المقدمة











المقدمة



الحمد للَّه رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسلام علي خير خلقه اجمعين محمد وآله الطاهرين.

وبعد:

فإن شخصية أميرالمؤمنين عليه السلام هي أعظم شخصية عرفها التاريخ بعد الرسول الکريم صلي الله عليه و آله و سلم، تلک الشخصية التي بزَّت کل شخصيات العالم. ولا نريد ان نذکر هنا ما قيل فيه:

«وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا»

وبما أني ألکن، عاجز عن الکلام في سبر غور أمير البيان وإمام الفصاحة والبلاغة، ووصف ما يتحلّي به، فقد وجدت من المناسب أن اقتطف من مقدمة الأديب الخطيب الشيخ جعفر الهلالي في ملحمته العلوية مکتفياً بذلک، وقد قيل: السعيد من اکتفي بغيره.

إذا استثنينا الحديث عن شخصية الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم، فإن أبرز شخصية عرفها التاريخ البشري هي شخصية الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

والحديث عن هذه الشخصية- بما لها من أبعاد- حديث متشعب الجوانب، مترامي الاطراف، لا يدري الباحث أو الکاتب عن أيّها يتحدث وأيها يتناول.

إن الحديث ليسهل عندما يتناول الانسان في حديثه عظيماً من العظماء، ذلک

[صفحه 8]

أن العظيم هو ذلک الشخص الذي يتميّز عن سائر الناس، ويتفوق عليهم بتحلّيه بإحدي صفات الکمال النفسية منها، أو الفکرية، أو الإنسانية، أو العضلية، کأن يکون شجاعاً، أو فيلسوفاً متفوقاً، أو مصوراً بارعاً، أو شاعراً محلّقاً، أو مخترعاً مبدعاً، أو قائداً ناجحاً، أو غيره.

لکن عندما يکون الشخص الذي نتحدّث عنه مثل الإمام علي عليه السلام الذي جمع کل الصفات ومختلف الکمالات البشرية، فإن ذلک مما يجعل الباحث أمامه حائراً.

لانه سيقف امام هذا الزخم الهائل من صفات العظمة والبطولة، والتي تکوّن بمجموعها عالماً قد جمع في فرد، وما هذا بعجيب، وقد قيل قديماً:


ليس علي اللَّه بمستنکر
أن يجمع العالم في واحد


حقاً إن الدهر ليطأطئ هامه إعجاباً واکباراً أمام هذه العظمة ذات النواحي المختلفة، والمتمثلة بطهارة الذات، وصلابة المعتقد، وصفاء السريرة، وغزارة العلم، وتوقّد الفکر، وشجاعة القلب، وقوة الأيدي، وکنف الرحمة، وعنوان الزهد،ومثال التقوي، وحسن السياسة. أضف إلي ذلک ما عرف به- عليه السلام- من صفة الحاکم العادل، والمصلح الاجتماعي، والمعلّم التربوي، والخطيب المفوّه، والطبيب النفساني، والمتألّه الربّاني. وقد أعجب کل الدارسين لحياته والمتحدّثين عن شخصه، فقد تسابق الي التحدّث عنه ارباب الأقلام وأصحاب الدراسات منذ عهد الرسالة وحتي اليوم، ولا تزال شخصيّته اللّغز الذي يعسر حلُّه حتي حارت به العقول، ولم يقتصر هذا الاعجاب علي المؤرخ أو الباحث، أو الدارس المحلل، وانما تعدّاه الي عالم الشعر والأدب، فکم تغنّي بعظمته الشعراء، وسجّلوا في شعرهم أروع الصور التي تعبّر عن شعورهم واعجابهم وصبهم لهذه الذات العظيمة

[صفحه 9]

علي اختلافهم في الملل والمذاهب والاتجاهات، ولکنهم التقوا علي هذا الصعيد الواحد، فهذا بقراط المسيحي يقول:


ولا تعتريني في عليّ ورهطه
إذا ذکروا في اللَّه لومة لائمِ


يقولون ما بال النصاري تحبّهم
وأهل النهي من أعرب وأعاجمِ


فقلتُ لهم إني لأحسبُ حبَّهم
سري في جميع الخلق حتي البهائمِ


ولو جمع ما قيل في عليّ عليه السلام من الشعر من الصدر الأول للإسلام حتي يومنا الحاضر لشکَّل أکبر موسوعة شعرية لا نظير لها في عالم الوجود، وهذا ما لم يتّفق لغيره عليه السلام، أضف الي ذلک، الملاحم المطوّلة، والبنود الرائعة، والموشّحات الجميلة، والشعر الحر، والتخميس والتشطير وغيرها.

وقد وُفّقت- وللَّه الحمد- لإتمام موسوعة «علي عليه السلام في الکتاب والسنة والأدب»، في مجلدين الرابع والخامس، الذي حوي علي المنتخب ممّا قيل في علي عليه السلام من الشعر ثم باقة مقتطفة من النثر، طيلة خمسة عشر قرناً وفق التسلسل الزمني لوفيات قائليها مع ترجمة موجزة مختصرة.

واني في الوقت الذي أشکر الأديب الفاضل فرات الأسدي، مدير دار الأدب الإسلامي، علي اشرافه ومراجعته، والشيخ عبدالستار فرج اللَّه علي فهرسته.

اسأل المولي القدير ان يتفضّل علينا بالقبول وان يجعله ذخراً لنا يوم اللظي الأکبر، وان يسقينا من حوضه الکوثر شربةً لا نظمأ بعدها أبداً، وهو المسدّد وهو أرحم الراحمين.

حسين الشاکري

دار الهجرة- قم المقدّسة- 1417 ه

[صفحه 11]


صفحه 8، 9، 11.