سياسة الإصلاح الإداري والاقتصادي











سياسة الإصلاح الإداري والاقتصادي



لقد انطلقت سياسة الإصلاح العلوي في مواجهة الفساد الإداري والاقتصادي منذ الأيّام الاُولي لعهد الإمام السياسي، فعزَل الولاة غير الأکفّاء، وأعاد الأموال العامّة إلي بيت المال.

لقد أشار الإمام منذ يوم البيعة الأوّل إلي نهجه الاُصولي في الإصلاح، ونبَّه إلي سياساته علي هذا الصعيد بشکل مقتضب وعامّ، وهو يقول: «اعلموا أنّي إن أجبتکم رکبت بکم ما أعلم، ولم اُصغِ إلي قول القائل، وعتب العاتب».[1] .

وفي ثاني أيّام خلافته اعتلي المنبر، ثمّ راح يُصرّح بما کان قد أشار إليه في اليوم السابق، وهو يقول: «ألا إنّ کلّ قطيعة أقطعها عثمان، وکلّ مال أعطاه من مال اللَّه فهو مردود في بيت المال؛ فإنّ الحقّ القديم لا يُبطله شي ء، ولو وجدتُه

[صفحه 16]

وقد تُزوِّج به النساء وَفُرِّق في البلدان، لرددته إلي حاله؛ فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق».

لقد تحدَّث الإمام بإسهاب في خطاب تفصيليّ ألقاه في ذلک اليوم عن مسؤوليّة قادة المجتمع في بسط العدالة الاجتماعيّة، وأعلن بوضوح أنّه لن يسمح لأحدٍ- دون استثناء- من استغلال المال العامّ، وأنّ اُولئک الذين راکموا ثرواتهم عبر غصب المال العامّ وحصلوا- عن هذا الطريق- علي الأراضي الخصبة (القطائع) والخيول المسوّمة والجواري الحسان، سيعمد علي إلي مصادرة هذه الثروات المغصوبة بأجمعها وردّها إلي بيت المال.

کان هذا الحديث لأمير المؤمنين عليه السلام بمنزلة الصاعقة التي نزلت علي رؤوس من يعنيهم الأمر، حيث راحت أصداء مواجهة نداء العدالة العلويّة تتجسّد في معارضة شخصيّات معروفة لحکم الإمام.

وفي اليوم الثالث من أيّام عهد الإمام دعا الناس إلي استلام أعطياتهم من بيت المال، حيث أمر عليه السلام کاتبه عبيد اللَّه بن أبي رافع أن يسير علي النهج التالي: «ابدأ بالمهاجرين فنادِهم وأعطِ کلّ رجلٍ ممّن حضر ثلاثة دنانير، ثمّ ثَنِّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلک، ومَن حضر من الناس کلّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلک».

أدرک سُراةُ القوم وکبراؤهم أنّ العدالة الاقتصاديّة في ظلال حکم عليّ عليه السلام ليست شعاراً وحسب، بل هي نهج جادّ لا محيد عنه، فراحوا يتحجّجون ويتبرّمون أمام کاتب الإمام، وأبدَوا تذمّرهم من ذلک، فما کان من ابن أبي رافع إلّا أن رفع الأمر إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، فلم يُفاجأ الإمام بانطلاق شرارة المعارضة والرفض من قبل الشخصيّات المرموقة، ليس هذا وحسب، بل أعلن بجزم عن

[صفحه 17]

إدامة النهج الإصلاحي، وهو يقول: «واللَّه إن بقيت وسلمت لهم لأقيمنّهم علي المحجّة البيضاء».

من هذه البؤرة بالذات بدأت مسألة الطلب بثأر عثمان من الإمام! والذي يبعث علي التأمّل أنّ بعض أصحاب الثروات کانوا قد قيّدوا بيعتهم للإمام بشرطين؛ الأوّل: أن لا يقترب الإمام من ثرواتهم التي کانوا جنوها علي عهد عثمان، والثاني: أن يقتصّ من قتلة عثمان.

لقد کان الإمام يعلم أنّ مسألة إنزال القصاص بقَتَلة عثمان لم تکن أکثر من ذريعة لعدم استرداد الثروات غير المشروعة لهؤلاء، بيدَ أنه لم يُذعن إلي أيٍّ من هذين الشرطين، وواجه- بحزم وصلابة- الاقتراحات التساوميّة.



صفحه 16، 17.





  1. العناوين التي أشرنا ونشير إليها هنا سيرد ذکرها بالتفصيل لاحقاً.