّ بوحي علي الأفهام مسطورِ


وذاک إنَّ إله العرش قال له
بلّغ وکن عند أمري خير مأمورِ


فإن عصيت ولم تفعل فإنَّک ما
بلّغت أمري ولم تصدع بتذکيري


وله قوله يمدح أميرالمؤمنين عليه السلام ويذکر فرض ولائه بحديث الغدير:


دع الشناعات أيّها الخدعه
وارکن إلي الحقِّ واغدُ متَّبعه


مَن وحَّد اللَّه أوَّلاً وأبي
إلّا النبيَّ الأميَّ واتَّبعه


مَن قال فيه النبيُّ: کان مع ال
-حقِّ عليٌّ والحقُّ کان معه


مَن هزَم الجيش يوم خيبرهم
وهزَّ باب القموص فاقتلعه


مَن فرض المصطفي ولاه علي ال
-خلق بيوم «الغدير» إذ رفعه


أشهد أنَّ الذي تقول به
يعلم بطلانه الذي سمعه


وقال يمدحه صلوات اللَّه عليه:


أُقيم بخمٍّ للخلافة حيدرٌ
ومِن قبلُ قال الطّهر ما ليس يُنکرُ


غداة دعاه المصطفي وهو مُزمعٌ
لقصد تبوک وهو للسير مضمرُ

[صفحه 88]

فقال: أقم عنّي بطيبةَ واعلمن
بأنَّک لِلفُجّار بالحقِّ تقهرُ


ولَمّا مضي الطهر النبيُّ تظاهرت

عليه رجالٌ بالمقال وأجهروا


فقالوا: عليٌّ قد قلاه محمَّدٌ
وذاک مِن الأعداء إفکٌ ومنکرُ


فأتبعه دون المعرَّس فانثني
وقالوا: عليٌّ قد أتي فتأخَّروا


ولَمّا أبان القول عمَّن يقوله
وأبدي له ما کان يبدي ويضمرُ


فقال: أما ترضي تکون خليفتي
کهارون من موسي؟ وشأنک أکبر


وعلّاه خير الخلق قدراً وقدرةً
وذاک من اللَّه العليّ مقدَّرُ


وقال رسول اللَّه هذا إمامکم
له اللَّه ناجي أيّها المتحيِّرُ


ولَمّا لم يکن في المعاجم عنايةٌ بشعره المذهبيِّ الراقي فنحن نذکر منه شطراً يمتدح به أميرالمؤمنين عليه السلام:


يا سادتي يا آل ياسين فقطْ
عليکم الوحي من اللَّه هبطْ


لولاکُم لم يقبل الفرض ولا
رحنا لبحر العفو من أکرم شطْ


أنتم وُلاة العهد في الذرِّ ومَن
هواهمُ اللَّه علينا قد شرطْ


ما أحدٌ قايسکم بغير کم
ومازج السلسل بالشرب اللمطْ


إلّا کمن ضاهي الجبال بالحصا
أو قايس الأبحر جهلاً بالنُقطْ


صنو النبيِّ المصطفي والکاشف ال
-غمّاء عنه والحسام المخترطْ


أوّل مَن صام وصلّي سابقاً
إلي المعالي وعلي السبق غُبطْ


مکلّم الشمس ومَن رُدَّت له
ببابل والغرب منها قد قبطْ


وراکض الأرض ومن أنبع لل
-عسکر ماء العين في الوادي القحطْ


بحرٌ لديه کلُّ بحر جدولٌ
يغرف من تيّاره إذا اغتمطْ

[صفحه 89]

وليث غابٍ کلُّ ليثٍ عنده
ينظره العقل صغيراً إذ قلطْ


باسط علم اللَّه في الأرض ومَن
بحبِّه الرَّحمن لِلرِّزق بسطْ


يخطو إلي الحرب به مدَّرعاً
فکم به قد قدَّ مِن رجسٍ وقطْ


وفي هذه القصيدة نجد أن المترجم قد ذکر جملة من مناقبه صلوات اللَّه عليه وهي تکبر عن أن تحدّ وتکثر عن أن تحصي وتعدّ، کما هو الحال في تتمة القصيدة التالية:


