السيد الحميري











السيد الحميري



(105 ه- 173 ه)

أبوهاشم إسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري الملقّب بالسيد، شاعرٌ معروف يقال: إن أبويه کانا إباضيّين (بکسر الهمزة)، ولما سئل عن کيفيّة تشيّعه، قال: غاصت عليَّ الرحمة فاستنقذتني.

وکان علماء الشيعة يکبرونه ويجلّونه، وکان تلقي إليه وسادة في مسجد الکوفة. کل ذلک تأسّياً بالأئمة الأطهار عليهم السلام وموالاة لأوليائهم، فقد أزلفه الإمام الصادق عليه السلام وأراه من دلائل الإمامة ما حفظ له المجد والکرامة، کحديث انقلاب الخمر لبناً، وحديث القبر، وحديث إطلاق لسانه عند مرضه، وغيره. وکان قد ولد في عمان سنة 105 ه 723 م.

وکان الصادق عليه السلام يستمع شعره في الحسين عليه السلام فيبکي حتي يُسمع البکاء من داخل البيت. وقد اهتدي مخالف حينما رأي في المنام رجلاً ينشد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم قصيدة السيد التي مطلعها:


أجدَّ بآل فاطمة البکورُ

وکان ثالث ثلاثة اشتهروا بکثره النظم وإجادته، والآخران هما: بشار وأبوالعتاهية. حتي روي عن القوزي قوله: لو أن شعراً يستحق ألّا ينشد إلا في المساجد لحسنه، لکان هذا. فإنه ما ترک منقبه لأمير المؤمنين عليه السلام إلا نظمها شعراً وأذاعها علي الناس، کما عن ابن المعتزّ في طبقاته- مضموناً- وقد خلع

[صفحه 39]

عليه أحد أمراء الکوفة خلعةً وأرکبه فرساً فجاء إلي الکناسة وقال: من جاءني بمنقبة لأمير المؤمنين عليه السلام ولم أنظم شعراً فيها فله فرسي وما عندي من مال ومتاع. فجعلوا يعددون له ويذکر لهم نظمه في ما ذکروا حتي حدثه أحدهم بحديث الخفّ وهي منقبة عظيمة فوهبه فرسه وما عنده بعد أن ارتجل شعراً فيها مطلعه:


ألا ياقوم للعجب العجاب
لخفّ أبي الحسين وللحبابِ


وکان أول عهده کيسانياً، ثم عرف طريق الحق ببرکة أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام في مسألة خطابه عليه السلام لمحمد بن الحنفية رضي الله عنه وشهادته له بالإمامة وأنَّه حجة الدهر والزمان.

ادرک رحمه الله عشراً من الخلفاء خمساً منهم من بني أمية وخمساً من بني العباس، فقد عاصر هشام بن عبدالملک الذي ولد السيد في أول خلافته، ووليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد، والسفاح، والمنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد.

توفي رحمه الله في الرميلة ببغداد عام 173 ه 789 م.

وله في الإمام علي عليه السلام قوله:


يا بايع الدين بدنياهُ
ليس بهذا أمر اللَّه


من أين أبغضتَ عليَّ الوصيْ
وأحمدٌ قد کان يرضاه


مَن الّذي أحمدُ في بينهم
يوم «غدير الخمِّ» ناداه؟


أقامه من بين أصحابه
وهم حواليه فسمّاه


هذا عليُّ بن أبي طالب
مولي لمن قد کنت مولاه


فوالِ مَنْ والاهُ ياذا العلا
وعادِ مَن قد کان عاداه

[صفحه 40]

وله أيضاً في ذات المعني:


هلّا وقفت علي المکان المُعشبِ
بين الطويلع فاللوي من کبکبِ


ويقول فيها:


