سياسة الإصلاح الثقافي











سياسة الإصلاح الثقافي



لقد کانت الأوضاع موائمة لبدء الإصلاح الإداري والاقتصادي نتيجةً لقيام عامّة الناس ضدّ الفساد الإداري والاقتصادي المستشري علي عهد عثمان. علي هذا الأساس انطلق الإمام بهذه الإصلاحات منذ الأيّام الأولي لتسنّمه أزمّة السلطة برغم تقديره لجميع التبعات التي تترتّب عليها، والمشکلات التي تؤدّي إليها. علي عکس حرکة الإصلاح الثقافي التي لم يکن الشروع الفوري بها ممکناً، بل کانت تحتاج إلي زمان حتي يستقرّ حکم الإمام. ولذلک کان عليه السلام يقول في هذا المضمار: «لو استوت قدماي من هذه المداحض لغيّرت أشياء».

لم يکن سهلاً علي الإمام أمير المؤمنين أن يواجه بشکل مباشر وفوري الإرث الثقافي الذي تطبّع عليه الناس واعتادوه خلال ربع قرن من الزمان؛ لأنّ هذه العمليّة- لو تمّت- کانت تجرّ إليها نفور الجمهور وسخطه، وتستتبع اختلاف

[صفحه 18]

الاُمّة. لذلک کلّه ترک الإمام موضوع مواجهة الانحرافات الثقافيّة إلي فرصةٍ مؤاتية.

أجل، لقد انطلق الإمام عليّ عليه السلام ببرنامجه الإصلاحي الدقيق والمدروس، لإعادة المجتمع الإسلامي إلي سيرة النبيّ وسنّته، من نقطة العدالة الاجتماعيّة ومفصل الإصلاح الإداري والاقتصادي. ثمّ ظلَّ وفياً لهذا النهج حتي آخر لحظات حياته، حيث لم يتراجع في أحلک الأوضاع السياسيّة التي مرَّت، ولم يتوانَ في بذل أقصي جهوده من أجل استکمال هذا المشروع، وإيجاد المجتمع القائم علي أساس القيم والأهداف الإسلاميّة الأصيلة.

إنّ ما سنتوفّر عليه في هذا الجزء من الموسوعة هو بيان أهمّ اُصول حرکة الإصلاح العلوي، وأبرز مرتکزاتها في مضمار الإصلاح الإداري، والثقافي، والاقتصادي، والاجتماعي، والقضائي، والأمني، والعسکري، وذلک من خلال الاستناد إلي النصوص الحديثيّة والتاريخيّة.

ثمّ نصير بعدئذٍ إلي استخلاص رؤي الإمام في مجال السياسات التي تُفضي علي المستوي الدولي إلي ثبات الدول أو سقوطها، وبيان ما يکون منها مؤثّراً علي صعيد العلاقة الإيجابيّة بين الدول بعضها ببعض. وأخيراً ننتقل إلي عرض نصوص سياسات الإمام ومصادرها.

أما التوفّر علي شرح وافٍ لمرتکزات سياسة الإمام فهي عمليّة تحتاج إلي فرصة اُخري.

[صفحه 19]



صفحه 18، 19.