تعليم الجيش











تعليم الجيش



1743- الإمام عليّ عليه السلام- من وصيّته لزياد بن النضر حين أنفذه علي مقدِّمته إلي صفّين-: اعلم أنّ مقدّمة القوم عيونُهم، وعيونُ المقدّمة طلائعُهم، فإذا أنت خرجتَ من بلادک ودنوتَ من عدوِّک فلا تَسأم[1] من توجيه، الطلائع في کلّ ناحية، وفي بعض الشعاب والشجر والخَمَر،[2] وفي کلّ جانب، حتي لا يُغيرکم عدوّکم، ويکون لکم کمين.

ولا تُسيّر الکتائب والقبائل من لَدُن الصباح إلي المساء إلّا تعبية، فإن دهَمَکم

[صفحه 286]

أمر أو غشيکم مکروه کنتُم قد تقدّمتم في التعبية.

وإذا نزلتُم بعدوٍّ أو نزل بکم فليکن معسکرکم في أقبال الأشراف، أو في سفاح الجبال، أو أثناء الأنهار؛ کيما تکون لکم ردءاً ودونکم مردّاً. ولتکن مقاتلتکم من وجه واحدٍ واثنين.

واجعلوا رُقباءکم في صَياصي[3] الجبال، وبأعلي الأشراف، وبمناکب الأنهار؛ يريئون لکم؛ لئلّا يأتيکم عدوّ من مکان مخافةٍ أو أمن.

وإذا نزلتُم فانزلوا جميعاً، وإذا رحلتم فارحلوا جميعاً، وإذا غشيکم الليل فنزلتم فحفّوا عسکرکم بالرماح والترسة، واجعلوا رُماتَکم يَلوون ترستکم؛ کيلا تصاب لکم غرّة، ولا تلقي لکم غفلة.

واحرس عسکرک بنفسک، وإيّاک أن ترقد أو تصبح إلّا غِراراً[4] أو مَضْمَضة.[5] ثمّ ليکن ذلک شأنک ودأبک حتي تنتهي إلي عدوّک.

وعليک بالتأنّي في حربک، وإيّاک والعجلة إلّا أن تمکنک فرصةٌ. وإيّاک أن تقاتل إلّا أن يبدؤوک، أو يأتيک أمري. والسلام عليک ورحمة اللَّه.[6] .

1744- عنه عليه السلام:- ومن وصية له عليه السلام لمعقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلي الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له- اتق اللَّه الذي لابد لک من لقائه ولا منتهي لک دونه. ولا

[صفحه 287]

تقاتلن إلّا من قاتلک. وسر البردين. وغور بالناس. ورفه بالسير. ولا تسر أول الليل فإن اللَّه جعله سکنا وقدره مقاما لا ظعنا. فأرح فيه بدنک وروح ظهرک. فإذا وقفت حين ينبطح السحر أو حين ينفجر الفجر فسر علي برکة اللَّه. فإذا لقيت العدو فقف من أصحابک وسطا، ولا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس حتي يأتيک أمري، ولا يحملنکم شنآنهم علي قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم.[7] .

1745- عنه عليه السلام- من کتاب له عليه السلام إلي بعض اُمراء جيشه-: فإن عادوا إلي ظلّ الطاعة فذاک الذي نحبّ، وإن تَوافَت الاُمور بالقوم إلي الشقاق والعصيان فانهَدْ[8] بمن أطاعک إلي من عصاک، واستغنِ بمن انقادَ معک عمّن تقاعس عنک؛ فإن المُتکارِه مغيبُه خيرٌ من مشهَدِهِ، وقعودُه أغني من نهوضه.[9] .

1746- عنه عليه السلام: إن زحف العدوّ إليکم فصفّوا علي أبواب الخنادق، فليس هناک إلّا السيوف، ولزوم الأرض بعد إحکام الصفوف، ولا تنظروا في وجوههم، ولا يَهُولنّکم عددهم، وانظروا إلي أوطانکم من الأرض. فإن حملوا عليکم فاجثُوا علي الرکب، واستتروا بالأترسة، صفّاً محکماً لا خَلَلَ فيه، وإن أدبَروا فاحملوا عليهم بالسيوف، وإن ثبتوا فاثبتُوا علي التعابيّ، وإن انهزموا فارکبوا الخيل واطلبوا القوم.[10] .

1747- عنه عليه السلام: إن کانت- وأعوذ باللَّه- فيکم هزيمةٌ فتداعَوا، واذکروا اللَّه وما

[صفحه 288]

توعَّد به من فرَّ من الزحف، وبکّتوا[11] من رأيتُموه ولَّي. واجمَعُوا الأَلوية، واعتقدوا. وليسرع المخفون في ردّ من انهزم إلي الجماعة وإلي المعسکر، فليَنفر من فيه إليکم، فإذا اجتمع أطرافُکم، وأتَت أمدادُکم، وانصرف فَلُّکم، فألحقوا الناس بقوّادهم، وأحکموا تعابيهم، وقاتلوا، واستعينوا باللَّه، واصبروا؛ وفي الثبات عند الهزيمة، وحَمل الرجل الواحد الواثق بشجاعته علي الکتيبة، فضلٌ عظيم.[12] .