وبخمّ إذ قال الإله بعزمةٍ
قم يا محمّد في البريّة فاخطب


وانصب أباحسن لقومک إنّه
هادٍ وما بلّغت إن لم تَنصب


فدعاهُ ثمَّ دعاهُمُ فأقامه
لهُمُ فبين مصدِّق ومکذِّب


جعل الولاية بعده لمهذَّبٍ
ما کان يجعلها لغير مهذَّب


وله مناقبُ لا تُرام متي يُرِدْ
ساعٍ تناول عضها بتذبذب


وله يخاطب أباه محمداً ويطلب منه الکف عن سبّ الامام علي عليه السلام قوله:


خَفْ يا محمَّد فالق الإصباحِ
وأزِلْ فساد الدين بالإصلاحِ


أتسبُّ صنو محمّد ووصيّه؟
ترجو بذاک الفوز بالإنجاحِ


أوصي النبيُّ له بخير وصيّةٍ
يوم «الغدير» بأبين الإفصاحِ


مَن کنت مولاهُ فهذا واعلموا
مولاهُ قول إشاعة وصراحِ


قاضي الديون ومرشدٌ لکُمُ کما
قد کنت أرشد من هدي وفلاحِ


وله أيضاً في ذکر تنصيب أميرالمؤمنين عليه السلام:


قد أطلتم في العذل والتنقيدِ
بهوي السيِّد الإمام السديدِ


يقول فيها:


يوم قام النبيُّ في ظلِّ دَوحٍ
والوري في وديقة صيخودِ


رافعاً کفَّه بيمني يديه
بائحاً باسمه بصوت مديدِ


أيّها المسلمون هذا خليلي
ووزيري ووارثي وعقيدي

[صفحه 41]

وابن عمّي ألا فمن کنت مولا
ه فهذا مولاه فارعوا عهودي


وعليٌّ منّي بمنزل هارو
ن بن عمران من أخيه الودودِ


وله في هذا المعني:


أجدّ بآل فاطمة البکورُ
فدمع العين منهلُّ غزيرُ


ويقول فيها:


لقد سمعوا مقالته بخمٍّ
غداة يضمّهم وهو الغديرُ


فمن أولي بکم منکم فقالوا
مقالة واحدٍ وهم الکثيرُ


جميعاً: أنت مولانا وأولي
بنا منّا وأنت لنا نذيرُ


فإنَّ وليّکم بعدي عليٌّ
ومولاکم هو الهادي الوزيرُ


وزيري في الحياة وعند موتي
ومن بعدي الخليفة والأميرُ


فوالي اللَّه من والاه منکم
وقابله لدي الموت السرورُ


وعادي اللَّه من عاداه منکم
وحلَّ به لدي الموت النشورُ


وله في المعني نفسه:


ألا الْحمد للَّهِ حمداً کثيراً
وليِّ المحامد ربّاً غفورا


ويقول فيها:


لذلک ما اختاره ربّه
لخير الأنام وصيّاً ظهيرا


فقام بخمّ بحيث «الغدير»
وحطَّ الرحال وعافَ المسيرا


وقمَّ له الدوح ثمَّ ارتقي
علي منبر کان رحلاً وکورا


ونادي ضحيً باجتماع الحجيج
فجاءوا إليه صغيراً کبيرا


فقال وفي کفِّه حيدرٌ
يُليح إليه مُبيناً مُشيرا

[صفحه 42]

ألا إنّ من أنا موليً له
فمولاه هذا قضاً لن يجورا


فهل أنا بلّغت؟ قالوا: نعم
فقال: اشهدوا غُيَّباً أو حضورا


يبلّغ حاضرکم غائباً
وأُشهد ربِّي السميع البصيرا


فقوموا بأمر مليک السما
يبايعْه کلٌّ عليه أميرا


فقال: إلهيَ وال الوليّ
وعاد العدوّ له والکفورا


وکن خاذلاً للأُلي يخذلون
وکن للأُلي ينصرون نصيرا


أُحبّک يا ثاني المصطفي
ومن أشهد الناس فيک الغديرا


وله أيضاً:


