رفع اختلاف القضاة في الأحكام











رفع اختلاف القضاة في الأحکام



1668- الإمام عليّ عليه السلام- في عهده إلي مالک الأشتر-:... ثمّ حملة الأخبار لأطرافک قضاة تجتهد فيهم نفسه، لا يختلفون ولا يتدابرون في حکم اللَّه وسنّة

[صفحه 260]

رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؛ فإنّ الاختلاف في الحکم إضاعة للعدل وغرّة في الدين وسبب من الفرقة. وقد بيّن اللَّه ما يأتون وما ينفقون، وأمر بردّ ما لا يعلمون إلي من استودعه اللَّه علم کتابه، واستحفظه الحکم فيه، فإنّما اختلاف القضاة في دخول البغي بينهم واکتفاء کلّ امرئ منهم برأيه دون من فرض اللَّه ولايته، ليس يصلح الدين ولا أهل الدين علي ذلک. ولکن علي الحاکم أن يحکم بما عنده من الأثر والسنّة، فإذا أعياه ذلک ردّ الحکم إلي أهله، فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين ليس له ترک ذلک إلي غيره.

وليس لقاضيين من أهل الملّة أن يقيما علي اختلاف في الحکم دون ما رَفْع ذلک إلي وليّ الأمر فيکم فيکون هو الحاکم بما علّمه اللَّه، ثمّ يجتمعان علي حکمه فيما وافقهما أو خالفهما، فانظر في ذلک نظراً بليغاً؛ فإنّ هذا الدين قد کان أسيراً بأيدي الأشرار، يُعمل فيه بالهوي، وتطلب به الدنيا.

واکتب إلي قضاة بلدانک فليرفعوا إليک کلّ حکم اختلفوا فيه علي حقوقه. ثمّ تصفّح تلک الأحکام؛ فما وافق کتاب اللَّه وسنّة نبيّه والأثر من إمامک فأمضه واحملهم عليه. وما اشتبه عليک فاجمع له الفقهاء بحضرتک فناظرهم فيه، ثمّ أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتک من المسلمين؛ فإنّ کل أمر اختلف فيه الرعيّة مردود إلي حکم الإمام، وعلي الإمام الاستعانة باللَّه، والاجتهاد في إقامة الحدود، وجبر الرعيّة علي أمره، ولا قوّة إلّا باللَّه.[1] .

1669- عنه عليه السلام- في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا-: ترد علي أحدهم القضيّة في حکم من الأحکام فيحکم فيها برأيه، ثمّ ترد تلک القضيّة بعينها علي غيره فيحکم

[صفحه 261]

فيها بخلاف قوله، ثمّ يجتمع القضاة بذلک عند الإمام الذي استقضاهم، فيصوّب آراءهم جميعاً وإلههم واحد! ونبيّهم واحد! وکتابهم واحد!

أفأمَرهم اللَّه سبحانه بالاختلاف فأطاعوه! أم نهاهم عنه فعصوه! أم أنزل اللَّه سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم علي إتمامه! أم کانوا شرکاء له، فلهم أن يقولوا، وعليه أن يرضي! أم أنزل اللَّه سبحانه ديناً تامّاً فقصّر الرسول صلي الله عليه و آله عن تبليغه وأدائه، واللَّه سبحانه يقول: «مَّا فَرَّطْنَا فِي الْکِتَبِ مِن شَيْ ءٍ»[2] وفيه تبيانٌ لکلّ شي ءٍ، وذکر أنَّ الکتاب يصدّق بعضه بعضاً، وأنَّه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: «وَلَوْ کَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَفًا کَثِيرًا»[3] وإنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفني عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولاتُکشف الظلمات إلّا فيه.[4] .



صفحه 260، 261.





  1. تحف العقول: 136، بحارالأنوار: 1:251:77.
  2. الأنعام: 38.
  3. النساء: 82.
  4. نهج البلاغة: الخطبة 18، الاحتجاج: 142:620:1، بحارالأنوار: 1:284:2.