1748- تاريخ دمشق عن ابن عبّاس: عُقم النساء أن يأتينَ بمثل أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، واللَّه، ما رأيتُ ولا سمعتُ رئيساً يوزن به، لرأيته يوم صفّين وعلي رأسه عمامة قد أرخي طرفيها، کأنّ عينيه سراجا سليطٍ، وهو يقف علي شرذمة يحضّهم، حتي انتهي إليَّ وأنا في کنف من الناس فقال:

معاشر المسلمين! استشعروا الخشية، وغضّوا الأصوات، وتجَلبَبوا السکينةَ، وأعمِلوا[13] الأسنّة، وأقلقوا[14] السيوفَ قبل السلّة، وأطعنوا الرخر،[15] ونافحوا بالظبا، وصِلوا السيوفَ بالخطا، والنبالَ بالرماح، فإنّکم بعين اللَّه ومع ابن عمّ نبيّه صلي الله عليه و آله.

عاودوا الکَرّ، واستحيوا من الفرّ؛ فإنّه عارٌ باقٍ في الأعقاب والأعناق، ونارٌ

[صفحه 289]

يوم الحساب. وطيبوا عن أنفسکم أنفساً، وامشوا إلي الموت أسححاً.[16] وعليکم بهذا السواد الأعظم، والرواق المطيّب،[17] فاضربوا ثَبَجه؛[18] فإنّ الشيطان راکب صعبه، ومفرش ذراعيه، قد قدّم للوثبة يداً، وأخّر للنکوص رِجلاً، فصَمْداً صَمْداً حتي يتجلّي لکم عمود الدين: «وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللَّهُ مَعَکُمْ وَ لَن يَتِرَکُمْ أَعْمَلَکُمْ».[19] .

1749- الإمام عليّ عليه السلام: لا تميلوا براياتکم، ولا تزيلوها، ولا تجعلوها إلّا مع شجعانکم؛ فإنّ المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ... واعلموا أنّ أهل الحفاظ هم الذين يحفّون براياتهم، ويکتنفونها، ويصيرون حفافَيها، ووراءها، وأمامها، ولا يُضيّعونها، لا يتأخّرون عنها فيُسلِموها، ولا يتقدّمون عليها فيُفردوها.[20] .



صفحه 286، 287، 288، 289.





  1. سَئِمَ منه: مَلّ (لسان العرب: 280:12).
  2. الخَمَر: ما واراک من الشجر والجبال ونحوها (لسان العرب: 256:4).
  3. صَياصي الجبال: أطرافُها العالية (مجمع البحرين: 1063:2).
  4. الغِرار: النوم القليل، وقيل: هو القليل من النوم وغيره (لسان العرب: 17:5).
  5. ولا تذوقوا النوم... لمّا جعل للنوم ذوقاً أمرهم أن لا ينالوا منه الّا بألسنتهم ولا يسيفوه فشبهه بالمضمضة بالماء وإلقائه من الفم من غير ابتلاع (لسان العرب: 234:7).
  6. تحف العقول: 191، نهج البلاغة: الکتاب 11، وقعة صفّين: 123 عن يزيد بن خالد بن قَطَن؛ الأخبار الطوال: 166 کلّها نحوه.
  7. نهج البلاغة: الکتاب 12.
  8. المناهَدَة في الحرب: المُناهَضة، ونَهَدَ إلي العدوّ يَنْهَد: نهض (لسان العرب: 429:3).
  9. نهج البلاغة: الکتاب 4، بحارالأنوار: 46:67:32؛ تذکرة الخواص: 166.
  10. دعائم الإسلام: 373:1.
  11. التبکيت: کالتقريع والتعنيف (لسان العرب: 11 2).
  12. دعائم الإسلام: 373:1.
  13. في تاريخ دمشق «ترجمة الإمام عليّ عليه السلام» تحقيق محمد باقر المحمودي: «وأعلِموا» (1191:145:3).
  14. أقلقَ الشي ءَ من مکانه وقَلَقَه: حرّکه (لسان العرب: 324:10).
  15. کذا في المصدر، وفي نهج البلاغة: «واطعُنوا الشَّزْرَ».
  16. کذا في المصدر، وفي نهج البلاغة: «سُجُحاً». ومِشيَة سُحُج: أي سهلة (لسان العرب: 475:2).
  17. کذا في المصدر، وفي نهج البلاغة: «المطنّب» وهو أنسب.
  18. الثَّبَج: الوسط، وما بين الکاهل إلي الظهر (لسان العرب: 220:2).
  19. محمّد: 35، تاريخ دمشق: 460:42، مروج الذهب: 389:2، عيون الأخبار لابن قتيبة: 110:1؛ نهج البلاغة: الخطبة 66 وفيه من «معاشر المسلمين...»، خصائص الأئمّة عليهم السلام: 75، بشارة المصطفي: 141 کلّها نحوه.
  20. الکافي 4:39:5 عن مالک بن أعين، بحارالأنوار: 468:563:32 وراجع نهج البلاغة: الخطبة 124.