قف بالديار وحيِّهنَّ ديارا
واسقِ الرسوم المدمعَ المدرارا


قل للذي عادي وصيَّ محمَّد
وأبان لي عن لفظه إنکارا


مَن خاصفٌ نعل النبيِّ محمّد
يُرضي بذاک الواحد الغفّارا


فيقول فيه معلناً خير الوري
جهراً وما ناجي به إسرارا


هذا وصيّي فيکمُ وخليفتي
لا تجهلوه فترجعوا کفّارا


وله بيوم «الدَّوح» أعظم خطبة
أدّي بها وحي الإله جهارا


وله في منقبة الطائر المشوي قوله:


لَمّا أتي بالخبر الأنبلِ
في طائر أهدي إلي المرسلِ


في خبرٍ جاء أبانٌ به
عن أنسٍ في الزمن الأوَّلِ


وله في الغدير أيضا قوله:


لأمِّ عمرو باللِّوي مربعُ
طامسةٌ أعلامها بلقعُ


حتي يقول:


ثمَّ أتته بعد ذا عزمةٌ
من ربِّه ليس لها مدفعُ

[صفحه 43]

بلّغ وإلّا لم تکن مُبْلغاً
واللَّه منهم عاصمٌ يمنعُ


فعندها قام النبيُّ الّذي
کان بما يؤمر به يصدعُ


يخطب مأموراً وفي کفِّه
کفُّ عليٍّ ظاهرٌ تلمعُ


رافعها أکرمْ بکفِّ الّذي
يرفع والکفُّ الّتي ترفعُ


يقول والأملاک من حوله
واللَّه فيهم شاهدٌ يسمعُ


مَن کنت مولاه فهذا له
موليً فلم يرضوا ولم يقنعوا


حتّي إذا واروه في لحده
وانصرفوا عن دفنه ضيَّعوا


ما قال بالأمس وأوصي به
واشتروا الضرَّ بما ينفعُ


ومن غديريّاته:


هبَّ عليَّ بالملام والعذلْ
وقال: کم تذکر بالشعر الأوَلْ؟!


کفّ عن الشرِّ فقلت: لا تقل
ولا تخَلْ أکفُّ عن خير العملْ


إنّي أحبُّ حيدراً مُناصحاً
لمن قفا مُواثباً لمن نکلْ


أحبُّ مَن آمن باللَّه ولم
يشرک به طرفة عين في الأزلْ


ومن غدا نفس الرسول المصطفي
صلّي عليه اللَّه عند المبتهلْ


وثانيَ النبيِّ في يوم الکسا
إذ طهَّر اللَّه به مَن اشتملْ


حتّي إذا صار بخمٍّ جاءه
جبريلُ بالتبليغ فيهم فنزلْ


وقُمَّ ذاک الدوح فاستوي علي
رحلٍ ونادي بعليٍّ فارتحلْ


وقال: هذا فيکُم خليفتي
ومَن عليه في الأمور المتَّکلْ


نحن کهاتين وأوما باصبعٍ
مِن کفِّه عن اصبعٍ لم تنفصلْ


لا تبتغوا بالطهرِ عنهُ بدلاً
فليس فيکم لعليٍّ مِن بدلْ


ثمَّ أدار کفَّه لکفّه
يرفعها منه إلي أعلي محلْ

[صفحه 44]

فقال: بايعوا له وسلّموا
الأمر إليه واسلموا من الزَّللْ


ألست مولاکم؟ فذا موليً لکم
واللَّه شاهدٌ بذا عزَّ وجلّ


يا ربِّ وال مَن يوالي حيدراً
وعاد من عاداه واخذل منْ خذلْ


وله في ذات المورد قوله:


أعلماني أيَّ برهان جلي
فتقولان بتفضيل عليْ؟


بعد ما قام خطيباً معلناً
يوم «خمّ» باجتماع المحفلِ


أحمد الخير ونادي جاهراً
بمقال منه لم يفتعلِ


قال: إنَّ اللَّه قد أخبرني
في معاريض الکتاب المنزلِ


إنَّه أکمل ديناً قيّماً
بعليٍّ بعد أن لم يکملِ


وهو مولاکم فويلٌ للّذي
يتولّي غير مولاه الولي


وهو سيفي ولساني ويدي
ونصيري أبداً لم يزلِ


وهو صنوي وصفيّي والّذي
حبّه في الحشر خيرُ العملِ


نوره نوري ونوري نوره
وهو بي متَّصلٌ لم يفصلِ


وهو فيکم من مقامي بدلٌ
ويلَ من بدَّل عهد البدلِ


قوله قولي فمن يأمره
فليُطعه فيه وليمتثلِ


إنَّما مولاکُمُ بعدي إذا
حان موتي ودنا مُرتحلي


إبن عمّي ووصيّي وأخي
ومجيبي في الرَّعيل الأوَّلِ


وهو بابٌ لعلومي فَسُقوا
ماءَ صبرٍ بنقيع الحنظلِ


وله في نفس المورد قوله:


أشهد باللَّه وآلائِه
والمرء عمّا قاله يُسْألُ


أنَّ عليَّ بن أبي طالب
خليفة اللَّه الذي يعدلُ

[صفحه 45]

وإنَّه قد کان من أحمد
کمثل هارون ولا مُرسلُ


لکن وصيٌّ خازنٌ عنده
علمٌ من اللَّه به يعملُ


قد قام يوم «الدوح» خير الوري
بوجهه للنَّاس يستقبلُ


وقال: مَن قد کنت موليً له
فذا له موليً لکم موئلُ


وله لاميّةٌ اخري معروفة مطلعها:


اقسم باللَّه وآلائهِ
والمرءُ عمّا قال مسؤولُ


وله أيضاً:


قام النبيُّ يوم خمٍّ خاطباً
بجانب الدوحات أو حيالها


فقال: من کنت له موليً فذا
مولاه، ربّي اشهد مراراً قالها


قالوا: سمعنا وأطعنا کلّنا
وأسرعوا بالألسن اشتغالها


وله أيضاً:


لمن طللٌ کالوشم لم يتکلّم
ونأيٌ وآثارٌ کترقيش معجمِ؟


حتي يقول:


عليٌّ وصيُّ المصطفي وابن عمِّه
وأوَّل مَن صلّي ووحَّدَ فاعلمِ


عليٌّ هو الهادي الإمام الّذي به
أنار لنا من ديننا کلَّ مظلمِ


عليٌّ وليُّ الحوض والذائد الذي
يُذبِّب عن أرجائه کلَّ مجرمِ


عليٌّ قسيم النار من قوله لها:
ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي


فإنّک تلقاه لدي الحوض قائماً
مع المصطفي الهادي النبيِّ المعظَّمِ


يُجيزان مَن والاهما في حياته
إلي الروح والظل الظليل المکمَّمِ


عليٌّ أميرالمؤمنين وصيّه
وأشرکه في کلِّ في ءٍ ومغنمِ


وزوجته صدّيقةٌ لم يکن لها
مقارنةٌ غير البتولة مريمِ

[صفحه 46]

وکان کهارون بن عمران عنده
من المصطفي موسي النجيب المکلّم


وأوجب يوماً بالغدير ولاءه
علي کلِّ برٍّ من فصيحٍ وأعجمِ


لدي دوح «خمّ» آخذاً بيمينه
يُنادي مبيناً باسمه لم يُجمجمِ


وله أيضاً قوله:


ألا إنّ الوصيَّة دون شکّ
لخير الخلق من سامٍ وحامِ


وقال محمَّدٌ بغدير خمٍّ
عن الرَّحمن ينطق باعتزامِ


ألا من کنت مولاه فهذا
أخي مولاه فاستمعوا کلامي


وله أيضاً قوله:


نفسي فداء رسول اللَّه يوم أتي
جبريل يأمر بالتبليغ إعلانا


إن لم تُبلّغ فما بلّغت فانتصب ال
-نبيُّ ممتثلاً أمراً لمن دانا


وقال للناس: مَن مولاکُمُ قبلاً
يوم الغدير؟ فقالوا: أنت مولانا


هذا وليّکُم بعدي أمرت به
حتماً فکونوا له حزباً وأعوانا


هذا له قربةٌ منّي ومنزلةٌ
کانت لهارون من موسي بن عمرانا


وأيضاً يقول في المقام نفسه:


أتي جبرئيلٌ والنبيّ بضحوة
فقال: أقم والناس في الوخد تمحنُ


وبلّغ وإلّا لم تُبلّغ رسالة
فحطَّ وحطَّ الناس ثَمَّ ووطَّنوا


وقال: ألا من کنت مولاه منکُمُ
فمولاه من بعدي عليٌّ فأذعنوا


وأيضاً قوله:


به وصّي النبيُّ غداة «خُمّ»
جميع الناس لو حفظوا النَّبيا


وناداهم: ألستُ لکم بموليً؟
عباد اللَّه فاستمعوا إليا

[صفحه 47]

فقالوا: أنت مولانا وأولي
بنا منّا فضمَّ له عليا


وقال لهم بصوت جهوريّ
وأسمع صوته من کان حيا


فمن أنا کنت مولاهُ فإنّي
جعلت له أباحسنٍ وليا


فعادي اللَّه من عاداه منکم
وکان بمن تولّاه حفيا


له شهد الکتابُ الا تخروا
علي آياته صماً عميا


بتطهيرٍ أماط الرجس عنه
وسمي مؤمناً فيها زکيا


وقام محمَّدٌ بغدير خمّ
فنادي معلناً صوتاً نديا


ألا مَن کنت مولاه فهذا
له مولي وکان به حفيا


إلهي عاد من عادي عليّاً
وکن لوليِّه ربّي وليا[1] .


وله في منقبة الخفّ قوله:


ألا يا قوم للعجب العجابِ
لخفِّ أبي الحسين ولِلحُبابِ


عدوٌّ من عُداة الجنِّ وغدٌ
بعيدُ في المرادة من صوابِ


أتي خفّاً له وانساب فيه
لينهش رجله منه بنابِ


لينهش خير من رکب المطايا
أميرالمؤمنين أباترابِ


فخرَّ من السماء له عقابٌ
من العقبان أو شبه العقابِ


فطار به فحلّق ثمّ أهوي
به للأرض من دون السحابِ


فصکَّ بخفِّه وانساب منه
وولّي هارباً حذر الحصابِ


ودوفع عن أبي حسن عليٍّ
نقيع سمامه بعد انسيابِ


وقال أبوسعيد محَّمد بن رشيد الهروي: إنَّ السيِّد إسودَّ وجهه عند الموت، فقال: هکذا يُفعل بأوليائکم يا أميرالمؤمنين؟ قال: فابيضَّ وجهه کأنَّه

[صفحه 48]

القمر ليلة البدر فأنشأ يقول:


أُحبُّ الذي من مات من أهل ودِّه
تلقّاه بالبشري لدي الموت يضحکُ


ومن مات يهوي غيره من عدوّه
فليس له إلّا إلي النَّار مسلکُ


أباحسن أفديک نفسي وأُسرتي
ومالي وما أصبحت في الأرض أملکُ


أباحسن إنّي بفضلک عارفٌ
وإنّي بحبل من هواک الممسّکُ


وأنت وصيّ المصطفي وابن عمِّه
فإنّا نُعادي مبغضيک ونترکُ


ولاحٍ لحاني في عليٍّ وحزبه
فقلت: لحاک اللَّه إنَّک أعفکُ


مواليک ناجٍ مؤمنٌ بيِّن الهدي
وقاليک معروف الضَّلالة مشرکُ


وقال الحسين بن عونة: دخلت علي السيِّد الحميري عائداً في علّته التي مات فيها فوجدته يُساق به، ووجدت عنده جماعةً من جيرانه وکانوا عثمانيَّة، وکان السيِّد جميل الصورة رحيب الجبهة عريض ما بين السالفتين فبدت في وجهه نکتة سودآء مثل النقطة من المداد ثمَّ لم تزل تزيد وتنمو حتّي طبقت وجهه يعني اسوداداً؛ فاغتمَّ لذلک مَن حضره من الشيعة وظهر من الناصبة سرورٌ وشماتةٌ. فلم يلبث بذلک إلّا قليلاً حتّي بدت في ذلک المکان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد بياضاً وتنمو حتّي اسفر وجهه وأشرق، وافترّ ثغر السيِّد ضاحکاً وأنشأ يقول:


کذب الزاعمون: أنَّ عليّاً
لن يُنجّي محبَّه من هناتِ


قد وربّي دخلت جنَّة عدن
وعفي لي الإله عن سيّئاتي


فابشروا اليوم أولياء عليّ
وتولّوا عليَّ حتّي المماتِ


ثمَّ من بعده تولّوا بنيه
واحداً بعد واحد بالصِّفاتِ


ثمَّ أتبع قوله هذا: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه حقّاً حقّاً، وأشهد أنَّ محمَّداً

[صفحه 49]

رسول اللَّه حقّاً حقّاً، وأشهد انَّ عليّاً أميرالمؤمنين حقّاً حقّاً. أشهد أن لا إله إلّا اللَّه. ثمَّ غمَّض عينيه لنفسه فکأنّما کانت روحه ذبالة طُفِئت أو حصاة سقطت.

وله في ذکر حديث العشيرة قوله:


بأبي أنت وأمّي
يا أمير المؤمنينا


وفدتک النفس منّي
يا إمام المتَّقينا


وأمين اللَّه والوا
رث علم الأوَّلينا


ووصيَّ المصطفي أح
-مد خير المرسلينا


ووليَّ الحوض والذا
ئد عنه المحدثينا


أنت أولي الناس بالنا
س وخير الناس دينا


کنت في الدنيا أخاه
يوم يدعو الأقربينا


بين عمّ وابن عمّ
حوله کانوا عرينا


فورثت العلم منه
والکتاب المستبينا


طبت کهلاً وغلاماً
ورضيعاً وجنينا


ولدي الميثاق طيبا
يوم کان الخلق طينا


کنت مأموناً وجيهاً
عند ذي العرش مکينا


في حجاب النور حيّاً
طيِّباً للطاهرينا[2] .


وله، ويذکر فيها بعض فضائله قوله:


من فضله أنَّه قد کان أوَّل من
صلّي وآمن بالرَّحمن إذ کفروا


سنين سبعاً وأيّاماً محرَّمة
مع النبيِّ علي خوف وماشعروا

[صفحه 50]

ويوم قال له جبريل: قد علموا
أنذر عشيرتک الأدنين إن بصروا


فقام يدعوهُم من دون أُمَّته
فما تخلّف عنه منهمُ بشرُ


فقال: يا قوم إنَّ اللَّه أرسلني
إليکمُ فأجيبوا اللَّه وادّکروا


فأيُکم يجتبي قولي ويُؤمن بي
إنّي نبيُّ رسولٌ فانبري غدِرُ


فقال: تبّاً أتدعونا لتلفتنا
عن ديننا؟ ثمَّ قام القوم فاشتمروا


مَن الذي قال منهم وهو أحدثهم
سناً وخيرهم في الذکر إذ سطروا


آمنت باللَّه قد أعطيت نافلة
لم يُعطها أحدٌ جنٌّ ولا بشرُ


وإنَّ ما قلتَه حقٌّ؟! وإنَّهُم
إن لم يجيبوا فقد خانوا وقد خسروا


ففاز قدماً بها واللَّه أکرمه
وکان سبّاق غايات إذا ابتدروا


وقوله من قصيدة لم توجد بتمامها:


عليٌّ عليه رُدَّت الشمس مرَّة
بطيبة يوم الوحي بعد مغيبِ


ورُدَّت له الأخري ببابل بعدما
عفت وتدلَّت عينها لغروبِ


وقيل له: أنذر عشيرتک الأُلي
وهم من شباب أربعين وشيبِ


وقد جئتکم من عند ربّ مهيمن
جزيل العطايا للجزيل وهوبِ


ففاز بها منهم عليٌّ وسادهم
وما ذاک من عاداته بغريبِ


وله أيضاً عن حديث العشيرة منها:


وأحجمت کلّها عن فيض رحمته
معْ يُمنِ دعوته فالکلُّ آبيها


إلّا العليّ فنادي دونها: فأنا
نعماک يا هادي الأکوان باغيها


نادي أن اجلس ثلاثاً وهويعرض دع
-واهُ علي القوم يبغي مُستجيبيها


حتي إذا بات مأيوساً ومنزعجاً
من الهواشم مُعياً عن ترضِّيها

[صفحه 51]

عنها تولّي إلي حيث العليِّ منوِّ
هاً به بين ذاک الجمع تنويها


وکان ماسکه من طوق رقبته
يقول: هذا لها واللَّه يحميها


وقال: هذا أخي ذا وارثي وخلي
-فتي علي أمَّتي يحمي مراعيها


وقال: فرضٌ عليکم حسن طاعته
بعدي وإمرته ويلٌ لعاصيها


کذاک حيدرةٌ ماشي النبوّة مذ
نادي بها المصطفي لبّي مُناديها


وشارک المصطفي من يوم أن وضع الأ
ساس حتّي انتهت عليا مبانيها


وله ايضاً قوله:


بحقِّ محمّد قولوا بحقٍ
فإنَّ الأفک من شيّم اللئامِ


أبعد محمّد بأبي وأُمي
رسول اللَّه ذي الشرف الهمام


أليس عليُّ أفضل خلق ربي
وأشرف عند تحصيل الأنام


ولايته هي الإيمان حقّاً
فذرني من أباطيل الکلام


وطاعة ربِّنا فيها وفيها
شفاء للقلوب من السقام


عليُّ إمامنا بأبي وأمي
أبوالحسن المطهر من حرام


إمام هدي أتاه اللَّه علماً
به عرف الحلال من الحرام


ولو أني قتلت النفس حبّاً
له ما کان فيها من أثام


يحل النار قومٌ أبغضوه
وإنْ صاموا وصلوا ألف عام


ولا واللَّه ما ترکوا صلاة
بغير ولاية العدل الإمام


أميرالمؤمنين بک اعتمادي
وبالغرر الميامين اعتصامي


برئت من الذي عادي عليّاً
وحاربه من اولاد الحرام[3] .

[صفحه 52]

وله أيضاً:


وخص رجالاً من قريش بأن بَني
لهم حجراً فيه وکان مسدّدا


فقيل له اسدد کل باب فتحته
سوي باب ذي التقوي عليّ فسددا


لهم کل باب اشرعوا دون بابه
وقد کان منفوساً عليه محسّدا


وله أيضاً:


وأسکنه في مسجد الطهر وحده
وزوجته واللَّه من شاء يرفعُ


فجاوره فيه الوصي و غيره
وأبوابهم في مسجد الطهر شرَّع


فقال لهم سدّوا عن اللَّه صادقاً
فضنّوا بها عن سدّه وتمنّعوا


وله ايضاً:


وخبر المسجد إذ خصّه
مجلّلاً من عرصة الدارِ


إن جنُباً کان وإن طاهراً
في کل اعلانٍ واسرارِ


وأخرج الباقين منه معاً
بالوحي من انزال جبار

[صفحه 53]


صفحه 39، 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53.








  1. اللؤلؤة البيضاءص31.
  2. اللؤلؤة البيضاء.
  3. اللؤلؤة البيضاء ص42.