عبداللَّه بن عمر بن الخطّاب
[صفحه 90] وهاجر إلي المدينة المنوّرة قبل أبيه[3] أو معه.[4] . ولصغر سنّه[5] لم يشترک في حربي بدر[6] واُحد، نعم التحقَ بعسکر المسلمين في حرب الخندق وما بعدها من الحروب.[7] کما روي أحاديث کثيرة في کتب أهل السنّة.[8] . وقد استُشير عمر- أواخر أيّام حياته- في جعله أحد أعضاء الشوري، لکنّه خالف ذلک وقال: ليس له أهليّة الخلافة، بل ليس له القدرة علي طلاق زوجته![9] . [صفحه 91] بَيدَ أنّه ذُکر في بعض الروايات أنّه صار أحد أعضاء الشوري بأمر أبيه علي أن لا يکون له من الأمر شي ء.[10] . ولمّا تسنّم عثمان الخلافة ابتعد عن الساحة السياسيّة، فلم يشترک في التيّارات السياسيّة الحاکمة آنذاک، کما اعتزل الساحة السياسيّة والاجتماعيّة أيّام خلافة الإمام علي عليه السلام، بل جعل العزلة قوام سياسته الاجتماعية، فلم يشترک مع الإمام عليه السلام في شي ء من حروبه أيّام الخلافة، وکان يقول: «أنا مع أهل المدينة، إنّما أنا رجل منهم، وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم، لا اُفارقهم؛ فإن يخرجوا أخرج، وإن يقعدوا أقعد».[11] . ومن الواضح أنّ هذه السيرة کانت قائمة علي اُسس واهية لا علي أساس متين، ولهذا لم يتّخذها منهجاً إلّا هذه البرهة من حياته؛ فلم يعتزل الساحة أيّام الخلفاء الثلاث، کما لم يعتمد هذه السياسة زمن الحکّام الذين تقلّدوا زمام الاُمور بعد أميرالمؤمنين عليه السلام؛ حيث بايع معاوية[12] ويزيد[13] مع تخلّف عدد کبير من الصحابة والوجوه البارزة من الاُمّة- ومنهم الحسين بن علي عليهماالسلام- عن بيعته. وکذا بايع عبدالملک،[14] بل حثّ محمّد ابن الحنفيّة علي البيعة له لمّا امتنع منها وشرط [صفحه 92] لها بيعة جميع الناس.[15] . والعجب أنّه ذهب ليلاً إلي الحجّاج بن يوسف ليمدّ له يد البيعة لعبد الملک؛ لئلّا يبقي ليلةً بلا إمام، لأنّه روي عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «من مات ولا إمام له مات ميتة جاهليّة»، فاحتقره الحجّاج- ذلک الحاکم المتکبّر الظالم- ومدّ له رجله من تحت الفراش ليصفق عليها يد البيعة؛ لعلمه بأنّ منشأ هذه البيعة هو الخوف والضعف والعجز.[16] . مع أنّه لم يصحب الإمام في شي ء من حروبه أيّام خلافته.[17] نعم لم يکن من المعادين له أيضاً، بل کان من جملة الذين وصفهم الإمام عليه السلام بأنّهم «خذلوا الحقّ، ولم ينصروا الباطل».[18] . نعم أشارت بعض النصوص التاريخيّة إلي أنّه تأسّف نهاية عمره أسفاً عميقاً علي تساهله وعدم نصرته للإمام عليه السلام، وکان يقول: «ما آسي علي شي ء إلّا أنّي لم اُقاتل مع عليّ الفئةَ الباغية».[19] . نعم في بعض المصادر أنّ المراد ب «الفئة الباغية» في کلامه هو الخوارج،[20] . [صفحه 93] أو الحجّاج،[21] أو ابن الزبير.[22] وإذا لاحظنا قوله: «مع عليّ» في النصّ الذي أشرنا إليه لا يبقي مجال لاحتمال آخر. وکان يقول: کلّ من يدعوني إلي الصلاة أقتدي به؛ من أيّ فرقة کان، ولا أتبع من يدعوني إلي القتال.[23] . وکان يعتقد أنّ الحکومة وطاعة الحاکم قائمان علي أساس «قانون القَهر»، فکان يقول: الحقّ لمَن غلب وتسلّط علي رقاب الناس وقهرهم.[24] . ولمّا کان الإمام عليّ عليه السلام يؤکّد علي حرّية الناس واختيارهم في البيعة ويقول: «لا اُجبر أحداً علي طاعتي» تخلّف عن بيعته، ولم يتخلّف عن البيعة ليزيد بن معاوية! وقد عرّف انتفاضة أهل المدينة- حين اشتهر فسق يزيد وفجوره وعدم تورّعه عن فعل أيّ محرم، وبعد قتله أباعبداللَّه الحسين عليه السلام- بأنّها غدر للبيعة، ولذا منع أهله عن الاشتراک فيها.[25] . وأخيراً، فمع أنّ عبداللَّه کثير الرواية، بل هو في عِداد کبار محدّثي أهل السنة لکنّه قليل المعرفة، ضيّق الرؤية، متحجّراً، لا يملک تحليلاً متيناً للتيارات [صفحه 94] السياسيّة والاجتماعيّة القائمة آنذاک. وقد أعانه ضعف شخصيّته وطلبه للحياة علي ارتکاب ذلک الموقف القبيح. توفّي سنة (74 ه) عن عمر يناهز (84) سنة.[26] . 