وهو لکلِّ الأوصياء آخرُ
بضبطه التوحيد في الخلق انضبطْ


باطن علم الغيب والظاهر في
کشف الإشارات وقطب المغتبطْ


أحيي بحدِّ سيفه الدين کما
أمات ما أبدع أرباب اللغطْ


مفقّه الأُمَّة والقاضي الَّذي
أحاط من علم الهدي ما لم يُحطْ


والنَّبأ الأعظم والحجَّة وال
-محنة والمصباح في الخطب الورطْ


حبلٌ إلي اللَّه وباب الحطَّة ال
-فاتح بالرُّشد مغاليق الخططْ


والقدم الصَدق الذي سيط به
قلب امرئ بالخطوات لم يسطْ


ونهر طالوت وجنب اللَّه وال
-عين التي بنورها العقل خبطْ


والأذن الواعية الصمّاء عن
کلِّ خنا يغلط فيه من غلطْ


حسن مآب عند ذي العرش ومَن
لولا أياديه لکنّا نختبطْ


وله في مدح مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام قوله:


وال عليّاً واستضئ مقباسهُ
تدخلْ جناناً ولتسقي کاسهُ


فمن تولّاه نجا ومن عَدا
ما عرف الدِّين ولا أساسهُ


أوَّل مَن قد وحّد اللَّه وما
ثني إلي الأوثان يوماً رأسهُ


فدي النبيَّ المصطفي بنفسه
إذ ضيَّقت أعداؤه أنفاسهُ

[صفحه 90]

بات علي فرش النبيِّ آمناً
والليل قد طافت به أحراسهُ


حتّي إذا ما هجم القوم علي
مُستيقظٍ بنصله أشماسهُ


ثار إليهم فتولّوا مزقاً
يمنعهم عن قربه حماسهُ


مُکسِّر الأصنام في البيت الذي
أزيح عن وجه الهدي غماسهُ


رقي علي الکاهل من خير الوري
والدين مقرونٌ به أنباسهُ


ونکَّس اللّات وألقي هَبلاً
مُهشّماً يقلبه انتکاسهُ


وقام مولايَ علي البيت وقد
طهَّره إذ قد رمي أرجاسهُ


واقتلع الباب اقتلاعاً معجزاً
يسمع في دويِّه ارتجاسهُ


کأنَّه شرارةٌ لموقد
أخرجها من ناره مقباسهُ


مَن قد ثني عمرو بن ودٍّ ساجياً
إذ جزع الخندق ثمَّ جاسهُ


مَن هبط الجبّ ولم يخش الرَّدي
والماء منحلّ السقا فجاسهُ


مَن أحرق الجنَّ برجم شهبه
أشواظه يقدمها نُحاسهُ


حتّي انثنت لأمره مذعنةً
ومنهمُ بالعوذ احتراسهُ


وله في مدحه صلوات اللَّه عليه قوله:


هذا الَّذي أردي الوليد وعتبة
والعامريَّ وذا الخمار ومرحبا


هذا الَّذي هشمت يداه فوارساً
قسراً ولم يک خائفاً مترقِّبا


في کلِّ منبت شعرة من جسمه
أسدٌ يمدُّ إلي الفريسة مخلبا


وله فيه سلام اللَّه عليه قوله:


أباحسن جعلتک لي ملاذاً
ألوذ به ويشملني الزِّماما


فکن لي شافعاً في يوم حشري
وتجعل دار قدسک لي مقاما


لأنّي لم أکن مِن نعثليٍّ
ولا أهوي عتيق ولا دماما

[صفحه 91]


صفحه 86، 87، 88، 89، 90، 91.