1324- تاريخ الطبري: بعث [عليّ عليه السلام] إلي عبداللَّه بن عمر کُميلاً النخعي، فجاء به، فقال: انهض معي. فقال: أنا مع أهل المدينة؛ إنّما أنا رجل منهم، وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلتُ معهم لا اُفارقهم، فإن يخرجوا أخرج، وإن يقعدوا أقعد. قال: فأعطني زعيماً بألّا تخرج. قال: ولا اُعطيک زعيماً. قال: لولا ما أعرف من سوء خُلقک صغيراً وکبيراً لأنکرتني، دعوه؛ فأنا به زعيم.[27] . 1325- تاريخ الطبري عن محمّد وطلحة: خرج الزبير وطلحة حتي لقيا ابن عمر، ودعواه إلي الخفوف، فقال: إنّي امرؤٌ من أهل المدينة، فإن يجتمعوا علي النهوض أنهض، وإن يجتمعوا علي القعود أقعد. فترکاه ورجعا.[28] . 1326- الطبقات الکبري عن أبي حصين: إنّ معاوية قال: ومَن أحقّ بهذا الأمر منّا؟ فقال عبداللَّه بن عمر: فأردتُ أن أقول: أحقّ منک مَن ضربک وأباکَ عليه!! ثمّ ذکرت ما في الجنان، فخشيت أن يکون في ذاک فساد!.[29] . [صفحه 95] 1327- الاستيعاب: قيل لنافع: ما بال ابن عمر بايع معاوية، ولم يبايع عليّاً؟ فقال: کان ابن عمر [لا][30] يعطي يداً في فرقة، ولا يمنعها من جماعة، ولم يبايع معاوية حتي اجتمعوا عليه.[31] . 1328- مسند ابن حنبل عن نافع: إنّ ابن عمر جمع بنيه- حين انتزي[32] أهل المدينة مع ابن الزبير، وخلعوا يزيد بن معاوية- فقال: إنّا قد بايعنا هذا الرجل ببيع اللَّه ورسوله، وإنّي سمعتُ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: الغادر يُنصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان، وإنّ من أعظم الغدر- إلّا أن يکون الإشراک باللَّه تعالي- أن[33] يبايع الرجل رجلاً علي بيع اللَّه ورسوله ثمّ ينکث بيعته، فلا يخلعنّ أحدٌ منکم يزيد، ولا يُسرفنّ أحد منکم في هذا الأمر، فيکون صيلماً فيما بيني وبينکم!![34] . 1329- فتح الباري: کان عبداللَّه بن عمر في تلک المدّة [مدّة حکومة عبداللَّه بن الزبير] امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملک، کما کان امتنع أن يبايع لعليّ أو معاوية، ثمّ بايع لمعاوية لمّا اصطلح مع الحسن بن عليّ واجتمع عليه الناس، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية؛ لاجتماع الناس عليه، ثمّ امتنع من المبايعة لأحد حال الاختلاف إلي أن قُتل ابن الزبير وانتظم الملک کلّه لعبد الملک، فبايع له [صفحه 96] حينئذ.[35] . 1330- صحيح البخاري عن عبداللَّه بن دينار: لمّا بايع الناس عبدالملک، کتب إليه عبداللَّه بن عمر: إلي عبداللَّه عبدالملک أميرالمؤمنين، إنّي اُقرّ بالسمع والطاعة لعبد اللَّه عبدالملک أميرالمؤمنين، علي سنّة اللَّه وسنّة رسوله فيما استطعتُ، وإنّ بنيَّ قد أقرّوا بذلک.[36] . 1331- شرح نهج البلاغة: إنّه [ابن عمر] امتنع عن بيعة عليّ عليه السلام، وطرق علي الحجّاج بابه ليلاً ليبايع لعبد الملک؛ کي لا يبيت تلک الليلة بلا إمام، زعم، لأنّه روي عن النبيّ صلي الله عليه و آله أنّه قال: «من مات ولا إمام له مات ميتةً جاهليّةً»، وحتي بلغ من احتقار الحجّاج له واسترذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش، فقال: اصفِق بيدک عليها.[37] . 1332- الطبقات الکبري عن نافع: قيل لابن عمر- زمن ابن الزبير والخوارج والخشبيّة-: أتصلّي مع هؤلاء ومع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضاً؟! قال: فقال: من قال: «حيّ علي الصلاة» أجبتُه، ومن قال: «حيّ علي الفلاح» أجبتُه، ومن قال: «حيّ علي قتل أخيک المسلم وأخذ ماله»، قلتُ: لا.[38] . [صفحه 97] 1333- الطبقات الکبري عن سيف المازني: کان ابن عمر يقول: لا اُقاتل في الفتنة، واُصلّي وراء من غلب.[39] . 1334- المستدرک علي الصحيحين عن عبداللَّه بن عمر: ما آسي علي شي ء، إلّا أنّي لم اُقاتل مع عليّ رضي الله عنه الفئةَ الباغية.[40] . 1335- الطبقات الکبري عن حبيب بن أبي ثابت: بلغني عن ابن عمر في مرضه الذي مات فيه قال: ما أجدني آسي علي شي ء من أمر الدنيا، إلّا أنّي لم اُقاتل الفئةَ الباغية.[41] . راجع: القسم التاسع: عليّ عن لسان أصحاب النبيّ/عبداللَّه بن عمر.
ولد في السنة الثانية بعد البعثة[1] وأسلم منذ نعومة أظفاره مع أبيه في مکّة،[2] .
صفحه 90، 91، 92، 93، 94، 95، 96، 97.